التصنيفات
منتدى اسلامي

ضوابط الأسماء المنهي عنها للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
ضوابطُ الأسماء المنهي عنها
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على منْ أرسلَه اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آلهِ وصحبهِ وإخوانهِ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعدُ:

فالمعلومُ أنّ الأسماءَ والألقابَ والكنى تدخلُ في بابِ العاداتِ والمعاملاتِ، والأصلُ فيها الحِلُّ والجوازُ، ولا يُنتقل عن هذا الأصلِ إلاَّ إذا قام الدليلُ على المنع والتحريم، ومن ضوابط الأسماء المستثناة من الأصل التي تندرج تحت حكمِ التحريم أو الكراهة ما يلي:

– ما كان فيه شركٌ كالتعبيدِ لغير الله تعالى: ک«عبد العزى»، «عبد الكعبة»، «عبد هبل»، «عبد الرسول» و«عبد الزهير».

– وما كان خاصًّا بالله تعالى ولا تليقُ إلاَّ به: مثل «الرحمن» و«القدوس» و«المهيمن» و«الخالق»، ويلحق بها «ملك الأملاك»(1) و«قاضي القضاة».

– وما كان من أسماءِ الشياطين: ک«إبليس» و«شيطان» و«الأعور» و«الولهان» و«خنزب».

– وما كان من أسماءِ الفراعنةِ والجبابرة: مثل «فرعون» و«هامان» و«قارون».

– وما كان خاصًّا بأسماء القرآن: ک«فرقان».

– وما كان من الأسماء خاصًّا بالكفَّار: ک«جورج» و«بولس» و«بطرس» و«يوغرطة» و«ماسينيسا».

– وما كان من الأسماء فيه تزكية: ک«برَّة»(2) و«إيمان» و«إسلام» و«أبرار» و«تقوى»، ومن الألقاب: «محيي الدين» و«عماد الدين» و«ركن الدين» لأنّ فيه تزكيةً وكذبًا. ومن ذلك -أيضًا- الألقابُ الحادثة التي يقصد بها آيةٌ خارقةٌ للعادة مثل: «حُجَّة الله» و«آية الله» و«برهان الدين» و«حُجَّة الإسلام» لأنَّه لا حجَّة لله على عباده إلاَّ الرسل، ومن هذا القبيل -أيضا- التسمي ب«سيِّد الناس» أو «سيِّد العرب» أو «سيِّد العلماء» أو «سيِّد القضاة».

– وما كان من الأسماء فيه ذمٌّ وقُبح وذِكرٌ سيءٌ مثل: «حَزَن» و«شِهاب» و«ظالم» و«ناهد»(3) و«غادة»(4)، و«كاهن» أو «كاهنة»، و«عاصية»(5) و«جهنَّم» و«سعير» و«سَقَر» و«حُطَمة» و«الأعور» و«الأبرص» و«الأجرب» و«الأعمش» ونحو ذلك.

– وما كان من الأسماء التي يُحتمَل فيها التشاؤمُ بنفيها مثل: «نجيح» و«بركة» و«أفلح» و«يسار» و«رباح»(6).

– ويُكره التسمي بأسماءِ الملائكةِ مثل: «جبريل» و«مكائيل» و«إسرافيل» لكونها أسماءً خاصَّة بهم، ويرتقي الحكم إلى الحرمة إذا سُمِّيت البناتُ بأسماء الملائكةِ مثل: «ملاك» و«مَلَكَة» لما فيها من مضاهاة المشركين في جعلهم الملائكةَ بناتِ الله.

فإذا خلت الأسماء من جملة ضوابط الأسماء المندرجة تحت حكم التحريم والكراهة السالفة البيان فلا أعلم ما يُخْرِجُ التسميةَ بالشهور والمناسبات الدينية أو الفَصْليةِ عن الأصلِ المبيح إذا قُصد بها تمييزُ شخصٍ عن غيره لحدوثِ التزامنِ والتطابق، اللهمّ إلاّ إذا تعلّقت بها عادةٌ منكرةٌ أو اعتقادٌ فاسدٌ فيُمنع من أجله، وقد كان من شأنِ العرب في تسميةِ أولادها بأسماءِ الجمادِ والحيوانِ وبعضِ الشهور مثل: «جبل» و«صفوان» و «صخر» و«جعفر» و «بدر» و«قمر» و«نجم» و«ثريا» ومن أسماءِ الحيوان مثل: «أسد» و«ليث» و«فهد» و«ثعلب» ومن الشهور مثل «الربيع»(7) ومنه «سعد بن الربيع»(8) و«أبو العاص بن الربيع»(9) حيث كانوا يقصدون من وراء هذه الأسماءِ تمييزَ شخصٍ عن غيره أولاً، والتطلعَ -ثانيا- إلى تحقيقِ الملازمةِ الوصفيةِ الكامنةِ في الاسمِ مستقبلاً في سلوكِ الولد وسيرته، تلك الوصفيةُ التي تدلُّ على معانٍ جميلةٍ وجليلةٍ كالقوَّة والشجاعةِ والعلوِ والتدبيرِ والتفكيرِ والوفاءِ والصلابةِ والشهامةِ والأمانةِ، ونحو ذلك مما يحتاج إليه في مواقف العزَّة والحروبِ.

وهذا المعنى من التلازم الحقيقي أو الوصفي مراعًى في كلام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد قيل أنّه كنَّى عبدَ الرحمن بن صخر الدوسي بأبي هريرة رضي الله عنه، والمشهور عنه أنه كُنِّيَ بأولاد هرة برِّيَّة وجدها فأخذها في كمِّه فكُنِّيَ بها(10). ولَقَّب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خالدَ بنَ الوليدِ رضي الله عنه بأنَّه «سَيْفٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ»(11) من إضافة المخلوق إلى الخالق لملازمته الجهاد في سبيل الله ونحو ذلك.

هذا، وإن كان الأصلُ في هذه الأسماء الحلّ والإباحة إلاَّ أنَّ المطلوبَ من الآباء تحسينُ أسماء أولادهم لأنهم يُدْعَون يوم القيامة بأسمائهم وأسماءِ آبائهم كما صحَّ عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه أنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ»(12)، وقد بوّب له البخاري رحمه الله: «باب ما يدعى الناس بآبائهم»، ولا شك أنّ: «أَحَبّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»(13) وكلّ ما أضيف إلى الله سبحانه فهو أولى وأفضل.

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.

– وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «أَغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ، لاَ مَلِكَ إلاَّ اللهُ». [أخرجه البخاري في «الأدب»: (6205)، ومسلم في «الآداب»: (5610)]

2- وفي الصحيحين: «أَنَّهُ غَيَّرَ اسْمَ برَّةٍ إلى اسْمِ زَيْنَبَ» -وهي زينبُ بنتُ جحش رضي الله عنها. [أخرجه البخاري في «الأدب»: (6192)، ومسلم في «الآداب»: (2141) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

3- «ناهد»: «هي المرأة التي كعب ثديها وارتفع عن الصدر فصار لها حجم» [انظر «المعجم الوسيط»: (2/957)].

4- «غادة»: «هي المرأة الناعمة اللينة البينة الغَيَدِ» [انظر: «المعجم الوسيط»: (2/667)، و«فتح الباري» لابن حجر: (10/576)].

5- وصحَّ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما «أنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم غيّر اسم عاصية وقال: «أَنْتِ جَمِيلَةُ»» [أخرجه مسلم في «الآداب» (2139)].

6- وقد ثبت من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لاَ تُسَمِّ غُلاَمَكَ رَبَاحًا وَلاَ يَسَارًا وَلاَ أَفْلَحَ وَلاَ نَافِعًا» [أخرجه مسلم في «الآداب»: (2139)، وأبو داود في «الأدب»: (4938)، والترمذي في «الأدب»: (2836)].

7- من «أربعت الأرض» إذا أخصبت لأنّه شهرُ العنب والخضار والمطر، كانوا يقيمون فيه عمارة ربعهم.

8- هو الصحابي سعدُ بن الربيع الأنصاري الخزرجي البدري النقيب رضي الله عنه الذي آخى النبيُ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بينَه وبين عبد الرحمن بن عوف، ومات يوم أحد شهيدًا. [انظر: «الاستيعاب» لابن عبد البر: (4/145)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي: (1/318)، «الإصابة» لابن حجر: (4/144)].

9- هو أبو العاص بن الربيع القرشي صهرُ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وزوجُ ابنته زينب، وهو والد أمامة التي كان يحملها النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في صلاته، وهو ابنُ أخت أمِّ المؤمنين خديجةَ بنتِ خويلد وأمُّه هالةُ بنتُ خويلد توفي سنة (12ھ). [انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» للذهبي: (1/330)].

10- انظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي: (2/579)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر: (12/263) وقد أخرج الترمذي في «المناقب» (5/686) باب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه، عن عبد الله بن رافع قال: «قلت لأبي هريرة: «لم كُنيت أبا هريرة؟» قال: «أمَا تفرق مني؟»، قلت: «بلى والله إني لأهابك»، قال: «كنت أرعى غنمَ أهلي وكانت لي هريرة صغيرة فكنت أضعها بالليل في شجرة فإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنوني أبا هريرة» والحديث حسّنه الألباني في «صحيح الترمذي» (3840).

11- أخرجه البخاري كتاب «المناقب»، مناقب خالد بن الوليد رضي الله عنه: (2/ 278)، من حديث أنس رضي الله عنه.

12- أخرجه البخاري كتاب «الأدب»، باب ما يدعى الناس بآبائهم: (3/253)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

13- أخرجه مسلم كتاب «الآداب»: (2/1023)، رقم: (2133)، وأبو داود كتاب «الأدب»، باب في تغيير الأسماء: (4949)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.




جزاك الله خيرا
قمة فى راوعة



التصنيفات
منوعات

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، والحكمة في ذلك

خليجية

الأصلُ في المسلم أنَّه يستسلم لأوامر الله، ويَجتنِب نواهيَه، فيلتزم بما ألْزَمه الله في كتابه، أو ألزمه رسولُه – صلَّى الله عليه وسلَّم – في سنته الصحيحة، فإذا أُمِر بشيء ائتمَر، وإذا نُهي عن شيء انتهى، فلا يتعبَّد لله إلا بما شرَعه الله، وهذا ما تميَّز به الإسلام عن بقية الأديان: أنَّه دِين قائم على الاتباع لا الابتداع، فلا يُزاد فيه ما ليس منه، ولا ينقص عنه ما هو فيه؛ لأنَّه دِين أكمله الله: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ? [المائدة: 3]، وبإكماله تمَّت نعمة الله على عباده، وهو دِين ارتضاه الله للبشرية جمعاء: ? وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ? [المائدة: 3]، ولن يَقبل دِينًا سواه: ? وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ? [آل عمران: 85].

فالمسلِم الصادقُ في إسلامه يتمسَّك بهذا الدِّين، فيمتثِل أوامر الله، ويجتنب نواهيه، ومِن هذه النواهي التي نُهِي المسلم عنها: الصلاة في أوقاتٍ نهَى الشرع الحكيم عن الصلاة فيها؛ لحِكم جمة، قدْ نعلمها وقدْ لا نعلمها.

وقبل أن نُعدِّد هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، ننبِّه إلى أنَّ المقصود بالصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات، هي: النوافل المطلَقة، أو الصلاة التي لا سببَ لها، كما سيأتي بيانُ ذلك – إن شاء الله.

ومِن هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ما يأتي:

أولاً: بعدَ صلاة الفجْر إلى طلوع الشمس.

ثانيًا: عندَ طلوع الشمس حتى ترتفع قدْر رمح في رأي العين؛ أي: بمقدار اثنتي عشرة دقيقة تقريبًا.

ثالثًا: حين يقوم قائمُ الظهيرة حتى تزولَ الشمس، وذلك حين لا يبقَى للقائم في الظهيرة ظلٌّ في المشرق ولا في المغرِب، وقدَّره البعض برُبع ساعة تقريبًا.

رابعًا: بعدَ صلاة العصْر حتى تغرُب الشمس.

خامسًا: عندَ اصفرار الشمس حتى تغرُب.

فهذه خمسةُ أوقات جاءتِ الأحاديث الصحيحة بالنهي عن الصلاة فيها، ومِن هذه الأحاديث ما يأتي:

أولاً: حديث أبي عبدالله الصنابحي – رضي الله عنه – أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((إنَّ الشمس تطلُع بيْن قرني الشيطان، فإذا ارتفعتْ فارقها، فإذا كانتْ في وسطِ السماء قارنَها، فإذا زالتْ فارقها، فإذا دنت للغروب قارنَها، فإذا غربتْ فارقها، فلا تصلُّوا هذه الساعات الثلاث))؛ رواه ابن ماجه (1253)، وأحمد (18591)، وصحَّحه الألباني في المشكاة (1048).

ثانيًا: حديث يَسار مولَى ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: رآني ابنُ عمرَ وأنا أُصلِّي بعدَ طلوع الفجْر، فقال: يا يسار، إنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – خرَج علينا ونحن نُصلِّي هذه الصلاة، فقال: ((ليبلغ شاهدُكم غائبَكم، لا تُصلُّوا بعدَ الفجْر إلا سجدتين))؛ رواه أبو داود (1278)، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (1159).

ثالثًا: وحديث أبي سعيد الخُدري – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((لا صلاةَ بعدَ الصُّبح حتى تطلعَ الشمس، ولا صلاةَ بعدَ العصر حتى تغيبَ الشمس))؛ رواه البخاري (586)، واللفظ له، ومسلم (825) بمعناه.

رابعًا: حديث عُقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: "ثلاثُ ساعات كان رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ينهانا أن نُصلِّي فيهنَّ، أو أن نقْبُر فيهن موتانا: حين تطلُع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائمُ الظهيرة حتى تَميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ – أي: تميل إلى جِهة الغروب – الشمس للغروب حتى تغرب))؛ رواه مسلم (831).

خامسًا: حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يتحرَّى أحدُكم فيصلِّي عند طلوع الشمس، ولا عندَ غروبها))؛ رواه البخاري (585)، ومسلم (828)، وفي رواية قال: ((إذا طَلَع حاجبُ الشمس – أوَّل ما يبدو منها في الطلوع، وهو أوَّل ما يَغيب منها – فدعُوا الصلاة حتى تبرز – أي: حتى تصيرَ الشمس بارزةً ظاهرة – فإذا غاب حاجبُ الشمس فدعُوا الصلاة حتى تغيبَ، ولا تحيَّنوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبها، فإنَّها تطلع بيْن قرني شيطان))؛ رواه البخاري (3273)، وغير ذلك مِن الأحاديث التي جاءتْ بالنهي عن الصلاةِ في هذه الأوقات.

الحِكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات:

الأصلُ أنَّ المسلِم يستسلم لأوامِر الله، ويجتنب نواهيَه تعبُّدًا لله، ولا يتوقَّف عن التعبُّد حتى يطَّلعَ على الحِكمة أو العِلَّة مِن الأمر بكذا، أو النهي عن ذلك، بل عليه أن ينقاد، وله أن يبحَث على الحُكم والعِلل أثناء العمل؛ ليزدادَ إيمانًا وثباتًا، وقد ذكر العلماء – رحمهم الله تعالى – أنَّ الشرع الحكيم نهى عن الصلاةِ في هذه الأوقات لحِكم عدَّة، علِمها مَن علِمها، وجهلها مَن جهلها، ومن هذه الحِكم التي عُلمت في هذه المسألة ما يأتي:

أولاً: أنَّ في وقت الظهيرة قُبيل الزوال يُوقد فيه على جهنم إيقادًا بليغًا؛ لحديث عمرو بن عبسة – رضي الله عنه – أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((ثم صلِّ؛ فإن الصلاة مشهودةٌ محضورة حتى يستقلَّ الظل بالرمح، ثم أقْصِر عن الصلاة؛ فإنه حينئذٍ تُسجر جهنم))؛ رواه مسلم (832).

ثانيًا: وأمَّا الحِكمة من النهي عنِ الصلاة عندَ طلوع الشمس وعندَ غروبها، فهي مشابهة المشركين، فإنَّهم يسجدون للشمس عندَ طلوعها وعندَ غروبها؛ لحديث عمرو بن عبسة – رضي الله عنه – أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((صلِّ الصبح، ثم أَقْصِرْ عن الصلاة حتى تطلُع الشمس حتى ترتفع؛ فإنها تطلع بين قرْني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار))، ثم قال – عليه الصلاة والسلام -: ((حتى تصلِّي العصر، ثم أقصِرْ عن الصلاة حتى تغربَ الشمس؛ فإنَّها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار))؛ رواه مسلم (832).

وحديث ابن عمرَ – رضي الله عنهما – أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((لا تَحَرَّوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غُروبها؛ فإنَّها تطلع بقرْني شيطان))؛ رواه مسلم (828).

ثالثًا: وأمَّا النهي عنِ الصلاة بعدَ صلاة الفجْر إلى طلوع الشمس، وبعدَ صلاة العصْر إلى غروب الشَّمس، فمِن باب سدِّ الذريعة؛ قال شيخُ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في بيان حِكمة النهي عن الصلاة في هذه الأوقات: "الشيطانُ يقارن الشمس، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار، فالمصلِّي حينئذٍ يتشبه بهم في جِنس الصلاة، فالسُّجُودُ وإنْ لم يكونوا يعبدون معبودَهم، ولا يقصدون مقصودهم، لكن يشبههم في الصُّورة، فنهَى عن الصلاة في هذين الوقتين سدًّا للذريعة؛ حتى ينقطِع التشبُّهُ بالكفَّار، ولا يتشبه بهم المسلِم في شِرْكهم"؛ مجموع الفتاوى (23/186).

وقال – رحمه الله -: "… الأصل في النهي أنَّه عندَ الطلوع والغروب… لكن نُهِي عن الصلاة بعدَ الصلاتين سدًّا للذريعة؛ فإنَّ المتطوع قد يصلِّي بعدهما حتى يُصلِّي وقتَ الطلوع والغروب"؛ "مجموع الفتاوى" (23/203).

رابعًا: وهناك حِكمة أُخرى في النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات عمومًا، وهي إجمامُ النفوس، وتنشيطها حتى تُقبل بعد وقت المنْع بنشاط ورغْبة، كما أشار إلى ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فقال: "في النهي عنه بعض الأوقات مصالِح أُخَر؛ من إجمام النفوس بعض الأوقات مِن ثقل العبادة، كما يجم بالنَّوْم وغيره… ومِن تشويقها وتحبيب الصلاة إليها إذا مُنعِت منها وقتًا، فإنَّه يكون أنشطَ وأرغب فيها؛ فإنَّ العبادة إذا خُصت ببعض الأوقات نشطتِ النفوس لها أعظمَ ممَّا تنشط للشيءِ الدائم، ومنها: أنَّ الشيء الدائم تسأم منه وتملُّ وتضجر، فإذا نهى عنه بعضَ الأوقات زال ذلك الملل"؛ "مجموع الفتاوى" (23/187).

صلوات تُصلَّى في أيِّ وقت:

كنَّا قد نبهْنا في بداية المقال إلى أنَّ المقصود بالصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات هي: صلاة التطوُّع المطلَق، وهي التي لا سببَ لها، وأما الصلوات التي تُركت نسيانًا، أو بسبب نوم، أو الصلوات التي لها سبب، فإنها تُصلَّى في أي وقت مِن ليل أو نهار، ومِن هذه الصلوات التي تُصلَّى في أي وقت ما يلي:

أولاً: قضاء الفرائض الفائِتة؛ لحديثِ أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن نسِي صلاةً أو نام عنها، فكفَّارتها أن يُصلِّيَها إذا ذكَرَها))؛ رواه البخاري (597)، ومسلم (684) واللفظ له.

ثانيًا: قضاء سُنَّة الفجر؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن لم يصلِّ ركعتي الفجر، فليصلِّهما بعدَما تطلع الشَّمْس))؛ رواه الترمذي (423)، والحاكم في المستدرك (1015)، وقال: "هذا حديثٌ صحيح على شرْط الشيخين ولم يخرِّجاه"، ورواه ابن حبَّان في صحيحه (2472)، وصحَّحه الألبانيُّ في "السلسلة الصحيحة" (2361).

ولحديث قيس بن قَهْد – بالقاف المفتوحة وسكون فدال مهملة – أنَّه صلَّى مع رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – الصبح، ولم يكن رَكَع ركعتي الفجر، فلمَّا سلَّم رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سلَّم معه، ثم قام فرَكَع ركعتي الفجر، ورسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ينظُر إليه، فلم ينكر ذلك عليه؛ رواه أحمد (23812)، وابن حبان في صحيحه (2471)، وابن خزيمة في صحيحه (1116)، وأبو داود (1267) بمعناه، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (1151).

ثالثًا: ركعَتي الطواف؛ لحديث جُبَير بن مطعِم – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا بني عبدِ مناف، لا تمنعوا أحدًا طافَ بهذا البيت وصلَّى، أيَّة ساعة شاءَ مِن ليل أو نهار))؛ رواه الترمذي (868)، والنسائي (585)، وابن ماجه (1254)، وأحمد (16294)، وصحَّحه الألبانيُّ في "مشكاة المصابيح" (1045).

رابعًا: الصلوات ذواتُ الأسباب؛ كصلاةِ الجنازة، وتحيَّة المسجد، وصلاة الكسوف، وركعتي الوضوء، وإعادة الجماعة، وصلاة الاستخارة لمَا يفوت، وغير ذلك؛ للأدلَّة الدالة على فِعل هذه الصلوات دون التقييد بزمَن، كما يشهد لذلك حديثُ أبي قتادة – رضي الله عنه – أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((إذا دخَل أحدُكم المسجد، فلا يجلسْ حتى يصلِّيَ ركعتين))؛ رواه البخاري (1167) واللفظ له، ومسلم (714).

صلاة النافلة في وقت الزوال يوم الجمعة:

ذهَب بعضُ العلماء إلى استثناء يومِ الجُمُعة، فقالوا: يوم الجُمُعة ليس فيه وقت نهْي عند منتصف النَّهار حين يقوم قائِم الظهيرة؛ لحديث سلمانَ الفارسي -رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يغتسل رجلٌ يومَ الجُمُعة، ويتطهَّر ما استطاع مِن طهر، ويدَّهن من دُهنه، أو يمس من طِيب بيته، ثم يخرُج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يصلِّي ما كُتِب له، ثم ينصت إذا تكلَّم الإمام، إلا غُفِر له ما بيْنه وبيْن الجُمُعة الأخرى))؛ رواه البخاري (883).

وممَّن ذهَب إلى هذا القول العلاَّمة ابنُ القيِّم – رحمه الله – فقال وهو يتحدَّث عن خصائصِ يوم الجُمُعة: "لا يُكره فِعلُ الصلاة فيه وقت الزَّوال عند الشافعي – رحمه الله – ومَن وافقه، وهو اختيار شيخِنا أبي العباس ابن تيمية، ولم يكن اعتمادُه على حديث ليث، عن مجاهد، عن أبي خليل، عن أبي قتادة – رضي الله عنه – عنِ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه كَرِه الصلاة نِصف النهار إلا يوم الجُمُعة، وقال: ((إنَّ جهنَّمَ تُسجر إلا يومَ الجُمُعة))؛ [رواه أبو داود (1083)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (200)]؛ أي: لم يكن اعتمادُه على هذا الحديث لضعْفه، وإنَّما كان اعتماده على أنَّ مَن جاء إلى يوم الجُمُعة يُستحبُّ له أن يُصلِّي حتى يخرُج الإمام، وفي الحديثِ الصحيح: ((لا يغتسلُ رجلٌ يوم الجُمُعة ويتطهَّر ما استطاع مِن طهر، ويدَّهن من دُهنه، أو يمسُّ مِن طِيب بيته، ثم يخرُج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يُصلِّي ما كُتب له، ثم ينصت إذا تَكلَّم الإمام إلا غُفِر له ما بينه وبيْن الجُمُعة الأخرى))؛ [رواه البخاري (883)]، فندَب إلى الصلاة ما كُتِب له، ولم يمنعْه عنها إلا في وقتِ خروج الإمام؛ ولهذا قال غيرُ واحد من السلف، منهم عمرُ بن الخطاب – رضي الله عنه – وتبعه عليه الإمامُ أحمدُ بن حنبل: خروجُ الإمام يَمْنَع الصلاة، وخُطبته تمنَع الكلام، فجعَلوا المانِع من الصلاة خروجَ الإمام لا انتصاف النهار.

وأيضًا فإنَّ الناس يكونون في المسجد تحتَ السقوف، ولا يشعرون بوقتِ الزوال، والرَّجل يكون متشاغلاً بالصلاة لا يَدري بوقت الزوال، ولا يُمكنه أن يخرُج ويتخطَّى رِقاب الناس، وينظر إلى الشمس، ويرجِع ولا يشرع له ذلك…"؛ "زاد المعاد" (1/ 378 – 379).

والله الموفِّق، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحْبه أجمعين.




يسلموووو الله يجزيكي خيرا



خليجية[/IMG]