ينظر إلي المعلم علي أنه صاحب رسالة مقدسة وشريفة علي مر العصور والأجيال ، وإذا أمعنا النظر في معاني هذه الرسالة المقدسة والمهنة الشريفة خلصنا إلي أن مهنة التعليم التي اختارها المعلم وانتمي إليها إنما هي مهنة أساسية وركيزة هامة في تقدم الأمم ، ومنذ والنظرة للمعل نظرة تقدير وتبجيل ، فهو معلم الأجيال ومربيها ، ولكن النظرة قد اختلفت عبر العصور من حيث الأدوار التي يؤديها فقديماً كان ينظر إليه علي أنه ملقن وناقل معرفة فقط وما علي الطلاب الذين يعلمهم إلا حفظ هذه المعارف والمعلومات. وتغيرت أدوار المعلم نتيجة للتطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية التي يتعرض لها المجتمع ، وتحاول هذه الورقة إلقاء الضوء علي الأدوار التربوية الجديدة للمعل في مدرسة المستقبل من خلال عدة محاور علي النحو التالي :
أولاً : ملامح النظام التعليمي الجديد 0
ثانياً : أدوار المعلم بين الواقع والمأمول 0
ثالثاً : رؤية جديدة لأدوار المعلم في مدرسة المستقبل 0
رابعاً : استراتيجية مقترحة لإعداد معلم مدرسة المستقبل 0 وأخيراً تم تقديم مجموعة من التوصيات التي يجب علينا في مؤسسات إعداد المعلم أن نعمل علي تحقيقها 0
مقدمة :
جعل الله تعالى الإنسان خليفته في الأرض وميزهبالعقل على بقية المخلوقات وجعل عقله مناط التكليف وتحمل أعباء المسئولية ، وحثه على النظر في ملكوته وإعمال العقل والتدبر ، ولأن المعلم الإنسان هو خليفة الله على الأرض ، والمتحكم في نموها الاقتصادي كنتاج للأداء البشرى الذي يسهم في إعداده للمجتع سنوياً ، فلا يتحقق التقدم إلا بالقوى العاملة التي يعلمها ويدربها 0
وينظر علماء " التنمية البشرية " للمعل على أنه يشكل المصدر الأول للبناء الحضاري الاقتصادي الاجتماعي للأ من خلال إسهاماته الحقيقية في بناء البشر ، والحجم الهائل الذي يضاف إلى مخزون المعرفة ، وعبرت عنه نظرية " رأس المال البشرى " بأنه كلما نجح المعلم في زيادة المستويات التعليمية لأبناء الأمم ، كلما ارتفعت معها مستويات المعرفة ، ومن ثم ترتفع مستويات الإنتاج القومي العام ، والذي بدوره ينعكس على زيادة مستويات دخل أبناء الأمم وتحقق الرفاهية الاجتماعية ( غنيمة ، 10).
وإذا كان أحد أهداف العملية التعليمية تنمية شخصية الفرد وإكسابه اتجاهات إيجابية نحو المجتمع وثقافته وتحقيق تكيفه الشخصي والاجتماعي وتزويده بالخبرات والمهارات التعليمية التي تمكنه من أداء دوره الوظيفي الذي يتوقعه المجتمع منه 0 فإن دور المعلم يرتبط بتلك الأهداف العامة ، ولا شك في أن مقدرة المعلم على الوفاء بمسئولياته تجاه المجتمع والتلميذ تتحد بمدى استيعابه لأهداف العملية التعليمية ومتطلبات المجتمع وتوقعاته من دوره كمعلم، كما أن أداءه لدوره التربوي والتعليمي يتأثر أيضاً بمدي إتقانه للمهارت والمعارف المرتبطة بتخصصه و قدرته على الانتقاء والاختيار من خبراته بما يؤثر به على خبرات ومهارات الآخرين ،واستجابته واستيعابه للمستحدثا التربوية وسائل التعليم وظروف التغير بالنسبة للمجتع ومتطلباته وتوقعاته المتجددة من دوره كمعلم ( شتا ، 37 ) 0
وعلى الرغم من وجود تباين بين المعلمين من حيث فاعليتهم التعليمية ، ومن حيث قدرتهم على إيجاد تغييرات إيجابية لدى تلاميذهم ، فإنه يصعب إيجاد وصفة جاهزة نتمكن من خلالها تحديد المعلم الجيد أو الفعال لأن عملية التعلم نشاط مركب ينطوي على العديد من المتغيرات المتفاعلة على نحو ديناميكي ، فهناك المتغيرات الخاصة بالمعلم والمتعلم والمادة الدراسية وطريقة التدريس والأوضاع التعليمية ، فعلى الرغم من وجود أنماط تعليمية معينة أفضل من أنماط أخرى ، إلا انه يجب الاعتراف بعدم وجود نمط تعليمي جيد على نحو مطلق يصلح للأوضاع التعليمية جميعها ، أو يناسب المواد التعليمية جميعها أو المعلمين جميعهم 0 وتناول الورقة الحالية عدة محاور رئيسية وهي :
أولاً : ملامح النظام التعليمي الجديد :
يتطور العالم يوماً بعد يوم وتظهر نظريات واختراعات في كل مكان ، ولابد أن ترتبط التربية بما يدور حولها ، والمعلمون مثلهم مثل أي إنسان لابد أن يواجهوا المشاكل التي تحدث في هذا العالم سواء في وقتنا هذا أو تلك التي ستقع في المستقبل 0 وأول هذه المشاكل الاختلاف بين ما هو محلى وما هو عالمي، فالعالم يتقدم ، وهذا التقدم والتطور يخيف كثير من الأشخاص الذين يخشون على هوياتهم وذاتيتهم وعقائدهم ، ونتيجة لذلك فإن بعض الناس يحاولون أن يشقوا طريقهم محافظين على جذورهم وأصولهم، ويعمل آخرون على أن يظل العالم كما هو ، القديم على قدمه ، ولا يتقبلون التطورات الحديثة ، ويعيشون في الماضي ويكافحون للحفاظ عليه 0
وعلى المعلم هنا الحفاظ على هوية الأفراد وهوية الأمة ، وعليه أيضاً أن يتصرف ويعمل بدقة على تشجيع الطلاب وتعلميهم الحفاظ على هويتهم وتقاليدهم وفى نفس الوقت يحثهم علي مواكبة مع التطورات العالمية التي تواجههم مستقبلاً 0 ولكن يواجه المعلم عدة صعوبات منها : التناقض بين الحديث والقديم ، وبين النزاعات العصرية التحررية والثقافة التقليدية ( أيوب ، 107 ) 0
وقد وجد التعليم التقليدي منذ القدم وهو مستمر حتى وقتنا الحاضر ، ولا نعتقد أنه يمكن الاستغناء عنه كلية لما له من إيجابيات لا يمكن أن يوجدها أي بديل آخر 0 فمن أهم إيجابياته التقاء المعلم والمتعلم وجهاً لوجه ، ولكن في العصر الحاضر يواجه هذا الشكل من أشكال التعليم بعض المشكلات مثل :
( أ ) الزيادة الهائلة في أعداد السكان وما ترتب عليها من زيادة في أعداد الطلاب 0
( ب ) الانفجار المعرفي الهائل وما ترتب عليه من تشعب في التعليم 0
( ج ) القصور في مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب 0 فالمعلم ملزم بإنهاء كم من المعلومات في وقت محدد ، مما قد لا يمكن بعض المتعلمين من متابعته بنفس السرعة 0
( د ) قلة أعداد المعلمين المؤهلين تربوياً ( الفنتوخ & السلطان ، 82 ) 0
وأدت التحديات التربوية الهائلة إلي مراجعة شاملة للأس التربوية ، فقد عاد الحديث مرة ثانية عن حاجتنا إلى إنسان جديد ، يري الكثير صعوبة تحديد مواصفاته حيث لم تحدد بعد ملامح مجتمع المعلومات الذي يصنع هذا الإنسان من أجله ( صالح ، 41 ) 0 وعلى الرغم من ذلك فهناك شبه إجماع على صعوبة تحقيق ذلك ، دون أس تربوية مغايرة ، وإزاء هذه الحيرة لا يسعنا هنا إلا طرح بعض التوجهات التربوية العامة :
1- إن هدف التربية الجديدة لم يعد تحصيل المعرفة فقط ، فلم تعد المعرفة هدفاً في حد ذاته ، بل الأهم من تحصيلها ، القدرة على الوصول إلى مصادرها الأصلية وتوظيفها لحل المشاكل ، لقد أصبحت القدرة على طرح الأسئلة في هذا العالم المتغير الزاخر بالاحتمالات والبدائل تفوق أهمية القدرة على الإجابة عنها ، وهى تحصيل المعرفة وإتقانها هدف لم ندركه بعد 0
2- لابد أن تسعى التربية الجديدة لإكساب الفرد أقصى درجات المرونة وسرعة التفكير والقدرة علي التكيف " الاجتماعي والفكري " 0
3- لم تعد وظيفة التعليم في التربية الجديدة مقصورة على تلبية الاحتياجات الاجتماعية ، والمطالب الفردية ، بل تجاوزاتها إلى النواحي الوجدانية والأخلاقية ، وإكساب الإنسان القدرة على تحقيق ذاته ، وأن يحيا حياة أكثر ثراء وعمقاً 0
4- لابد للتربية الجديدة ، أن تتصدى للروح السلبية بتنمية التفكير الإيجابي ، وقبول المخاطرة وتعميق مفهوم المشاركة 0
5- لابد للتربية الجديدة ،أن تنمى النزعة لدى إنسان الغد – بحيث يدرك كيف تعمل آليات تفكيره – وذلك يجعله واعياً بأنماط التفكير المختلفة ، وذا قدرة على التعامل مع العوامل الرمزية بجانب العوامل المحسوسة دون أن يفقد الصلة التي تربط بينهما 0
ومنذ عدة سنوات مضت يبشر العلماء بمولد نظام تعليمي جديد أكثر جدوى وفاعلية ، يكون محوره التلميذ من خلال تفاعله ومشاركته بصورة فعالة ، ومفاهيم النظام الجديد في التدريب والتعليم آخذه فى التبلور ، حيث أصبحت طبيعة المهن الجديدة تتطلب من المدارس والجامعات إعداد خريجين بمجموعة مختلفة من المهارات غير تلك التي يتبناها نظام التعليم القديم ( الفار ، 181 ) 0 ويمكن القول أنه من المتوقع أن تكون أهم ملامح النظام التعليمي الجديد هي :
( 1 ) تفاعل تعليمي من الجانبين : يحاول النظام التعليمي الحالي إيجاد بعض صيغ التفاعل بين المتعلم من ناحية ومصادر تعلمه ، والمتمثلة في المعلم والكتاب من ناحية أخرى ، أما في النظام التعليمي الجديد فتيح الحاسبات عن طريق برمجيات الوسائط المتعددة ودوائر المعارف التفاعلية ، والاتصال بشبكات المعلومات المحلية والعالمية ، فرصاً غنية للتفاعل عن طريق مشاركة المتعلمين في كافة الأنشطة ، حيث أصبحت شبكات المعلومات ثنائية الاتجاه معرفية وتعاونية وذاتية الانضباط 0
( 2 ) التعلم الذاتي : ويعتبر أهم ما يميز النظام التعليمي الجديد ، حيث يتيح الفرصة للطلاب أن يتعلموا تعلماً ذاتياً ، تعلماً بدافع منهم وبرغبة أكيدة من داخلهم في تعلم ما يختارونه من موضوعات ، في الوقت الذي يتناسب مع ظروفهم واحتياجاتهم وميولهم ، بصرف النظر عن كون هذا التعلم يتم في المدرسة أو المنزل ، وهو ما يقابله في النظام التقليدي تعلم إجباري ليس له علاقة بذات التلميذ أو ميوله واحتياجاته 0
( 3 ) التعلم التعاوني : ويعتبر من الاتجاهات الحديثة الآن على الساحة التربوية ، وهو المناظر للتعلم الفردي في النظام التقليدي من خلال التليفزيون التعليمي أو المعلم أو الكتاب المدرسي 0 أما في النظام الجديد ، فينكب الطلاب على أجهزة الحاسبات في مجموعات التعلم من خلال الأقراص المدمجة متعددة الوسائط ، أو من خلال التواصل والتلاحم فيما بينهم عن طريق أجهزة الحاسب الشخصية بهم ، إضافة إلى إمكانية إشراك أي عدد من الأصدقاء أو المعلمين للمناقشة والتحاور 0
( 4 ) التمهن : اعتمد النظام التعليمي التقليدي على الاستيعاب غير الفعال ، والتحصيل الموقوت ، الذي سرعان ما يزول بعد فترة قصيرة من عقد الاختبارات ، أما في النظام التعليمي الجديد فيعتمد على الإتقان الذاتي للمعلوة مع ضمان بقائها مدة أطول ، والاستفادة منها في مواقف أخرى" المهن المختلفة التي يمارسها " ، حيث أن الطالب قد أتقنها بمجهوده الشخصي وبدافع من داخله بالعمل والممارسة 0
( 5 ) القدرة على البحث : حيث يتيح النظام التعليمي الجديد للطلاب فرصاً غنية للبحث والتحري عن المعلومات المستهدفة عن طريق التواصل مع الشبكات المحلية والعالمية ، حيث يقوم الطلاب بجمع المعلومات ونقدها 0
( 6 ) تنوع الطلاب والأدوات : يفترض النظام التعليمي الجديد اختلاف المتعلمين في الميول والاتجاهات والاستعدادات ، وبالتالي فهو يوفر طرقاً مختلفة وأدوات عديدة يتيح للكل على درجة اختلافهم تعلماً جيداُ متميزاً لدرجة تكاد تكون لكل واحد طريقة تناسبه ، على عكس ما هو كائن بالنظام التعليمي التقليدي 0
( 7 ) المحتوى شديد التغير : لمسايرة الانفجار المعرفي السائد في هذا العصر ، كان لابد من تغيير محتويات المقرات الدراسية على فترات قصيرة ، كانت تلك صعوبة يواجهها القائمون على النظام التعليمي القديم 0 أما في حالة النظام التعليمي الجديد فهذه مسألة لا تمثل مشكلة تماماً ، حيث يحصل الطلاب على معلومات من شبكات المعلومات ( صالح ، 54 ) 0
( 8 ) اقتصادي : بمعنى أنه يمكن تبادله بين الدول المختلفة فهناك كثير من الموضوعات الدراسية لا يختلف كثيراً في تدريسها أو محتواها سواء في الشرق أو الغرب 0
( 9 ) يفيد المجتمع والأفراد : بمعنى أنه تعليم فعال وظيفي يستفيد منه كل من المعلم والمتعلم والمجتمع ، لأنه يسعى إلى تحقيق مهارات التفكير العليا باستخدام أساليب التعلم الفردي ، والوسائط المتعددة ، وأساليب التقويم الذاتي 0
( 10 ) أنه تعليم ديمقراطي : بمعنى أن كل متعلم يتعلم طبقاً لاستعداداته وقدراته وميوله ويتعلم بحرية، والمعلم يستخدم أسلوب الاتصال المتعدد الاتجاهات والذي يسمح بالمناقشة مع المتعلمين 0
( 11 ) أنه يعرف المتعلم بالثقافة العالمية لكثير من بلدان العالم الأخرى مع عدم إهمال ثقافته المحلية 0
( 12 ) أنه تعليم فعال وتعاوني ، لأن الاتجاهات المستخدمة داخل الصف تشتمل على العمل في مجموعات صغيرة متعاونة وأيضاً التعلم عن طريق التجربة والتعلم عن طريق المحاكاة واستخدام تكنولوجيا التعليم 0
وحدد تقرير مؤتمر " مونت فيرنون " ( الجمعية الأمريكية لمديري المدارس ) 16 خاصية للمدارس والنظم المدرسية التي يمكن أن تعد الطلاب لعصر المعرفة العالمية والمعلومات ، هذه الخواص غير مرتبة على أساس الأولويات ، لكن جميعها مهمة ، ويمكن تلخيصها فى إعادة توصيف وتعريف المصطلحات التالية " مدرسة ، ومعلم ، ومتعلم " فى عالم الحاسوب الرقمي ، والمعلمون مدفوعون بتوقعات عالية ومستويات تحدى واضحة وهى مفهومة بشكل موسع من التلاميذ والعائلات والمجتمعات ، وإعداد المعلمين بكفاءة تناسب عصر المعرفة العالمية والمعلومات 0
ثانياً : أدوار المعلم بين الواقع والمأمول :
وإذا كان التعليم هو طريق التقدم ، وإذا كان لابد أن يهدف إلى التقدم فإنه لا يصنع هذا التقدم من فراغ ، فهو يتأثر باتجاهات العصر وبأهداف المجتمع الذي يتحمل مسئولية توجيهه، وهكذا بالنسبة للمعل فإن أدواره ومسئولياته وإعداده من أجل تحمل مسئولية التوجيه في هذا التعليم لابد من النظر إليها في ضوء التغيرات التي يشهدها المجتمع والتي تفسر ما يأخذ به من اتجاهات وما يقابله من تحديات ومسئوليات 0
وجهت كثير من البحوث اللوم الشديد للمعل بصفته أحد الأسباب الرئيسية للأزمة التربوية ، التي تعانى منها معظم مجتمعات العالم ، وأحد العوائق الأساسية أمام حركة التجديد التربوي لتلبية عصر المعلومات ، ولكن النظرة المنصفة تؤكد أن المعلم يمكن أن يكون هو مصدر الحل لا لب المشكلة ، وأن ثورة التجديد التربوي لا يمكن أن تنجح دون أن يكون على رأسها المعلم 0 فتكنولوجيا المعلومات لا تعنى التقليل من أهمية المعلم ، أو الاستغناء عنه كما يتصور البعض بل تعنى في الحقيقة دوراً مختلفاً له ، ولابد لهذا الدور أن يختلف باختلاف مهمة التربية ، من تحصيل المعرفة إلى تنمية المهارات الأساسية وإكساب الطالب القدرة على أن يتعلم ذاتياً ، فلم يعد المعلم هو الناقل للمعرفة والمصدر الوحيد لها ، بل الموجه المشارك لطلبته ، فى رحلة تعلمهم واكتشافهم المستمر ، لقد أصبحت مهنة المعلم مزيجاً من مهام القائد ، ومدير المشروع البحثي ، والناقد ، والموجه 0
ونحن لا نكر سلطة المعلم المباشرة وغير المباشرة التي تظهر في أدواره كالمحافظة على تقاليد المجتمع ، كوسيط فى نقل التراث الثقافي من جيل إلى جيل ، بل ومدى فاعلية سلطته فى إحداث التغيير الاجتماعي بالفكر والمعرفة ، بل أنه أداة الوصل بين عصر الأمس ومعرفته وعصر اليوم بما يحمله من تدفق معرفي هائل في حجم المعلومات وتقنياتها ( غنيمة ، 64 )0
هذا بالإضافة إلى الدور الريادي الذي يلعبه المعلم ، فهو رائد اجتماعي يسهم في تطوير المجتمع وتقدمه عن طريق تربية الأطفال تربية صحيحة تتسم بحب الوطن والحفاظ عليه ، وتسلح تلاميذه بطرق العمل الذاتي التي تمكنهم من متابعة اكتساب المعارف وتكوين القدرات والمهارات وغرس قيم العمل الجماعي في نفوسهم ، وتعويدهم على ممارسة الحياة و الديمقراطية في حياتهم اليومية ( بشارة ، 28 ) 0
والمعلم التقليدي هو الصيغة الغالبة في الأنظمة العربية للتعليم ، فهو غير مشارك في تخطيط المناهج الدراسية ، غير مدرب على ممارسة النشاط المدرسي ، ليست لديه أدوات حديثة للتقويم الشامل لقدرات ومهارات التعلم ، هذا المعلم تحكمه أفكار ومعتقدات تحتاج إلى تطوير ، فهو محشور بين مثلث له ثلاثة أضلاع ، أحدها كثافة عالية داخل حجرات الدراسة، وثانيها كم هائل من المواد التعليمية ، وثالثها وقت قصير وهو زمن الحصة الدراسية ، وكذلك أصبح هذا المعلم الذي يقف على خط الإنتاج غير قادر على اتخاذ القرار التربوي السليم ، فهو ملقن معنى بإيصال المعلومات إلى المتعلمين من الكتب المدرسية إلى عقل المتعلم بتبسيطها أو شرحها وتكرارها لتأكيدها واستظهارها 0
وبذلك تتأكد حاجة النظام التربوي لتحقيق التوازن بين " المهارة التربوية والمهارة الاجتماعية " للمعلين في محيط المدرسة ، وذلك لتمكين المعلم من تحقيق توقعات الدور منه كتربوي متفهم للأبعاد التربوية لعملية التعلم ، وقادر على استخدام الوسائل التربوية التي تمكنه من أداء دوره الوظيفي بمعدلات الأداء التربوي المطلوبة ، ورفع مقدرته الاجتماعية من خلال تبنيه لأهداف النظام التربوي ، والتشبع بالقيم المرتبطة بعملية التعلم ( شتا ، 32 ) 0
ولكي يواجه المعلم التحديات والمسئوليات الجديدة فأن عليه : أن يقوم بتدريب نفسه بنفسه ، فالمعلم يجب أن يتعلم طوال حياته ، وأن يدرب نفسه بنفسه باستمرار ، وألا يعمل المعلم بمفرده ، بل يجب أن يتعاون مع المعلمين الآخرين ، بحيث يعملون كفريق واحد متجانس متعاون يتبادلون الخبرة فيما بينهم 0
ثالثاً : رؤية جديدة لأدوار المعلم فى مدرسة المستقبل :
وفى ضوء التوقعات لملامح النظام التعليمي الجديد ، تتضح الحاجة إلى معلم جديد لمجتمع جديد ولأجيال جديدة " أبناء المستقبل " ، ينمى لدى المتعلم صفات شخصية وأنماطاً سلوكية جديدة 0 والسؤال الآن هو : ما الأدوار التربوية الخاصة بالمعلم فى مدرسة المستقبل؟ وبالفعل ظهرت أنماط وطرق جديدة تستخدم فى التدريس فرضت على المعلم دوراً جديداً ومهارات جديدة تتفق مع طبيعة المجتمع الذي انبثقت منه ومع فلسفته وأهدافه وقيمه 0 فإن المعلم اليوم لا يمكن أن يكون كمعلم الأمس يقف ليلقن التلاميذ المقرات منعزلاً عن زملائه المعلمين أو عن التيارات الفكرية والتكنولوجية التي تحيطه خارج المجتمع ، وإنما يصبح المنظم والمنسق لبيئة التعلم بما فيها من موارد وتوزيع العمل التعليمي ، وكسر عادة التبعية عند التلاميذ وتشجيعهم على الاستقلال الفكري لمزيد من الخيال والإبداع 0
ولذلك اتجه التفكير إلى تغيير بعض المفاهيم والنظر إلى أدوار المعلم بطريقة مختلفة 0 ومن بين هذه الأفكار أنه بدأت تختفي فكرة المعلم الموسوعي متعدد القدرات متكامل الصفات حيث أن هذا النموذج الموسوعي خيالي غير واقعي ، وبدأت الأنظار تتجه نحو تقنية جديدة في مجال التدريس تعرف بالتدريس على هيئة فريق ، وكذلك اتجه التفكير فى تخصيص مجموعة من المعاونين لمساعدة المعلم وتخفيف الأعباء عليه ، حيث تكون وظيفتهم القيام بمساعدة المعلم في الأعمال الإدارية وتحضير الأجهزة إلى غير ذلك من الأعمال التي كانت تحول دون قيام المعلم بعمله الرئيسي في التدريس ، حيث تشير بعض الدراسات أن هذه الأعمال تستغرق ثلث وقت المعلم 0ونتوقع أن يكون معلمي مدرسة المستقبل مزيجاً متنوعاً يشمل علماء ، وخبراء محتوى ومتخصصين فى المعلومات الحديثة وقادة للجماعت ومحفزين ، وسيقوم أفضل هؤلاء بتحفيز التلاميذ للرغبة في التعليم وخلق الحماس للمعرفة في نفوسهم 0
وتمثل أدوار المعلم في مدرسة المستقبل في : إتقان مهارات التواصل والتعلم الذاتي ، وامتلاك القدرة على التفكير الناقد ، والتمكن من فهم علوم العصر وتقنياته المتطورة واكتساب مهارات تطبيقها فى العمل والإنتاج ، والقدرة على عرض المادة العلمية بشكل مميز ، والإدارة الصفية الفاعلة وتهيئة بيئة صفية جيدة ، والقدرة على استخدام التقويم المستمر والتغذية الراجعة أثناء التدريس ، وهذه القائمة من الأدوار تمثل الحد الأدنى لمعلم مدرسة المستقبل حتى نضمن بنسبة عالية تحسين نوعية المخرجات ( الحر، 110) وكذلك نجد أن أدوار المعلم في مدرسة المستقبل سوف تتغير من ملقن إلي :
أ – مرسل ، بمعني أنه يقوم بتعليم تلاميذه المعارف والمفاهيم المتصلة بالمواد التعليمية 0
ب – مدرب ، بمعني أن يدرب تلاميذه على استخدام التقنيات الحديثة في تعلمهم ، وتهيئة بيئة تعليمية جيدة لهم ، وأن يقدم لهم التوجيهات والإرشادات عندما يطلب منه 0
ج – نموذج ، بمعني أن يكون مخط جيد لاستخدام التقنيات الحديثة بنفسه حتي يقلده ويحاكيه تلاميذه في عمل الأشياء والمواد التي يقوم بتنفيذها لتلاميذه والتي تساعدهم وتمكنهم من المادة الدراسية ، و قادراً على تعزيز تعلم تلاميذه 0
د – متخذ قرار ، أن يكون المعلم قادراً علي اتخاذ القرار ، ولديه القدرة على الاتصال بالآخرين بهدف تسهيل عملية التعلم 0 مما سبق يمكن القول بأننا في مدرسة المستقبل نحتاج إلى :
1- معلماً خبيراً في طرق البحث عن المعلومة ، وليس الخبير في المعلومة نفسها ، فقد تحول المعلم من خبير يعلم كل شئ إلى ما يشبه المرشد السياحي في عالم يعج بالمعلومات ، ويحتاج الطلاب إلى من يرشدهم0
2- معلماً يستطيع إنجاز مهامه الاجتماعية والتربوية ، ويسهم في تطوير جانب الكيف وينظم العمليات التربوية باتجاهاتها الحديثة ، ويحسن استثمار التقنيات التربوية ويستخدم مستحدثاتها فى تمكن ومهارة كالتعليم المبرمج ، والتعليم المصغر ، والتعليم الذاتي 0
3- معلماً يتفهم بعمق مهامه تجاه مجتمعه وأمته عن طريق المواقف التعليمية وما ينشأ عن علاقات متبادلة بين المعلم والمتعلم وهى علاقات يجب أن تتميز بالحوار والتفاعل وتبادل الخبرة بحيث تتعدى نقل المعرفة من طرف إلى آخر لتؤدى إلى تنمية القدرات وممارسة قوى التعبير والتفكير وإطلاق قوى الإبداع، وتهذيب الأخلاق وتطوير الشخصية بجملتها 0
4- معلماً يملك روح المبادرة والنزعة إلى التجريب والتجديد ، يثق بنفسه في تنظيم النشاط التربوي بحرية واختيار ، ويمتلك من المهارات والقدرات والمعلومات ما يجعل منه باحثاً تربوياً يسهم في حل المشكلات التربوية عن دراية وعى 0
5- معلماً ممارساً مفكراً متأملاً يقوم على نحو مستمر تأثير اختياراته وأفعاله على الآخرين والتلاميذ، ويعمل على نحو نشط ويبحث عن الفرص لنموه مهنياً 0
6- معلماً يمتلك استراتيجيات التقييم النظامية وغير النظامية ، ويستخدمها لتقويم نمو المتعلم العقلي والاجتماعي والجسمي ليضمن استمراره 0
رابعاً : استراتيجية مقترحة لإعداد معلم مدرسة المستقبل :
من الأفكار الرئيسية في أي مناقشة لإعداد المعلم أن نحدد ما الذي ينبغي عمله في سبيل إعداد المعلمين لعملهم 0 فإذا نظر إلي التدريس باعتباره نقل معلومات للتلاميذ ، وإذا كان من غير المتوقع أن يتعلم جميع التلاميذ تعلماً جيداً 0 فإن المرء يستطيع أن يقدم الحج بأن المعلمين لن يحتاجوا لأكثر من إتقان المعرفة بالمادة الدراسية بحيث يستطيعون أن يلقوا دروساً 0 ومن السهل لهذا النوع من التدريس أن نخرج المعلمين من كليات الآداب والعلوم وقد يكون هذا إعداد كافياً لهم 0ولكن إذا كنا في حاجة إلي معلمين قادرين على ضمان تعلم ناضج للتلاميذ الذين يجيئون إلي المدرسة بمستويات مختلفة من المعرفة السابقة ، وأنهم يتعلمون بطرق مختلفة ، فإن المعلمين في حاجة إلي أن يكونون مخطين يعرفون قدراً كبيراً من المعرفة عن عملية التعلم ولديهم حصيلة كبيرة من استراتيجيات التدريس 0
ولقد تعرضت كليات التربية وأقسامها لنقد شديد خلال القرن الماضي 0 وجانب من هذا النقد وخاصة بعد أن دمج مدارس إعداد المعلمين في أقسام الجامعات ، وظهور ما يسمي " توحيد مصدر إعداد المعلم " ، ويبدو أن كثيراً من برامج إعداد المعلم تفضل النظرية على التطبيق إلي حد كبير 0ومن الانتقادات التي توجه لبرامج إعداد المعلم التقليدية عدم كفاية وقت الإعداد ، وطرق التدريس غير المهمة أو السيئة ، والتجزئة في المعلومات والعناصر التي يتم دراستها أو منهج التعلم السطحي 0
وتشكو كثير من البلدان العربية من نقص أعداد المعلمين ونقص كفاءتهم المهنية وقصور خليفتهم العلمية والثقافية ، وأسباب ذلك معروفة للجميع ، منها أسلوب اختيار المعلمين الجدد وتخلف طرق تأهيلهم ، وعدم مداومة تدريبهم ، وعدم توفر الحافز لديهم ،وهذا يعني حاجتنا الماسة إلي تغيير جذري في سياسة تأهيل المعلم العربي ، والتخلص من الأساليب القائمة علي التلقين واستبدالها بأساليب التعلم الجديدة 0
والإستراتيجية التي تقترحها ورقة العمل الحالية لإعداد معلم مدرسة المستقبل تبني على التصور التالي :
1- تحديد معاير علمية وتربوية وثقافية وصحية ملائمة لانتقاء الطلاب المعلمين تمكن من ترغيبهم بعلمهم وتحفيزهم لتطوير ذواتهم وخبراتهم 0
2- الاهتمام بالإعداد المسبق للمعل في جميع مراحل التعليم وبخاصة في كليات التربية ولمدة خمس سنوات ، بحيث تكون السنة الأخيرة للتدريب وبعدها يحدد قبول المعلم من عدمه في مهنة التعليم 0
3- التدريب الميداني خلال سنوات الدراسة لفترة كافية داخل المدارس ، وكذلك علي شكل فصول مصغرة داخل مؤسسات الإعداد مع الملاحظة المستمرة من قبل أساتذة المناهج وطرق التدريس ، وعلم النفس التربوي 0
4- أن يتوافر في مؤسسات إعداد المعلم برامج تربوية محكمة البناء أكاديمياً وتطبيقياً 0 ولا يتحقق ذلك إلا من خلال تحسن مستوي البحث والتجريب والتطبيق التربوي 0
5- إدخال مقرات جديدة في المعلوماتية وطرائق استخدام التقنيات الحديثة في التعلم ضمن مناهج إعداد المعلمين 0
6- وضع خطة زمنية لإعادة تأهيل المعلمين القدامي في كليات التربية ، وفي مراكز التدريب ، وذلك في إطار خطة متكاملة للتجدي التربوي 0
7- وضع آلية ثابتة لتقويم أداء المعلم من قبل المتخصصين في القياس والتقويم التربوي 0
خاتمة وتوصيات :
وأخيراً فإنه بالعمل لا بالشعارات ، يمكن أن نعد معلماً – معلم مدرسة المستقبل – قادراً علي بناء السلوك البشري ومواكبة ثورة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات ، وأن يحقق مطالب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية 0 ولن نجح في بناء هذا السلوك بدون تنظيم وتنسيق بين المؤسسات التعليمية والتربوية وسائر مؤسسات التربية غير النظامية " وسائل الأعلام ، والأسرة ، ودور العبادة 0000 الخ "، وعلينا في مؤسسات إعداد المعلم أن نعمل علي :
أ – توافر القاعدة المعرفية ، وهو أمر في غاية الأهمية ، فلا يمكن لمعلم لا يملك القاعدة المعرفية المناسبة أن يقوم بالتدريس والنجاح فيه ، فالقاعدة المعرفية في مجال التخصص أمر محوري فى مهنة التدريس 0
ب – توافر المهارات الفنية ، فالتدريس أصبح فناً له مهاراته واستراتيجياته الخاصة والتي لابد وأن تتوافر في المعلم الجيد الذي يسعي لنقل المعرفة والتراث ، ويساعد في عملية التنشئة الاجتماعية ويعد جيلاً مدرباً للعيش فى القرن الجديد ، ومن غير هذه المهارات الفنية لا يستطيع المعلم أن يقوم بدوره 0
ج – توافر الملاحظات الصفية أو التدريب الميداني للطالب المعلم قبل التخرج ، حيث يتمكن من خلالها أن يتعلم كثيراً من الأمور إذا تم إجراؤها بطريقة علمية منهجية سليمة 0
د – تقديم محاضرات وندوات ورش عمل تدريبية للمعلين القدامي ، كل هذه العمليات تسهم في تطوير أداء المعلم وزيادة حصيلته المعرفية ورفع مستوي أدائه الوظيفي 0
منقول للفائدة