التصنيفات
منوعات

أعظم أنواع الهجرة

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، شرع لعباده هجرة القلوب، وهجرة الأبدان، وجعل هاتين الهجرتين باقيتين على مر الزمان، وليكن لنا في سيرة نبيكم صلى الله عليه وسلم خير أسوة، وذلك بترسم خطاه والسير على نهجه والإقتداء به في أقواله وأفعاله وأخلاقه كما أمركم الله بذلك فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

في أول شهر المحرم يكثر الناس من التحدث عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم في الخطب والمحاضرات وسائل الإعلام، ولا يعدو حديثهم في الغالب أن يكون قصصاً تاريخياً يملؤون به الفراغ في أيام معدودات ثم يُترك وينسى دون أن يكون له أثر في النفوس أو قدوة في الأعمال والأخلاق، بل لا يعدو أن يكون ذلك عادة سنوية تت على الألسنة دون فقه لمعنى الهجرة وعمل بمدلولها.

إن الهجرة معناها لغةً:

مفارقة الإنسان غيره بدنه أو بلسانه أو بقلبه.

ومعناها شرعاً:

مفارقة بلاد الكفر أو مفارقة الأشرار أو مفارقة الأعمال السيئة والخصال المذمومة.

وهي من ملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات:99] أي مهاجر من أرض الكفر إلى الإيمان، وقد هاجر عليه الصلاة والسلام بعض ذريته إلى الشام حيث البلاد المقدسة والمسجد الأقصى، والبعض الآخر إلى بلاد الحجاز حيث البلد الحرام والبيت العتيق، كما جاء في دعائه لربه: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم:37].

والهجرة من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

حيث أمر الصحابة بالهجرة إلى الحبشة لمّا اشتد عليهم الأذى من الكفار في مكة فخرجوا إلى أرض الحبشة مرتين فراراً بدينهم، وبقى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو إلى الله ويلاقي من الناس أشد الأذى، وهو يقول: {رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} [الإسراء:80]، فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة وأذن لأصحابه بالهجرة إليها، فبادروا إلى ذلك فراراً بدينهم وقد تركوا ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله، وقد أثنى الله عليهم ومدحهم وعدهم جزيل الأجر والثواب، وصارت الهجرة قرينة الجهاد في كتاب الله عز وجل، وصار المهاجرون أفضل الصحابة حيث فرّوا بدينهم وتركوا أعزّ ما يملكون من الديار والأموال والأقارب والعشيرة، وباعوا ذلك لله عز وجل وفي سبيله وابتغاء مرضاته.

وصار ذلك شريعة ثابتة إلى أن تقوم الساعة فقد جاء في الحديث: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها»، فكل من لم يستطع إظهار دينه في بلد فإنه يجب عليه أن ينتقل منها إلى بلد يستطيع فيه إظهار دينه.

وقد توعد الله من قدر على الهجرة فلم يهاجر قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:97-99].

فهذا وعيد شديد لمن ترك الهجرة بدون عذر، وهذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين، وأنه ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} أي يترك الهجرة {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} أي لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض، وهذا اعتذار منهم غير صحيح لأنهم كانوا يقدرون على الهجرة فتركوها، ولهذا قالت لهم الملائكة توبيخاً لهم: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}.

فمن لم يستطع إظهار دينه في بلد وجب عليه الخروج إلى بلد يستطيع فيها ذلك، فإن بلاد الله واسعة ولا تخلو من بلاد صالحة، قال تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} [النساء:100] أي مكاناً يتحصن فيه من أذى الكفار، وسعة في الرزق، ويعوضه الله بها عما ترك في بلده من المال، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:41-42].

ومن أنواع الهجرة هجر المعاصي من الكفر والشرك والنفاق وسائر الأعمال السيئة والخصال الذميمة والأخلاق الوخيمة، قال تعالى لنبيه: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5]، الرجز: الأصنام. وهجرتها: تركها والبراءة منها ومن أهلها.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». أي ترك ما نهى الله عنه من الأعمال والأخلاق والأقوال والمآكل والمشارب المحرمة والنظر المحرم والسماع، كل هذه الأمور يجب هجرها والابتعاد عنها.

ومن أنواع الهجرة هجر العصاة من الكفار والمشركين والمنافقين والفساق وذلك بالإبتعاد عنهم، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10] أي: اصبر على ما يقوله من كَذَّبك من سفهاء قومك: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10] أي اتركهم تركاً لا عتاب معه.

ومن أعظم أنواع الهجرة هجرة القلوب إلى الله تعالى بإخلاص العباده له في السر والعلانية، حتى لا يقصد المؤمن بقوله وعمله إلا وجه الله، ولا يحب إلا الله ومن يحبه الله، وكذلك الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعه وتقديم طاعته والعمل بما جاء به.

وبالجملة فهذه الهجرة هجرة إلى الكتاب والسنة من الشركيات والبدع والخرافات والمقالات والمذاهب المخالفة للكتاب والسنة.

فتبين من هذا أن الهجرة أنواع هي:

هجر أمكنة الكفر… وهجر الأشخاص الضالين… وهجر الأعمال والأقوال الباطلة.. وهجر المذاهب والأقوال والآراء المخالفة للكتاب والسنة.

فليس المقصود التحدث عن الهجرة بأسلوب قصصي وسرد تاريخي، أو تقام لمناسبتها طقوس واحتفالات ثم تنسى ولا يكون لها أثر في النفوس أو تأثير في السلوك، فإن كثيراً ممن يتحدثون عن الهجرة على رأس السنة لا يفقهون معناها ولا يعلمون بمقتضاها بل يخالفونها في سلوكهم وأعمالهم؛ فهم يتحدثون عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتركهم أوطان الكفر إلى وطن الإيمان، وهم مقيمون في بلاد الكفر أو يسافرون إليه لقضاء الإجازة أو للنزهة أو لقضاء شهر العسل كما يسمونه بعد الزواج!!

يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عبادة القبور والأضرحة، بل يعبدونها من دون الله كما تعبد الأصنام أو أشد. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المذاهب الباطلة والآراء المضلة بل يجعلونها مكان الشريعة الإسلامية. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المعاصي والأخلاق الرذيلة. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عادات الكفار وتقاليدهم بل يتشبهون بهم، فأين هي معاني الهجرة وأنواعها من تصرفات هؤلاء؟

فاتقوا الله عباد الله، واقتبسوا من الهجرة وغيرها من أحداث السيرة النبوية دروساً تنهجونها في حياتكم، ولا يكن تحدثكم عن الهجرة مجرد أقوال على الألسنة أو حبراً على الأوراق.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:74].

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

صالح بن فوزان الفوزان




شكرلكم



بارك الله فيك



جزاك الله خير



شكرلكم



التصنيفات
منوعات

أعظــم أنواع الهجرة – هجرة القلوب

خليجية

أعظم أنواع الهجرة – هجرة القلوب

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، شرع لعباده هجرة القلوب، وهجرة الأبدان،
وجعل هاتين الهجرتين باقيتين على مر الزمان،
وليكن لنا في سيرة نبيكم خير أسوة، وذلك بترسم خطاه والسير على نهجه والإقتداء به في أقواله وأفعاله وأخلاقه كما أمركم الله بذلك فقال:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً
[الأحزاب:21].

في أول شهر المحرم يكثر الناس من التحدث عن هجرة الرسول في الخطب والمحاضرات ووسائل الإعلام،
ولا يعدو حديثهم في الغالب أن يكون قصصاً تاريخياً يملؤون به الفراغ في أيام معدودات ثم يُترك وينسى دون أن يكون له أثر في النفوس أو قدوة في الأعمال والأخلاق،
بل لا يعدو أن يكون ذلك عادة سنوية تتردد على الألسنة دون فقه لمعنى الهجرة وعمل بمدلولها.

خليجية

إن الهجرة معناها لغةً:

مفارقة الإنسان غيره ببدنه أو بلسانه أو بقلبه.

ومعناها شرعاً:

مفارقة بلاد الكفر أو مفارقة الأشرار أو مفارقة الأعمال السيئة والخصال المذمومة.

وهي من ملة إبراهيم الخليل خليجية حيث قال:
إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ
[الصافات:99]
أي مهاجر من أرض الكفر إلى الإيمان، وقد هاجر خليجية ببعض ذريته إلى الشام حيث البلاد المقدسة والمسجد الأقصى،
والبعض الآخر إلى بلاد الحجاز حيث البلد الحرام والبيت العتيق،
كما جاء في دعائه لربه:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
[إبراهيم:37].

خليجية

والهجرة من شريعة محمد خليجية

حيث أمر الصحابة بالهجرة إلى الحبشة لمّا اشتد عليهم الأذى من الكفار في مكة فخرجوا إلى أرض الحبشة مرتين فراراً بدينهم،
وبقى النبي في مكة يدعو إلى الله ويلاقي من الناس أشد الأذى، وهو يقول:
رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً
[الإسراء:80]،
فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة وأذن لأصحابه بالهجرة إليها،
فبادروا إلى ذلك فراراً بدينهم وقد تركوا ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله،
وقد أثنى الله عليهم ومدحهم ووعدهم جزيل الأجر والثواب،
وصارت الهجرة قرينة الجهاد في كتاب الله خليجية،
وصار المهاجرون أفضل الصحابة حيث فرّوا بدينهم وتركوا أعزّ ما يملكون من الديار والأموال والأقارب والعشيرة، وباعوا ذلك لله خليجية وفي سبيله وابتغاء مرضاته.

وصار ذلك شريعة ثابتة إلى أن تقوم الساعة فقد جاء في الحديث:
{ لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها }،
فكل من لم يستطع إظهار دينه في بلد فإنه يجب عليه أن ينتقل منها إلى بلد يستطيع فيه إظهار دينه.

خليجية

وقد توعد الله من قدر على الهجرة فلم يهاجر،
قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً
[النساء:97-99].

فهذا وعيد شديد لمن ترك الهجرة بدون عذر،

وهذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين،
وأنه ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ أي يترك الهجرة قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ أي لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض، وهذا اعتذار منهم غير صحيح لأنهم كانوا يقدرون على الهجرة فتركوها، ولهذا قالت لهم الملائكة توبيخاً لهم: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا .

فمن لم يستطع إظهار دينه في بلد وجب عليه الخروج إلى بلد يستطيع فيها ذلك،
فإن بلاد الله واسعة ولا تخلو من بلاد صالحة،
قال تعالى:
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً
[النساء:100]
أي مكاناً يتحصن فيه من أذى الكفار، وسعة في الرزق، ويعوضه الله بها عما ترك في بلده من المال، كما قال تعالى:
وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
[النحل:42،41].

خليجية

ومن أنواع الهجرةهجر المعاصي من الكفر والشرك والنفاق وسائر الأعمال السيئة والخصال الذميمة والأخلاق الوخيمة، قال تعالى لنبيه خليجية:
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر:5]،
الرجز: الأصنام.
وهجرتها: تركها والبراءة منها ومن أهلها.

وقال النبي خليجية:
{المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه }.

أي ترك ما نهى الله عنه من الأعمال والأخلاق والأقوال والمآكل والمشارب المحرمة والنظر المحرم والسماع، كل هذه الأمور يجب هجرها والابتعاد عنها.

خليجية

ومن أنواع الهجرة هجر العصاة من الكفار والمشركين والمنافقين والفساق وذلك بالإبتعاد عنهم،
قال الله تعالى:
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [المزمل:10]
أي: اصبر على ما يقوله من كَذَّبك من سفهاء قومك:
وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10] أي اتركهم تركاً لا عتاب معه.

خليجية

ومن أعظم أنواع الهجرة هجرة القلوب إلى الله تعالى بإخلاص العباده له في السر والعلانية،
حتى لا يقصد المؤمن بقوله وعمله إلا وجه الله، ولا يحب إلا الله ومن يحبه الله،
وكذلك الهجرة إلى رسول الله باتباعه وتقديم طاعته والعمل بما جاء به.

وبالجملة فهذه الهجرة هجرة إلى الكتاب والسنة من الشركيات والبدع والخرافات والمقالات والمذاهب المخالفة للكتاب والسنة.

خليجية

فتبين من هذا أن الهجرة أنواع هي:

هجر أمكنة الكفر…
وهجر الأشخاص الضالين…
وهجر الأعمال والأقوال الباطلة..
وهجر المذاهب والأقوال والآراء المخالفة للكتاب والسنة.

فليس المقصود التحدث عن الهجرة بأسلوب قصصي وسرد تاريخي،
أو تقام لمناسبتها طقوس واحتفالات ثم تنسى ولا يكون لها أثر في النفوس أو تأثير في السلوك، فإن كثيراً ممن يتحدثون عن الهجرة على رأس السنة لا يفقهون معناها ولا يعلمون بمقتضاها بل يخالفونها في سلوكهم وأعمالهم؛
فهم يتحدثون عن هجرة الرسول وأصحابه وتركهم أوطان الكفر إلى وطن الإيمان،
وهم مقيمون في بلاد الكفر أو يسافرون إليه لقضاء الإجازة أو للنزهة أو لقضاء شهر العسل كما يسمونه بعد الزواج!!

خليجية

يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عبادة القبور والأضرحة،
بل يعبدونها من دون الله كما تعبد الأصنام أو أشد.
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المذاهب الباطلة والآراء المضلة بل يجعلونها مكان الشريعة الإسلامية.
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المعاصي والأخلاق الرذيلة.
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عادات الكفار وتقاليدهم بل يتشبهون بهم،

فأين هي معاني الهجرة وأنواعها من تصرفات هؤلاء؟

فاتقوا الله عباد الله، واقتبسوا من الهجرة وغيرها من أحداث السيرة النبوية دروساً تنهجونها في حياتكم، ولا يكن تحدثكم عن الهجرة مجرد أقوال على الألسنة أو حبراً على الأوراق.

قال تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
[الأنفال:74].

خليجية

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فضيلة الشيخ
صالح بن فوزان الفوزان




التصنيفات
منوعات

ماذا علمني محمد – صلى الله عليه وسلم – من الهجرة ؟

ماذا علمني محمد – صلى الله عليه وسلم – من الهجرة ؟

الحديث عن القادة شيء ممتع ويبعث على الرغبة في مواصلة القراءة والإستمتاع حتى آخر كلمة, لكن الحديث عن محمد – صلى الله عليه وسلم – فهو شيء آخر, ويبعث على الفرح والسرور النفسي, ويزيدك طمأنينة وراحة بال.
ما أحب أن أتحدث به في مقالي المتواضع أمام حبيبي محمد – صلى الله عليه وسلم – هو الشيء اليسير أمام عبقريته الفذة في القيادة, ولماذا لا نقتدي به فعلاً ؟ إن كنا نعتقد بأنه القدوة الفعلية والعملية لنا في مسيرة حياتنا, لماذا ندّعي الحب الخالص والمجرد لرسولنا الكريم بينما لا تلامس سيرته حياتنا, وهي بعيدة كثيراً عن الروح التي علمنا إياها في سيرته العطرة.

ما أود التركيز عليه هو أن الرسول – عليه الصلاة والسلام – النموذج التطبيقي لنا في حياتنا القصيرة التي نعيشها, وهو القدوة لنا في نجاحنا الحقيقي في هذه الحياة, فإذا ما أردنا التطوّر فهو من سيعرفنا الطريق, وإذا ما أردنا أن نعيش كما يحب الله, فعلينا أن نسير على خطاه, وأن نحبه كما علمنا عندما قال للفاروق عمر : " ومن نفسك يا عمر, فقال الفاروق : ومن نفسي يا رسول الله ".

علمني حبيبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أن أكون واقعياً :
فمعرفة الواقع الذي تعيشه هو بداية الطريق للنجاح, عندما قرر محمد – صلى الله عليه وسلم – أن لا فائدة من الدعوة في مكة, اتخذ قرار الهجرة, لأنه يعلم يقيناً أن الدولة لن تقوم من دون أن يأمن أصحابه من غدر أعدائهم, فيستريحوا قليلاً من الأذى لينظروا لبناء الدولة التي سيشع نورها على العالمين, كان رسول البشرية يدرك ذلك جيداً, وإنما اتخذ الأسباب الدنيوية في الدعوة في بيئة يغلب على طابعها الإحتكام للسلاح كحل وحيد لحل مشاكلهم, فلم يكن من المجدي أن يقوم بمزيد من المحاولة, بعد أن عرض نفسه على الوفود الكثيرة التي كانت تحج لبيت الله الحرام, طمعاً في النصرة, وبعدما سافر للطائف لنفس الغرض فلقي من الأذى النفسي والمادي ما لا يحتمله إلا الرجال العظماء, وذاك هو محمد – صلى الله عليه وسلم-.

ما نتعلمه من ذلك ليكون لنا درساً عملياً هو أن نعرف أين نقف الآن؟ وإلى أيّ وجهة نسير؟ وما هي رؤيتنا للحياة التي ننشدها؟ عندما ندرس مواقفنا ندرك مدى الفجوة العميقة بين ما نريد أن نحقق, وأين نقف الآن مما نريد, فليس النجاح بالتمني ولكن هو المحاولة والمحاولة والمحاولة حتى نحسن من أداء ما نقوم به, فأن تخطأ وتقع على الأرض, لا يعد خطأً في حدّ ذاته, لأنك بذلك ستكون قد تعلمت أن هناك طرقاً لا تصلح لنسلكها, وإنما الطامة الكبرى أن لا نتقبل الخطأ ونتخذه شماعة للتوقف عن التقدم, والتوقف عن معرفة ما الذي نريده.

علمني حبيبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أن قيمة المشروع أكبر من قيمة العواطف :
إذ أن الفكرة أكبر من العواطف, كان رسول الإنسانية يدرك أن قرار الإبتعاد عن مكة, فيه من الظلم الكثير لمشاعره ومشاعر أصحابه, لكنه مؤمن بفكرته وعازم على أن يدافع عنها أو يهلك دونها, فلم يكن للعواطف متسع أمام مفارقة الديار والأهل, فهو القائد ذو البصيرة النافذة, عليه أن يبحث عن موطيء قدم له ولأصحابه, ليتمكن من بناء الدولة, حتى لو على حساب مشاعره.

علمنا محمد – صلى الله عليه وسلم – أن ندافع عن أفكارنا, وعن ما نعتقد, فما قيمة الإنسان إذا عاش في عباءة الآخرين, يتكلم كما يتكلمون, وينفعل كما ينفعلون, هكذا, وبدون أدنى قوة داخلية تدفعه للتوقف ليكون غيره, إلا أن يكون إمّعة مع نفسه ومجتمعه, فما قيمة المرء إن كان لا يحسن قيمة العيش مع نفسه ومجتمعه, وما الذي تطمح لتغييره في إنسان مغيّب عن واقعه, لا يملك أحلاماً يدافع عنها, ولا فكرة يضحي من أجلها, وما أعنيه أننا جميعاً لدينا مشاريع فليس من العدل أن نقتلها في مهدها, ونجلس بلا فكرة تراودنا أو أحلام نعشقها.

علمني حبيبي محمد – الله عليه وسلم – أن للقائد خيارات متعددة :
فليس من العدل إذا أوصدت الأبواب أمامك أن لا تفكر في خيارات أخرى, وهذا ما فعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عندما قرر الذهاب للطائف لعله أن يجد النصرة منهم, وهذه حكمة منه, وعندما أوصدت الأبواب لتبليغ دعوته, كان عليه التفكير ملياً في خيارات أخرى, لينقذ بها دعوته وأصحابه الكرام, فذهب للطائف لكنه صلى الله عليه وسلم لم يجد آذاناً صاغية ولا قلوباً تتلمس الحق, فعاد مرة أخرى لمكة مستجيراً بمشرك, وعندما أرسل سيدنا مصعب بن العمير مع ستة من الأنصار للمدينة, كان هدفه استشراف الأرض الجديدة ومدى ملائمتها لتكون منطلقاً للدعوة وبناء الدولة.

وهكذا هي الحياة, إذا لم تكن مرناً في تفاصيلها, فلن تجد باباً يفتح أمامك, فهناك من يحدد مسبقاً أن طريقته في فهم الإسلام هي الطريقة المثلى ليقتدي بها الناس, فيأخذهم بالإكراه مرة وبالتعنيف مرات, من دون أن يعلم أن رسولنا الكريم, لم يكن ليوصد باباً للتعريف بالحق, ولم تكن خياراته تنفذ في سبيل إيصال هذا الحق للناس, حتى مع من خالفوه في الدين فما بالك بمن خالفوه في الرأي, لا توصد أبواب الخير, فأحب الخلق إلى الله أنفعهم لخلقه.




جزاكى الله كل خير وجعلة فى ميزان حسناتك



التصنيفات
منتدى اسلامي

الهجرة النبوية المباركة ح كم باهرة ، ودروس عظيمة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
عندما هاجر رسولنا الكريم ، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ؛ إنما كانت تلك الهجرة لأعلاء كلمة الحق ، ووضع الحد الفاصل بين الحق والباطل ..

وقد كان يعلِمَ ، من أوَّل يومٍ في الدَّعوة الإسلاميَّة المبارَكة ، أنَّه سيَخرُج من بلده مُهاجِرًا..؛ ففي حديثه مع ورقة بن نَوفَل عندما اصطَحبَتْه زوجُه خديجة – رضِي الله عنها – إلى ابن عمِّها، عندها قال له ورقة:
(.. هذا النامُوسُ الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتَنِي فيها جَذَعًا، ليتَنِي أكون حيًّا إذ يُخرِجك قومُك، فقال رسول الله : (.. وَمُخرِجِيَّ هم ؟!..)، قال: نعم، لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثْل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإنْ يُدرِكْني يومُك أنصُرْكَ نصرًا مُؤزَّرًا، ومن ساعَتِها عَلِمَ النبي أنَّ طريقه غير ممهَّد ، بل ومحفوفٌ بالمخاطر والمهالك، وأنَّه مُخرَجٌ من مكَّة حَتمًا لا مَحالة ..!!
وكان حَرِيصًا أشدَّ الحِرص على نشر رسالته ، وهِدايَة قومِه ، لذلك استَعمَل شتى الصور، والأساليب .. بالحكمة والموعظة الحسَنَة.. ولكن ، وبعد أن أشتد الأذى ، على قومُه بكُلِّ أنواع الإيذاء ، وكل ذلك لإخماد نور رسالته ، والقَضاء على دعوَتِه في مَهدِها، وتمثَّل هذا الإيذاء بنوعَيْه: بالكلام والفعل.
ففي الكلام قالوا عنه: "ساحر وشاعر ومجنون"، ومنه: "لَمَّا نزلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾الشعراء: 214،
أمَّا بالفعل: فقد روى البخاري من حديث عُروَة بن الزُّبير، قال: (.. سألتُ ابنَ عمرو بنِ العاص: أخبِرنِي بأشد شيءٍ صنَعَه المشركون بالنبيِّ قال: بينما النبيُّ يُصلِّي في حِجرِ الكَعبة، إذ أقبلَ عُقبَةُ بن أبي مُعَيط، فوَضَع ثوبَه في عُنُقِه، فخَنقَه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكرٍ حتى أخَذ بمنكبه، ودفَعَه عن النبيِّ قال: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ… ﴾ غافر28 أي : أتقتلون رجلاً من أجل أنه قال ربي الله وعمل بما قال، روى البخاري في صحيحه بينما رسول الله يصلي بفناء الكعبة ، إذا أقبل «عقبة بن أبي معيط»، فأخذ بمنكب الرسول ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل «أبوبكر» رضي الله عنه فأخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي ثم قرأ قوله تعالى في سورة غافر آية 28 (..أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَّقُولَ رَبِّي اللهُ..).. ومن أواخِر المَكِيدات الفعليَّة في مكَّة اتِّفاقُهم على قَتلِه في فِراشِه وهو ما حَكاه أهل السِّيَر؛ حيث اجتَمَع رجالٌ من قريش ذاتَ يومٍ وتشاكَوْا وتشاوَرُوا في أمر النبيِّ ، وانتَهَى بهم الأمرُ إلى قتْله فاقتَرَح عليهم أشقى القوم أبو جَهل بن هِشام أنْ يَأخُذوا من كلِّ قبيلةٍ شابًّا فتيًّا جليدًا نسيبًا، ثم يعطوا كلَّ شابٍّ منهم سيفًا فيَضرِبوه ضَربةَ رجلٍ واحدٍ، فيتفرَّق دمُه بين القبائل فلا يقدر بنو عبد مَناف على حَربِهم جميعًا، فنَجَّاه الله منهم بمنِّه وكرَمِه .
وبعد كل هذهِ المحن العصيبة من قريشاً ، وعدم تقبُّل مكَّة للإسلام قرر الهجرة .. فبحَثَ عن مكانٍ آخَريكون أكثر استِعدادًا لقبول دعوته، فكان هذا المكان هو يَثرِب ..
الهجرة وضَرُورة إقامة الدَّولة الإسلاميَّة:
عنذما رأي النبيُّ أنَّه مكلَّفٌ بنشر رسالةٍ عالميَّة ، تطلَّع إلى لتَحقِيق ذلك ، وقد استَشعَر مسؤوليَّة قولِ الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ المائدة: 67، وقوله:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾سبأ: 28، من أجْل هذا أحسَّ النبيُّ أنَّ تحقيق رسالته لا تَأتِي إلاَّ من خِلال نِظامٍ سياسيٍّ وكيانٍ اجتماعيٍّ يَحمِيها نظامٌ عسكري في مَوطِنٍ أمين أو بالأَحرَى من خِلال دولةٍ تَكفُل لهذه الدَّعوة حَقَّ الانتشار والذُّيوع، وتَحمِي أتباعها وتُؤمِّنهم؛ ومن ثَمَّ تطلَّعَ النبيُّ إلى تَحقِيق ذلك، فتحرَّك سريعاً للخروج إلى مكانٍ جديد يَصلُح أن يكون كدَولةٍ إسلامية مهمة لإعلان شأن الدِّين، وللحصول على الحريَّة الكاملة لعِبادة الله وطاعَتِه..
أهداف الهجرة النبويَّة إلى المدينة..
مما لاشك فيه أن الهجرة النبوية هي ذلك الحدث العظيم الذي غيّر مجرى التاريخ وحوّل مسيرة الحياة، حيث تم بناء أسس ودعائم الدولة الإسلامية على يد رسول الله وصحابته الكرام رضوان الله عليهم آجمعين
*- فقد كان أوَّل وأهمُّ أهداف الهجرة النبويَّة إلى المدينة هي:إقامة الدولة الإسلاميَّة والمجتمع الإسلامي، دولة تُظِلُّ تحتَ لوائها كُلَّ مَن آمَن بالله تعالى ، ويكون فيها فَرْدًا صالحًا يَعبُدُ ربَّه دون خَوْفٍ .. بمجتمعاً إسلامياً جديد" ، يختَلِف في جميع مَراحِل الحياة عن المجتمع الجاهلي، ويكون ممثِّلاً للدَّعوة الإسلاميَّة التي عانَى لها المسلمون ألوانًا من النَّكال والعَذاب طِيلَة عشر سَنوات ..
نَتائج وآثار الهجرة النبويَّة المُبارَكة..
*-تَرسِيخ مَبدَأ الأُخُوَّة بين المُهاجِرين والأنصار، وقد ترسَّخ هذا المبدأ في نُفُوسهم حتى إنَّ أحدَهم لَيَطلُبُ من أخيه أنْ يُقاسِمَه في ماله وأزواجِه..! *-القَضاء التامُّ على الإِحَن والأضْغان الذي كان في الصُّدور من قِبَلِ القَبائِل لبعضها، وتَوحِيدها تحت رايةٍ واحِدةٍ هي راية " لا إله إلا الله محمد رسول الله".. وبجانب تلك المزايا ، من نتأجها أنها جاءت بإعلان وثيقة مفصلة .. فيها تشريعات تنظيمية وإدارية ومالية كتبت على عهد النبي ، كما أرسى فيها قواعد مجتمع جديد وأمة إسلامية جديدة بإقامة الوحدة العقدية والسياسية والنظامية بين المسلمين وغير المسلمين.. و ضبطت العلاقة بين أبناء المجتمع المدني الواحد بالعدل والمساواة ..
وتمتع الجميع على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأديانهم بالحقوق والحريات بأنواعها، مثل: أ. حرية العقيدة، : ( للمسلمين دينهم، ولليهود دينهم ). ب. كرامة الإنسان مقدرة، : ( وأن ذمة المسلمين واحدة يجير عليهم أدناهم ). ج. واجب حماية رعايا الدولة ورد العدوان عنهم، : ( وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم ).
تلك كانت أهم أسباب ودَواعِي ونَتائج وآثار الهجرة النبويَّة المُبارَكة – على صاحِبِها أفضَلُ الصَّلاة والسَّلام.. استخلاص الدروس والعبر والمبادئ ، التي يجب أن نتعلمها ونطبقها في حياتنا من الهجرة النبوية :
*- ترسيخ القيمة العظيمة للأمانة في الإسلام، *- أهمية اختيار الصديق ودور الصحبة الصالحة في نجاح المسلم في حياته وقدرته على نصرة دينه ، *- ترسيخ الفدائية وروح الشجاعة بالنفوس ، فالمسلم بطل وفدائي ولا يهاب الموت في سبيل الله .. *- الأخذ بالأسباب والتخطيط الجيد والإعداد المدروس ، بجانب التوكل على الله والاعتصام به .
الهجرة هى المعنى الحقيقي للنصر:
الهجرة سميت نصراً رغم أنه لم تسيل قطرة من الدم، ولم تلتق فيها السيوف، وهذا اتساع لأفق النصر في حياة أهل التوحيد والعقيدة..!! فالثبات على المبدأ نصر، والالتزام بالحق نصر، والوصول للأهداف سواء مرحلية أو كلية نصر..!! الهجرة كانت هى ، القوة في الثقة بالله، والثبات على مبادئ الدعوة والدين، والتضحية في سبيل الله ،..!!
هكذا يجب أن ننظر إلى الهجرة ، فلولا الهجرة لما كانت الدولة، ولم تكن حضارة إسلامية أضحت مناراً للعالم كله وعاش في ظلها الملايين من البشر والعشرات من الشعوب في أسعد عصور عرفها التاريخ ..
حقاً كانت الهجرة النبوية المباركة للحق ، وفي سبيله ، ولهذا كتب لسيرتها الذكر والخلود .
قال تعالى : (.. إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ..) التوبة 40.
فالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ..(




شكرلك



بوووركتي



شكرا للمرور العطر



التصنيفات
سيرة النبي وزوجاته والصحابة

مِن إلهامات الهجرة:

كتبه/ أحمد فريد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لماذا أرخ المسلمون تاريخهم بهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يؤرخوا بغزوة بدر الكبرى؛ أول انتصار في الإسلام، أو بفتح مكة، أو بغير ذلك من المناسبات الحاسمة في تاريخ الأمة الإسلامية؟
إنما كان ذلك كذلك؛ لأن بالهجرة تكوَّن النظام السياسي، وتأسست الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وهذا يدل على أن الإسلام لا يُكتفى فيه بتنفيذ العبادات الفردية: كالصلاة، والصيام، والحج والعمرة، ولكنه يهدف إلى إقامة نظام كامل متكامل محكوم بشرع الله -عز وجل-، فليس فيه: "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، ولكن الإسلام يتحكم في كل شئون الحياة: السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، فبالهجرة تكون الكيان الإسلامي للعمل المتكامل.
وما أذِن في الجهاد إلا بعد الهجرة، وقتل كعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق اليهوديين كان بعد الهجرة، بعد أن صار للإسلام دولة، وللإسلام شوكة.
ومِن إلهامات الهجرة: أن الداعية إذا أجدبت أرضه فينبغي عليه أن يبحث عن أرض جديدة خصبة؛ فقد ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة وهو يعلم أنها أحب أرض إلى الله، وأحب أرض الله إليه -صلى الله عليه وسلم-.
ومن إلهامات الهجرة: الأخذ بالأسباب الممكنة، فقد استأجر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً خريتًا، وسار في طريق خلاف طريق المدينة حتى ينتهي الطلب، وغير ذلك من الأسباب التي أخذ بها..
وإن قال قائل: لماذا لم يهاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- كما هاجر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فيقول: من أراد أن تثكله أمه أو يتيتم ولده فليلقني خلف هذا الوادي؟
الجواب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أسوة، والناس فيهم القوي مثل عمر -رضي الله عنه-، ومنهم: الضعيف، ولكن عمر -رضي الله عنه- شخص واحد يتصرف بحسب قوة إيمانه وجرأته.
بهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- تمت سنة إخوانه الأنبياء؛ ولذلك قال له ورقة بن نوفل -رضي الله عنه-: "يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ" (متفق عليه).
قال محب الدين الخطيب -رحمه الله-:
"عَنْ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ قَالَ: جِئْتُ بِأَخِي أَبِي مَعْبَدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الْفَتْحِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. قَالَ: (قَدْ مَضَتْ الْهِجْرَةُ بِأَهْلِهَا) قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: (عَلَى الإِسْلامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ) (متفق عليه).
وفي البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ)، وفي لفظ ابن حبان: (المهاجر من هجر السيئات).
فإلى الهجرة أيها المسلمون..
إلى هجرة الخطايا والذنوب..
إلى هجر ما يخالف أنظمة الإسلام في بيوتنا وما نقوم به من أعمالنا..
إلى هجر الضعف والبطالة والإهمال والترف والكذب والرياء، ووضع الأشياء في غير موضعها



تسلم يدك ع الموضوع
جعله الله بميزان حسناتك
ليس جديد عليكى فديما مميزه
نستفيد الكثير منكى
بأنتظار جديدك




التصنيفات
سيرة النبي وزوجاته والصحابة

الهجرة الأولى إلى الحبشة

انت بداية الاعتداءات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة، بدأت ضعيفة، ثم لم تزل تشتد يومًا فيومًا وشهرًا فشهرا، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، ونبا بهم المقام في مكة، وأخذوا يفكرون في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم، وفي هذه الظروف نزلت سورة الزمر تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة، وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة ‏{‏لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ الله ِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏10]‏‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أصْحَمَة النجاشى ملك الحبشة ملك عادل، لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من الم، لكن لما بلغت إلى الشاطئ كانوا قد انطلقوا آمنين، وأقام المسلمون في الحبشة في أحسن جوار‏.‏




التصنيفات
منوعات

الهجرة الثانية إلى الحبشة


واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلى نطاق أوسع، ولكن كانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا‏.‏

وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلًا إن كان فيهم عمار، فإنه يشك فيه، وثماني عشرة أوتسع عشرة امرأة‏.‏

مكيدة قريش بمهاجري الحبشة


عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمنا لأنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين، وهما‏:‏ عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة ـ قبل أن يسلما ـ وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته، وبعد أن ساق الرجلان تلك الهدايا إلى البطارقة، وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم، حضرا إلى النجاشي، وقدما له الهديا ثم كلماه فقالا له‏:‏

أيها الملك، إنه قد ضَوَى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم؛ لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه‏.‏

وقالت البطارقة‏:‏ صدقا أيها الملك، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم‏.‏

ولكن رأي النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية، وسماع أطرافها جميعًا‏.‏ فأرسل إلى المسلمين، ودعاهم، فحضروا، وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائنًا ما كان‏.‏ فقال لهم النجاشي‏:‏ ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في دينى ولا دين أحد من هذه الملل ‏؟‏

قال جعفر بن أبي طالب ـ وكان هو المتكلم عن المسلمين‏:‏ أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم،وقذف المحصنات،وأمرنا أن نعبد الله وحده،لا نشرك به شيئًا،وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك‏.‏

فقال له النجاشي‏:‏ هل معك مما جاء به عن الله من شيء‏؟‏ فقال له جعفر‏:‏ نعم‏.‏ فقال له النجاشي‏:‏ فاقرأه على، فقرأ عليه صدرًا من‏:‏ ‏{‏كهيعص‏}‏ فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخْضَلُوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي‏:‏ إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون ـ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه ـ فخرجا، فلما خرجا قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ والله لآتينه غدًا عنهم بما أستأصل به خضراءهم‏.‏ فقال له عبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا، ولكن أصر عمرو على رأيه‏.‏

فلما كان الغد قال للنجاشي‏:‏ أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ففزعوا، ولكن أجمعوا على الصدق، كائنًا ما كان، فلما دخلوا عليه وسألهم، قال له جعفر‏:‏ نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم‏:‏ هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البَتُول‏.‏

فأخذ النجاشي عودًا من الأرض ثم قال‏:‏ والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته، فقال‏:‏ وإن نَخَرْتُم والله ‏.‏

ثم قال للمسلمين‏:‏ اذهبوا فأنتم شُيُومٌ بأرضي ـ والشيوم‏:‏ الآمنون بلسان الحبشة ـ من سَبَّكم غَرِم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، ما أحب أن لى دَبْرًا من ذهب وإني آذيت رجلًا منكم ـ والدبر‏:‏ الجبل بلسان الحبشة‏.‏

ثم قال لحاشيته‏:‏ ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لى بها، فوالله ما أخذ الله منـي الرشـوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشـوة فيــه، وما أطاع الناس في فأطيعـهم فيه‏.‏

قالت أم سلمة التي تروى هذه القصة‏:‏ فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار‏.‏

هذه رواية ابن إسحاق، وذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر، وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين‏.‏ ولكن الأسئلة والأجوبة التي ذكروا أنها دارت بين النجاشي وبين جعفر بن أبي طالب في الوفادة الثانية هي نفس الأسئلة والأجوبة التي ذكرها ابن إسحاق هنا، ثم إن تلك الأسئلة تدل بفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي‏.‏




التصنيفات
منوعات

أسماء بنت أبي بكر و الهجرة

وجود القدوة أمر ضروري يعين الناس على العمل والتشبه بهم، وهو أيضا لإقامة الحجة على الناس، ولذا أمر الله نبيه- وهو قدوة القدوات- أن يتخذ له من النبيين قبله قدوة فقال: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}، وقال لأمته: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}، ولابد أن يكون المتخَذ قدوة من جنس من يقتدون به حتى لا يكون لهم على الله حجة؛ ولذلك لما طلب المشركون أن يرسل الله لهم ملكا رسولا بدلا من البشر رد عليهم سبحانه بقوله: {قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا}.

وقد جعل الله في هذه الأمة وسابقاتها قدوات كثيرين من الرجال وكان النساء في هذا الجانب أندر وأعز، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». ولكن الله لم يحرم نساء هذه الأمة من نماذج تقتدي بهن المؤمنات وهن والحمد لله كثيرات كأمهات المؤمنين، وصحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيرهن من التابعيات الجليلات.. ونحن هنا نقدم للمؤمنين والمؤمنات واحدة من هؤلاء الفضليات:

إنها أسماء بنت أبي بكر الصديق.. أم عبد الله القرشية التيمية المكية ثم المدنية والدة الخليفة عبد الله بن الزبير وأخت أم المؤمنين عائشة وآخر المهاجرات وفاة، روت عدة أحاديث وعمرت دهرًا وتعرف بذات النطاقين.. الصادقة الذاكرة، الصابرة الشاكرة، أسماء البطولة، أسماء الصدق، أسماء الطهر أسماء الجود أسماء الكرم أسماء الشجاعة أسماء الفداء… وغيرها من المعاني التي تجدها في ترجمتها، وكيف لا تكون كذلك وهي سليلة بيت الخير، ومجاورة بيت النبوة، وأخت عائشة الصديقة الكبرى، والتي كانت تكبرها أسماء بعشر سنين؟!

أسماء العبادة والجود:

يقول ابن الزبير رضي الله عنهما: ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء، وجُودهما مختلف: أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيئا إلى غد.

وعن فاطمة بنت المنذر: أن أسماء كانت تمرض المرضة فتعتق كل مملوك لها.

ويقول ابن أبي مليكة عنها: كانت أسماء تصدع فتضع يدها على رأسها وتقول: بذنبي وما يغفره الله أكثر.

يقول ابنها عروة: دخلت على أسماء وهي تصلي فسمعتها وهي تقرأ هذه الآية: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} فاستعاذت فقمت وهي تستعيذ، فلما طال عليّ أتيت السوق ثم رجعت وهي في بكائها تستعيذ.

أسماء الكرامة والإباء:

إنها الكريمة الأبية واضعة قاعدة الكرامة حين قالت لابنها عبد الله بن الزبير، وقد أحاطت به جنود الحجاج: يا بني عش كريما ومت كريما، لا يأخذك القوم أسيرًا.

ولما قتل الحجاج ابنها عبد الله دخل عليها فقال: يا أمه.. إن أمير المؤمنين قد وصاني بك فهل لك من حاجة؟

قالت: لست لك بأم ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، ومالي حاجة.. ولكن أحدثك.. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج من ثقيف كذاب ومبير: فأما الكذاب فقد رأيناه- تعني المختار الثقفي- وأما المبير فأنت.

وقال القاسم بن محمد: جاءت أسماء بنت أبي بكر مع جوار لها، وقد ذهب بصرها، فقالت: أين الحجاج؟ قلنا ليس ههنا، قالت: فمروه فليأمر لنا بهذا العظام فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة.. قلنا إذا جاء قلنا له.. قالت إذا جاء فاخبروه أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرًا.

أسماء والهجرة:

وإذا ذكرت الهجرة فحيهلا بأسماء.. كانت وقتها ما زالت فتاة صغيرة يافعة، ولكنها حملت أمانة أشفق من حملها الرجال، عندما دخل النبي وصاحبه إلى الغار كانت تقطع ثلاثة أميال في جوف الليل ووحشة الطريق بين أسنة الصخر ومساحات الرمال الشاسعة حتى تصل إلى الجبل فتصعد إلى قمته منحدرة إلى الغار لتقوم بمهمة الفدائي وحمل أمانة الإمداد والتموين للرحلة المباركة فبارك الله فيها وعليها:

روى البخاري وأحمد عنها قالت: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى المدينة صنعت سفرته في بيت أبي بكر، فقال أبو بكر: ابغيني معلاقا لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصاما لقربته فقلت ما أجد إلا نطاقي!! قال: فهاتيه.. قالت: فقطعته باثنين فجعل إحداهما للسفرة والأخرى للقربة؛ فلذلك سميت ذات النطاقين.

وانطلق النبي وصاحبه مهاجرين وجاء المشركون للبحث والتنقيب ومعرفة الطريق ولكن أنى لمثل أسماء أن تخبرهم وتفشي خبر النبي صلى الله عليه وسلم!! تقول: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي. قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة خر منها قرطي، قالت ثم انصرفوا.

وبعد درس الصبر هذا وحفظ الدعوة وأهلها يأتي درس آخر أجمل حيث تقول: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم فانطلق بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة- وقد ذهب بصره- فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه؟! قلت: كلا يا أبت!! إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرا.. فأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت- كان أبي يضع فيها ماله- ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقلت: ضع يدك يا أبت على هذا المال، فوضع يده فقال: لا بأس.. إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن، ففي هذا لكم بلاغ.. قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.

رسالة إلى كل زوجة:

وفي زمان تتفنن فيه الزوجات للتهرب من أداء واجبهن نحو الأزواج تأتي الرسالة إليهن من أسماء ليعرفن ماذا ينبغي أن تفعل الزوجات.. تحكي أسماء عن نفسها فتقول: تزوجني الزبير، وكان له فرسه فكنت أسوسه وأعلفه وأدق لناضحه النوى وأستقي وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي- وهي على ثلثي فرسخ- فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر، فدعاني فقال: إخ إخ ليحملني خلفه فاستحييت وذكرت الزبير وغيرته. قالت فمضى، فلما أتيت أخبرت الزبير فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني.

وللأمهات أيضا:

لقد كان موقف أسماء مع ابنها عبد الله بن الزبير شامة في جبينها ورسالة أرسلت بها إلى كل أم مسلمة درسا في كيفية التربية والحث للأبناء على الرفعة ورباطة الجأش وذلك خلال حرب الحجاج له، فما زالت تقف بجانبه تشد أزره وتقوي قلبه وتقول له وقد أحاطت به جنود الحجاج: يا بني عش كريما ومت كريما، لا يأخذك القوم أسيرًا.

قال عروة دخلت أنا وأخي قبل أن يقتل على أمنا بعشر ليال وهي وجعة، فقال عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت وجعة. قال: إن في الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتي فلا تفعل. وضحكت وقالت: والله ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك: إما أن تقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقر عيني.. إياك أن تعرض على خطة فلا توافق فتقبلها كراهية الموت. وكان عمرها عند ذلك مائة سنة.

وقتل الحجاج عبد الله بن الزبير وصلبه، فجاءت أمه عجوز طويلة عمياء فقالت للحجاج: أما آن للراكب أن ينزل؟! فقال المنافق؟ قالت: والله ما كان منافقا، كان صواما قواما برا. قال: انصرفي يا عجوز فقد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله يقول في ثقيف كذاب ومبير.

وجاء ابن عمر ليعزيها عندما قيل له: إن أسماء في ناحية المسجد، فمال إليها فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله فاتقي الله واصبري. فقالت: وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

قال ابن أبي مليكة: دخلت علي أسماء بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير فقالت: بلغني أنهم صلبوا عبد الله منكسا، اللهم لا تمتني حتى أوتى به، فلم يلبث أن أتيت به فغسلته بيدها وطيبته ثم حنطته ثم دفنته وصلت عليه. بعد ما ذهب بصرها. قال أيوب فحسبته قال فعاشت بعد ذلك ثلاثة أيام.

قال ابن سعد ماتت بعد ابنها بليال وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين.

قال الإمام الذهبي في السير: قلت كانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات.

فرضي الله عن أسماء ورضي عنهم جميعا من آل بيت.




رضى الله عنك يا ذات النطاقين وعن سائر صحابه رسول الله
جزاك اله خيرا اختى
طرح مميز



التصنيفات
منوعات

إن لم تكوني مثلها فتشبهي من أبطال الهجرة أسماء بنت أبي بكر

هي أسماء ابنة أبي بكر الصدِّيق، وأخت عائشة أم المؤمنين لأبيها، زوج الزبير بن العوَّام حواري رسولِ الله وابن عمته، وأم الفارس المغوار الخليفة عبد الله بن الزبير. أسلمت مع السابقين الأولين وكان ترتيبها في الإسلام (الثامن عشر)، وظلَّت في مكَّة تشارك المسلمين لنشر الدعوة، ومرارة الأذى في سبيل الله، حتى كانت الهجرة إلى المدينة، فكان لها ثلاثةُ مواقفَ سجَّلها لها تاريخ السيرة النبوية بفخار وإعزاز.

أسماء وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم

حدَّثت عن أوَّلها، فقالت: صنعت سفرة للنبي حين أراد أن يسافر إلى المدينة فلم نجد لسفرته وسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: ما أجد إلا نطاقي، قال شقيه باثنين، فاربطي بواحد منهما السقاء وبالآخرة السفرة.

وروي أن النبي قال لها حين فعلت ذلك: "أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة". فقيل لها: (ذات النطاقين).

حدَّثت عن ثانيها: لما خرج رسول الله وأبو بكر t، أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا عند باب أبي بكر؟ فخرجت إليهم، فقالوا أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قلت لا أدري والله أين أبي، فرفع أبو جهل يده -وكان فاحشًا خبيثًا- فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي.

وحدثت عن الموقف الثالث، فقالت: لما خرج رسول الله إلى الهجرة، وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله معه، خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، فالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قلت: كلا يا أبت، قد ترك لنا خيرًا كثيراً، فأخذت أحجاراً فوضعتها في كوة البيت التي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيد جدي فقلت: يا أبت.. ضع يدك على هذا المال، فوضع يده عليه فقال لا بأس، إذا كان ترك لكم ها فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. قالت أسماء: لا والله ما ترك لنا شيئاً، ولكني لأردت أن أسكن الشيخ بذلك.

أسماء المسلمة

ليست امرأة فارغة همها زينتها، وإنما هي مؤمنة همها رسالتها، فلا عجب أن تكتم السر في شجاعة، وتستقبل أبا جهل وأصحابه في قوة، وتشق نطاقها وهي راضية، وتتحمل لطم خدها وهي صابرة، وتحسن الحيلة لإرضاء جدها، وهي سعيدة بما تصنع من أجل دينها ورسالتها.

أسماء الزوجة

تزوجت أسماء الزبير قبل الهجرة، وكلاهما مسلم خالطت بشاشة الإيمان قلبه، وامتزج الإسلام بلحمه ودمه، فكانا مثال الزوجين المتوافقين ضمهما هدف واحد، وطريقة واحدة، تحت لواء واحد.. هاجر إلى المدينة فهاجرت، وجاهد فشدت أزره، وصبرت في ضرائه، وشكرت في سرائه. لم يمنعها مكان أبيها، ولا شرف قومها، أن تقف إلى جانبه في أيام الشدة والفقر، تعمل وتكدح وتُعَمِّرَ عش الزوجية بكدِّ اليمين، وعرق الجبين.

قالت أسماء: تزوجني الزبير، وما له في الأرض مال، ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه، فكنت أخدمه خدمة البيت كله، وأعلف فرسه، وأسوسه وأكفيه مئونته، وأحشُّ له وأقوم عليه، وأدق النوى لناضحه (إبله)، وكنت أنقل النوى على رأسي من أرض الزبير، على ثلثي فرسخ، وكنت أعجن وأسقي الماء، وأخزر الدلو.

ولم تطل المدة حتى انتشرت دعوة الإسلام، وفاض الخير على المسلمين، وكان للزبير -فيما له- ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، وتمت كلمة ربك على المؤمنين بما صبروا، وصدق الله: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل: 41].

أسماء الأم

ظل المسلمون بعد الهجرة بمدة لا يولد لهم ولد، وأشاع اليهود أنهم سحروهم فلن ينجبوا، حتى كذبهم القدر، فولدت أسماء ابنها "عبد الله"، فكان أول مولود في المدينة، فاستبشر المسلمون وكبَّروا، ولدت بعد ذلك "عروة" و"المنذر"، وما منهم إلا عالم أو فارس، على أن موقفها مع ابنها عبد الله هو الذي جعل التاريخ يصغي لها سمعه، ويكتبها في سجل الأمهات الخالدات.

محنة ابنها عبد الله بن الزبير

بعد وفاة يزيد بن معاوية بويع لعبد الله بن الزبير بالخلافة في معظم بلاد الشام: في الحجاز، واليمن، والعراق وخراسان، وظل تسع سنوات ينادى بأمير المؤمنين، حتى شاءت الأقدار -لحظ بني أمية- أن تزول الخلافة من أرض الحجاز.

جاء الحجاج بجند الشام فحاصر ابن الزبير في مكة، وطال المدى، واشتد الحصار، وتفرق عنه أكثر من كان معه، فدخل عبد الله على أمه قبل قتله بعشرة أيام، فقال لها: إن في الموت لراحة. قالت: لعلك تمنيته لي؟ ما أحب أن أموت حتى يأتي على أحد طرفيك: إما قتلت فأحتسبك، وإما ظفرت فتقر عيني. فلما كان اليوم الذي قُتل فيه دخل عليها حين رأى من الناس ما رأى من خذلانه، فقال لها: يا أماه، خذلني الناس حتى ولداي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا، فماذا ترين؟

وهناك أمسك التاريخ بقلمه ليكتب موقف الأم الصبور من ابنها وفلذة كبدها، من لحظة حاسمة من لحظات الخلود: الأم التي شاب رأسها ولم يشب قلبها، وشاخ جسدها ولم يشخ إيمانها، وانحنى ظهرها ولكن عقلها ظل مستقيمًا مسدًا.. قالت أسماء: أنت والله يا بني أعلم بنفسك: إن كنت تعلم أنك على حق، وإليه تدعو، فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية يلعبون بها، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قُتل معك، وإن قلت: كنت فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار، ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا؟!.. القتل أحسن.

قال: إني أخاف أن يُمَثِّل بي أهل الشام.

قالت: إن الكبش لا يؤلمه سلخه بعد ذبحه.

فدنا ابن الزبير فقبَّل رأسها وقال: هذا والله رأي، والذي قمت به داعيًا إلى يومي هذا، ما ركنت إلى الدنيا، ولا أحبت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمه، ولكني أحبت أن أعلم رأيك، فزدتني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أماه فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي لأمر الله.

قالت: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنًا.

قال: جزاك الله خيرًا، فلا تدعي الدعاء لي قبل وبعد.

قالت: لا أدعه أبدًا، فمن قتل على باطل فقد قُتِلتُ على حق. ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في اليل الطويل، وذلك الظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبرَّه بأبيه وبي، اللهم قد سلَّمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين. وذهب عبد الله فقاتل الساعات الأخيرة قتال الأبطال، وهو يتمثَّل صورة أمه في عينيه، وصوتها في أذنيه، مرتجزًا منشدًا:

أسماء يا أسماء لا تبكني

لم يبق إلا حسبي وديني

وصارم لأنت به يميني

وما زال على ثباته حتى قُتل، فكبر أهل الشام لمقتله، فبلغ ذلك ابن عمر فقال: الذين كبروا لمولده خير من الذين كبروا لموته.

مع الحجاج

صلب الحجاج عبد الله بن الزبير مبالغة في التشفي والإرهاب، ثم أرسل إلى أمه أسماء فأبت أن تأتيه، فأعاد إليها الرسول: لتأتيني أو لأبعثنّ إليك من يسحبك من قرونك. فأبت وقالت: والله لا آتيه حتى يبعث إليَّ من يسحبني بقروني.

فما كان من الحجاج إلا أن رضخ لصلابتها، وانطلق حتى دخل عليها، فقال: أرأيت كيف نصر الله الحق وأظهره؟

قالت: ربما أُديل الباطل على الحق وأهاه.

قال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله.

قالت: أراك أفسدت على ابني دنياه، وأفسد عليك آخرتك.

قال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وقد قال الله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، وقد أذاقه الله ذاك العذاب الأليم.

قالت: كذبت! كان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة، وسر به رسول الله وحنَّكه بيده، وكبَّر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحًا به، وكان برًّا بأبويه صوامًا قوامًا بكتاب الله، معظمًا لحرم الله، مبغضًا لمن يعصي الله، أما إن رسول الله حدثني أن في ثقيف كذَّبًا ومبيرًا، فأما الكذاب فقد رأيناه (تعني المختار بن عبيد الثقفي)، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه.

فخرج الحجاج من عندها منكسرًا يتمنى لو لم يكن لقيها، بعد أن دخل عليها مزهوًّا يريد أن يتشفَّى.

هذه أسماء العجوز في سن المائة، وهذا هو الحجاج الجبار في أوج انتصاره وعنفوان طغيانه. إن الإيمان في قلبها جعله في عينها يتضاءل ويتضاءل حتى صار شيئًا صغيرًا كالهباء، وجعلها في عينه تمتد وتستطيل حتى صارت شيئًا كبيرًا كالمارد العملاق.

وبلغ عبد الملك بن مروان ما صنع الحجاج مع أسماء فكتب إليه يستنكر فعله، ويقول: ما لك وابنة الرجل الصالح؟ وأوصاه بها خيرًا. ودخل عليها الحجاج فقال: يا أماه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟

قالت: لست لك بأم، إنما أنا أم المصلوب على الثنية، وما لي من حاجة.

وأخيرًا..

آن للفارس المصلوب أن يترجل، وينزل من فوق خشبته ويسلَّم إلى أمه فتحنّطه وتكفنه وتصلي عليه وتودعه جوف الثرى، ليلتقي في دار الخلود بأبيه الزبير وجده أبي بكر، وجدته صفية، وخالته عائشة، y.

وهكذا استقبلت المصيبة الكبيرة بنفس أكبر، وإيمان أقوى!!

دخل عليها عبد الله بن عمر، وابنها مصلوب. فقال لها: إن هذا الجسد ليس بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله واصبري.

فقالت: وما يمنعني من الصبر، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل؟

ولم يطل بها المقام بعد ولدها، فما هي إلا مائة يوم -أو أقل- حتى لحقت به عام ثلاث وسبعين للهجرة، وقد بلغت المائة عام، لم تسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل، رحمها الله ورضي عنها.

المصدر: موقع إسلام أون لاين، الرابط:

http://www.islamo.net/Arabic/NewHijr…eroes/05.shtml




مشكوره



خليجية



خليجية



خليجية
أخواتي <أصعب دمعة/ أم ورد /قلب ناعم>



التصنيفات
منوعات

دروس وعبر من حادثة الهجرة

قبل ألف وأربعمائة عامًا -تزيد قليلاً- هاجر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، من موطن الكبت والقهر والظلم والحصار إلى موطن الحرية والعدالة والمساواة والعز والتمكين، وكان ذلك بصحبة الصديق رضي الله عنه وكانت هناك الكثير من العبر والدروس المستفادة من هجرته ، ومنها:

– معية الله لأوليائه المؤمنين ونصرته لهم، ويتجلى هذا في حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار من أن تناله أيدي المشركين ثم نجاته من سراقة بن مالك.

– الثقة المطلقة بالله وبنصره وتأيده، ويتجلى هذا الدرس في قوله : "ما ظنك باثنين الله ثالثهما". الهجرة دروس وعبر ثم في عدم تلفته عندما لحقه سراقة، وكأن الأمر لا يعنيه ، ثم في إعطائه سراقة كتاب أمان، وهو الذي يخرج من بلده مهاجرًا، لكنه كان يرى نصر الله له ويرقبه ويتيقنه كما يتيقن الشمس في رابعة النهار.

– الأخذ بالأسباب المادية لا ينافي التوكل، فها هو حال هجرته يأخذ شتى الوسائل المادية المتاحة له، فيستخفي بالظهيرة ثم بسواد اليل ثم بتجويف الغار، ويسلك طريقًا غير معتادة، وينطلق جهة الجنوب ومقصده الشمال، ويستعين بكافر قد أمنه… لكن ذلك كله لم ينسه أن يتوكل على ربه ويعتمد عليه.

وهذه الأسباب التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن كافية لإبعاد قريش عنه، فقد وصلت قريش إلى غار ثور، لكن الله عز وجل حجبه عنهم فلم يصلوا إليه بسوء.

يقول ابن حجر: "فالتّوكّل لا ينافي تعاطي الأسباب؛ لأنّ التّوكّل عمل القلب وهي عمل البدن، وقد قال إبراهيم عليه السّلام: {وَلَكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]. وقال عليه الصّلاة والسّلام: "اعقلها وتوكّل"[1].

وقال الشّيخ أبو محمّد بن أبي جمرة رحمه الله: "مهما أمكن المكلّف فعل شيء من الأسباب المشروعة لا يتوكّل إلا بعد عملها؛ لئلاّ يخالف الحكمة, فإذا لم يقدر عليه وطّن نفسه على الرّضا بما قدّره عليه مولاه، ولا يتكلّف من الأسباب ما لا طاقة به له".

قال ابن حجر: "الأسباب إذا لم تصادف القدر لا تجدي"[2].

وقال بعد أن ذكر أقوال العلماء في العلاقة بين الأسباب والتوكل: "والحقّ أنّ من وثق بالّه وأيقن أنّ قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكّله تعاطيه الأسباب اتّباعًا لسنّته وسنّة رسوله, فقد ظاهر في الحرب بين درعين, ولبس على رأسه المغفر, وأقعد الرّماة على فم الشّعب, وخندق حول المدينة, وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة, وهاجر هو, وتعاطى أسباب الأكل والشّرب, وادّخر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السّماء, وهو كان أحقّ الخلق أن يحصل له ذلك, وقال الّذي سأله: أعقل ناقتي أو أدعها؟ قال: (اعقلها وتوكّل)، فأشار إلى أنّ الاحتراز لا يدفع التّوكّل, والّه أعلم"[3].

– جواز استخدام المعاريض في دفع الشر والبلاء، كما صنع الصديق رضي الله عنه حين كان يخبر من قابله في طريق الهجرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم دليله في الطريق، فيفهم المخاطب أنه طريق السفر، وهو يقصد الطريق إلى الجنة.

قال ابن تيمية في بيان جواز استخدام المعاريض في بعض المواطن، بل وجوبها: "وقد يكون واجبًا إذا كان دفع ذلك الضر واجبًا ولا يندفع إلا بذلك، مثل التعريض عن دم معصوم وغير ذلك، وتعريض أبي بكر الصديق t قد يكون من هذا السبيل"[4].

وبيّن -رحمه الله- الفيصل بين ما يحل وما يحرم من المعاريض فقال: "والضابط أن كل ما وجب بيانه فالتعريض فيه حرام لأنه كتمان وتدليس، ويدخل في هذا الإقرار بالحق والتعريض في الحلف عليه، والشهادة على الإنسان والعقود بأسرها، ووصف العقود عليه والفتيا والتحديث والقضاء إلى غير ذلك، وكل ما حرم بيانه فالتعريض فيه جائز بل واجب"[5].

قال ابن حجر: "ومحلّ الجواز فيما يخلّص من الظّلم أو يحصّل الحقّ, وأمّا استعمالها في عكس ذلك من إبطال الحقّ أو تحصيل الباطل فلا يجوز"[6].

وقال النوي: "استعمال المعاريض عند الحاجة … وشرط المعاريض المباحة ألا يضيع بها حقّ أحد"[7].

– العفة والزهد فيما عند الناس رغم الحاجة إليه؛ درس آخر من دروس الهجرة، حيث عرض سراقة بن مالك عليه الزاد والعون وهو أحوج الناس يومذاك إليه، يقول سراقة: وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال: "أخف عنا"[8].

وفي الصحيح عنه أنه قال: "ومن يستعف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله"[9].

– جواز الاستعانة بالمشرك إذا أمن شره ومكره؛ فقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط فكان دليله في سفره وكان "هاديًا خرّيتًا (والخريت: الماهر بالهداية) قد غمس حلفًا في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش فأمناه"[10].

– بذل الصحابة رضوان الله عليهم أنفسهم وأموالهم وأهليهم فداء لنبي الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد نام عليٌّ رضي الله عنه في فراشه ليلة خروجه، وكان الصديق رضي الله عنه شريكه في أهوال رحلة الهجرة، فيما جهد ولداه عبد الله وأسماء رضي الله عنهم ومولاه عامر رضي الله عنه في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من علامات الإيمان وضروراته، قال : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده ولده والناس أجمعين"[11].

– دلائل صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك ثباته في الغار، وحين دهمهم سراقة، وذلك لا يتأتى إلا لمن علم أن ربه لا يسلمه إلى عدوه.

ومنه أيضًا معجزاته -عليه الصلاة والسلام- فقد ساخت يدَا فرس سراقة لما همه بالسوء، كما حلبت شاة أم معبد وهي عجفاء لم يطرقها فحل -كما جاء في بعض الروايات- لما مسّ ضرعها.

– الاستفادة من الطاقات المختلفة، وكل حسب نوعه وسنّه، فقد كان الصديق بحكمته خير رفيق للرسول صلى الله عليه وسلم ، فيما تولى الشاب عبد الله بن أبي بكر مهمة تحسس أخبار قريش، وتولى عامر بن فهيرة الخدمة، وتولت أسماء إعداد الجهاز والطعام لهذا الركب.

– استحباب الرفقة في السفر، وأن يكونوا أكثر من واحد، وقد قال : "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب"[12].

قال الخطابي: "والمنفرد في السّفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه, ولا عنده من يوصي إليه في ماله ويحمل تركته إلى أهله ويورد خبره إليهم, ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة, فإذا كانوا ثلاثةً تعاونوا وتناوبوا المهنة والحراسة وصلّوا الجماعة وأحرزوا الحظّ فيها"[13].

– فضل عبادة الهجرة وعظم ثواب المهاجر؛ حيث قال مخاطبًا مكة: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت"[14]. وفي بيان ما فيها من بلاء قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ قْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ خْرُجُواْ مِن دِيَرِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ} [النساء: 66]، فجعل ترك الديار والأوطان قرين القتل والموت.

– فضل الصديق رضي الله عنه وشدة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد كان له أنيسًا وصاحبًا في الهجرة وخادمًا، فقد كان يحرسه ويخاف عليه ويبرد له البن ويؤثره على نفسه ويظله إذا قامت الشمس.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "نطقت بفضله الآيات والأخبار، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، فيا مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار، كلما تليت فضائله علا عليهم الصغار، أترى لم يسمع الروافض الكفار: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ…} [التوبة: 40]؟!

دعا إلى الإسلام فما تلعثم ولا أبى، وسار على المحبة فما زلَّ ولا كبا، وصبر في مدته من مدى العدى على وقع الشبا، وأكثر في الإنفاق فما قل حتى تخلل بالعبا[15].

تالله لقد زاد على السبك في كل دينار دينار، {ثَانِيَ ثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي لْغَارِ} [التوبة: 40].

من كان قرين النبي في شبابه؟! من ذا الذي سبق إلى الإيمان من أصحابه؟! من الذي أفتى بحضرته سريعًا في جوابه؟! من أول من صلى معه؟! من آخر من صلى به؟! من الذي ضاجعه بعد الموت في ترابه؟! فاعرفوا حق الجار.

نهض يوم الردة بفهم واستيقاظ، وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد الألحاظ، فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ، حسرة الرافضي أن يفر من مجلس ذكره، ولكن أين الفرار؟!.

كم وقى الرسول بالمال والنفس! وكان أخص به في حياته وهو ضجيعه في الرمس، فضائله جلية وهي خلية عن البس، يا عجبًا! من يغطي عين ضوء الشمس في نصف النهار، لقد دخلا غارًا لا يسكنه لابث، فاستوحش الصديق من خوف الحوادث، فقال الرسول: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما". فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث، فزال القلق وطاب عيش الماكث، فقام مؤذن النصر ينادي على رءوس منائر الأمصار {ثَانِيَ ثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي لْغَارِ}.

حبه -والله- رأس الحنيفية، وبغضه يدل على خبث الطوية، فهو خير الصحابة والقرابة والحجة على ذلك قوية، لولا صحة إمامته ما قيل: ابن الحنفية، مهلاً مهلاً، فإن دم الروافض قد فار.

والله ما أحبناه لهوانا، ولا نعتقد في غيره هوانًا، ولكن أخذنا بقول عليٍّ وكفانا: (رضيك رسول الله لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا؟!).

تالله لقد أخذت من الروافض بالثأر، تالله لقد وجب حق الصديق علينا، فنحن نقضي بمدائحه ونقر بما نقر به من السني عينًا، فمن كان رافضيًّا فلا يعد إلينا وليقل: لي أعذار[16].

– اختلف العلماء في توجيه شرب النبي صلى الله عليه وسلم من لبن الراعي في الطريق، قال المهلّب بن أبي صفرة: "إنّما شرب النبي من لبن تلك الغنم؛ لأنّه كان حينئذ في زمن المكارمة, ولا يعارضه حديثه: (لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه)؛ لأنّ ذلك وقع في زمن التّشاحّ, أو الثّاني محمول على التّسوّر والاختلاس، والأوّل لم يقع فيه ذلك بل قدّم أبو بكر سؤال الرّاعي: هل أنت حالب؟ فقال: نعم. كأنّه سأله هل أذن لك صاحب الغنم في حلبها لمن يرد عليك؟ فقال: نعم، أو جرى على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك، والإذن في الحلب على المارّ ولابن السّبيل, فكان كلُّ راع مأذونًا له في ذلك.

وقال الدّاوديّ: "إنّما شرب من ذلك على أنّه ابن سبيل وله شرب ذلك إذا احتاج, ولا سيّما النبي "[17].

– أهمية المسجد ودوره في الإسلام؛ حيث حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليه أينما حل، فقد بنى مسجد قباء قبل وصوله المدينة، وكان بناء المسجد النبوي أول أعماله حين وصل المدينة.

وليس هذا آخر الدروس والعبر المستفادة من حادثة هجرة النبي .

المصدر: موقع المنبر، الرابط:

http://www.alminbar.net/malafilmy/ahdathhijra/3.htm




خليجية

خليجية




خليجية



خليجية



جزاكي الله خيرا