بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لا يزال الصراع بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر قائما حتى يأذن الله بقيام الساعة، ولا يزال أهل الكفر والباطل يمكرون ويكيدون ويقتلون ويغتصبون وينهبون ويحرقون ويسفكون ويذبحون ويخربون ويعيثون فسادا في بلاد المسلمين ، جرائم وجراحات هنا وهناك تدمي لها القلوب وتدمع لها العيون، وتتفطر لها الأفئدة، فمن الشرق إلى الغرب ، تسمع صرخات الثكالى وأنين الأطفال والعجائز والشيوخ واليتامى،
فالآهات والآلام متجددة وأفعال الكفرة في المسلمين متشابهة، في أفغانستان وفي العراق وفي فلسطين وفي الشيشان وفي بورما وفي الاحواز وفي سوريا…،وتجد الكفرة والمنافقين يجتمعون مع اختلافهم ضد أهل الإيمان، يمزوق أجسادهم ويتأمرون عليهم، ويسعون للقضاء عليهم. وتجد بعض من ينتسب الإسلام لا يبالي بما يجري من حوله ، ولا يهمه أمر المسلمين، إنما تهمه نفسه وشهواته، ولا يقدم لإخوانه حتى ولو دعوة في ظهر الغيب.
ولا يزال -بحمد الله- ثلة من أهل الحق والإيمان يُعدون العدة المادية والمعنوية لصد العدوان، والذوذ عن الحرمات والأوطان، ويسعون لتحقيق النصر ودحض الباطل ومقاومة الطغيان.
ولا يزال النصر نازلاً من الله تعالى للمسلمين ماداموا محققين لنصرة الله ودينه، وباذلين لأسباب النصر الشرعية، إلا إن بعض المسلمين -هداهم الله – بذلوا الأسباب المادية، ونسوا أو تناسوا الأسباب الأكثر أهمية منها وهي التعلق والتضرع برب البرية، فمن حكم الله سبحانه وتعالى الظاهرة في إنزال البلاء أن يتضرع إليه العباد ويلجاؤوا إليه كما قال : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام:42، 43) وقال في آية أخرى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (المؤمنون:76)
فصار لزاماً أن يعلم َ المسلمون أن من أوجب الواجبات في زمن الكوارث والملمات، رفع اليدين بالدعاء لله رب الأرض والسموات، الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف كربة المكروب إذا ناجاه، ويزيل الغم ويذهب الغم، ويحب العبد الأواه المنيب إليه وكل من دعاه، فلعل ذلك الدعاء من أكف بيضاء نقية، وقلوب صادقة وفيَّة، وأعين باكية تقيَّة تخفف من تلك المآسي التي أقلقت المسلمين وأقضَّت مضاجعهم، وقد علَّمنا رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أنَّه"لا يردَّ القضاء إلاّ الدعاء" ([1]).
فعليكم عباد الله بالدعاء، ولهذا كان الدعاء من أسباب النصر على الأعداء، وخاصَّة إذا كان ذلك من عباد الله الضعفاء، وقد دلَّ على ذلك حديث رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ "إنما ينصر الله هذه الأمَّة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)([2]).
فالدعاء سلاح المؤمنين الصادقين، وهو أقوى سلاح، والسلاح بضاربه، فكلما كان الداعي أتقى وأقرب لربه كلما كان مستجاب الدعوة، وكان منصورا بإذن الله…
وقد غفل بعض المسلمين عن ذلك السلاح العظيم والمنجي من بطش الأعداء، وتركوا الإلحاح على الله بأن يكشف الضر عن المسلمين وتركوا الانطراح بين يديه والانكباب عليه والتوجه إليه، مع ما يسمعونه من صرخات المكلومين، وأنات الجرحى والمظلومين، وصراخ المضطهدين في الشوارع والمساجد والمنازل وفي سجون الكفرة المجرمين.
يا للأسف حين يظن الكثير بأنَّ المهم أن يستمعوا الأخبار عمَّا حصل في بقاع المسلمين وخاصة ما يحدث في سوريا اليوم.ثمَّ لا يفعل شيئاً ينصر به دينه ولو بالدعاء وهو أقل ما يستطيع! ويستهين بالدعاء الذي هو أحد أسباب النصر.
ولابد للأمة الإسلامية حتى تنتصر وتصحو من سباتها، ولابد للمجاهدين في سبيل الله من أخذ الأسباب كلها جميعها وبذلها وعدم إهمال شيء منها، فالدعاء جزء مهم لا يتجزأ من الأسباب الأخرى التي جعلها الله من أسباب النصر.
وقد كان للدعاء أثر بالغ في إحراز النصر والثبات على الأمر ، فلا يزال المسلمون المجاهدون في سبيل الله يستغيثون الله ويبتهلون إليه ويلجؤون إليه ويسألونه أن ينصرهم على عدوهم ويكف شره ويدحض مكره، وقد وعدهم الله بإجابة دعاءهم ونصرهم على أعدائهم كما قال سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما:( الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم) ([3]). وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقلما ترد على داع دعوته عند حضور النداء والصف في سبيل الله) . وفي لفظ: ( ثنتان لا تردان أو قال ما تردان :الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعض بعضا) ([4]).
ولا يزال المسلمون في غزواتهم وحروبهم لأعدائهم يجمعون بين الأسباب كلها التي تحقق النصر بإذن الله تعالى ، وتاريخهم وسيرهم مليئة بهذا ، فقد سطر التاريخ أعظم وأروع الابتهالات والاستغاثات برب البريات من نفوس مؤمنة وقلوب واثقة بنصر ربها، فمجرد أن تدق ساعة الصفر ويلتحم الصفان يجأر المسلمون- وبالأخص قادتهم- للواحد الديان والرحيم الرحمن ، ويلهجون بالدعاء، ويرفعون الأكف لرب الأرض والسماء، ويسألون الله الثبات والنصر ، وإدالة أهل الباطل والكفر.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد العظيم هو أعظم من حقق ذلك وضرب المثل الأعلى، ففي غزواته كلها يستغيث بربه ويبتهل إليه ويتضرع بين يديه ويمد كفيه حتى إنه لينكشف رداؤه ويسقط ويرى بياض إبطيه من كثرة مناجاته ، فقد بات في غزوة بدر في ليلتها قائما يصلي إلى جذع شجرة ، ويطيل سجوده ويقول:"يا حيُّ يا قيوم" يكرر ذلك ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويسأل الله النصر ([5]). وحين رأى رسول الله جند قريش قال:" اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم أحنهم الغداة" ([6]).
وقد روى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: لمَّا كان يوم بدر نظر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القبلة، وعليه رداؤه وإزاره ، ثمَّ قال: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً" قال عمر بن الخطاب: فما زال يستغيث ربَّه ويدعوه، حتَّى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردَّاه، ثمَّ التزمه من ورائه ثمَّ قال: يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك، فإنَّه منجز لك ما وعدك" ([7]). و كان رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ إذا غزا قال:اللهم أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل" ([8]).
وكذلك صحابته الكرام عليهم من الله الرحمة والرضوان اقتدوا به فاستغاثوا بربهم ورفعوا أكفهم وألحوا عليه بأن ينصرهم ويمدهم بجند من عنده فقال عنهم سبحانه واصفا حالهم في غزوة بدر:{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}"(الأنفال: 9) .
وهكذا دأب كل مؤمن محب لهم متبع لهم بإحسان يستفيد من سيرتهم وتاريخهم فيقتدي ويتأسى، فعند وقوع الحرب واندلاعها ونزول الخطب يرفع أكف الضراعة ويستغيث بربه ويبكي ويسجد ويعفر وجهه ولحيته بالتراب ويتوب ويستغفر ويسأل المولى العون والمدد والنصر على الأعداء وكسر شوكتهم ودفع شرهم وكيدهم عن المسلمين، وهذا حال كثير من قادة الأمة الأبطال الذين سطر التاريخ سيرهم وذاع أمرهم وانتشر ذكرهم على مر الأيام، ولو قلبنا صفحات التاريخ ، وطوايا الأحداث لرأينا العجب العجاب من سير هؤلاء القوم الذين تواضعوا لله فرفعهم الله وخلّد ذكرهم ، واستغاثوا بربهم فأغاثهم وسألوه الثبات والنصر فثبتهم ونصرهم، فتعال معي أخي الحبيب لنقرأ ونعتبر ونقتدي بهؤلاء الشجعان فمن هؤلاء :
1- محمد بن واسع رحمه الله، فقد ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة([9]) قال كان محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم في جيش وكان صاحب خراسان وكانت الترك خرجت إليهم فبعث إلى المسجد ينظر من فيه فقيل له ليس فيه إلا محمد بن واسع رافعا إصبعه فقال قتيبة إصبعه تلك أحب إلي من ثلاثين ألف عنان
ويذكر أنه قال قتيبة: إصبعه تلك أحبُّ إلي من ثلاثين ألف شاب طرير". وفي (سير أعلام النبلاء 6/121) يذكر الإمام الذهبي عن قتيبة بن مسلم: تلك الإصبع أحب إلي من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير" فتأمل دعاء الإمام محمد بن واسع وقت المعركة، وحب القائد قتيبة بن مسلم لدعائه ذاك، بل تفضيله لدعائه على وجود ألف شاب مقاتل!
2- ومما يدلّ على أنَّ النصر يستنزل بالدعاء ما قاله أسد بن عبدالله القسري أمير خراسان في قتاله للفرس:"إنَّه بلغني أنَّ العبد أقرب ما يكون إلى الله إذا وضع جبهته لله، وإنِّي نازل وواضع جبهتي، فادعوا الله، واسجدوا لربكم، وأخلصوا له الدعاء، ففعلوا، ثمَّ رفعوا رؤوسهم، وهم لا يشكُّون في الفتح" ([10]).
3- وهكذا كان عقبة بن نافع في غزواته في فتح بلاد المغرب وغيرها، فقد كان مستجاب الدعوة، وكان يتوجه إلى الله بالدعاء عند الشروع في معاركه، ويصادم العدو في شجاعة مذهلة، كما ذكره عنه أهل السير، ثمَّ يكتب الله له النصر المبين ([11]).
4- وهذا الإمام الفقيه أبو نصر محمد بن عبدالملك الحنفي يقول لألب أرسلان في موقعة(ملاذكرد) بعد أن رأى كثرة جيش الروم والتي قُدِّرت بمئتي ألف مقاتل: إنَّك تقاتل عن دين الله وقد وعد الله بنصره، وأرجو أن يكون الله قد كتبه لك بجيشك القليل شرف النصر، فسر إلى العدو الكافر يوم الجمعة، بعد الزوال، والأئمة على منازلهم يدعون لجيشك بالنصر والله غالب على أمره، وتمَّ ذلك عند ظهيرة يوم الجمعة من صيف أربعمئة وثلاث وستين للهجرة، فقد صلَّى وبكى فبكى الناس لبكائه ، ودعا الله فدعا الناس بدعائه، وعفَّر وجهه بالتراب ثمَّ ركب وقال للناس: ليس عليكم الآن أمير وكلكم أمير نفسه ، من شاء أن ينصرف فليعد إلى أهله، ولبس البياض وتحنَّط ، وحمل بجيشه حملة صادقة، فوقعوا في وسط العدو يقتلون ما يشاؤون، وثبت العسكر، ونزل النصر،وولت الروم، واستحر بهم القتل،وقتل طاغيتهم أرمانوس،بعد أن أسره مملوك وسار به ذليلاً ليقتل رغم أنفه"([12]).
الله أكبر فأين نحن من هؤلاء الأبطال الشجعان.
5- وهاهو القائد المغوار نور الدين محمود في فتح حارم سنة559هـ وقد انفرد تحت تل حينما التقى الجمعان وسجد لربه ـ عزَّ وجل ـ ومرَّغ وجهه وتضرع، وقال: "هؤلاء يا رب عبيدك وهم أولياؤك ، وهؤلاء عبيدك وهم أعدائك ، فانصر أوليائك على أعدائك"(ما فضول محمود في الوسط) ـ يشير إلى أنَّك يا رب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت ، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود يعني نفسه إن كان غير متحقق النصر) ثمَّ بعد ذلك فتح الله على يديه فتحاً عظيماً ) ([13]).
6- ومن منا لا يعرف البطل العظيم صلاح الدين محرر القدس من الصليبيين" فقد جمع صلاح الدين الجموع ، ونظَّم الجيوش ثمَّ عقد مجلس شوراه للتشاور في منازلة العدو، وتوقيت المعركة فاتفقوا على الخروج في 17/ ربيع الآخر عام 583هـ بعد صلاة الجمعة، وبين تكبير المسلمين وابتهالهم وتضرعهم بالدعاء" ([14]). . ويقول القاضي ابن شدَّاد: " وكان صلاح الدين إذا سمع أنَّ العدو قد داهم المسلمين خرَّ إلى الأرض ساجداً لله، داعياً بهذا الدعاء:اللهم قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك،ولم يبق إلا الإخلاد إليك ، والاعتصام بحبلك،والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل" ويقول: " ورأيته ساجداً ودموعه تتقاطر على شيبته ثمَّ على سجَّادته ، ولا أسمع ما يقول ، ولم ينقض ذلك اليوم إلاّ ويأتيه أخبار النصر على الأعداء، وكان أبداً يقصد بوقفاته الجمع ، سيما أوقات صلاة الجمعة تبركاً بدعاء الخطباء على المنابر، فربما كانت أقرب إلى الاستجابة" ([15]).
7- وهذا بطل آخر من أبطال وقادة المسلمين يضرب أعلى عناوين الانكسار والتذلل بين يدي الله والخضوع له، المظفر قطز فها هو في معركة عين جالوت سنة(658)هـ وهو يحمِّس المجاهدين يصيح واإسلاماه ، واإسلاماه، ويسجد ويعفِّر وجهه في التراب ويقول: يا الله انصر عبدك قطز ([16]). .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية(13/188) يصف القائد قطز: " ولمَّا رأى عصائب التتار، قال للأمراء والجيوش: لا تقاتلوهم حتَّى تزول الشمس وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعو لنا الخطباء في صلاتهم". واستجاب الله دعاءه وهزم المغول ووقعوا بين يديه ما بين قتيل وجريح وأسير، بل وقع بين يديه قائد المغول فقتله تنكيلاً به، وجزاء إجرامه في قتل المسلمين.
8- أمَّا محمد الفاتح فقد دخل المسجد في صباح يوم التاسع والعشرين من مايو عام 1453م فوجد شيخه ومعلمه ومربيه آق شمس الدين منطرحاً بين يدي ربه مستغرقاً بالدعاء فاستبشر خيراً بالنصر، وحين كان المجاهدون يهيئون للمعركة عدتها كان هتافهم: ياالله ، يالله، ولمَّا فتحت القسطنطينية رآه الناس وهو يمرِّغ وجهه في التراب تواضعاً لله والمؤمنون يهنئونه بالنصر وهو لا يزيد على أن يقول النصر من عند الله، النصر من عند الله ([17]).
هؤلاء القوم الشجعان عرفوا أن الله معهم وهو وحده يعز من يشاء ويذل من يشاء ، وينصر من يشاء ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، وأن الملك له وحده يهبه لمن يشاء ، ويمنعه وينزعه ممن يشاء ، فلجأوا إليه وحده واعتمدوا عليه وسألوه أن ينصرهم فاستجاب لهم لما رأى صدقهم وإخلاصهم،ومكّن لهم وأعزهم ونصرهم… فأين نحن من هؤلاء القوم؟!!..
وقبل هؤلاء الأبطال من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هناك مؤمنون خلّد الوحي ذكرهم ووصف حالهم وشجاعتهم وابتهالهم واستغاثتهم وتوجههم لربهم عند لقاء عدوهم، وعرفوا عظيم شأن الدعاء وأثره في النصر على الأعداء فقد ذكر لنا القرآن الكريم قصة طالوت وجنده ووصف حالهم عند ملاقاتهم لعدوهم: {ولمَّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} (البقرة: 250) وبعد هذا الدعاء، كان الجواب من الله"فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت" وكان النصر حليفهم حين دعوا الله وتوكلوا عليه.
وفي السنة النبوية ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة الغلام المؤمن صاحب الملك الكافر حين اكتشف أمره، وعلم أنه موحد،أراد أن يفتنه عن دينه ، ويخيفه بجنده ولكن هيهات فإنَّ مع الغلام سلاحاً لا ينفد، وكنزاً لن يفقد؛ إنَّه الدعاء فحين أراد جنود هذا الطاغية،أن يلقوه من فوق الجبل إلى هاويته، نطق الغلام بكل مسكنة وافتقار للملك القهار"اللهم اكفنيهم بما شئت"، فسقط الجنود من فوق الجبل وكانوا في الهاوية، بل في القاع ، ويمضي ذلك الغلام شامخاً ًبإيمانه إلى الملك الكافر، ليعلمه دروساً في التوحيد من التوكل على الله، والاستعانة به، وعدم الخوف إلا منه إلى غير ذلك، لكن الطغاة متكبرون، ولا يسمعون داعي الإيمان’ فما كان من ذلك الملك إلاّ أن أمر جنده بأن يذهبوا بذلك الغلام في إحدى السفن فإذا توسطت السفينة في البحر، ألقى الجنود ذلك الغلام ليتخلصوا منه ، وحين أرادوا أن يفعلوا ذلك بعد أن توسطت بهم السفينة في البحر،إلاّ ويطلق الغلام سلاحه على أعدائه"اللهم اكفنيهم بما شئت"، واستجاب الله الدعاء، وقلب السفينة بمن فيها من جند الطاغوت ونجا ذلك الغلام المؤمن من مكر الكافرين.
فيا أيها المجاهدون الدعاء الدعاء والإلحاح الإلحاح والابتهال الابتهال، والتضرع التضرع، وإياكم والغفلة عن هذه السلاح العظيم أو التكاسل عنه أو الاستهزاء به:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن *** لها أمد وللأمد انقضاء
وأخيرا أوجّه نداءاً لكل المسلمين الذين يشاهدون إخوانهم في سوريا الجريحة يُذبحون وبالبراميل من الطائرات يقصفون ، وبالراجمات والصواريخ يُضربون، فتهدم منازلهم وتزهق أنفسهم وتغتصب نساؤهم وتذبح بالسكاكين أطفالهم وشيوخهم، كل ذلك لأنهم قالوا: لا إله إلا الله ، من قبل عصابة مجوسية رافضية خبيثة ، ساندهم الشرق والغرب …
فيا أيها المسلمون: إن كنتم لا تستطيعون نصرة أخوانكم في سوريا بالمال والنفس، لا أقل أن تدعو لهم وتؤازرهم بدعائكم، فلا تبخلوا بأقل القليل الذي لا يكلفكم سوى رفع أيديكم لبارئكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة وأن الله ناصر من نصره وغالب من خذل جنده، ولا يكن همكم النظر إلى الشاشات وسماع الأخبار والحزن والآهات، بل تضرعوا لرب الأرض والسموات أن يفرج عن إخوانكم المسلمين في سوريا وينصرهم على الكفرة والمنافقين من الرافضة والنصيريين.
([1])أخرجه الترمذي(139)، وقال: حسن غريب، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع برقم(7687)،.
([2])أخرجه النسائي وصححه الألباني في صحيح النسائي(2978).
([3]) أخرجه ابن ماجه برقم 2884 ، وقال الألباني : ( حسن ) التعليق الرغيب 108 / 2 ، الصحيحة 1820 صحيح ابن ماجة (2 / 149) ح 2884 -2339 .
([4]) رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه وقال الحافظ في النتائج(1/378):حديث حسن صحيح،وصححه النووي في (الأذكار/ صـ57ـ267) ، وقال الألباني في (الكلم الطيب): حسن صحيح(صـ76). قوله:(حين يُلْحِمُ بعضهم بعضاً" أي: حين تشتبك الحرب بينهم .
([5])(البداية والنهاية5/82).
([6])(السيرة النبوية لابن هشام3/168)..
([7])أخرجه أحمد(1/30ـ31) برقم(208)، وقال الشيخ/أحمد شاكر:سنده صحيح، ورواه مسلم (1763)، وأصله في البخاري، وانظر جامع الأصول(8/183).
([8])أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم(3584) وقال: حسن غريب، وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي برقم(2836)..
([9])في صفة الصفوة (3 / 267).
([10])(تاريخ الطبري 7/119)..
([11])(أبطال ومواقف ص 187)..
([12])انظر السير (18/414ـ416) والبداية والنهاية(12/91).
([13])(معارك المسلمين في رمضان للدكتور:عبدالعزيز العبيدي ص 65).
([14])(صلاح الدين الأيوبي للدكتور:عبدالله ناصح علوان ص 67).
([15])(سيرة صلاح الدين الأيوبي للقاضي ابن شدَّاد ص 8 ).
([16])(معارك المسلمين في رمضان للعبيدي ص 71).
([17]) (أبطال ومواقف/ ص 450ـ451).
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
الكاتب :د . علي الكيلاني
منقول بتصرف من هيئة الشام الإسلامية