الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثم أما بعد
فمن مظاهر التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يوصي من هو مُقدِمٌ على سفر، وتحت نفس الغطاء تندرج وصيتي إليكم، فلعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا.
وأول الوصية التقـوى، قال الله عزّ وجلّ: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ} النساء-آية:131.
وأعظم التقوى التوحيد.
وتلك وصيتنا الكبرى مصحوبةً بالدعوة إلى التمسك بالسنة في زمن التنكّر للسنة، صلى الله وسلم على صاحبها وعلى آله.
ثم ثلاث كلمات…
الكلمة الأولى: تعلّق القلب بالآخرة
إنَّ حب الموت والشوق للقاء الله والتطلع إلى المتاع الأخروي هي العوامل التى تثبت على الإيمان حتى نلقى الله على الإسلام.
(اللهم يا ولي الإسلام وأهله؛ مسِّكْنا بالإسلام حتى نلقاك به).
في هذا الزمن كثرت الفتن، وعمّ موت الفجأة، وشاع سوء الخاتمة.. وأنت تحتاج لأن تثبت، وليس من سبيل للثبات مثل حب الموت، فالذي يحب الموت ويشتهيه، ويرجو لقاء الله ويستعجله ويتمناه، يكون جاهزا متحفزا لذلك اللقاء.
أما أهل الغفلة وأهل الدنيا وأهل المعاصي والذنوب، فإنَّ لهم ما يشغلهم.
والتطلع إلى المتاع الأخروي يزَهِّدُ في مُتَعِ هذه الدنيا، وما مُتع الدنيا بشيء أبدا ولا حتى بـ"ذرة" مقارنةً مع المتاع الأخروي.
تلكم الكلمة الأولى.
الكلمة الثانية: ليس في قاموس الوقت إلا الآن، وليس في قاموس السعادة إلاّ الرضا
ليس فى قاموس الوقت إلا كلمةٌ واحدة وهي: "الآن"، فالأمس فاتَ وانقضى، وغدًا لمَّا يأذن به الله بعد، فلم يبْقَ إلاَّ الآن.
وما ينبغي أن تنشغل به هو السؤال التالي: "ما هو واجب الوقت الآن؟"
كم من أناس يضيعون الآن، ويمضون الوقت في الندم على الماضي والقلق على المستقبل.
فيا بني،،،
دعِ الماضي فقد مضى، ودعِ المستقبل فلم يأتِ بعد، وقل لي: ماذا تفعل الآن؟!
الماضي إن كان ذنوبًا؛ فالتوبة تَجُبّ ما قبلها، وإن كان حسنات؛ فالله أعلم بقبولها.
وما سيأتي لست بمدركه بعد، فقد تموت الآن.
فليس في قاموس الوقت إلا الآن، وليس في قاموس السعادة إلا الرضا .
(اللهم ارزقنا الرضا)
الرضا جنة الدنيا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضِيَ بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولا" رواه مسلم_المسند الصحيح.
فهل يا ترى تملك الرضا في حياتك؟ أين الرضا الذي تعيش به؟ أين الرضا عن الله مقسمًا للأرزاق؟ أين الرضا عن شريعة الإسلام – فلا تفرط في شيء منها، ولا تختلف على شيء منها-؟ أين الرضا؟
الكلمة الثالثة: أوصيكم بالحرص على هذه العدوى
يقول مصطفى صادق الرافعي في كتاب وحي القلم: "وعلامة الرجل من هؤلاء.. –هو يتكلم عن صفات الرجال- (اللهم اجعلنا من الرجال) ..أن يعمل وجوده فيمن حوله أكثر مما يعمل هو بنفسه، كأنما بينه وبين الأرواح نسباً شابكًا، فله معنى أبوة الأب في أبنائه، لا يراه من يراه منهم إلا أحس أنه شخصه الأكبر.."
فمجرد تواجد مثل هؤلاء الرجال دون حديث ودون أمر ودون نهي يعمل فيمن حوله..
مجرد رؤيتك له تجعلك تقول: "هكذا ينبغي أن أكون".
عندما تسمع مثلا عن أبي بكر رضي الله عنه تقول: "هو والدي وأتمنى أن تكون مثله"..
عندما تستحضر في ذهنك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تقول: "هذا هو الرجل حقا".
اسمع بتركيز بقية كلام الرافعي. يقول: ".. هذا الذي تكون فيه التكملة الإنسانية للناس، كأنه مخلوق خاصة لإثبات أن غير المستطاع مستطاع.."
أي كأنَّ الله خلق هذا الإنسان خصيصًا ليُكْمِلَ به هذه الأمة الناقصة، فينفي عنك فكرة استحالة القيام بما يفعله هو، إذ عندما تقول: "إني لا يمكن أن أفعل كذا" يجيبك عمليا ويقوم به، وكأنه يقول لك أنت: "أنت الناقص، أما الفعل في ذاته فممكن"
"ومن عجيب حكمة الله عز وجل أن الأمراض الشديدة تعمل بالعدوى فيمن قاربها أو لامسها، وكذلك القوى الشديدة تعمل بالعدوى فيمن اتصل بها أو صاحبها.."
ولهذا؛ يخلق الله الصالحين، ويجعل التقوى فيهم إصابة كإصابة المرض؛ تصرف عن شهوات الدنيا كما يصرف المرض عنها، وتكسر النفس كما يكسرها المرض.."
فإنك تجد المريض يُعرض عن الأكل، ويُعرض عن الزواج، ويُعرض عن كل متع الدنيا لعِلة مرضه، وكذلك التّقيّ؛ فمرضه التقوى، وهو الذي يدفعه إلى كراهية الدنيا ونبذ شهواتها."..
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته