التصنيفات
منوعات

احذر أن تجلس جلسة المغضوب عليهم !

إن نعمة الله علينا عظيمة بأن منَّ علينا أن هدانا للإيمان وكنا مسلمين، ومن أعظم نعمه علينا بأن جعل التمايز بين الحق والباطل واضحاً، فلا تميُّع بينهما، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-: ((قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك . . .))(1)، لذلك كانت مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من أعظم المقاصد العليا للشريعة الإسلامية،
وهذ المخالفة يجب أن تكون في الظاهر كما هو بداهة بالنسبة للباطن، فإن موجب الطباع ومقتضاها يحتم أنه إذا اشترك شخصان في نوع وصف بأن كان متشابهين ظاهراً فإن ذلك مظنة المودة، وهذا الأمر يشهد به الحس والتجربة فضلاً عن النصوص، ويؤدي إلى أمر عظيم من المودة والتآلف ثم إلى المحبة والمولاة التي تنافي الإيمان، وذلك أن الظاهر والباطن بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم به القلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً، ذلك أن المشابهة في الظاهر تورث تشاكلاً وتناسباً بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فمن لبس ثياب أهل العلم وجد من نفسه نوع انضمام إليهم، ومن لبس ثياب الجند المقاتلة يجد من نفسه تخلقاً بأخلاقهم وتطبعاً بطباعهم، وكل ما ذكرت أعلاه حاصل لا محالة إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص(2).

وحديثنا في هذه المرة عن مسألة مهمة، وجدت كثيراً من الشباب قد غفلوا عنها، وذلك أنه في شهر رمضان الفائت -تقبل الله منا ومنكم صيامه وقيامه- وأثناء انتظارى لصلاة القيام، كنت أجد بعضهم يتكئ على يسراه خلف ظهره، فأحببت أن أفيد بهذه المسألة نفسي أولاً ومن ثم إخواني، وذلك بنقل كلام العلماء والأئمة في هذه المسألة.

ونبدأ الآن بالحديث وطرقه، ثم نسوق ما تيسر من شرح العلماء بعده:

الحديث:

قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا -أَيْ وَقَدْ وَضَعْت يَدِي الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي- فَقَالَ : أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؟

غريب الحديث:

1- الأَلية- بفتح الهمزة- اللحمة التي في أصل الإبهام.
2- القِعدة -بالكسر- للنوع والهيئة.
3- ورد في حديث صحيح أنَّ المغضوب عليهم في سورة الفاتحة هم اليهود(3).

رجال الحديث:

1- علي بن بحر: ثقة في صحيح البخارى تعليقاً وأبو داود والترمذي.
2- عيسى بن يونس: وهو ثقة أخرج له أصحاب الستة.
3- ابن جُريج: ثقة أخرج له أصحاب الستة.
4- ابراهيم ابن ميسرة: ثقة أخرج له أصحاب الستة.
5- عمرو بن الشريد: ثقة أخرج له أصحاب الستة والترمذي في باب الشمائل.
6- الشريد بن سويد: وهو صحابي -رضي الله عنه-، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في كتاب الشمائل والباقون(4).

مظان الحديث:

والحديث صحيح، رواه أبو داود في كتاب الأدب 4848، وأحمد في بداية مسند الكوفيين من حديث الشريد بن سويد الثقفي -رضي الله عنه-، وفي صحيح الترغيب والترهيب المجلد الثالث كتاب الأدب وغيره رقم 3066، وفي مشكاة المصابيح المجلد الثالث أيضاً كتاب الآداب برقم 4730، وفي رياض الصالحين رقم 824(5)، وابن مفلح في الآداب الشرعية، وساقه الشيخ الألباني مع غيره في جلباب المرأة وذلك أثناء كلامه على الزي الذي يبتعد فيه المسلم والمسلمة عن التشبه.

فقه الحديث:

قال صاحب عون المعبود:
" قوله: ‏((وأنا جالس هكذا)) ‏‏:
المشار إليه مفسر بقوله:‏
‏((وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي)) ‏‏: أي اليمنى والألية بفتح الهمزة اللحمة التي في أصل الإبهام. ‏
‏((فقال: أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟)) ‏: القِعدة بالكسر للنوع والهيئة. ‏
‏قال الطيبي: والمراد بالمغضوب عليهم اليهود. ‏
‏قال القاري: في كونهم هم المراد من المغضوب عليهم ههنا محل بحث؛ وتتوقف صحته على أن يكون هذا شعارهم, والأظهر أن يراد بالمغضوب عليهم أعم من الكفار والفجار المتكبرين المتجبرين ممن تظهر آثار العجب والكبر عليهم من قعودهم ومشيهم ونحوهما, نعم ورد في حديث صحيح أن المغضوب عليهم في سورة الفاتحة هم اليهود انتهى. ‏‏والحديث سكت عنه المنذري." اهــ

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- شارحاً لهذا الحديث في كتاب "رياض الصالحين"(6):
" لا يكره من الجلوس إلا ما وصفه النبي -صلى الله عليه وسلَّم- بأنه قعدة المغضوب عليهم، بأن يجعل يده اليسرى من خلف ظهره ويجعل بطن الكف على الأرض ويتكئ عليها، فإن هذه القعدة وصفها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم-بأنها قعدة المغضوب عليهم.
أمَّا لو وضع اليدين كلتيهما من وراء ظهره واتكأ عليهما فلا بأس.
ولو وضع اليد اليمنى فلا بأس.
إنما التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها قعدة المغضوب عليهم؛ أن يجعل اليسرى من خلف ظهره ويجعل باطنها -أي أليتها- على الأرض، ويتكئ عليها؛ فهذه هي التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها قعدة المغضوب عليهم." اهـ

قال الشيخ المحدث عبد المحسن العباد -حفظه الله- في شرحه لسنن أبي داود:
" كما روى أبو داود في باب الجلسة المكروهة، باب في الجلسة المكروهة.
والمكروه -يعني- قد يراد به المحرَّم وقد يراد به ما هو مكروه للتنزيه، ولكن كونه جاء في الحديث جلسة المغضوب عليهم،دلَّ على التحريم، وأنَّ هذا يدل على التحريم.
أولاً: في حديث الشريد بن سويد -رضي الله عنه- أنه قال: ((مرَّ بي رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على ألية يدي…)).
((واتكأت على ألية يدي)): ذكر في عون المعبود تفسيره أنَّه جعل يده اليسرى خلف ظهره، واتكأ على ألية يده اليمنى، والمقصود بالألية هو ما كان من الراحة من جهة الإبهام، هذا يقال له ألية اليد.
ويحتمل أن يكون المقصود [بالحديث] أنَّ كل ذلك يتعلق باليد اليسرى، وأنَّه جعلها وراء ظهره، وأنه جعل أليتها متكأًً عليها، أي جعل الراحة التي من جهة الإبهام وليست التي من جهة الخنصر.
((قال أتقعد قِعدة المغضوب عليهم؟)): الاستفهام إنكار . . .(7)" اهـ

ثم سُئل الشيخ العباد: " فعلى هذا تكون الجلسة لو وضع يده اليمنى فقط خلف ظهره؟
الشيخ مجيباً: والله، أقول الإنسان -يعني- لو يبتعد عن هذا، أنا ما أعرف يعني شيئاً يدل عليه، ولكن الشئ الذي فيه شبهة يبتعد عنه الإنسان." اهـ

هذا ما تيسر من النقول من العلماء، فأرجو أن تكون الفائدة قد وصلت، والنفع قد عمَّ، هذا فما أصبت فيه فمن الله، وما أخطأت فيه فمن نفسي ومن الشيطان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
——————————————————————————–
1) الصحيحة 937 .
2) وهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" ببعض من التلخيص والتصرف .
3) وتفسير الغريب قد أخذته من عون المعبود .
4) وترجمة رجال الحديث هي للشيخ المحدث العلامة عبد المحسن العباد البدر من شرحه لسنن أبي داود .
5) وقد كنت أضفت هذه المراجع، على أنَّ رياض الصالحين ليس من مراجع التخريج لأنه يذكر الأحاديث مختصرة السند، وكذلك الكتب الفقهية التي تلي مثل الآداب الشرعية وجلباب المرأة المسلمة، وذلك لأني أريد ذكر جميع مظان الحديث وشروحه .
6) باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا لم يخف انكشاف العورة وجواز القعود متربعاً ومحتبياً، الحديث رقم 824/5 .
7) وبعد ذلك أخذ الشيخ في ذكر رجال الحديث، وقد قدمنا ذلك .




جزاك الله خير على هذا الموضوع
من جد معلومات ما كنت أعرفها و مفيدة جدا
الله يوفقك دنيا و آخره و يجزاك ألف خير



شكرلك



جزاك الله خير على هذا الموضوع



خليجية



التصنيفات
منتدى اسلامي

عاشوراء يومنا لايوم المغضوب عليهم ولا المبتدعين

إننا أحق به من كل هؤلاء , إنه يومنا , يوم الصالحات , إذ يكفر صومه ذنوب السنة الماضية , ويؤكد اتباع سنته صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه حتى آخر رمق في حياتنا , يومنا , إذ فيه كان حد فاصل بين معسكر الكفر ومعسكر اليقين, فأنقذ الله فيه موسى ومن معه أجمعين ثم أغرق الآخرين .

يومنا لا يوم يهود , الذين غيروا وبدلوا ولم يحفظوا حرمة رسالتهم ولا ميراث نبيهم عليه السلام , وكذبوا ببشارته بمحمد صلى الله عليه وسلم , فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: " مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قال: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ" أخرجه البخاري (1)

يومنا , إذ يدعونا لوحدة الصف مع أهل الإيمان أجمعين , ووحدة صف المتبوعين من أنبياء الله جميعا , فدعواهم واحدة , ومنهجهم واحد , وسبيلهم واحد , وغايتهم واحدة , والتابعون لهم على موعد حق مع التوحد على التوحيد , والمصرون على عنادهم وتفرقهم عن محمد صلى الله عليه وسلم يسيرون عكس تيار الهدى ويخالفون منهاج أنبيائهم الصالحين عليهم أفضل الصلاة والتسليم وعلى الجانب الآخر فهذه الأمة الرسالية هي أولى الخلق بأنبياء الله من أقوامهم الذين كذبوهم ولم يعرفوا حقهم كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح " أنتم أحق بموسى منهم " .

إنهم وإن كانوا أقرب له من حيث النسب فإننا أقرب إليه من حيث العقيدة والتصديق والمحبة والأخوة .

نحن أحق بعاشوراء منهم إذ إنه يوم ذكرى لنصر الله عباده الصالحين ما أخلصوا وصبروا وتوكلوا على الله حق توكله قال سبحانه :" إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .." , إذ قال الله سبحانه في وصف ما حدث ذلك اليوم " فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ. فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " .

وهو يومنا لا يوم المبتدعين من الشيعة الرافضين , الذين يجعلونه يوم ألم وأحزان , وبكاء وعويل ودماء , ويجعلونه يوما تنتهك فيه حرمة التوحيد , وترفع فيه رايات البدعة والخرافة في دين الله , بعدما زوروا التاريخ وحرفوا الوقائع وأساءوا الفهم وأنكروا الصدق والحق على ألسنة الصادقين من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم .

هو يومنا لا يوم المبتدعين إذ النبي صلى الله عليه وسلم أكد فيه على معنى الاقتداء بسنته , فأمر بمخالفة أهل الكتاب , فأمر أن يصام ويزاد على يوم يهود , فإن يهود لم تكن تصمه بل كانت تفطر فيه كيوم عيد , فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: «حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ". قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أخرجه مسلم , وعن سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل". أخرجاه في الصحيحين , وكان الصحابة رضي الله عنهم يربون صبيانهم على صيامه كما في حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: "فكنا نصومه ونصوم صبياننا" أخرجاه في الصحيحين .

يومنا وزادنا الله سبحانه على خيره خيرات كثيرات , فحرصنا عليه واقتدينا بنبينا صلى الله عليه وسلم في الحرص عليه , فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ» أخرجه البخاري
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» أخرجه مسلم

—————————————————————————————-

(1) قوله: «هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ» في رواية مسلم: «هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه».قوله: «فصامه موسى»زاد مسلم : «شكراً لله تعالى فنحن نصومه»وفي رواية للبخاري: «ونحن نصومه تعظيماً له» وقوله: «وأمر بصيامه» عند البخاري : «فقال لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا».




ان شاء الله يقدرنا ربي و نكون من الصائمين
بارك الله فيك يا غاليه



شكرلكم



جزآآآك آلله خيير …



شكرلكم



التصنيفات
منوعات

احذر أن تجلس جلسة المغضوب عليهم !

إن نعمة الله علينا عظيمة بأن منَّ علينا أن هدانا للإيمان وكنا مسلمين، ومن أعظم نعمه علينا بأن جعل التمايز بين الحق والباطل واضحاً، فلا تميُّع بينهما، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-: ((قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك . . .))(1)، لذلك كانت مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من أعظم المقاصد العليا للشريعة الإسلامية،
وهذ المخالفة يجب أن تكون في الظاهر كما هو بداهة بالنسبة للباطن، فإن موجب الطباع ومقتضاها يحتم أنه إذا اشترك شخصان في نوع وصف بأن كان متشابهين ظاهراً فإن ذلك مظنة المودة، وهذا الأمر يشهد به الحس والتجربة فضلاً عن النصوص، ويؤدي إلى أمر عظيم من المودة والتآلف ثم إلى المحبة والمولاة التي تنافي الإيمان، وذلك أن الظاهر والباطن بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم به القلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً، ذلك أن المشابهة في الظاهر تورث تشاكلاً وتناسباً بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فمن لبس ثياب أهل العلم وجد من نفسه نوع انضمام إليهم، ومن لبس ثياب الجند المقاتلة يجد من نفسه تخلقاً بأخلاقهم وتطبعاً بطباعهم، وكل ما ذكرت أعلاه حاصل لا محالة إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص(2).

وحديثنا في هذه المرة عن مسألة مهمة، وجدت كثيراً من الشباب قد غفلوا عنها، وذلك أنه في شهر رمضان الفائت -تقبل الله منا ومنكم صيامه وقيامه- وأثناء انتظارى لصلاة القيام، كنت أجد بعضهم يتكئ على يسراه خلف ظهره، فأحببت أن أفيد بهذه المسألة نفسي أولاً ومن ثم إخواني، وذلك بنقل كلام العلماء والأئمة في هذه المسألة.

ونبدأ الآن بالحديث وطرقه، ثم نسوق ما تيسر من شرح العلماء بعده:

الحديث:

قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا -أَيْ وَقَدْ وَضَعْت يَدِي الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي- فَقَالَ : أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؟

غريب الحديث:

1- الأَلية- بفتح الهمزة- اللحمة التي في أصل الإبهام.
2- القِعدة -بالكسر- للنوع والهيئة.
3- ورد في حديث صحيح أنَّ المغضوب عليهم في سورة الفاتحة هم اليهود(3).

رجال الحديث:

1- علي بن بحر: ثقة في صحيح البخارى تعليقاً وأبو داود والترمذي.
2- عيسى بن يونس: وهو ثقة أخرج له أصحاب الستة.
3- ابن جُريج: ثقة أخرج له أصحاب الستة.
4- ابراهيم ابن ميسرة: ثقة أخرج له أصحاب الستة.
5- عمرو بن الشريد: ثقة أخرج له أصحاب الستة والترمذي في باب الشمائل.
6- الشريد بن سويد: وهو صحابي -رضي الله عنه-، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في كتاب الشمائل والباقون(4).

مظان الحديث:

والحديث صحيح، رواه أبو داود في كتاب الأدب 4848، وأحمد في بداية مسند الكوفيين من حديث الشريد بن سويد الثقفي -رضي الله عنه-، وفي صحيح الترغيب والترهيب المجلد الثالث كتاب الأدب وغيره رقم 3066، وفي مشكاة المصابيح المجلد الثالث أيضاً كتاب الآداب برقم 4730، وفي رياض الصالحين رقم 824(5)، وابن مفلح في الآداب الشرعية، وساقه الشيخ الألباني مع غيره في جلباب المرأة وذلك أثناء كلامه على الزي الذي يبتعد فيه المسلم والمسلمة عن التشبه.

فقه الحديث:

قال صاحب عون المعبود:
" قوله: ‏((وأنا جالس هكذا)) ‏‏:
المشار إليه مفسر بقوله:‏
‏((وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي)) ‏‏: أي اليمنى والألية بفتح الهمزة اللحمة التي في أصل الإبهام. ‏
‏((فقال: أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟)) ‏: القِعدة بالكسر للنوع والهيئة. ‏
‏قال الطيبي: والمراد بالمغضوب عليهم اليهود. ‏
‏قال القاري: في كونهم هم المراد من المغضوب عليهم ههنا محل بحث؛ وتتوقف صحته على أن يكون هذا شعارهم, والأظهر أن يراد بالمغضوب عليهم أعم من الكفار والفجار المتكبرين المتجبرين ممن تظهر آثار العجب والكبر عليهم من قعودهم ومشيهم ونحوهما, نعم ورد في حديث صحيح أن المغضوب عليهم في سورة الفاتحة هم اليهود انتهى. ‏‏والحديث سكت عنه المنذري." اهــ

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- شارحاً لهذا الحديث في كتاب "رياض الصالحين"(6):
" لا يكره من الجلوس إلا ما وصفه النبي -صلى الله عليه وسلَّم- بأنه قعدة المغضوب عليهم، بأن يجعل يده اليسرى من خلف ظهره ويجعل بطن الكف على الأرض ويتكئ عليها، فإن هذه القعدة وصفها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم-بأنها قعدة المغضوب عليهم.
أمَّا لو وضع اليدين كلتيهما من وراء ظهره واتكأ عليهما فلا بأس.
ولو وضع اليد اليمنى فلا بأس.
إنما التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها قعدة المغضوب عليهم؛ أن يجعل اليسرى من خلف ظهره ويجعل باطنها -أي أليتها- على الأرض، ويتكئ عليها؛ فهذه هي التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها قعدة المغضوب عليهم." اهـ

قال الشيخ المحدث عبد المحسن العباد -حفظه الله- في شرحه لسنن أبي داود:
" كما روى أبو داود في باب الجلسة المكروهة، باب في الجلسة المكروهة.
والمكروه -يعني- قد يراد به المحرَّم وقد يراد به ما هو مكروه للتنزيه، ولكن كونه جاء في الحديث جلسة المغضوب عليهم،دلَّ على التحريم، وأنَّ هذا يدل على التحريم.
أولاً: في حديث الشريد بن سويد -رضي الله عنه- أنه قال: ((مرَّ بي رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على ألية يدي…)).
((واتكأت على ألية يدي)): ذكر في عون المعبود تفسيره أنَّه جعل يده اليسرى خلف ظهره، واتكأ على ألية يده اليمنى، والمقصود بالألية هو ما كان من الراحة من جهة الإبهام، هذا يقال له ألية اليد.
ويحتمل أن يكون المقصود [بالحديث] أنَّ كل ذلك يتعلق باليد اليسرى، وأنَّه جعلها وراء ظهره، وأنه جعل أليتها متكأًً عليها، أي جعل الراحة التي من جهة الإبهام وليست التي من جهة الخنصر.
((قال أتقعد قِعدة المغضوب عليهم؟)): الاستفهام إنكار . . .(7)" اهـ

ثم سُئل الشيخ العباد: " فعلى هذا تكون الجلسة لو وضع يده اليمنى فقط خلف ظهره؟
الشيخ مجيباً: والله، أقول الإنسان -يعني- لو يبتعد عن هذا، أنا ما أعرف يعني شيئاً يدل عليه، ولكن الشئ الذي فيه شبهة يبتعد عنه الإنسان." اهـ

هذا ما تيسر من النقول من العلماء، فأرجو أن تكون الفائدة قد وصلت، والنفع قد عمَّ، هذا فما أصبت فيه فمن الله، وما أخطأت فيه فمن نفسي ومن الشيطان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
——————————————————————————–
1) الصحيحة 937 .
2) وهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" ببعض من التلخيص والتصرف .
3) وتفسير الغريب قد أخذته من عون المعبود .
4) وترجمة رجال الحديث هي للشيخ المحدث العلامة عبد المحسن العباد البدر من شرحه لسنن أبي داود .
5) وقد كنت أضفت هذه المراجع، على أنَّ رياض الصالحين ليس من مراجع التخريج لأنه يذكر الأحاديث مختصرة السند، وكذلك الكتب الفقهية التي تلي مثل الآداب الشرعية وجلباب المرأة المسلمة، وذلك لأني أريد ذكر جميع مظان الحديث وشروحه .
6) باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا لم يخف انكشاف العورة وجواز القعود متربعاً ومحتبياً، الحديث رقم 824/5 .
7) وبعد ذلك أخذ الشيخ في ذكر رجال الحديث، وقد قدمنا ذلك .




والله بارك الله فيك معلومة تعلمتها منك جزاك الله الجنة



يعطيك العافيه وجزاك الله خيرا



خليجية



خليجية[/IMG]



التصنيفات
مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار

لِم قُدم المغضوب عليهم على الضالين

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

خليجية

قال الإمام ابن القيم

وأما المسألة الثالثة عشرة :

وهو تقديم المغضوب عليهم على الضالين فلوجوه :

أحدها : أنهم متقدمون عليهم بالزمان .

الثاني : أنهم كانوا هم الذين يلون النبي من أهل الكتابين فإنهم كانوا جيرانه في المدينة ، والنصارى كانت ديارهم نائية عنه ، ولهذا تجد خطاب اليهود والكلام معهم في القرآن الكريم أكثر من خطاب النصارى ، كما في سورة البقرة والمائدة وآل عمران وغيرها من السور .

الثالث : أن اليهود أغلظ كفرا من النصارى ، ولهذا كان الغضب أخص بهم والعنة والعقوبة ، فإن كفرهم عن عناد وبغي كما تقدم ، فالتحذير من سبيلهم والبعد منها أحق وأهم بالتقديم ، وليس عقوبة من جهل كعقوبة من علم .

الرابع : وهو أحسنها أنه تقدم ذكر المنعم عليهم والغضب ضد الإنعام ، والسورة هي السبع المثاني التي يذكر فيها الشيء ومقابله ، فذكر المغضوب عليهم مع المنعم عليهم فيه من الإزدواج والمقابلة ما ليس في تقديم الضالين ، فقولك : " الناس منعَمٌ عليه ومغضوب عليه فكن من المنعم عليهم " ، أحسن من قولك : مُنْعَمٌ عليه وضالٌّ .ا.ه.

" بدائع الفوائد " (2/47)
م/ن




خليجية



بارك الله فيك

رائع جدا

حفظك الرحمن