ماذا يحدث في الجسم ياترى عند الإمساك عن الطعام والشراب خلال ساعات النهار في شهر رمضان؟ وكيف يواجه الجسم هذه الظاهرة؟ إنها أمور لطيفة تم تدارسها حتى الآن بأنحاء مختلفة.
يتوقف استمرارية حياة الإنسان عند مواجهة التغييرات الخارجية والباطنية على ما يبذله الجسم من مجهود خاص لإعادة الإستقرار المتجانس , في داخله وهذا المجهود الخاص هو ما يطلق عليه مصطلح التكيف والتواؤم.
تتمتع إرادة الإنسان في هذه القضية بدور لا ينكر وإن قصرت معلوماتنا الحالية عن إيضاح أهمية هذا الدور الفذ بما يتناسب وشأنه.
كان العالم الروسي (الكيس سوفورين) صاحب برامج (الصوم لأربعين يوم بخصائص متمايزة) لعلاج الأمراض , يقول بين من يزورني لأخذ وصفة صوم معين بعضهم يفتقد الإرادة اللازمة لتنفيذ مثل هذه الممارسة , وسرعان ما انتابهم (أي بعد ساعات من بدء الإلتزام بالصوم) الشعور بالوهن والجوع الشديد مما آلى بهم إلى التخلي عن صومهم فورا .
فالمسلم الذي ينصاع لحكم الصوم ويبادر لأداء هذه الفريضة ويلتزم بادائها بإرادة راسخة ونية مؤكدة حتى في الطقس الأكثر ضراوة والأيام ذات النهار الأطول أمدا , فيواصل صومه معتزا راسخا وهو في غنى عن الإصغاء لأيضاحات حول آلية التكيف (التواؤم) , منصرفا عن الشكوى والإنزعاج , شاكر لله على ذلك , ولكن هنالك من يفتقد مثل هذا الدافع للصوم ورغم إدراكهم لجميع آليات التكيف قد يبدون امتعاضا وانزعاجا خلال الساعات الأولى من بدء الإمساك (بينما يكون هؤلاء ربما قد تحملوا قبل ذلك ولساعات مديدة عدم تناول الطعام والشراب في غير حالة الصوم دون مواجهة أية صعوبة) , يعين الله سبحانه وتعالى الإنسان الصائم على تحمل الصوم بأساليب لطيفة , تجدر مطالعتها وتدارسها , ومن أهم هذه الأساليب هو تفاعل الجسم في سياق إعادة الإستقرار المتجانس خلال مجهود التواؤم أي تكيف الجسم مع التغييرات الخارجية والباطنية .
يتضمن هذا المجهود المنتظم النسق أمور كثيرة مثيرة للأهتمام , منها دور عزيمة الإنسان المؤمن وإرادته في الصوم , نمط إفادة الجسم من الماء الناتج عن استقلاب المواد الغذائية في الخلايا لتأمين الماء الكافي , وأمور أخرى هامة.
بحث موجز حول التواؤم:
ظهرت نظريات مختلفة حول آلية مجهود جسم الإنسان الهادف لاستتباب الإستقرار المتجانس في داخله , كما أجريت أبحاث كثيرة حول طريقة هذا المجهود والتغييرات الحاصلة في تركيبات الجسم خلاله , وهنا سوف نستعرض هذه النظريات وإن نجحت , على أية حال , وفي إيضاح عملية التواؤم بأكملها أو جزء منها فإن العامل الأكثر فاعلية في هذه العملية أثناء الصوم هي إرادة عبد الله المطيع وعزيمته على أداء هذه الفريضة سواء كانت هذه الآلية دخيلة أو غير دخيلة في إستتباب الإستقرار المتجانس في الجسم.
على أية حال , ترتقي بعض النظريات المطروحة حول التواؤم بمكانتها العلمية على غيرها من الفرضيات ومنها :
1-نظريات فعل الكتلة:
تتبنى هذه النظرية فكرة المرونة والإنعطاف النسبي الذي تتسم به تفاعلات الجسم المدعومة بفعل الإنزيمات وإمكانية ضبط سرعة الأداء في هذه التفاعلات بحسب معدل المواد وكمية العناصر المتحررة جراء تجزئتها , فتنخفض سرعة هذه التفاعلات مثلا عند إنخفاض كمية المواد المذكورة مما يمكن الجسم من الإفادة الأمثل من العناصر الغذائية المتوفرة.
2-نظرية الذخيرة :
تستند هذه النظرية القديمة إلى ذخائر الجسم السابقة واللجوء إليها عند الضرورة , إن استهلاك الجسم لذخائره الدهنية على مر فترة الصيام من أجل تأمين الوحدات الحرارية اللازمة يمثل نموذجا لا بأس به لهذا الأسلوب التواؤومي .
3-نظرية العوامل المتعددة :
4-يرى أصحاب هذه النظرية أن نقص أحد أو مجموعة من العناصر الغذائية يتوجب قيام الجسم بعدة عمليات ليتيسر له التواؤم مع الوضع القائم :
-الحد من احتياج الجسم .
-استهلاك ذخائر الجسم.
-الحد من احتياج الجسم وفي الوقت نفسه استهلاك ذخائر الجسم.
-تفاعل آليات مجهولة أخرى أيضا.
النظريات الحديثة :
من النشاطات الجارية فيما يخص التواؤم , إدلاء الباحثين بملاحظات أكثر حداثة نوجز أبحاثهم الواسعة في الملاحظات الجديرة بالأهتمام التالية :
1-لا يمكن تحديد الوحدات الحرارية اللازمة بشكل مطلق وثابت بل تتحدد إمكانية تقييم حاجة الإنسان في إطار واسع نسبيا.
2-عند انخفاض معامل كتلة الجسم ترتفع حصيلة الإستقلاب لدى من يتلقى كمية من الطعام لا تسد حاجته الطبيعية إليه.
3-يتم التواؤم وفق مسيرة واحدة عامة ومتجانسة .
4-للعوامل الوراثية والخصائص الفردية أُثر واضح وهام في نمط التواؤم ومداه.
إنطلاقا من هذه القضية تحظى الخصائص الفردية وأثر مبادئ الشخص وعقائده بأهمية فائقة في تسهيل تحميل الصيام , وقد يكون بوسعنا إضافة إلى الإيضاحات السابقة , أن نحلل الخبرة الثمينة التي أحرزها المسلمون على مر (14) قرنا في أداء فريضة الصوم في شتى المواسم الفصلية , وعلى إختلاف طول مدة الإمساك و ..وكذلك نجاحهم المكلل في أداء هذه الفريضة بسهولة , ونوضحها بالأستناد إلى هذه القضية الهامة المتمثلة بدور الخصائص الفردية والمبادئ والعقائد في نجاح التواؤم .