ومنذ عهد الفيلسوف الاغريقي ارسطو (القرن الرابع قبل الميلاد) كانت الفكرة السائدة عن سقوط الاجسام، انه كلما كان الجسم ثقيلا كان سقوطه اسرع. وأراد جاليليو ان يتحقق من صحة هذا الأمر الذي لم يقم عليه أحد الدليل منذ ارسطو، وذلك من خلال قياس الفترة الزمنية التي تستغرقها الكرات عند السقوط، واكتشف هذا العالم ان المواد المصنوعة من الرصاص والخشب او حتى الريش تصل الى الارض في الوقت نفسه حتى ولو بلغ وزنها 100 كيلوجرام او 10 كيلوجرامات مع عدم الاخذ بالاعتبار احتكاك الهواء، ولذلك، توصل جاليليو الى نتيجة مفادها ان تسارع الاجسام عند السقوط الحر لا يعتمد على كتلتها وبهذا أزال مفاهيم ارسطو من الوجود.
ولكن ما الذي يجعل الاجسام تسقط باتجاه الارض؟ الواقع ان جاليليو لم يتحدث عن “قوة الجاذبية” لأن هذا المفهوم لم يكن موجودا في وقته لذا كان لابد ان ننتظر عصر اسحاق نيوتن الذي كانت الفكرة الشائعة عنه انه اكتشف الجاذبية الكونية اثناء مشاهدته لسقوط التفاحة عن الشجرة، لكن الحقيقة ان هذه الفكرة طرأت عليه من خلال التفكير المتواصل بمسألة الجاذبية حسبما قال في احد تصريحاته، وقد تواصل تفكير نيوتن بهذا الامر لأكثر من عشرين سنة قبل ان ينشر في العام 1687 قانونه الشهير “القانون العام للجاذبية الكونية” وطبقا لهذا القانون تتجاذب جميع الكواكب بقوة تتناسب طرديا مع كتلتها وعكسيا مع مربع المسافة فيما بينها.
وتتمثل فكرة نيوتن في الربط وللمرة الاولى في التاريخ بين الظواهر التي تحدث على الارض (كسقوط كرات جاليليو) وفي الكون (كدوران الاجرام حول الشمس) وثمة قوة واحدة هي التي تجذب الكرة والقمر، وتتمحور هذه القوة حول الجاذبية الارضية، ولكن لماذا لا يسقط القمر على الارض؟
و”كيف يمكن للاجسام ان تتجاذب على مسافات بعيدة دون ان يوجد بينها اي رابط مادي؟ وإزاء هذا التساؤل بقي نيوتن نفسه عاجزاً عن الاجابة”.
عبقري النسبية: اينشتاين أبو النسبية كانت القوة التي تؤثر في الاجسام عن بعد تنغص عليه حياته، ولذا اقترح عام 1915 نظرة جديدة تتعلق بالجاذبية، فهو يرى ان هذه القوة ليست سوى تشويه لشكل الفضاء او الحيز الذي تؤثر فيه، والذي يحيط بنا، والمتضمن للنجوم والكواكب ولكل ما من شأنه ان يمتلك كتلة مهمة، واطلق اينشتاين على نظريته النسبية العامة.
ولكن في نهاية المطاف، هل حلت النظرية الجديدة المشكلة القائمة؟
اذا اردنا ان نستوعب بعضا من خفايا هذه النظرية لنقرأ معا المثال التالي: لو تخيلنا ان بساطا ممدوداً يمثل كوننا، ولكن ببعدين فقط بدلا من 4 أبعاد (3 أبعاد وبعد رابع هو الزمن)، ثم قام احدنا بوضع كرة معدنية ثقيلة وسط البساط، فلاشك اننا سنلاحظ ان البساط قد تقعر من الوسط، ولنتخيل بعد ذلك ان احدنا قام برمي كرة صغيرة فوق البساط فما الذي سيحدث؟
ان مرور هذه الكرة بالقرب من الكرة المعدنية الثقيلة، فإن مسارها سيتعرض لانحناء او تحويل جراء التقوس الموجود اصلا في البساط، وستتصرف الكرة الصغيرة كما لو كانت معرضة للجذب الكوني، ووفقا لسرعة ومسار الكرة، فإنها يمكن ان تلتف حول الكرة المعدنية دون ان تسقط عليها كما يحدث للقمر مع الارض، والآن، لو قمنا بوضع كرة ثالثة صغيرة قريبا جدا من الكرة المعدنية، فإنها ستقع عليها بلا ادنى شك كما بين ذلك العالم الايطالي جاليليو، ومن هنا نلاحظ ان سرعة سقوط الكرية (الكرة الصغيرة) لم تعتمد على كتلتها بل اعتمد الامر على عمق الحفرة او الثقب الموجود وسط البساط، وبهذه الطريقة وجد اينشتاين تلك النتيجة التي توصل اليها جاليليو في القرن السابع عشر والتي تقول ان سرعة الاجسام لا تتوقف على كتلتها. وقال اينشتاين موضحا ان اي كتلة تسبب انحناء في حيز (الزمان – المكان) الذي يحيط بنا، ولذا، فإن اي جسم يمر بمحاذاة اي نجم، يتعرض للانحراف وفي هذه الحالة يتولد لدينا انطباع ان النجم يجذب الجسم اليه، علما بأن هذا الجسم يكون في الحققيقة متحركا في خط مستقيم على السطح المقوس او المنحني.
الكتلة والوزن: في اللغة المتداولة بين الناس يحدث ان لا يفرق الفرد بين الكتلة والوزن، لكن من الناحية الفيزيائية يثبت انه لا علاقة للكتلة بالوزن، فالكتلة من الناحية الفيزيائية هي كمية المادة المرجودة في الجسم او في الكائن الحي وتقاس بالكيلوجرامات، أما الوزن فهو القوة التي يتعرض لها الجسم عندما يكون خاضعا لجذب الارض.
وفي العادة تكون هذه القوة عمودية ومتجهة نحو الاسفل مثل جميع القوى، وتقاس شدتها بالنيوتن، وكلما كانت كتلة الجسم كبيرة، كان وزنه كذلك، لأن الكتلة والوزن مرتبطان بالمعادلة التالية: قيمة الوزن تعادل حاصل ضرب الكتلة بعجلة التسارع التي يتعرض لها الجسم اثناء السقوط الحر جراء الجاذبية الارضية وهي تساوي 9،81م/(الثانية)2.
وعلى هذا الاساس نلاحظ ان الحوت السابح في الماء لا يغرق او يبقى قابعا في قاع البحر، لأن تأثير الجاذبية يكون في الماء اقل تأثيرا منه على اليابسة ويتعرض الحوت الى قوة معاكسة لقوة الجاذبية او الوزن تعرف بقوة دفع أرخميدس للسوائل، وهذه القوة تتجه نحو الاعلى، ولابد ان نعلم ان هذه القوة لا تعادل في شدتها وزن الحوت ولكنها تعادل نفس الكمية من ماء البحر، وبما ان الوزن لا يعتمد الا على الكتلة وان المتر المكعب من الحوت ليس أثقل بالضرورة من المتر المكعب من الماء، فإن القوتين تتعادلان ويبقى الحوت وسط الماء، وإذا كان الحوت يحمل عظاما ضخمة فعلينا ان نعلم أولا ان جميع الكائنات الحية مكونة في جلها من 70% من الماء ولذا فإن عظام الحوت مليئة بالثقوب وبالدهون التي تكون في العادة أخف من الماء، كما ان الحيوان نفسه مطلي بطبقة دهنية، الامر الذي يجعله يطفو في الماء كنقطة زيت في كأس ماء، الى درجة ان الحوت يعاني من مشكلة اساسية لا تتمثل في الطفو فوق الماء بل في الدخول او الانزلاق فيه.
ومن الامور المعارضة للجاذبية ايضا صعود الماء في الاشجار العالية، ويعود السر في ذلك الى ظاهرة النتح، فعندما يصل الماء الى الاوراق يكون متأثرا بأشعة الشمس الامر الذي يودي الى تبخر جزء كبير منه في الغلاف الجوي، وعندما تفرغ الثقوب الصغيرة من الماء يتكون فراغ في خلايا الاوراق وهو ما يؤدي الى تولد (ظاهرة الشفط المائي) من الخلايا المجاورة، بمعنى ان الخلايا الفارغة تسحب الماء من القريبة وهكذا..
وفي عالم الحيوان نجد ان الزرافة، تعتبر تحديا للجاذبية فقبل ان تصل الطاقة الى الدماغ، لابد للدم ان يقطع مسافة مترين ونصف المتر بدءا من القلب الموجود في وسط جسمها، وهو عمل يقوم به القلب بشكل بارز نظرا لوزنه البالغ 12 كيلو جراما، وهذا ما يجعله يضخ الدم بضغط يزيد على الضغط الشرياني عند الانسان – بثلاث مرات وذلك كي يصل الى منطقة الدماغ، وكلما ارتفع الدم في رقبة الزرافة الطويلة تقل قوته تحت تأثير الجاذبية ولولا ذلك لانفجرت الاوعية الدموية الدماغية، ومن الناحية السفلى نلاحظ ان الجاذبية تقوم بسحب الدم بقوة لإيصاله للقوائم، إلا أن هذه الانسجة القوية التي تتكون منها الشرايين والاوردة تحول دون تمزقها، يضاف الى ذلك بالطبع سمك جلد الزرافة، وقوة عضلاتها اللذين يعملان على الحيلولة دون تغير شكل الاوعية الدموية وتلفها، وعندما تحني الزرافة رأسها نحو الاسفل لتشرب، فإن التعاريج الموجودة في دماغها تمنع وصول الدم اليه بعنف، وما ان ترتوي الزرافة وترفع رأسها ثانية حتى تتدخل الصمامات الموجودة في الاوردة لكبح قوة اندفاع الدم من الدماغ تحت تأثير الجاذبية لبلوغ القلب بسرعة، وهو ما يكفي ان يسبب صدمة للزرافة ودوخة فسبحان الخالق الكريم.
وحوش الجاذبية: عندما يموت النجم، فإنه يتحول الى وحش هائل ذي قدرة كبيرة على الجذب. وبالطبع تنتهي حياة النجم في العادة بواحدة من ثلاث صور: قزم ابيض، أو نجم نيوتروني، أو ثقف اسود. وتشترك هذه الاجرام في شيء واحد يتمثل تعرضها أصلا الى انهيار “جذبوي” فالمعروف ان النجم النشط المشع، ليس الا كرة غازية هائلة متوازنة، بمعنى ان الحرارة والاشعاعات المنبعثة منها تقذف الغاز نحو الخارج، في حين تعمل قوة الجاذبية في الاتجاه المعاكس، حيث تسحب المادة الصلبة نحو المركز وعندما يستنفد النجم كل وقوده، لا يبقى شيء يمنعه من الانهيار محدثا في حيز الفضاء/الزمن فراغا يتزايد مع ازدياد كثافة النجم وعند ذلك يتحول النجم الى وحش هادئ ويتخذ صورة من الصور الثلاث المذكورة آنفا ولكن يعتمد التحول على كتلة النجم الأصلية.
فالنجوم التي تقل كتلتها عن كتلة الشمس ب 4.1 مرة، فإنها تتحول الى قزم ابيض ويعني ذلك توقف عملية التقلص. فعندما يصبح حجم النجم مقسوما على مليون فإن قطعة صغيرة تعادل حجم كشتبان الخياطة من مادة النجم تزن اكثر من 4000 طن!
أما اذا كانت كتلة النجم محصورة بين 4.1 و3 مرات من كتلة الشمس، فذلك يعني ان هذا النجم سيستمر في التقلص الى ان يصبح قطره لا يزيد على بضع عشرات من الكيلو مترات وفي هذه الحالة يكون وزن قطعة الكشتبان السابقة قد أصبح يزيد على مليار طن لأن النجم قد تحول الى نجم نيوتروني.
والحالة الثالثة لهذا التحول المهول تتجسد في وضعية النجم عندما تكون كتلته الاصلية أعلى من كتلة الشمس بثلاث مرات، وفي هذه الحالة، لا شيء يمكن ان يوقف الجاذبية من ضغط النجم الى درجة لا يمكن وضعها أو تخيلها. وهنا يتوقف العلم عن وصف الحالة التي نحن بصددها ولا يجد العلماء سوى تعبيرات جميلة ومثيرة احيانا للتعبير عن عجزهم ويتمثل ذلك في تعبير الثقب الأسود حيث تبلغ كثافة المادة في هذا النجم حدا يصبح معها وزن بضع سنتيمترات مكعبة منها يساوي مئات المليارات من الاطنان. وهنا يظهر في حيز الفضاء والزمن ما يمكن ان يتخيله الفيزيائيون على هيئة ثقب عظيم يسحب كل ما يمكن ان يمر بجواره حتى ولو كان الضوء، ومن هنا جاءت تسمية هذا الجرم العظيم.
لقاء الثقبين: والآن ماذا لو التقى ثقب أسود مع مثيل له؟! فما الذي يمكن ان يحدث؟ يقول العلماء ان الثقبين سيبعثان بموجات تسمى بالموجات الجذبوية التي تعمل على احداث اهتزاز في حيز الفضاء الزمن. والواقع ان هذه الموجات اللامرئية ولدت من بنات افكار اينشتاين كنتيجة من نتائج نظرية (النسبية العامة). ومن هذا المنطلق لا توجد هذه الموجات الا ضمن المعادلات الفيزيائية من الناحية النظرية، اما العلماء الذين يعملون على كشف اسرار هذه الموجات في مرصد (فيرجو) الموجود في قلب منطقة التوسكان الايطالية فيرون غير ذلك!
ويحاول الفيزيائيون التقاط الموجات الجذبوية المنبعثة من نجمين يدور احدهما حول الآخر وينتهي الأمر بهما بالتصادم. ويحدث هذا الأمر مرات عدة داخل مجرة درب التبانة على مدار السنة. ومهما قال العلماء عن الموجات الجذبوية، فإن الأمر المؤكد انه اذا ثبت وجود هذه الموجات، فسيكون ذلك انتصارا لأينشتاين ولنظريته النسبية العامة. ويتوقع الباحثون التقاط موجات منبعثة عن اجسام مجهولة لا يصدر عنها الضوء وربما تتحرك بسرعات تفوق سرعة الضوء. ويؤكد العلماء ان المرصد (فيرجو) سيفتح لهم نوافذ عدة على الكون الرحب.