تعتبر ظاهرة تأخر سن الزواج ظاهرة ذات أهمية و صدى كبير لدى العام و الخاص و قد لقيت اهتماما كبيرا لدى الباحثين , محاولين تفسيرها كل حسب منطقة فتعددت الأسباب و اختلفت النتائج , إلا أن الهدف العام هو الكشف عن أسرار و خفايا هذه الظاهرة و قد تؤكد الدكتورة عزة كريم رئيسة وحدة الأسرة بالمركز القومي للدراسات الاجتماعية و الجنائية – مصر – بان ( العنوسة ) مصطلح اجتماعي و ليس لفظا علميا و بالتالي فهو متغير بتغير الظروف و الأوضاع الاجتماعية و التطور الزمني للمجتمع .
فتأخر الزواج عادة يعني السن التي تصل إليها الفتاة دون زواج مقارنة بالسن السائدة و المتعارف عليها وسط أسرتها و المجتمع , و كل مجتمع يحدد سنا للزواج و لذلك فتأخر سن الزواج في الريف يختلف عن الحضر , و في الدول العربية عن الدول الغربية , و ينخفض سن تأخر الزواج عادة في المجتمعات غير المتقدمة أكثر من المتقدمة , بمعنى انه في مجتمع الريف أي فتاة تجاوزت 25 عاما تسمى عانسا فتدخل الأسرة في مرحلة القلق , لكن في المدن يبدأ القلق من سن 30 عاما و مع تطور المجتمع ارتفع سن تأخر الزواج فيها إلى 33 عاما و هذا أمر طبيعي , ففي الدول الأوربية يصل إلى 40 عاما …..
و كما تختلف النظرة إلى تأخر سن الزواج من مجتمع إلى أخر , فهي تختلف من أسرة إلى أسرة أيضا , فالأسرة تقلق بعد تخرج ابنتها من الجامعة دون أن تتزوج بعدها بعامين , و يزداد القلق خاصة في المجتمعات العربية مع ارتفاع سن الزواج و الدين الإسلامي لم يضع سنا معينة للزواج , ويرى الشيخ منصور صالح المنهالي رئيس قسم الوعظ و الإرشاد – الإمارات – بان مصطلح ( العنوسة ) هو احد المصطلحات المستحدثة التي دخلت على المجتمع . مشيرا إلى عدم وجود سن معينة لزواج الفتاة فالرسول صلى الله عليه و سلم " تزوج من امرأة تكبره ب (15) عاما مؤكدا بان السن ليست المعيار الأساسي للزواج و إنما ما اخبر عنه والرسول صلى الله علية و سلم في قوله " تنكح المرأة لأربع لدينها و جمالها و حسبها , فاظفر بذات الدين تربت يداك " (www.bafree.net)
2-1 – تأخر سن الزواج في المجتمع الغربي : ابتداء من 1973 انخفض معدل الزواج لأسباب اقتصادية و اجتماعية و تعتبر التغيرات الثقافية هي من ابرز لأسباب في تأخر سن الزواج نتيجة لظهورها الحرية الفردية للمرأة . و قد أكدت الإحصائيات في فرنسا و أمريكا أن هنالك تراجع كبير و نفور من الزواج لدى النساء المتعلمات أكثر من غيرهن و أصبح المجتمع الفرنسي يلقب بالمجتمع العجوز .
2-2- تأخر سن الزواج في الوطن العربي :
فرضت الظروف المعيشية و التغيرات الاقتصادية خطرا من نوع خاص بات يلاحق البيوت العربية ، مستهدفا الشباب العربي من الجنسين .فقد كشفت دراسة حديثة إن %35 من الفتيات في كل من الكويت
و قطر و البحرين و الإمارات بلغن مرحلة العنوسة و انخفضت هذه النسبة في كل من السعودية و اليمن و ليبيا لتصل إلى 30% بينما بلغت 20% في كل من السودان و الصومال و 10 % في سلطنة عمان
و المغرب , في حين أنها لم تتجاوز في كل من سورية و لبنان و الأردن نسبة 05% و كانت في ادني مستوياتها في فلسطين , حيث مثلت نسبة الفتيات اللواتي فآتهن قطار الزواج 01 % تقتصر على النساء فقط , فهنالك نسبة كبيرة من الرجال يعانون من هذه الظاهرة ففي سورية بينت الأرقام الرسمية إن أكثر من 50 % من الشبان السورين لم يتزوجوا بعد , بينما لم تتزوج 60% من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 25 و 29 عاما و بلغت نسبة اللواتي تخطين 34 عاما , دون زواج 2.37% و هو ما يعني أن أكثر من نصف النساء غير متزوجات , و في لبنان أكدت إحصائية أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية و الصحة اللبنانية إن نسبة الذكور غير المتزوجين ما بين 25و30 سنة 95.1 % و الإناث 83.2 %
أما في مصر فقد أكدت دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية أن نسبة غير المتزوجين من الشباب من الجنسين بلغت بشكل عام حوالي 30% و بالتحديد 29.7% للذكور و 28.4 % للإناث
و أشارت نتائج دراسة أردنية مماثلة إلى أن تأخر عمر الفتيات عند الزواج الأول الى 29.2% بينما يتأخر إلى 31.9 %سنة لدى الذكور ’ كما أعلنت دراسة نفذها الديوان الوطني للاسرة و العمران البشري بتونس تزايد نسبة العزوبية .
و هذا ما دفع خبراء الاجتماع و شؤون الأسرة العرب إلى دراسة الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة و كيفية مواجهتها و التخفيف من سلبياتها على الشباب و الفتيات و المجتمع كله , فقد جاءت الأزمة الاقتصادية و ضيق ذات اليد في مقدمة السباب التي أدت إلى تفاقم المشكلة فعلى سبيل المثال لعب التغير الاقتصادي الذي ساد منطقة الخليج العربي دورا كبيرا في زيادة الخلل , حيث بدأت الأسر بتقليد من هم اعلي منهم اجتماعيا , ما أدى إلى المغالاة في المهور و البذخ في الأفراح و ارتفاع أثمان الأثاث و فخامة البيوت , و بعد تلك الأرقام المخيفة بات تأخر سن الزواج ناقوس خطر يهدد الأسر العربية .
2-3 – تأخر سن الزواج في المجتمع الجزائري:
فللزواج أهمية كبيرة في المجتمعات الإسلامية و العربية تتمثل في كونه واجبا مقدسا يجب أداءه إذ من خلاله يتم الشخص نصف دينه رجلا كان أو امرأة و مهما تعرضت هذه البلدان إلى تحولات و تغيرات في مختلف بنياتها الاقتصادية و الاجتماعية فان نظام الزواج يبقى دائما محافظا على كيانه و استمراره و لايجوز للفرد أن يبقى عازبا مادام انه يعيش في مجتمع مسلم جعل من الزواج أساسا له .
و بما أن المجتمع الجزائري مجتمع مسلم فان الزواج يقوم أساسا على مبادئ مستوحاة من الدين الإسلامي و قانون الأسرة ينص على " انه عقد بين الرجل و المرأة على وجه الشرعي " ( الأمين عياط ،2004، ص .37 ).
و في الجزائر كشفت الأرقام الرسمية التي أعلنها الديوان الجزائري للإحصاء أن هنالك أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن بعد على الرغم من تجاوزهن الرابعة الثلاثين , و أن عدد العزاب تخطى 18 مليونا من عدد السكان البالغ 30 مليون نسمة .