وأما السنة المطهرة فطافحة بالأمثلة والنماذج من النساء اللاتي قدمن للمجتمع والأمة مشروعات ناجحة وأعمال جليلة ويكفي أن نشير إلى مثالين لم يهملا في سنة المصطفى ولا في تاريخنا الإسلامي فهاهي خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة ضربت أروع الأمثلة في التي كانت عوناً لزوجها على أداء رسالته ونجاحه في مهمته وسبباً في ثباته على مبادئه وقالت له قولتها المشهورة لما جاءها خائفاً ترعد فرائصه لما بدأ نزول الوحي عليه فقال لها –كما في البخاري : (لقد خشيت على نفسي ) فقالت : " كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصلُ الرحم ، وتحملُ الكل ، وتكسبُ المعدوم ، وتَقْري الضيفَ، وتعينُ على نوائب الحق " الحديث ، والمثال الثاني : أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين –رضي الله عنها وعن أبيها – التي ضربت المثال في البذل والجهد في نصرة الدين ونصرة رسوله الكريم ،جاء في البخاري عن عائشة رضي الله عنها في حديث الهجرة الطويل : (فجهزناهما –تعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبوبكر رضي الله عنه –أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاق وفي رواية ذات النطاقين) وتاريخ المسلمين حافل بذكر النماذج النسائية الناجحة اللاتي كن قدوات لغيرهن في شتى المجالات الحياتية والتي نفخر بها على مر التاريخ.
وكذلك اعتنى الإسلام ب في كل تشريعاته ،وجعل النساء شقائق الرجال في غالب أحكامه ، فانتظم عقد المجتمع المسلم في سامق بنيانه ، وتوطد البيت المسلم في ثابت أركانه ، وافتخر المسلمون بين الأمم بجميل حلله وهباته .
أيها المسلمون :لاينقضي عجب المسلم لما يعيش في مجتمع مسلم يؤمن بالقرآن وأنه كلام الله المنزل على رسوله الكريم ، وبالنبي الكريم وأن سنته تشريع للأمة ومصدر من مصادر التلقي لدى أبناءها رجالاً ونساءً ، ووهو يسمع بين الحين والآخر من يتهم المسلمة بأنها لم تأخذ حقها ، أو أنها مظلومة ، أو أن القيود التي فرضت عليها سبب تخلفها ، ويعنون بذلك ما من الله به عليها من الضوابط الشرعية ، والأحكام السماوية ،وهنا لا بد أن نقول إن قضية هي من القضايا الأصيلة والمعتبرة والتي يجب علينا كمسلمين أن نهتم بها كما اهتم بها سلفنا الصالح ونعطيها حقها الذي أعطاها الله كاملاً ولا نبخسها شيئاً من ذلك ، ونراعي تغير الزمان والمكان الذي كفلته لها الشريعة بما يحفظها من الضرر ويحفظ المجتمع من الزلل ولا يعلم ذلك إلا أهل العلم الراسخون في العلم وليس لكل أحد ،فهم-أي العلماء- ممن ولاهم الله شؤون المسلمين ، ومرجعهم فيما يشكل عليهم من نوازلهم وشؤونهم ، وسوف نتكلم في خطبة مستقلة –إن شاء الله – عن قضية مهمة لطالما سمعناها أو شاهدناها أو قرأناها في وسائل الإعلام المتنوعة من المطالبات التي يمكن أن نسميها مغالطات مكشوفة ، ومزايدات مزيوفة ، وشبهات للغِرِّ مفضوحة ، وقبل أن نتحدث عن هذه المغالطات وتلكم المزايدات يحسن بنا في هذه الخطبة أن نذكر بقواعد مهمة هي من الثوابت التي جاء بها القرآن صريحاً وتواترت في سنة نبينا الكريم ، والتي كفلت للمرأة السعادة في نفسها والإسعاد للمجتمع فلا يحق لعالم ولاغيره ممن ينتسب إلى العلم والدعوة فضلاً عن أن يكون صُحُفياً مشهوراً أو إعلامياً بارزاً أن يشكك فيها بلْه أن يطعن في نصوصها فهؤلاء –أعني بعض الإعلاميين- لا ناقة لهم ولا جمل في العلم وأصوله وقواعده ومقاصده، فهم أبعد ما يكونون عن العلم فكما أن أهل الشريعة لا يتكلمون في الفنون الصحفية وطرقها وأساليبها فعليهم أن يحترموا تخصصاتهم ولا يخوضوا بحر الشريعة وهم لا يجيدون السباحة فيه فيغرَقون ويُغرقون غيرهم ، ومن هذه القواعد الثابتة والمسائل المسلمة التي لا يجوز التشكيك ولا التلبيس فيها:
أولاً : أن الإسلام قد وفَّى وكفَّى بكل ما تحتاجه إما تصريحاً بنص قاطع أو جعل قاعدة عامة تندرج تحتها كلَّ المستجدات المعاصرة فلا تحتاج بعدها إلا من يعلمها كيف تعيش في عصر العولمة والله سبحانه يقول وهو العليم الخبير : {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة:3]، قال ابن عباس-رضي الله عنه وعن أبيه -: "أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان ، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً ، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبداً ، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً"أ.هـ،والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) وقال ذلكم الصحابي الجليل : "توفي رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً " بل علمهم كل شيء صلى الله عليه وسلم .
أيها المسلمون : لابد أن نعيش على هذه القناعة ولتكن عقيدة مترسخة نحيا عليها فلا تهزنا إرجافات المرجفين ولا تأويلات المبطلين فالخير كل الخير فيما شرع الله وسنَّهُ للمرأة لا فيما تدعوا إليه الشرائع الأرضية، ومع هذا لا يمنع أن تستفيد من كل مشروع يهدف إلى تعزيز هويتها ويحافظ على كرامتها ويجعلها عنصراً فعالاً في المجتمع في إطار المسموح به في الشرع ولا يكون في ذلك ذريعة ووسيلة إلى شر عظيم يعود على المجتمع بالويل والثبور في العاجل والآجل .
ثانياً: أن الله عزوجل شرع أموراً تخص ، لايجوز لكائنٍ من كان أن يُشكِّكَ فيها ، أويطعنَ في نصوصها، أو يجرحَ مشاعرَ المسلمين بالدعوة إلى ما يناقضها ،وخاصةً في بلدٍ الشريعةُ فيه ظاهرة ودين الله فيه مهيمن كالحجاب وتحريم تبرجها وسفورها ، والله سبحانه يقول عن أطهر نساء الدنيا وهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين يقول عنهن : {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن[الأحزاب:53] ، فإذا كان هذا في حق أطهر نساء العالمين فما الظن بمن أتى بعدهن فهذا أصل لا يجوز التخلي عنه ألا وهو الاحتجاب والفصل بين الرجل و حتى لا يقع الفساد ولا الإفساد، ويقول سبحانه بلفظٍ أشدَّ وضوحاً وأكثرَ صراحة : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين [الأحزاب59]، قال ابن عباس –كما جاء عند الطبري- في تفسير هذه الآية :"أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤسهن بالجلابيب ، ويبدين عيناً واحدة"أ.هـ ، ولما فرَّطت في حجابها تعرضت للأذية من السفهاء والغوغاء جزاءً لتركها أمر ربها وسبب سعادتها وهو حجابها ، وقل مثل ذلك في خصوصيتها وانفصالها عن الرجال في الأعمال والدراسة ونحو ذلك فهذا أمر مجمع على عدم جواز الدعوة إلى ما يضاده كالدعوة إلى الاختلاط مثلاً فضلاً عن السعي إلى هدمه-أي الفصل بين الجنسين- ونقضه وتزيين التنصل منه وهتكه .
ثالثاً : أن غير الرجل في طبيعتها وسلوكها وخلقتها ولا يستطيع أحد أن يدعي خلاف ذلك من الكفار فضلاً عن المسلمين ، والله سبحانه قد بين ذلك وهو الذي خلق الذكر والأنثى فقال عز من قائل : وليس الذكر كالأنثى ، وعليه فالمسؤوليات التي سوف تطالب بها يجب أن تتوافق مع طبيعتها وخلقتها وهذا قد تكفل به دين الإسلام في شرعه وأحكامه ، فلم يفرض عليها السعي لطلب الرزق ولا الاختلاط بالرجال وتولي المسؤوليات العظام مراعاةً لطبيعتها ففيه إرهاق لها ، فالحكمة وضع الشيء في موضعه و الظلم أن يوضع الشيء في غير موضعه ، فليس من سعادتها الزجُّ بها في المصانع ولا يصلح لها ولا من الفخر لها أن تكون تاجرة تجوب البلاد شرقاً وغرباً وتخالط الرجال الأجانب بدعوى هزيلة واهية أوهى من بيت العنكبوت فأطلقوا عليها (سيدة أعمال) تغريراً وجراً لها إلى ميدان لايوافق طبيعتها ، بل يتكفل بتجارتها ومالها وكيلها الذي توكله من الرجال فهو أقدر على ذلك لأنه أليق بفطرته وفطرتها .
رابعاً: أن الإسلام قد شرع التدابير الواقية لكل ما يكون سبباً في الوقوع في الرذائل ، أو يكون سبباً في ضياع المجتمع أو تفككه وانهياره فحرم الإسلام الزنا والفواحش وكل ما يؤدي إليه من الخلوة ب الأجنبية فقال صلى الله عليه وسلم : (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) أو ظهورها سافرة متبرجة كما قال جل وعلا : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى أو خضوعها بالقول كما قال سبحانه : ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً قال الحافظ ابن كثير : "هذه آداب أدب الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهن في ذلك …ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم أي :لاتخاطب الأجانب كما تخاطب زوجها" ،فأين هذا الأدب مما يحصل الآن من الكلام اللين والتكسر والتغنج في المقابلات المسموعة والمرئية عبر وسائل الإعلام والأمر لم يقتصر على الخضوع بالقول بل إلى الكلام الذي لايليق أن تقوله إلا مع زوجها في بيتها كعبارات الغزل والغرام التي عمت وطمت ولا حول ولاقوة إلا بالله وسائل الإعلام في بلاد المسلمين،وكذلك أمر سبحانه بغض الأبصار حتى لا تحصل الفتنة بالنساء الأجنبيات فقال سبحانه : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم وقال للنساء : وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن قال الحافظ ابن كثير : "أي : ولا يُظْهرن شيئاً من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه ، وقال ابن مسعود : كالرداء والثياب، يعني على ماكان يتعاناه نساء العرب من المَقْنَعة التي تُجَلِّلُ ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لايمكن إخفاؤه "أ.هـ وكذلك حرم الإسلام غير ما ذكر من الأسباب المؤدية إلى الرذيلة مما يجد في عصر التقدم والحضارة فيلحق الفرع بأصله ويصبح الحكم واحداً ،ولهذا لما حرم الزنا لم يقل سبحانه ولا تفعلوا الزنا بل قال : ولا تقربوا الزنا فسبحان الحكيم الخبير أي لا تفعلوا كل ما يقربكم ويؤدي بكم إلى الزنا ، والهداية للحق منة وفضل من الله يؤتيه من يشاء سبحانه وتعالى .
خامساً : أن الإسلام كفل لها كاملَ حقوقِها فحرم ظلمَها والبغيَ عليها والتعدي على حقها، وحرم عضلها ومنعها من الزواج وكفل لها حق المطالبة بأن تتزوج بالرجل الكفء الذي يصلح لمثلها إن منعها وظلمها ولي أمرها قال تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ، وأمر بإعطائها جميع حقوقها العاطفية من الرحمة والشفقة والحنان والمحبة من زوجها والإحسان إليها وإشباع غريزتها وحرم هجرها من غير ذنب ولا جريرة ، ولهذا أعلن صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للعالم كله حقوق التي كفلها الإسلام فقال صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بالنساء خيراً ) وقال أيضاً : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، وأمر الإسلام بحسن عشرة والرفق بها ، وأوجب النفقة عليها في كل مراحل حياتها صغيرة أو كبيرة متزوجة أو غير متزوجة ولم يأمرها ولم يوجب عليها العمل والكدح لأن ذلك خلاف طبيعتها التي خلقت من أجلها يبينه :
سادساً : أن الإسلام قد وجه إلى ما فيه صلاحها وبين لها الصالح من الطالح والفاضل من المفضول ، فأمرها وحثها على القرار في بيتها فهو أوفق لفطرتها وأسعد لحياتها وأنقى لبشرتها ، فقال عز من قائل حكيم : وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ،فهذا هو الأصل وجعل تربية أطفالها والعناية بهم من أسمى وظائفها وأشرف أعمالها فهي التي تنتج الرجال وتصنع الأبطال ، وكل دعوة تناقض هذا الأصل وتحرف عنه يجب علينا كمسلمين أن نقف في وجه هذه الدعوات رحمة وشفقة ب المسلمة من الذين لا يريدون بها خيراً ، وسوف نتحدث في خطب قادمة عن قضايا أخرى تهم المسلمة تأصيلاً وبياناً وتوضيحاً لكل ما يشكل من همومها وآمالها وطموحاتها والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
منقوووووووووووووووووووووووول:3 _3_3v[1]:
لا تنسون التقييم بالميزان
جزاك الله خير
نورتينى