حب الوطن من منظور شرعي
حب الوطن في النصوص الشرعية :
إذا كان حب الوطن عاطفة تجيش في النفوس ، شأنها في ذلك شأن العواطف الأخرى ، فإن الشرع الإسلامي جاء ضابطاً للعواطف ليحدد مسارها ، ويحسن توجيهها ، لتعمل في ميدانها السليم ، دون تقصير أو زيادة .
وإذا كنا لا نوافق الذين يغلون في حب الوطن ، ويرفعونه إلى منزلة فوق منزلته الشرعية فيسمو ؟ عندهم ؟ على الولاء لله ولرسوله ؟ إن كان عندهم هذا الولاء ؟ فإننا في الوقت ذاته لا نسير مع من لا يرون مكاناً لحب الوطن ، ويرون الحديث عن هذا الموضوع مصادماً للنص الشرعي ، وثائراً بالمذاهب الوافدة ، ودعوة ضيقة يرفضها الإسلام .
وحينما سلك البحث هذا المسلك الوسط ، فلأن النصوص هي التي أدت إلى هذه النتيجة ، وأوصلت إلى هذا المعنى ، وإليك بعض من هذه النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية .
* النصوص الشرعية من القرآن الكريم *
يقول الله سبحانه وتعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله والجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } [ التوبة : 24 ] .
فالآباء والأبناء والأخوات ، والأزواج ، والعشيرة والأموال ، والمساكن وهذا هو الوطن ؟ منهي أن تكون أحب إلى المسلم من الله ورسوله ، وهذا يعني وجود الحب ، ولكن الممنوع تقديمه على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول الشيخ محمد الطاهر عاشور : وقد أفاد هذا المعنى التبعير ب " أحب " لأن التفضيل في المحبة يقتضي إرضاء الأقوى من المحبوبين ، ففي هذا التعبير تحذير من التهاون بواجبات الدين ، مع الكناية عن جعل ذل التهاون مسبباً على تقديم محبة تلك العلائق على محبة الله سبحانه وتعالى ، ففيه إيقاظ إلى ما يؤول إليه ذلك من مهواة في الدين ، وهذا من أبلغ التعبير " .
يقول الله تعالى { وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً أمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ، قال ومن وكفر فأمتعه قليلاً ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } [ البقرة : 126 ] ، وقال تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } [ ابراهيم : 35 ] .
فقد حكى الله سبحانه وتعالى عن نبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم هذا الدعاء بالأمن ، والرزق ويتضح من هذا الدعاء ما يفيض به قلب إبراهيم عليه السلام ، من حب لمستقر عبادته ، وموطن أهله ، والدعاء علامة من علامات الحب وتعبير عنه .
يقول الله سبحانه وتعالى { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا انفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم } [ النساء : 66 ] ، فقد اقترن حب الديار مع محبة النفس ، وأن كلا منهما أمر متأصل في النفوس ، عزيز عليها ، وورد في نص آخر قول الله سبحانه وتعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } [ الممتحنة : 8 ] ، والتي فيها اقترن حب الوطن مع الدين ، فالبر والعدل مأمور بهما لمن لم يقاتل المسلم على دينه ، ولم يخرجه من وطنه ، والجمع بينهما دليل على تقارب مكانة كل منهما في الإسلام ، وفي النفوس .
يقول الله سبحانه وتعالى { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } [ القصص : 85 ] ، قال : ابن عباس رضي الله عنهما : إلى مكة ، رواه الإمام البخاري ، قال القرطبي رحمه الله تعالى : قال مقاتل : خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار ليلاً مهاجراً إلى المدينة في غير الطريق مخافة الطلب ، فلما رجع إلى الطريق ، ونزل الجحفة عرف الطريق إلى مكة ، فاشتاق إليها ، فقال جبريل عليه السلام إن الله يقول : { إن الذي فرض عليك القرآن لرادُك إلى معاد } ، أي مكة ، ظاهراً عليها .
وذكر ابن كثير عن مقاتل عن الضحاك قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة فأنزل الله عليه : { إن الذي فرض عليك القرآن لرادُك إلى معاد } ، إلى مكة ، وقال النسفي رحمه الله تعالى : هذه الآية نزلت بالجحفة بين مكة والمدينة حيث اشتاق إلى مولده ، ومولد أبائه