بين الطفل المفعم بالنشاط والحيوية والطفل الامبالي المتكاسل وذلك السريع الغضب لا مجال للاختير، فالأهل يتقبّلون أولادهم في الأحوال كافة. لكن أحياناً يصعب تحمّل تصرفات الأولاد المتهوّرة في المدرسة أو في المنزل أو في المجتمع عموماً، فيدقّ ناقوس الخطر ويعجز الأهل عن مواجهة هذه المواقف.
يصاب الأولاد كلهم بفورات غضب مفاجئ ينتاب الراشدين الذين يجيدون التحكّم به بطريقة أفضل. تأتي هذه النوبات بدرجات ونسب متفاونة، ما يجعل الاستسلام للغضب من وقت الى آخر أمراً طبيعياً، لكن الغضب المتكرر يومياً لدى بعض الأطفال يستدعي المعالجة. ولسن أهمية قصوى في هذا مجال، فوتيرة الغضب تكون عالية جداً في سن ال18 شهراً، وتدنى شهراً تلو آخر.
ظروفه:ينبغي أولاً التحقق من أن نوبات الغضب هذه مردّها إلى ظروف محددة أو أشخاص معينين، ما يساعدكما في فهم سلوك طفلكما، علماً أن الغضب قد يكون مشروعاً أحياناً، فربما يكون طفلكما جائعاً أو مرهقاً ويريد الخلود إلى النوم أو مستاء بسبب تبديل السكن أو بعد تغيّر طارئ في الأسرة أو استقدام معلمة جديدة إلى المدرسة، بعيداً عن هذه الأسباب كلها ثمة أطفال يغضبون بسرعة، فيجنّ جنونهم ويفقدون أعصابهم أمام أدنى حادثة، وهؤلاء لا بد من استشارة المعالج النفسي بشأنهم.
أسبابه:الغضب رسالة لم يستطع الطفل إيصالها، إذ يحاول أن ينقل كلاماً ما، لكنه لا يحسن التعبير عنه سوى بالغضب وربما الشجار، وتنتابه هذه الحالة أحياناً نتيجة التصدي لرغبته بالرفض، أي حرمانه من حق لا يستطيع الحصول عليه أو التعبير عنه. وغالباً، يسهل فهم السبب، الذي قد يتعلّق بالشوكولا أو السكاكر أو بشراء لعبة.
يرافق التسلّح بالغضب الطفل البالغ عامين فيبدأ بشتم الآخر أو ينهال عليه بالضرب إدراكاً منه أن الاستسلام للبكاء سيقابل بسخرية من الآخرين، وتعتبر فورات الغضب طبيعية حتى الثانية أو الثالثة من العمر، فالرضيع يغضب مثلاً عندما يشعر بالجوع أو العطش ولن يجد سوى هذه الوسيلة للتعبير عن استيائه الكبير،لذا عليكما وضع بعض الحدود لأولادكما كي يتمكنوا من استعادة سلوكهم الطبيعي في وقت قصير.أشكاله:
– غضب مصحوب بعدوان جسدي: تأتي ردة فعل بعض الأولاد جسدية تحت تأثير الغضب، فيوسعون نفسهم ضرباً أو يكسرون غرضاً أو يخدشون أحداً، بالتالي يفقدون السيطرة على أعصابهم ويتصرفون من دون أي رادع. ولا تظهر هذه الحالة في المدرسة والعائلة معاً إلا نادراً جداً، بل في أحد هذين المحيطين.
– عندما ينهال الولد على الآخرين بالضرب يكون توّاقاً إلى إظهار سطوته، لكنه لا يتعرّض للشخص نفسه دائماً.
– الطفل الذي يرفس الآخرين: إنه الطفل الذي تبلغ حدة غضبه درجة يفقد معها القدرة على الإصغاء أو حتى سماع ما يحصل حوله. قد يقتصر الأمر على الصراخ والبكاء البسيط أو يتطور إلى نوبة حقيقية في بعض الحالات والمناسبات، مثلاً، عندما يقاوم الولد رفض والديه شراء دمية له أو عندما يعجز عن التحكّم بلعبته أو التعرف إلى كيفية تشغيلها، فينتابه الغضب فجأة قبل انتقاله إلى عمل آخر.
استمراره:يوضح الخبراء أن مرحلة الغضب التي يمر بها الطفل بين الثانية والثالثة من عمره موقتة وتساعده في بناء شخصيته. يدرك الأهل هذا الواقع بسرعة من تلقاء نفسهم عندما يبدأ طفلهم بالتفوّه بكلمة «لا» أمام كل شاردة واردة. فبعد أن يتعلم الطفل المشي ويصبح نظيفاً، يكون حان الوقت لاكتشاف العالم الذي يحيط به تحت إشراف الأهل، ويبدأ بناء استقلاليته من خلال كلمة «لا». …
ويبدأ بناء استقلاليته من خلال كلمة «لا». ولا شك في أنه يفهم العبة بسرعة فيدرك أن هذه المعارضة لن تحرمه من حنان والديه.
تتدخل عوامل أخرى أحياناً في ظاهرة استمرار الغضب لدى الأطفال والمراهقين. فقد لاحظ أطباء النفس أن الأولاد الميالين إلى الغضب تعرضوا لنقص في العاطفة في المراحل الأولى من حياتهم، بالإضافة الى أن استمرار هذا السلوك قد يتأتى عن تأخّر في امتلاك اللغة أو خلل في هذا المجال.
مرحلة المراهقة هي الفترة التي تظهر فيها مجدداً نوبات العنف والغضب وقد تبدأ بالاختفاء، ثم تتطور إلى موجات من العنف ضد النفس أو الغير أو أعمال إجرامية كالسرقة والقتل. ومن الطبيعي أن تمرّ شخصية المراهق بتغيرات يحتاج التخلص منها إلى بعض الوقت ريثما يتأقلم مع تبدلات جسمه الهرمونية. ولا عجب في رؤيته يبادر إلى بعض التصرفات الغريبة كالوشم أو الثقب (بيرسينغ).
متى تخطى الطفل الرابعة واستمرت نوبات الغضب بالظهور في الخامسة والسادسة من عمره، فهذا ينذر بالخطر ويدعو للقل لأنه يشير إلى فشل الطفل في تخطّي المرحلة الأولى لإثبات ذاته أو أنه لم يتلقّ في تربيته المبادئ الضرورية، فيستمرّ في التعبير عن رغباته بسلوك انفعالي يتجاوب مع دوافعه الغريزية.
لا شك في أن هذا التصرف البدائي يسبب له المشاكل لاحقاً في المدرسة أو في المجتمع عموماً. فالغضب لن يقتصر على نوبة صغيرة سرعان ما ينساها، بل يتحوّل إلى أسلوب دائم في التصرف. في هذه الحالة لا بد من استشارة الطبيب النفسي في المدرسة أو اختصاصي آخر، ما سيعود بالنفع على الطفل بشكل أساسي وعلى محيطه بالدرجة الثانية.
معالجته:تكتسب الثقة بقدرات الطفل أهمية قصوى وهي مفيدة لفهم الحدود المناسبة لعمره وتقبّلها. فإن كان مطمئناً إلى أن الأشخاص المحيطين به يكنّون له المحبة الدائمة مهما كان، لن يشعر بالاستياء إزاء النظام التربوي الذي يفرض عليه بعض القواعد. فهو يعرف إذاً الحدود المسموح له بتخطّيها من دون أن يتعرّض للخطر، علماً أن مجال تحرّكه يتّسع مع السنين والأيام.
الغضب ليس مرضاً وتستطيعان التعامل معه تماماً بذكاء وروية، ورويداً يتفهّم طفلكما الأمور ويبتعد عن أسلوبه في الإلحاح فيقول في نفسه «لا أستطيع الحصول على هذا الغرض اليوم، لكني سأحظى به في مناسبة عيد مولدي». يعتبر دمج مفهوم الوقت في تربية الطفل أمراً ضرورياً جداً لأن الحياة لا تسمح لنا بالحصول على كل ما نرغب فيه فوراً.
فضلاً عن ذلك، يشكّل تحسّن القدرة على التعبير عامل التطور الثاني الذي يساعد طفلكما في التخلص من نوبات الغضب المتكررة. فكلما نجح في التعبير عن نفسه وإسماع صوته وإيصال رسالته، خفّت حاجته الى التعبير من خلال الغضب.
كذلك لا بد من الدمج بين محبة الطفل وضع بعض الحدود لتصرفاته بحسب عمره والمحيط الذي يعيش فيه. تختلف هذه الحدود بالتأكيد عن تلك التي كان يضعها أجدادنا، بالإضافة الى أن الإفراط في القساوة أو التساهل يؤدي الى الطريق نفسها أي الطريق التي تأخذ مراهق الغد إلى العنف الأكيد.
لا شك في أننا نتفوّه بتفاهات ونتصرف من دون تفكير تحت وطأة الغضب، لكن محاولتكما السيطرة على أعصابكما ضرورية جداً لتمكنا من السيطرة على غضب أولادكما.
• تجاهلا غضب الطفل في مرحلة أولى وحافظا على الهدوء، ثم انتظرا مرور بعض الوقت وانتقلا إلى عمل آخر من دون إعارته أي اهتمام.
• توجّها إليه بعدئذ بعض الأسئلة لمعرفة حقيقة الأمر والتأكد من عدم فداحة السبب، ثم افسحا في المجال أمامه ليعبّر عن مشاعره. لا شك في أنه سيجد صعوبة في ذلك وقد يتطلب الأمر بعض الوقت قبل التمكّن من وضع النقاط على الحروف.
• ضعا حدوداً واضحة لسلوكه والفتا انتباهه إلى خطئه في حال بادر إلى ضرب أحد الأشخاص أو عضّه أو كسر غرض ما، فتربية الأولاد لا تحتمل أي تأجيل أو تراجع.
• إسمحا له بالتعبير عن نفسه دائماً في حال إبدائه رغبة في ذلك، من دون التراجع عن ضرورة إلزامه بحدود عليه احترامها في المجتمع أو العائلة أو المدرسة.
• لا تتغاض عن التنويه بجهوده لمرة واحدة على الأقل عندما يحرز بعض التقدم، وبعدئذ تصبح هذه القاعدة سارية من تلقاء نفسها داخل المنزل.
• إن كان ميالاً إلى الاستسلام لنوبات الغضب، ساعداه في تنفيس غضبه من دون التسبب بأية مشكلة.
• لا تبادلاه بالمثل عندما يصرخ.
• اتفقا في ما بينكما على المسموحات والممنوعات بالنسبة الى طفلكما.
• عندما يقول «لا» أصرّا على موقفكما ولا تتراجع عنه.
• احترما …احترما ساعات نوم طفلكما، فكلما كان متعباً زاد احتمال إصابته بفورات غضب تماماً كالراشدين.
• إن طفح الكيل من تصرفاته الهوجاء وأصبح الوضع غير محتمل الى درجة رغبتكما في الصراخ أو الضرب، ابتعادا عنه قليلاً.
• إن كانت قاعدة «العين بالعين والسن بالسن» تستهويكما ورغبتما في الانهيال على طفلكم بالضرب لمجرّد أنه أساء الى صديقه، لا تستسلما لمثل هذه الرغبة. ليس لأن طفلكما سيصاب بمكروه فحسب، بل لأن تقيّده بالقواعد سيأتي عندئذ نتيجة الخوف وليس الاقتناع. بالتالي فإن هذه الوسيلة ليست فاعلة نظراً إلى أنها تبقى سطحية إلى أقصى حد: فالغضب ما زال متربصاً وقد يتحوّل إلى عنف بين ليلة وضحاها عندما يبلغ الطفل سناً يتخلص معه من هاجس الخوف. لا شك في أن القساوة والتسلّط مقبولان ومبرّران، لكن مفعول العنف الجسدي يبقى آنياً ولا يؤتي ثماره، وفي هذه الحال تبقى العقوبة غير مقبولة وغير مفهومة. فضلاً عن أن عدوى هذا التصرف العنيف قد تصيب الأطفال الذين سيميلون إلى اعتماد الأسلوب نفسه في المستقبل القريب أو البعيد.