الغريزة الجنسية طاقة موجودة لدى البشر لتؤدي وظيفة حيوية ومصيرية، وهى التكاثر وعمران الأرض، شريطة أن تتم في إطارها الصحيح وبصورتها الصحيحة، ولكن نتيجة لبعض العوامل تتجه هذه الطاقة الجنسية اتجاهات مخالفة للمألوف، ويظهر ما يعرف بالشذوذ الجنسي الذي تفشى بين الرجال والنساء.
وعلى الرغم من اختلاف الأطباء النفسيين في تحديد الأسباب الحقيقية للشذوذ فإنهم اتفقوا جميعا على حقيقة وجوده.. وفي تحد كبير منه افتتح الطبيب المصري "أوسم وصفي" أول عيادة طبية من نوعها في القاهرة لعلاج الشذوذ الجنسي بين الرجال والنساء.
وأشار موقع "العربية.نت" في تقرير نشره مؤخرا، أن الطبيب المصري قد واجه انتقادات شديدة بعد الافتتاح، حيث اتهم بأنه شاذ جنسيا ويتخذ العيادة وسيلة للتعرف على مثليين آخرين، فيما حاول بعض المثليين توظيفها للتعارف وتبادل العلاقات.
وذكر الطبيب المصري أن اختياره لعلاج هذه الحالات نابع من تحقير المجتمع لهم على الرغم من أن الكثيرين منهم يحاولون البحث عن وسيلة للشفاء، لذلك فهو راغب في تقديم يد العون لهم وكف المجتمع عن تحقيرهم والتشهير بهم.
سلاح ذو حدين
ولكن ما أهمية وخطورة وجود عيادة من هذا النوع؟ يقول د. محمد المهدي رئيس قسم الطب النفسي – كلية طب دمياط – جامعة الأزهر أن المشكلة في إنشاء هذا النوع من العيادات هو وصمة العار التي ستلحق بأي شخص يتردد عليها؛ حيث ستلصق به وصمة الشذوذ؛ لذلك من الأفضل أن يتم علاج مرض الشذوذ الجنسي ضمن فئات أخرى من الأمراض في العيادة النفسية.
ويضيف أن هناك خطرًا آخر، وهو أن يلتقي الشواذ بعضهم ببعض، وهو ما يحدث أحيانا في العيادات النفسية؛ لذلك من الأهمية بمكان حتى نعالج هذا الخطر أن يكون المكان كله تحت السيطرة والمراقبة الدائمة.
ويختلف د. عمرو أبو خليل، طبيب نفسي ومستشار اجتماعي بشبكة إسلام أون لاين. نت، مع الرأي السابق حيث يقول إن الاتجاه العام في كثير من الفروع هو التخصص؛ لذلك فتخصص الطبيب لعلاج الشذوذ وتفرغه الكامل لذلك هو فكرة جيدة، ولكن لا بد من توافر عدد من الشروط، وهي أن يكون المعالج طبيبا نفسيا لدية حنكة وخبرة للقيام بمثل هذا الأمر ويعالج طبقا للقيم الشرقية التي تؤكد أن الشذوذ سلوك منحرف لا بد من علاجه وإصلاحه، عكس العلاج على القيم الغربية التي تساعد الشواذ على تقبل أنفسهم كما هم.
وتقول د. داليا مؤمن، مدرس علم النفس المساعد بكلية الآداب، جامعة عين شمس: إن وجود هذا النوع من العيادات له من المميزات كما له من العيوب، فعيوبه مثلا هي أنه بمجرد دخول المريض إلى العيادة فسيتعرف الناس فورا على مرضه وبالتالي تلصق به وصمة الشذوذ، مشيرة إلى أن المرض النفسي في مجتمعاتنا يعتبر وصمة فما بالك بمن يعاني من الشذوذ.
وتضيف: أما الميزة فهو أن هناك متخصصين متفرغين لمساعدة هؤلاء ولديهم خبرة في هذا المجال، مؤكدة في نفس الوقت أن مرض الشذوذ يحتاج إلى طبيب نفسي لديه خبرة شمولية ولا يقتصر في تخصصه على معالجة الأمراض الجنسية فقط؛ لأن المشكلة ليست في علاج الشذوذ في حد ذاته ولكن فيما وراءه.
هل الشذوذ مرضًا؟
ويذكر أنه أمام الضغوط الكبيرة التي مارستها الجمعيات والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان وتكتلات المثليين التي أصبحت متواجدة على أعلى المستويات تم إلغاء مرض "الشذوذ الجنسي" من التقسيم الحديث للأمراض النفسية في العام 1973 بناء على توصية من عالم الطب النفسي "روبرت سبتزر"، وبات الشذوذ في المفهوم الغربي مجرد ميل طبيعي وحق من حقوق الإنسان، وعلى هذا يعلق د. محمد المهدي قائلا إن هذا مقبول في المجتمعات الغربية، ولكن الأمر مرفوض دينيا واجتماعيا في المجتمع الشرقي.
ويضيف د. مهدي أن الشذوذ قد ينظر إليه على أنه أحد أمرين؛ إما مرض أو انحراف سلوكي، مشيرا إلى أنه في حالة المرض يعاني الشخص الشاذ مما هو فيه وتتكون لديه رغبة ملحة في التخلص منه، وحينها علينا مساعدته، أما في حالة الانحراف السلوكي فيكون الشخص مستمتعًا وراضيًا عما يفعل وحينها يستحق العقاب.
ومن ناحيتها تضع د. داليا مؤمن الشذوذ في قائمة الأمراض النفسية موضحة أنه نوع من أنواع الاضطرابات التي تحتاج إلى علاج؛ لأن الطبيعي أن الرجل يميل للأنثى والعكس، إلا أن هناك عوامل كثيرة – كالاعتداءات الجنسية – مثلا هي التي تدفع إلى مثل هذا الاضطراب الذي يحتاج إلى علاج.
أما د.عمرو أبو خليل فلا يتفق مع القائلين إن الشذوذ مرض؛ حيث يؤكد أنه انحراف سلوكي، معللا ذلك بأن المرض معناه أن صاحبه غير مسئول عنه، ولا دخل له فيما يحدث له، ولكن هذا لا يوجد في حالات الشذوذ الجنسي، مضيفا أن علاج الشذوذ الذي يتم تحت إشراف الطبيب النفسي هو أصلا علاج سلوكي وليس علاجًا دوائيًا.
علاج الشذوذ
اعتبر الغرب الشذوذ الجنسي أمرًا طبيعيًا لا دخل للإنسان فيه؛ لذلك فالتعامل مع الشاذ جنسيًّا، رجلاً كان أو امرأة، هو تقليل الضغوط النفسية عليه، وذلك حتى يقبل نفسه في مواجهة رفض المجتمع له مع استمراره في سلوكه الشاذ طالما أنه راضٍ عنه.
ويختلف الوضع كثيرا في المجتمع الشرقي، فالأمر مرفوض تماما، ولا بد من مساعدة الشخص على التخلص مما هو فيه، وفي ذلك يقول د. عمرو أبو خليل عندما يأتي الشاذ طالبا العلاج لا بد لنا في البداية من تحديد طبيعة مشكلته بدقة ودرجة الخطورة، وبناء عليه نبدأ مرحله العلاج السلوكي، وهو علاج يأخذ وقتًا طويلا.. مشيرا إلى أن هناك العديد من حالات علاج الشذوذ التي نجحت؛ لأن هناك صبرا وإرادة ودافعا قويا لدى المريض للخروج مما هو فيه.
وهذا ما أكده د. محمد المهدي حيث أشار إلى أن علاج الشخص غير المتوافق مع الشذوذ يأخذ وقتًا طويلا، ويتم عبر مراحل عديدة بدايتها تكون بمطالبة المريض بالتوقف عن ممارسة الشذوذ نهائيا، وفي هذه المرحلة يحاول الطبيب مساعدة مريضه بالعلاج الدوائي والنفسي.
ويضيف: تأتي بعد ذلك المرحلة الثانية وهي مرحلة التخلص من الميول الشاذة نهائيا وتحويلها إلى ميول طبيعية، وفي هذه المرحلة يستخدم الطبيب أيضا العلاج الدوائي والنفسي حتى يسيطر على كل الميول الشاذة، وحتى لا يعود المريض مرة أخرى إلى ممارسة الشذوذ