والغفله تعني عدم التفكير في شؤننا وشئون من حولنا، وأن نترك الفوضى والسلبية تنتشر في حياتنا ونحن لا ندري، وأن لايعرف المرء الخير من الشر، ولا الصواب من الخطأ، ولا الحق من الباطل، ولا الصديق من العدو، فيقول لكل أحد أنه معه دون أن يدري لماذا هو معه؟، وهذا هو "الإمعة"، وهو خلق ذميم حذر منه الرسول بقوله: "لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا ألا تظلموا".
والغفلة تعطل الإدراكات الحسية والسمعية والبصرية والعقلية، قال تعالى: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُون" [سورة الاعراف- 179]، فالغفله عن الواقع تفقد المسلم خاصية استشعار الخطر.
كما أن الغفلة هي تسليم النفس لإرادة الآخر، كما يفعل الغثاء مع السيل، وهو ما تنبأ به الرسول بقوله: "يُوشِكُ الأمم أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الأمم، كَمَا تَدَاعَى اَلأََكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ اَلسَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اَللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ اَلْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اَللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ اَلْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، وَمَا اَلْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ اَلدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ اَلْمَوْتِ" (البخاري).
والغافل هو من تموت مشاعره ووجدانه فلا يتفاعل مع الواقع؛ فلا يفرح للحسن، ولا يغضب للقبيح، ولا يبتهج لانتصار الحق وانكسار الباطل، ولا يتألم من انتشار الرذيلة وانحسار الفضيلة، وهذا هو "ميت الأحياء" الذي حدثنا عنه حذيفة بن اليمان بقوله: "أتدرون من ميت الأحياء؟، من لا يعرف قلبه معروفًا، ولا ينكر قلبه منكرًا"، فالغفلة هي التقليد الأعمى للآخر.
والغفلة هي ترك المشورة، حيث يقود الغرور والإعجاب بالرأي إلى الاستبداد فلا شورى ولا حوار، وهو ما يقود إلى الهلاك، وبينه الرسول بقوله: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبَع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه".
فالغافل لا يسفيد برأي خصمه فيه، ولا يستمع لنصيحة الآخرين؛ لأنه يظن دائمًا في نفسه الصواب، فلا يراجعها ولا يحاسبها، أما العقلاء – أهل اليقظة والوعي-، فإنهم يحاسبون أنفسهم، ويعلمون أن: "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله"، فقد يكون لدى الأنسان يقظة فكر تمكنه من الحرص على تنفيذ العمل، ولكنه يغفل عن تجويده وتحسينه.
إن الغافلين يريدون نجاحًا بلا ثمن؛ فيريدون حياتهم كلها راحة بلا تعب، ورفاهية بلا مشقة، أما العقلاء فيعلمون أن العبور إلى النجاح لا يتم إلا بالمرور فوق جسر من التعب والألم؛ لأن تحقيق الأهداف والآمال يحتاج إلى إرادة قوية، لا يتطرق إليها ضعف، مع التضحية بالراحة والرفاهية؛ فما ألذ الراحة بعد التعب، والأكل بعد الجوع، والرفاهية بعد المشقة.
فيجب علينا العمل على إيقاظ أنفسنا، وإيقاظ من حولنا من الغفلة؛ لنعمل معًا على إعادة مجد الإسلام، ونشر مشروعه الحضاري، وإنقاذ العالم من سيطرة وهيمنة قوى الظلم والظلام العالمية.