بسم الله الرحمن الرحيم
الحياء من الإيمان، وهو عنوان من عناوين العفة والفضيلة، وهو مطلب شرعي وخلق إسلامي، من اتصف به كان له شعبة من شعب الإيمان، ومن ضل عنه أو فقده تردي حتى يكون من جملة الحيوان.. فلا عجب أن يجعله النبي خلق هذا الدين وسمته وعلامته، وأن يقيم قواعده على أس راسخة من التقى، وأصول متينة من الصلاح، ولهذا له – صلى الله عليه وسلم -: "الحياء كله خير". بل عظَّم النبي – صلى الله عليه وسلم – من شأنه فقال: "إن لكل دين خُلُقًا، وخُلُق الإسلام الحياء".
والحياء صفة من صفات الله – تعالى – كما في الحديث: (إن الله حي ستير يحب الحياء والستر).. يقول ابن القيم – رحمه الله -: (وأما حياء الرب – تعالى – من عبده، فذاك نوع آخر، لا تدركه الأفهام، ولا تكيفه العقول والأفهام، فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال فإنه – تبارك وتعالى – حي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا، ويستحي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام).
والحياء خلق من أخلاق النبي الكريم بل هو من أعظم أخلاقه وقد وصفه أبو سعيد الخدري أنه – صلى الله عليه وسلم -: (كان اشد حياء من العذراء في خدرها).. وقد أخبر – عليه الصلاة والسلام – أن الحياء خير كله وأنه لا يأتي إلا بخير، وعندما رأى رجلا من الأنصار يعظ أخاه في الحياء قال دعه فإن الحياء من الإيمان، وأخبر – عليه الصلاة والسلام – أنه خلق من أخلاق الجنة وصفة من صفات أهلها فقال (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار).
وقد تعلم منه أصحابه الحياء حتى بلغوا منه الغاية وصار منهم من تستحي منه الملائكة كما جاء في وصف عثمان بن عفان رضي الله عنه من فم النبي – صلى الله عليه وسلم – (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة).
ماهية الحياء:
والحياء في حق العباد هو تغير وانكسار وانقباض يعتري النفس الإنسانية من الخوف ما يعاب، وقيل هو حفظ ماء الوجه من الابتذال.. قال البغدادي:
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه… ولا خير في وجه إذا قل ماءه
حياءك فاحفظه عليك فإنما… يدل على وجه الكريم حياؤه
فهي إذا هبة ربانية حبا الله بها الإنسان ليردع بها نفسه عن ركوب كل ما تشتهي، وخلق جميل يحول بين المرء وبين ارتكاب المعاصي والآثام ويمنعه من التقصير في حق المولى – جل وعلا – والتعرض لتنقص الناس.. وقد جاء في الحديث الشريف: (إن ما أدرك الناس من كلام الجاهلية الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
والنساء أولى:
ويتأكد ذلك في حق ، فسِترها رمز حيائها، وحجابُها دليل كرامتها. وإذا اختلَّ حياء تزلزلت قدماها، وعصفت بها الفتن، وأصبحت سلعة رخيصة تباع بأبخس الأثمان، ويعبث بها دهاقنة الفساد، وأئمة الهوى، (وليس لمن سُلبَ الحياءَ صادّ عن قبيح، ولا زاجر عن محظور؛ فهو يُقدم على ما يشاء، ويأتي ما يهوى).
وإذا كان هذا في حق الناس عامة والمؤمنين خاصة فلا شك أنه في النساء أجمل وهن به أحرى وهو عليهن أوجب، فسِتر رمز حيائها، وحجابُها دليل كرامتها. وإذا اختلَّ حياء تزلزلت قدماها، وعصفت بها الفتن، وأصبحت سلعة رخيصة تباع بأبخس الأثمان، ويعبث بها دهاقنة الفساد، وأئمة الهوى، (وليس لمن سُلبَ الحياءَ صادّ عن قبيح، ولا زاجر عن محظور؛ فهو يُقدم على ما يشاء، ويأتي ما يهوى).
ولَكَم يتفطر القلب أسىً وحزنًا على أولئك الفتيات الزهراوات الواتي طاشت بهنَّ الأهواء، وأسلمن أنفسهنَّ بكل غفلةٍ وبلاهةٍ لكل ناعقٍ…؟!
فأين أولئك النساء الواتي كسرن طوق الحياء، وأسلمن أنفسهنَّ لدعاة الرذيلة وأدعياء المدنية، وأصبحن يلهثن وراء شهواتهنَّ، ويتبارين في التفسخ والانحلال.. أين هنَّ من تلك العفيفة الطاهرة التي ذكرها صاحب كتاب " في البناء الدعوي" حيث يقول:
كنت في رحلة دعوية إلى بنجلاديش مع فريق طبي أقام مخيمًا لعلاج أمراض العيون، فتقدّم إلى الطبيب شيخٌ وقور ومعه زوجته بترد وارتباك، ولمَّا أراد الطبيب المعالج أن يقترب منها؛ فإذا بها تبكي وترتجف من الخوف، فظنَّ الطبيب أنها تألم من المرض، فسأل زوجها عن ذلك، فقال – وهو يغالب دموعه-: إنها لا تبكي من الألم.. بل تبكي لأنها ستضطر أن تكشف وجهها لرجل أجنبي! لم تنم ليلة البارحة من القلق والارتباك، وكانت تعاتبني كثيرًا: أوَ ترضى لي أن أكشف وجهي..؟! وما قَبلَتْ أن تأتي للعلاج إلاَّ بعد أن أقسمتُ لها أيمانًا مغلظة بأن الله – تعالى – أباح لها ذلك عند الاضطرار، واله – تعالى – يقول: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة: 173].
فلما اقترب منها الطبيب، نفرت منه، ثم قالت: هل أنت مسلم؟ قال: نعم، والحمد لله!!
قالت: إن كنت مسلمًا.. إن كنت مسلمًا.. فأسألك باله ألاَّ تهتك ستري، إلا إذا كنت تعلم يقينًا أن الله أباح لك ذلك..!!
أُجريت لها العملية بنجاح وأزيل الماء الأبيض، وعاد إليها بصرها بفضل الله – تعالى – حدّث عنها زوجها أنها قالت: لولا اثنتان لأحبت أن أصبر على حالي ولا يمسني رجل أجنبي: قراءة القرآن، وخدمتي لك ولأولادك.
ما أعظم شموخ المسلمة بعزتها وعفافها..! وما أجمل أن تُرى مصونة فخورة بحشمتها..!
أكرم به من إيمان يتجلى في صورة عملية صادقة بعيدة عن التكلف أو التنطع، سالمة من الرياء وشوائب الهوى..!
وقديمًا قال الشاعر:
فلا واله مَا في العيَش خيرٌ……. ولا الدنيا إذا ذهَب الحياءُ
يعيشُ المرءُ ما استحيا بخيرٍ……. ويبقى العُودُ ما بقي الحاءُ