كيف يؤدي الموظف الأمانة
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام الأتَمَّان الأكملان على سيد المرسَلين وإمام المتَّقين، نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تبعَهم بإحسان إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فهذه رسالة لطيفة في النصح للموظفين والعمَّال في أداء ما أنيط بهم من أعمال، كتبتها أملًا في أن يستفيدوا منها، وأن تكون عونًا لهم على الإخلاص في نيَّاتهم والجدِّ في أعمالهم والقيام بواجباتهم، وأسأل الله للجميع التوفيق والتسديد.
آيات كريمة في أداء الأمانة
من الآيات في حفظ الأمانة وترك الخيانة قول الله عزَّ وجلَّ: إِنَّ الَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ الَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ الَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا قال ابن كثير في تفسيره: " يُخبرُ تعالى أنَّه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي حديث الحسن عن سمرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ) أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تَخُن مَن خانك ( رواه الإمام أحمد وأهل السن، وهو يَعمُّ جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عزَّ وجلَّ على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مِمَّا هو مؤتَمَن عليه لا يطَّلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع وغير ذلك مِمَّا يأتَمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله عزَّ وجلَّ بأدائها، فمَن لَم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة".
وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا الَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال ابن كثير: "والخيانة تعمُّ الذنوب الصغار والكبار الازمة والمتعدِّية"، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ الأمانة الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد، يعني الفريضة، يقول: لا تخونوا: لا تنقضوها، وقال في رواية لا تَخُونُوا الَّهَ وَالرَّسُولَ يقول: بترك سنته وارتكاب معصيته".
وقوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا .
قال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر أقوالًا في تفسير الأمانة، منها الطاعة والفرائض والدين والحدود، قال: "وكلُّ هذه الأقوال لا تنافيَ بينها، بل هي متفقة وراجعة إلى أنَّها التكليف وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنَّه إن قام بذلك أُثيب، وإن تركها عُوقب، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه إلاَّ مَن وفَّق الله، وبالله المستعان" وقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ، قال ابن كثير: "أي: إذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا، وهذه صفات المؤمنين، وضدها صفات المنافقين، كما ورد في الحديث الصحيح: ) آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان (، وفي رواية: ) إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ( أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أداء الأمانة.
ومن الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفظ الأمانة والتحذير من إضاعتها:
1 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ) بينما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مجلس يُحدِّث القوم، جاءه أعرابيٌّ فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدِّث، فقال بعضُ القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضُهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتُها؟ قال: إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة ( رواه البخاري (59).
2 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تَخُن من خانك ( رواه أبو داود (3535) والترمذي (1264)، وقال: "هذا حديث حسن غريب"وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (424).
3 عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) أوَّل ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخره الصلاة ( رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق (ص: 28)، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (1739).
4 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ) آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذ وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان ( رواه البخاري (33)ومسلم (107).
أداء الموظف عمله بجدٍّ وإخلاص يُؤجَر عليه في الدنيا والآخرة
إذا قام الموظف بأداء عمله بجدٍّ يرجو ثواب الله أبرأ ذمَّته واستحقَّ الأجرة على العمل في الدنيا، وظفر بالثواب في الدار الآخرة، وقد وردت النصوص الشرعية دالَّة على أنَّ الأجر والثواب على ما يعمله الإنسانُ من أعمال، يكون مع الاحتساب وابتغاء وجه الله، قال الله عزَّ وجلَّ: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ، وروى البخاري (55)ومسلم (1002)عن أبي مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ) إذا أنفق الرجلُ على أهله يحتسبُها فهو له صدقة ( وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ) ولستَ تُنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله، إلاَّ أُجرتَ بها، حتى القمة تجعلُها في فِي امرأتِك ( رواه البخاري (5354) ومسلم (1628)، فدلَّت هذه النصوص على أنَّ المسلمَ إذا أدَّى ما هو واجب عليه للعباد برئت ذمَّتُه، وأنَّه إنَّما يحصل الأجر والثواب بالاحتساب وابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى.
حفظ الوقت المخصَّص للعمل لصالح العمل
يجب على كلِّ موظف وعامل أن يشغلَ الوقت المخصَّص للعمل في العمل الذي خُصِّص له، فلا يشتغل فيه في أمور أخرى غير العمل الذي يجب أداؤه فيه، ولا يشغل الوقت أو شيئًا منه في مصلحته الخاصة، ولا في مصلحة غيره إذا كانت لا علاقة لها بالعمل؛ لأنَّ وقتَ العمل ليس مِلكًا للموظف والعامل، بل لصالح العمل الذي أُخذ الأجر في مقابله، وقد وعظ الشيخ المعمَّر بن علي البغدادي المتوفى سنة (507ه) نظامَ المُلك الوزير موعظة بليغة مفيدة، مِمَّا قال في أوَّلها: "معلومٌ يا صدر الإسلام! أنَّ آحاد الرعية من الأعيان مخيَّرون في القاصد والوافد، إن شاؤوا وصلوا، وإن شاؤوا فصلوا، وأمَّا مَن توشَّح بولاية فليس مخيَّرًا في القاصد والوافد؛ لأنَّ من هو على الخليقة أمير، فهو في الحقيقة أجير، قد باع زمنه، وأخذ ثمنه، فلَم يبق له من نهاره ما يتصرَّف فيه على اختياره، ولا له أن يصلي نفلًا، ولا يدخل معتكفًا لأنَّ ذلك فضل، وهذا فرض لازم"، ومنها قوله وهو يعظه: "فاعمُر قبرَك كما عمرتَ قصرَك"ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (1/107).
وكما أنَّ الإنسان يرغب في أخذ أجره كاملًا ولا يحبُّ أن يُبخسَ منه شيء، فعليه أن لا يبخسَ شيئًا من وقت العمل يصرفه في غير صالح العمل، وقد ذمَّ الله المطفِّفين في المكايل والموازين الذين يستوفون حقوقهم ويبخسون حقوق غيرهم، فقال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون َوَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ .