التصنيفات
منوعات

الغايات السامية من العبادات الراقية

عندما فرض الله علينا الحج قال لخليله{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}وما الحكمة؟{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم} حكمتين اثنتين: الحكمة الأولى {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}أي جهزها الله لهم في تلك الأماكن وهي منافع عاجلة ومنافع آجلة أما المنافع العاجلة فهي أن يتوب عليهم ويغفر لهم ذنوبهم ويردهم كما ولدتهم أمهاتهم خالصين من الذنوب والخطايا مستورين ومجبورين من الآثام والعيوب ويستجيب دعائهم ويصلح أحوالهم ويجيبهم في أحبابهم فقد قال النبي {يُغْفَرُ لِلْحَاج وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ}[1] والهدف المشترك بين جميع العبادات{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم} ولم يكتف بأن هذه هي الحكمة العالية والغاية السامية من تلك العبادات الراقية ولم يكتف بالتنبيه عنها وكلها في تلك الآية بل في كل خطوة من خطوات الحاج يذكرهم بتلك الحكمة

فعندما ينزلوا من عرفات يقول الله لهم جميعاً{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} فمرة يقول {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} ومرة يقول {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}أي اجعلوا ذكر الله هو الغاية العظمى فالغاية العظمى من الحج في كل خطواته وحركاته وسكناته هي ذكر الله وكذلك الصلاة فيقول فيها الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فهو ذكر الله وذكر الله هنا التذكير فهو في هذا الموقف التذكير بالوعد والوعيد والجنة والنار في الطاعات والقربات بآيات من كتاب الله وبأحاديث رسول الله من باب فضل الله{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} و {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}

والصلاة فيها ذكر الله فيها التحميد والتكبير والتهليل وفيها تلاوة كتاب الله وكلها في حركات الصلاة وكل حركة من حركاتها لها ذكر مخصوص يحب أن يسمعه الله من عباده المؤمنين {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} فكلها أحوال ذكر وكذلك الصيام فالهدف منه {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يعني من العبادات الجسمانية الهدف منها آية الذكر وقد علمنا النبي أنه ما أقيمت الصلاة وما فرض الصيام ولا نُسك الحاج إلا لذكر الله لماذا؟ ليعرفنا أن الدرجة الأولى في حياتنا هو ذكره وليس هناك نهاية لنعم الله فلو حاول الواحد فينا أن يعد نعم الله عليه في نفس واحد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً

{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}نعمة واحدة إذا كانت ظاهرة أو باطنه بل نعمة واحدة من نعم الواحد كنعمة البصر أو السمع أو الكلام أو العقل أو الحركة أو القدرة أوالإرادة أو الحياة أو الرزق نعم ليس لها نهاية نعمة واحدة منها لا يستطيع الواحد أن يحدها أو يحصرها من معطيها لكنه طلب منا أن نذكره على ذلك وطلب منا أن نشكره على ذلك فإذا قمت من نومي وقد وهبني الحياة بعدما كنت في نومي كالأموات كما ذكر الله{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} عندما أقوم من نومي وقد وهب لي الحياة لابد أن أشكره وأذكره وأقول كما علمني الرسول{ الْحَمْدُ لّلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[2] فأشكره على أن وهب لي الحياة

وإذا نظرت إلى نعمة الأكل أذكره وأشكره وأقول{الـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنـي هذا ورَزَقَنِـيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ منِّـي ولا قُوَّة}[3] وإذا أعطاني ماءاً أقول{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْباً فُرَاتاً بِرَحْمَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحاً أُجَاجاً بِذُنُوبِنَا}[4]أي نعمة من النعم حتى نعمة الشهوة عندما انتهي منها أقول {الحمد لله الذي جعل من الماء نسباً وصهراً وكان ربك قديراً} لازم الإنسان يشكر الله على نعمائه هي صحيح كلمات وليست شكراً وافراً ولا شكراً إيجابي لكن الله يقبلها منا ويدخرها لنا ويعطينا عليها من الأجر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

إذاً كل العبادات يا إخواني تهدف إلى ذكر الله وليس حلقات الذكر فقط هي الذكر لكن ذكر الله حسب الحالة التي أوجدني عليها الله وحسب النعمة التي ساقها إلي الله حتى ولو نزل بي غم أو نزلت بي مصيبة وهي في نظري مصيبة لكنها في الحقيقة نعمة من الله وبعدها تمر علي أتحدث على أنها نعمة من الله حتى هذه النعمة علمني رسول الله أن أشكر الله عليها ماذا علمني؟ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَتَاهُ الأَمْرُ يُعْجِبُهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ الَّذِي بِنِعْمَتِه تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإذَا أَتَاهُ الأَمْرُ مِمَّا يَكْرَهُ قَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى كُلِّ حَالٍ}[5] ساعة النعمة أقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وهذا يعني أن النعمة التي جاءت ليست بشطارتي أو بمهارتي أو بذكائي أو بمالي أو بقوتي لكنها تمت بنعمة الله ومعونة الله وتوفيق الله وإذا جاءت مصيبة في نظري فهي نعمة لكن لا أعلمها الآن لقول الله{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}

[1] رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة[2] رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحة عن أبي ذر وحذيفة[3] رواه صاحب مسند الشاميين عن أنس[4] جامع المسانيد والمراسيل عن أبى جعفر مرسلا[5] رواه ابن ماجة في زوائده والبيهقي في الدعوات والحاكم في المستدرك عن عائشة وأبو هريرة

منقول من كتاب [الخطب الإلهامية فى الحج وعيد الأضحى]
للشيخ فوزى محمد أبو زيد




جزاك الله خير اختاه



طرح مكتمل بجميع جوانبه جعل اقلامنا
تقف عاجزة عن الاضافة
بارك الله فيك على هذا الموضوع المفيد والنافع
كل الشكر والتقدير



التصنيفات
منتدى اسلامي

ذكر الله غاية الغايات

بسم الله الرحمن الرحيم

وصف النبي صلى الله عليه وسلم القلة المتمسكة في كل أحوالها بهذا الدين بأنهم غرباء لأن أحوالهم غريبة بالنسبة للمتساهلين وبالنسبة لأهل الردة والمرتدين وبالنسبة للكافرين والجاحدين والمشركين فينظرون إلى أحوال هؤلاء على أنها غريبة مع أنها أحوال سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم وقال فيهم {فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ}[1]

ليس لهم شأن بفساد غيرهم ولا يلتفتون إلى ضلال وغي غيرهم ليسوا إمَّعه لأن النبي قال لهم {لا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ أَسَاءُوا أَسَأْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنُوا أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا أَلا تَظْلِمُوا}[2]

لا يتعاملون بالربا في وقت انتشر فيه الربا ولا يغشون في وقت انتشر فيه الغش ولا ينقصون الكيل والميزان في وقت اختل فيه الكيل والميزان ولا يخونون الأمانة في وقت ظهرت فيه وشاعت فيه الخيانة لأنهم متمسكون بهدى رسول الله فهؤلاء هم الذين يصلحون إذا فسد الناس

وطائفة أعلى من هؤلاء قدراً يقول فيهم صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى عندما سُئل: من الغرباء؟ {الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي وَيُعَلِّمُونَهَا عِبَادَ اللَّهِ}[3]

يُحيون السنن التي أفسدها الخلق وأكثر السنن التي أفسدها الخلق في هذا الزمان في الأخلاق وفي المعاملات لكن العبادات والحمد لله نحن فيها جميعاً مجتمعين والخلافات في الهوامش وليست في الأصول لكن تبدلت الأخلاق وساءت المعاملات لأن الناس انقلبوا ظهراً لبطن على ما جاء به الله

وكأن تشريع الله في الأخلاق والمعاملات لغيرنا كأن الأخلاق الكريمة التي جاء بها نبينا لأهل اليابان وأهل الدنمارك وأهل ألمانيا وغيرها فهم المتخلقون بأخلاق النبي العدنان

والتعاملات كذلك وهذا ما ضربنا في الصميم في هذا الزمن وجعل العالم كله يتوقف حذراً ويتوجس خيفة من الإسلام لِما يرى عليه أحوال المسلمين الآن

وقد رأيت على النت شاباً من مصر كان في أميركا أحب فتاة أمريكية وأحبته وفاتح أباه في أنه يريد أن يتزوجها فقال: إنها ليست بمسلمة فأخبرها فقالت: وما الإسلام؟ ائتني بشيء أقرأه عن الإسلام

فجاء إلى مصر وأخذ بعض الكتب باللغة الإنجليزية تتحدث عن الشريعة الإسلامية وأعطاها لها قالت: اتركني شهرين وبعد الشهرين قالت: أريد أن أُعلن إسلامي فأخذها إلى مركز إسلامي وأعلنت إسلامها قال: نريد أن نُتم الزواج قالت: على من؟ قال: علىَّ، قالت: أراك كما قرأت لست مسلماً

انظر إلى ما نحن فيه الآن كأن أخلاق النبوة وتعاملات الشريعة الإسلامية جاءت لأهل الغرب وهم يتعاملون بها ونحن نتعامل بغيرها ونقول إننا مسلمون لأننا نصلي لله

فالغريب في هذا الزمان هو الذي يستمسك بأخلاق القرآن ويتأسى بأخلاق النبي العدنان ويحتفظ في بيعه وشراءه ومعاملاته بما جاء في شرع الرحمن أو يعمل على إحياء ذلك وينشره للآخرين حتى يتمسكوا بهدى الله ويستشعروا بفضل الله علينا أجمعين هؤلاء هم السعداء مالهم عند الله؟ اسمعوا البشريات وافرحوا قال صلى الله عليه وسلم
{طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ}[4]

وطوبى يعني قرة عين لهم في الدار الآخرة فإن الله يقر أعينهم بالنظر إلى جمال وجهه يوم الدين ومجاورة الحبيب في جنة النعيم وتمر عليهم أهوال يوم القيامة لا يشعرون بها ولا يحسون بشدتها وسوء أهوالها لأنهم في رعاية وكنف الله على الدوام

ناهيك عن أن الله في الدنيا يُهيئ لهم الأسباب ليكونوا في الدنيا في أرغد عيش وأسعد حال وأهنأ بال في وسط هذه الأزمات والنكبات التي نراها في كل الجهات {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} النحل97

لا بد أن يعيش في الدنيا في حياة طيبة يكون بينه وبين زوجه وفاق واتفاق يكون أبناءه بررة تكون أرزاقه مباركة يكون له في كل وقت ثمرة من الصالحات يُقدمها إلى الله يستثمرها له ويجد خيرها وبرها يوم الميقات

إذا عاش في الدنيا سنيين معدودات يراها الخلائق في الآخرة كأنها آلاف السنوات من كثرة ما فيها من صالحات ومبرات وخيرات لأن الله تولاه بولايته ورعاه بعين رعايته وجعله مُجمَّلاً بجمال أهل ولايته في الدنيا ويوم الدين فطوبى للغرباء

فاستمسكوا بهدى الله ولا تفرطوا قليلاً ولا كثيراً في شرع الله لا تُحقرن من أمر الله شيئاً ولو قليلاً ربما يكون غضب الله فيه ولا تستصغرن أمراً من الله في عمل صالح ربما يكون رضا الله فيه احرص على وقتك واجعل وقتك كله في متابعة الحبيب فقد قال الإمام عليّ رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه (الدنيا ساعة فاجعلها طاعة)

[1] مسند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن سنة
[2] سنن الترمذي عن حذيفة بن اليمان
[3] رواه الترمذي برقم -2632- وقال: حسن وفي بعض النسخ حسن صحيح
[4] صحيح مسلم وسنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة

http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…1&id=94&cat=15

منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر]

اضغط هنا لتحميل الكتاب المنقول منه الموضوع مجاناً

خليجية