أحق الناس بكلمة التقوى وأهلها كما قال تعالى {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } .
وقد أثنى الله عليهم فقال {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانا}.
وقال في سورة الفتح أيضاً {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} .
ومن رضي الله عنه لن يسخط عليه أبداً ولا يمكن موته على الكفر.
وقال تعالى في سورة التوبة {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
قال محمد بن زياد: قلت يوماً لمحمد بن كعب القرظي رضي الله عنه: ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم ؟، وأردت الفتن.
فقال: إن الله قد غفر لجميعهم محسنهم ومسيئهم، وأوجب لهم الجنة في كتابه، فقلت له: في أي موضع أوجب لهم؟ فقال : سبحان الله ألا تقرأ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ إلى آخر الآية فأوجب الله الجنة لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وقال: وشَرَطَ في التابعين شريطة وهي أن يتبعوهم في أعمالهم الحسنة دون السيئة. قال حميد: فكأني لم أقرأ هذه الآية قط . ( الرياض النضرة في مناقب العشر للطبري (1/33).
وقال تعالى {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ }.
وقال عز وجل { الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } . ولا خلاف أن الذين استجابوا لله والرسول هم المهاجرون والأنصار الذين حضروا معه صلى الله عليه وسلم وقعة أحد، أجابوا في ثاني يومها حين دعاهم إلى الخروج وراء قريش.
وقال تعالى { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} . فالذين أخرجوا من ديارهم هم المهاجرون ، {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ } هم الأنصار .
قال القرطبي: هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة لأنه جعل لمن بعدهم حظاً في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم. ( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/6511).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس خير ؟. قال : قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته". رواه ابن ماجة بسند صحيح.
أخبر صلى الله عليه وسلم أن المد من أحدهم أفضل من مثل جبل أحد ذهباً ممن بعدهم .عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ". رواه ابن ماجة بسند صحيح .
وعن أبى بريدة عن أبيه قال: رفع صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال : "النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" . رواه مسلم وأحمد.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم.
عن ابن عمر رضي الله عنهم قال: كان أصحاب رسول الله خير هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله عز لصحبة نبيه ونقل دينه.
من هو الصحابي ؟.
الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإسلام سواء طالت مجالسته للنبي صلى الله عليه وسلم أو قصرت، ومن روى عنه أو لَم يرو، ومن لَمْ يره لعارض كالعمى .
ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك ، إذا لَمْ يجتمع به مرة أخرى.
وخرج بقولنا "ومات على الإسلام" من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ومات على ردته .
قال البخاري في صحيحه: ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه . (فتح الباري 7/3).
أفضل الصحابة
أفضلهم الخلفاء الراشدون .عن سفينة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك ". قال سفينة : أمسك ، خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين ، وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين ، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثني عشر سنة ، وخلافة علي رضي الله عنه ست سنين . رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
ــــ فأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه. ومما ورد في مناقبه وفضله :
ما رواه الشيخان في صحيحهما عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة فقعد على المنبر ثم حمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أمنَّ علي بنفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبى بكر".
و عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فكلمته في شيء فأمرها أن ترجع إليه، قالت يا رسول الله أرأيت إن رجعت فلم أجدك؟ كأنها تعنى الموت، قال : "إن لم تجديني فأتي أبا بكر" . رواه البخاري والترمذي .
ـــ أما عمر رضي الله عنه فمما ورد في فضله ومناقبه :
ما رواه الشيخان عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه كان فيما خلا قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب" .
وأخرج البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه قال : وافقت ربي في ثلاث : قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ؟. فنزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . وآية الحجاب ، قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب .واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزوجاً خيراً منكن } فنزلت هذه الآية . رواه البخاري ومسلم .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه" . رواه أحمد والترمذي .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : وُضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم ، فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائى ، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال : ما خلفت أحداً أحب إليَّ أن ألقى الله عز وجل بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن ليجعلنك الله مع صاحبيك، وذلك لأني كنت ما أكثر ما أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فذهبت أنا وأبو بكر وعمر" فإن كنت لأظن ليجعلنك الله معهما. رواه البخاري ومسلم .
ــــ أما القانت ذو النورين، والخائف ذو الهجرتين، والمصلي إلى القبلتين، عثمان بن عفان رضي الله عنه . فمما ورد في مناقبه :
قول النبي صلى الله عليه وسلم : "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة". رواه مسلم .
عن كعب بن عجرة قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر فتنة فقربها ، فمر رجل متقنع فقال: هذا يومئذ على الهدى، قال: فاتبعته حتى أخذت بضبعيه فحولت وجهه إليه وكشفت عن رأسه فقلت : هذا يا رسول الله؟ قال : نعم فإذا هو عثمان ابن عفان . رواه أحمد وابن ماجة.
عن عبد الرحمن بن سمرة قال : "جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، قال : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها وهو يقول، "ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم، يردد ذلك مراراً" . رواه أحمد والترمذي .
ــــ أما علي بن أبي طالب ليث بني غالب ، أبو تراب الأواه الأواب ، رضي الله عنه. فمما ورد في مناقبه :
عن ذر بن حبيش قال: سمعت علياً يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إليَّ أنه "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق". رواه مسلم والنسائي .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : "لأعطين الراية غدا رجلاً يفتح الله على يديه". قال : فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال : "أين علي بن أبي طالب؟" فقالوا : يشتكي عينيه يا رسول اله . قال : "فأرسلوا إليه فأتوني به". فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية… إلى أن قال :" فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" . متفق عليه .
قال معاوية ابن أبى سفيان لضرار بن حمزة : صف لي علياً فقال : أو تعفيني : قال: بل تصفه. فقال : أو تعفيني . قال : لا أعفيك قال: أما إن لابد فإنه كان بعيد المدى شديد القوى يقول: فصلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة ، يقلب كفه ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا؛ يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له ، ولا نبتديه تعظيماً له ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤة المنظوم، يعظم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوى في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، وكأني أسمعه وهو يقول : يا دنيا ألي تعرضت أم لي تشوفت؟ هيهات غري غيري ، قد بتتك ثلاثاً فلا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير، وخطرك كبير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.قال : فذرفت دموع معاوية فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترفأ عبرتها ولا يسكن حزنها.( التبصرة لابن الجوزي 1/ 442 ، 445) .
وبعد الراشدين الأربعة يأتي بقية العشرة ثم أهل بدر وأهل الشجرة
ثم عامة الصحابة ممن أسلموا قبل الفتح وقاتلوا ثم من أسلموا بعد الفتح وقاتل .
وبالجملة نتقرب إلى الله بحبهم ، ومن له قرابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمحبته أكثر للقرابة والمنزلة دون طعن أو نقص في بقية أصحابه .
وإذا أحببنا غير الأفضل أكثر من محبة الأفضل لأمر دنيوي كقرابة وإحسان ونحوه فلا تناقض في ذلك ولا امتناع .
ويكفى لبيان فضلهم أن الله عز وجل جعلهم شهداء على الناس يوم القيامة كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدعى نوح يوم القيامة فيقول : لبيك وسعديك يا رب. فيقول: هل بلغت فيقول : نعم. فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فتقول: ما أتانا من نذير. فيقول : من يشهد لك؟ فيقول : محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليهم شهيدا. فذلك قوله عز وجل { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } .
بعد هذا الثناء والتزكية من الله ورسوله للصحابة رضي الله عنهم ، هل يعقل أن يسبهم أحد؟.
قيل لليهود : من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى : من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل لبعض من ينتسبون إلى الإسلام : من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب مُحمَّد صلى الله عليه وسلم ، ولَمْ يستثنوا منهم إلا القليل.
إن سب الصديق طعن في اختيار الله عز وجل له صاحباً وصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة .
فالله تعالى جعل جسده بجوار الجسد الشريف حتى تتم الصحبة كذلك في البرزخ.
وسبه طعن وتكذيب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لو اتخذت من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام ومحبته ".
من الكفر من يعتقد أن الله أقر الظالمين ومكن الكافرين من دينه وشرعه وكتابه الذي تكفل سبحانه وتعالى بحفظه فقال { إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
ومن الكفر الاعتقاد بأن الله أثنى ومدح شرار الخلق وجعل سفلة الناس خير أمة أخرجت للناس ، وأظلم الناس أصحاب وأحباب خير البشر.
أليس من الضلال والكفر الزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بنات المنافقين والكافرين وأن عائشة وحفصة ظلتا في عصمته مع كفرهما حتى مات الرسول صلى الله عليه وسلم في حُجرة عائشة على صدرها بين سَحْرها ونَحرها ، كل هذا وهي وأبوها كافرين منافقين .
أين هم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غضب لغضب أبي بكر حتى جثا أبو بكر على ركبتيه وقال : أنا كنت أظلم يا رسول الله ، ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم : " هل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ " .
إن تكفير الصحابة رضي الله عنهم هدم للإسلام كله وإبطال لشريعته لأن الصحابة هم الذين نقلوا لنا كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولم يكتف البعض بذلك بل طعنوا في كتاب الله : يشككون في صحته ويسودون المطولات في إثبات تحريفه، وبلغت بهم الجرأة أن وضع احدهم كتاب " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ".
بعض ما ورد خلافة الصديق والفاروق رضي الله عنهما
روى الإمام أحمد وحسنه وابن ماجه عن حذيفة مرفوعاً : "اقتدوا باللذين من بعدى أبي بكر وعمر".
وقال صلى الله عليه وسلم : " سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر " . رواه ابن حبان .
قال العلماء فيه إشارة إلى خلافة الصديق رضي الله عنه ؛ لأن الخليفة يحتاج إلى القرب من المسجد لشدة احتياج الناس إلى ملازمته له للصلاة بهم وغيرها .
وروى الإمام مسلم وأحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمنٍ ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر".
بل ورد ما هو أصرح من ذلك ، فقد روى أبو داود بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في مرضه الذي مات فيه : "ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه أحد بعدي ، ثم قال : دعيه معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر".
حكم سب الصحابة رضي الله عنهم؟.
سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام بالكتاب والسنة :
أما الكتاب فللنصوص الكثيرة التي وردت في فضلهم والثناء عليهم والشهادة لهم بالجنة والمغفرة .
وأدنى أحوال الساب لهم أن يكون مغتاباً. قال سبحانه وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا. وقال تعالى وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا .
وأما السنة : فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه".رواه مسلم .
وعن عبد الله بن معقل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضاً من بعدي، من أحبهم فقد أحبني ، ومن أبغضهم فقد أبغضني ، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان .
وسب الصحابة رضي الله عنهم فيه تفصيل :
1- من سب الصحابة بالكفر والردة أو الفسق جميعهم أو معظمهم فلا شك في كفره لأمور منها:
أ- أن ذلك يقتضي أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وبذلك يقع الشك في القرآن والأحاديث لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول.
ب- لأن في ذلك إيذاءً له صلى الله عليه وسلم لأنهم أصحابه وخاصته فسب أصحاب المرء وخاصته والطعن فيهم يؤذيه ولا شك، وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم كفر كما هو مقرر.
ج- أن في هذا تكذيباً لما نص عليه القرآن من الرضى عنهم والثناء عليهم (فالعلم الحاصل من نصوص القرآن والأحاديث الدالة على فضلهم قطعي) ومن أنكر ما هو قطعي فقد كفر.
قال الهيثمي رحمه الله: (أما سب جميعهم، فلا شك في أنه كفر). ( الصواعق المحرقة 379 ) .
وقال الإمام مالك رحمه الله في قوله تعالى في سورة الفتح{مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ}.. إلى قوله:{لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ}؛ كفر من يبغضون الصحابة لأن الصحابة يغيظونهم ومن غاظه الصحابة فهو كافر، ووافقه الشافعي وغيره . ( الصواعق المحرقة، 317 / تفسير ابن كثير 4 / 204 ) .
ومن قرن بسبه دعوى أن علياً إله أو انه كان هو النبي ، وإنما غلط جبريل في الرسالة، فهذا لا شك في كفره ولا شك في كفر من توقف في تكفيره.
2- أما من سب بعضهم سباً يطعن في دينهم كأن يتهمهم بالكفر أو الفسق وكان مما تواترت النصوص بفضله (كالخلفاء الأربعة أو الشيخين) فقد كفر ومن سب غيرهم من الصحابة عُزر وأُدَّب ونُكل به .
روى أبو محمد بن أبى زيد عن سحنون قال: من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أنهم كانوا على ضلال وكفر قتل، ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل ذلك نكل النكال الشديد( الشفا للقاضي عياض: 2 / 1109 )
قال الهيثمي (وأما تكفير أبي بكر ونظرائه ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فلم يتكلم فيها أصحاب الشافعي، والذي أراه الكفر فيها قطعاً). ( الصواعق المحرقة 385 ) .
وقال الخرشي: (من رمى عائشة بما برأها الله منه…، أو أنكر صحبة أبى بكر، أو إسلام العشرة، أو إسلام جميع الصحابة، أو كفر الأربعة أو واحداً منهم كفر) (الخرشي على مختصر خليل: 8/74.)
3 ـــ من سب الصحابة بما لا يقدح في دينهم فهذا يؤدب . قال شيخ الاسلام: من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزيز، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك. ( الصارم المسلول 590) .
و حكى أبو الحسن الصقلي أن القاضي أبا بكر الطيب قال : إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه ، كقوله {و قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه }، و ذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك} سبح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبح نفسه في تبرئته من السوء ، و هذا يشهد لقول مالك في قتل من سب عائشة ، ومعنى هذا و الله أعلم أن الله لما عظم سبها كما عظم سبه وكان سبها سباً لنبيه، و قرن سب نبيه وأذاه بأذاه تعالى ، وكان حكم مؤذيه تعالى القتل ، كان مؤذي نبيه كذلك . ( الشفاء للقاضي عياض (2/267-268 ) .
وقال أبو السائب القاضي : كنت يوماً بحضرة الحسن بن زيد الدعي بطبرستان ، وكان بحضرته رجل فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة ، فقال : يا غلام اضرب عنقه ، فقال له العلويون : هذا رجل من شيعتنا ، فقال : معاذ الله ، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات ، أولئك مبرءون مما يقولون ، لهم مغفرة و رزق كريم } ، فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث ، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه وأنا حاضر .
الصحابة كلهم عدول
لأنهم هم المخاطبون بقو