السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بادئ ذي بدء نحمد الله سبحانه ونشكره فله الحمد كله وله الشكر كله كما ينبغي لجلاله وعظمته. فقد أنعم على هذه الأمة المحمدية بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى.
يقال هذا ونحن نلج هذه الأيام في عشر ذي الحجة التي وضع معلمها الكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث الصحيح المشهور: ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قال رجل: ولا الجهاد في سبيل الله ، قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء ).
هنا المعلم الكبير يفرض سؤالاً كبيراً وهو: هل الأعمال الصالحة تتفاوت من حيث أجرها نوعاً وعدداً ؟ وهل يقدم بعضها على بعض من اختلاف الزمان والمكان والحال ؟ وكيف يرتبها المسلم لينال أعلاها وأعظمها وأكثرها أجراً؟.
وبلا شك أن هذه أسئلة غاية في الأهمية لعظم النتائج المترتبة عليها.
وللإجابة عليها أورد تلك الإجابة بالتسلسل الآتي:-
أولاً: ماهية العمل الصالح هو الذي جمع بين أمرين عظيمين بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى هما:
تحرير هذا العمل لله وحده، وتخليصه من جميع الشوائب التي تعكر خلوصه لله سبحانه وتعالى فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصاً له وحده، فليتنبه العاقل الحصيف، قال تعالى: ( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) الزمر3.
أن يكون هذا العمل وفق الدليل الشرعي من كتاب أو سنة ، فلا زيادة ولا نقصان ، حدد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من عمل عملاً ليس علينا أمرنا فهو رد ).
ثانياً: من فضل الله تعالى أن الأماكن تتفاوت من حيث فضلها فالمساجد بيوت الله وهي أفضل من غيرها، والمساجد الثلاثة ( المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى ) أفضل المساجد، ومن فضلها مضاعفة أجر الصلاة فيها فالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، والمسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه، والمسجد الأقصى بخمسمائة صلاة فيما سواه، كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام، كما أن الحرم بعامة يفضل عن غيره وله أحكامه تخصه ومنها أن معظم شعائر الحج تنقضي فيه.
كما أن الأزمنة تتفاوت من حيث فضلها وعظم أجر العمل الصالح فيها فشهر رمضان أفضل الشهور، وأيام عشر ذي الحجة أفضل الأيام، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع.
* * *
وعلى هذا يتأكد على المسلم الحق أن يعيد برمجة أعماله في هذه ( الأمكنة، والأزمنة الفاضلة ) ويقدم بعضها على بعض مما يفضل على غيره.
ثالثاً: أن الأحوال تختلف في عظم أجرها ونتائجها فحال الصيام يختلف عن الفطر، وحال السفر تختلف عن حال الإقامة، وحال المرض والضعف تختلف عن الصحة والقوة.
وعلى هذا فالعبادات مع اختلاف الأحوال متفاوتة، والعاقل من ينظر إليها ليقدم الأولى على غيره، ومثال ذلك فالشكر أولى حال الغنى، والصبر أولى حال الفقر، ولكل حال من الأحوال عبادة تتقدم على غيرها كل ذلك: خلاف الأعمال الواجبة المتينة على الفرد وجوباً عينياً أو كفائياً.
رابعاً: ومما ينبغي إدراكه هنا أن الأعمال الصالحة تنقسم إلى قسمين من حيث تعدي نفعها والمراد بها:-
الأول: العمل الصالح الذي يكون المقصود منه صاحبه ولا يتجاوزه إلى غيره إلا على سبيل الاقتداء لمن رآه، مثل: الصلاة وقيام الليل، وقراءة القرآن الكريم، والذكر، وتعلم العلم، وغيرها.
الثاني: أن يكون المقصود بالنفع الآخرين مثل تعليم العلم، وإقراء القرآن الكريم، والصدقة، والانفاق في وجوه الخير المتعددة، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، والهدية، والعطية، وإجراء الماء، وأنواع الإغاثة وغيرها.
وعلى هذا فمن الخير والحصافة ترتيب الأعمال وفق تنوعها بحسب ما يكون مقوّما للإنسان ذاته, ثم أن يأخذ من كل عمل نصيباً، فيسجل في سجلاته أنواعاً من الأعمال الصالحة.
خامساً: إذا علم ما سبق، وحسن تصوره، وأدرك المسلم شخصيته وعرف قدراته، ومواضع الإجادة لديه أن يرتب أعماله حسب شرف الزمان ، والمكان ، والحال، والقدرات، ونوع العمل ويقال هذا: ونحن ندلف إلى هذه العشر المباركة، التي جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولوية فيها إلى العمل الصالح المقدم على الجهاد في سبيل الله تعالى رغم فضيلة الجهاد وعظم أجره وأثره لكن في هذه العشر يقدم العمل الصالح ،
وهنا أسرد جملة من الأعمال ورد التأكيد عليها بخصوصها ليرتبها المسلم حسب ما ذكر في الأسطر الماضية :· تجديد التوبة لله عز وجل .
· المحافظة على الفرائض وبخاصة الصلاة في أوقاتها .
· صيام الأيام التسعة وبخاصة يوم عرفة لما ورد أنه يكفر سنتين .
· الذكر وبخاصة التكبير المطلق الذي لا يتقيد بوقت والإكثار منه كما ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أنهم يخرجون إلى السوق فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم .
· ويقاس عليه بقية الأذكار ، وقراءة القرآن الكريم ، والدعاء .
· بر الوالدين والإحسان إليهم .
· الإحسان إلى الأسرة والزوجة والأولاد وتذكيرهم بعظم هذه الأيام .
· الإحسان إلى الآخرين بالصدقة والهدية والعطية وغيرها .
· تذكير الناس وإرشادهم لما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة .
· التقرب إلى الله بذبح الأضاحي اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ففيها أجر عظيم كما ورد في مجمل النصوص النبوية .
· الحج لمن استطاع فهو ماح للذنوب ومكفر للخطايا ورافع للدرجات ومدخل للجنة .
وغيرها من الأعمال الصالحة ، وكل بحسبه ووضعه
سادساً : لينظر كل الى نفسه فيمكن أن يقدم من الأعمال ما يجد نفسه مرتاحاً إليه ، ومقبلا عليه ، فقد يفضل العمل بالنسبة لشخص أكثر من أخر ، فلا يقلد الآخرين ، وإنما يجتهد حسب طاقته .
سابعاً : الحذر من مبطلات الأعمال ومنها :
1_ كثرة المعاصي والإصرار عليها .
2_ العجب بالنفس وبالعمل .
3_ طلب الرياء أو أن يقصد مقاصد الدنيا بالأعمال الصالحة .
4_ المنة على الله سبحانه بأي عمل الأعمال ، وتعاظم العمل .
5_ دعاء غير الله تعالى وطلب الغوث والمدد منه .
وغيرها ..
ثامناً : ممايعين على ترتيب الأولويات وبخاصة في هذه المواسم .
1_ معرفة الإنسان لنفسه وماذا يقبل عليه .
2_ التخطيط المسبق وكتابة الأعمال
3_ الدعاء والإلحاح فيه .
4_ وضع الواجبات في موضعها الصحيح فلا تقدم النافلة على الواجب
5_ الهدوء في العمل .
6_ حسن التصور لما سيقوم به الإنسان من عمل .
7_ كثرة الاستغفار والذكر .
8_ لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد مهما كان .
9_ الاستشارة لمن لا يستطيع وضع الأولويات في موضعها السليم .
10_ القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم ، وسير السلف الصالح .
نسأل الله تعالى أن يعين الجميع ويوفقهم لأعظم الأعمال ، ويسددهم ويجعل هذه العشر المباركة مباركة على جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وأن يوفق الحجاج لأداء نسكهم كما حج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في الأقوال والأعمال ، والسير على منهاج سيد الأنام ، والحمد لله أولا وآخراً .
صلى الله وسلم على نبينا محمد
صلى الله وسلم على نبينا محمد
امين و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على اله و صحبه اجمعين