الإضاءة lighting هي إسقاط ضوء على سطوح الأشياء يمكّن من رؤيتها بالعين المجردة أو من تبيّن شكلها وتسجيل وجودها بوسائل أخرى تتحسس بالضوء. والضوء المرئي إشعاع طاقة حرارية على شكل موجات كهرمغنطيسية، تنتشر في الفراغ بسرعة ثابتة قدرها 3×10 8م/ثا وبتواتر محدد بين 7.5×10 14 و 4×10 14 هرتز أي إن أطوال تلك الموجات تتراوح بين 750 نانو متر (الضوء الأحمر) و400 نانومتر (الضوء البنفسجي) في مجال الطيف الكهرمغنطيسي الذي يتألف من الألوان: البنفسجي فالأزرق فالنيلي فالأخضر فالأصفر فالبرتقالي فالأحمر. أما الإشعاعات الضوئية التي لا تحس بها العين فهي خارج الطيف المرئي، وقد تكون موجاتها أقصر كالأشعة فوق البنفسجية، أو أطول كالأشعة تحت الحمراء، ولا يمكن كشف هذه الإشعاعات إلا بوسائل خاصة كأجهزة التصوير وغيرها.
تكمن أهمية الإضاءة في أن البشر يلتمسون المعرفة ويحصلون على القسم الأعظم من معلوماتهم عن العالم المحيط بهم بطريق الرؤية أو الإبصار، كما أن الإضاءة تسهم في تحقيق الاستقرار النفسي للإنسان في عمله وفي أوقات راحته إلى جانب إسهامها في المحافظة على صحة الإنسان وسلامته. فعندما تكون الإضاءة حسنة والرؤية جيدة يزداد مردود العمل ويتحسن نوعه وتتناقص إصابات العمل وأخطاؤه، وتنخفض حوادث الطرق وتتحسن أحوال المعيشة. ولا شك في أن الإنفاق على تحسين شروط الإضاءة كبير الجدوى وسريع التعويض اقتصادياً. والإضاءة النموذجية rational هي الإضاءة التي تستجيب لمتطلبات الصحة والاقتصاد معاً، وهي مسألة معقدة جداً وتدخل في صميم مهمات هندسة الصحة العامة. وتعد المتطلبات الصحية المنطلق الأساسي في دراسة خصائص الرؤية عند الإنسان مثل حساسية العين للضوء وقدرتها على تمييز الألوان والتباين، وحدة البصر، وسرعة الإدراك البصري، وثبات الرؤية الواضحة، فالإضاءة الجيدة توفر شروطاً ملائمة للعيش ولممارسة مختلف الأنشطة الإنسانية، وعند إضاءة أماكن العمل إضاءة مقبولة تراعى، على سبيل المثال، درجة الدقة في تنفيذ العمل المطلوب، وتباين الأشياء عن خلفياتها، وضرورة تمييز القطع السريعة الحركة أو البعيدة، ومدة الأعمال المنفذة والأخطار التي قد تنجم عن تعب العين إضافة على ضرورة تجنب البهر وضرورة توزيع الضوء توزيعاً عادلاً فوق السطوح وفي المحيط المجاور لمكان العمل، وكذلك اختيار الطيف الضوئي المناسب والمريح للعين وتوجيه سقوطه توجيهاً صحيحاً. أما الإضاءة السيئة فقد تتسبب في حدوث إصابات مرضية مختلفة في العين وإصابات جسمية متنوعة إلى جانب إرهاق البصر والإرهاق العام وما ينتج منها جميعاً من سوء إنتاج وتعب نفسي. والإضاءة إما أن تكون طبيعية أو صنعية أو مختلطة.
الإضاءة الطبيعية
هي التي تأتي من مصادر ضوء طبيعية، وهي الإضاءة الأكثر ملاءمة فيزيولوجياً للإنسان، غير أنها تتبدل وتختلف باختلاف الوقت والفصل والموقع والبعد عن خط الاستواء، وحالة الطقس، وغير ذلك، وتراوح درجة الإضاءة الطبيعية الواقعة على السطوح الأفقية في الأماكن المكشوفة عادة بين «0.0005» لُكُس في الليلة المظلمة (غير القمراء)، و«0.3» لُكس في الليلة القمراء التامة البدر، و«100000» لُكس تقريباً تحت أشعة الشمس المباشرة (انظر تعريف اللُكس فيما بعد). ويتم تقويم الإضاءة الطبيعية داخل المباني بحسب مُعامل الإضاءة الطبيعية، وهو النسبة بين الإضاءة الساقطة على مساحة من الداخل والإضاءة الخارجية على مساحة تساويها نتيجة لتناثر الضوء الصادر عن القبة السماوية. ومعامل الإضاءة الطبيعية هذا مرهون بحجم المنبع الضوئي ووضعه وشدة الضوء الصادر عنه والمواد الحاجبة له وقدرة السطوح الداخلية على عكس الضوء، ويعتمد معظم الدول معدلات محددة لمعامل الإضاءة الطبيعية طبقاً لقيمة البناء والغاية منه، وقد تراوح بين 0.25% و10% في أماكن الإنتاج المغلقة.
وتكون النوافذ الجانبية أو المناور العلوية أو كلها هي منافذ الإضاءة الطبيعية في المباني. فإذا أحسن تخطيط الأبنية والشقق السكنية في المدن ووجهت التوجيه الصحيح وطليت جدران الغرف بالبياض أو الألوان الزاهية (الفاتحة) وجعلت النوافذ متسعة مزدوجة الأطر أمكن التوصل إلى إضاءة طبيعية داخلية مقبولة. ولوقاية الغرف من دخول أشعة الشمس المباشرة أكثر من المطلوب تزود الأبنية عادة بطنف واقية، وتركب على النوافذ والمناور أخصاصٌ وشبابيك وستائر تخفف من شدة الضوء.
الإضاءة الصنعية ووسائلها
لا تستطيع الإضاءة الطبيعية توفير جميع الشروط الضرورية لممارسة الإنسان نشاطاته في جميع الأوقات، كذلك قد تفرض بعض المسوغات الاقتصادية والتقنية إقامة مبان لا تدخلها الإضاءة الطبيعية لضرورات شتى كالمحافظة على درجة حرارة أو درجة رطوبة ثابتتين أو الإبقاء على المكان المغلق نظيفاً أو تطبيق نظام ضوئي خاص به أو غير ذلك.
لمحة تاريخية
برزت حاجة الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ إلى سد نقص الإضاءة الطبيعية بالإضاءة الصنعية فاستغل النيران والمشاعل والشموع والسرج والمصابيح وغيرها، وكانت الغاية من استخدام الأضواء الصنعية منذ البداية توفير إمكان الرؤية في الظلام من جهة، وتحقيق المؤثرات البصرية طبقاً لحاجة الإنسان من جهة أخرى. ولقد تطورت تقنيات الإضاءة مع تطور قدرة الإنسان على التحكم في النيران، وتوصله إلى مصادر للضوء ذات فعالية ومردود كبيرين، وإلى إيجاده الوسائل المناسبة للتحكم فيها، فوضع الشمعة على شمعدان ليزيد في ضيائها ويضفي جمالاً على نورها بتزييناته الزجاجية الموشورية، وركب للسراج أو المصباح الزيتي عدداً من العاكسات تساعد على تركيز الضوء، واستعمل فيه فتيلاً من القطن قابلاً للضبط، وجعل للمصباح منافذ تسمح بمرور تيار من الهواء يوفر له أكثر كمية من الأكسجين اللازم للاحتراق كما في مصباح أرغاند Argand سنة 1784م، وركب له زجاجة أسطوانية (بلّورة) مكوّرة الوسط تزيد من تركيز الإضاءة، وبعد اكتشاف النفط استبدل بالزيت الكيروسين (زيت الكاز) وزيت البارافلين لتحسين نوعية الاحتراق، وأدى ذلك كله إلى الحصول على مصابيح سهلة الصنع قليلة التكلفة وأمينة يمكن الاعتماد عليها، فبطل استخدام الشموع وإن ظلت للزينة.
شهدت بداية القرن التاسع عشر تطوراً كبيراً في تقنيات الإضاءة الصنعية عندما استخدم الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة وكندا ثم الغاز المستخرج من الفحم الذي استعمله وليم مردوك الاسكتلندي William Murdock حين كلف إضاءة أحد شوارع لندن سنة 1820، ثم غاز الأسيتلين، ورافق ذلك صنع أجهزة خاصة لحرق هذه الغازات والإفادة من ضوئها توجت جمعيها باختراق «قميص ويلزباخ» Welsbach montle سنة 1880 الذي يتألف من شبكة دقيقة أسطوانية أو كروية من القطن المحبوك thorium والسيزيوم cesium، وعندما يستعمل هذا القميص في جهاز الإضاءة (اللوكس) تحترق المواد التي عولجت بها ويبقى القميص هشاً سريع التلف، غير أنه يعطي ضوءاَ شديد البياض مائلاً قليلاً إلى الخضرة بسبب أملاح الثوريوم، ويزداد توهجه بازدياد ضغط الغاز عند المدخل.
ومع كثرة سيئات وسائل الإضاءة الآنفة الذكر فقد ظلت جميعها أو بعضها يستخدم حتى اليوم في مختلف أرجاء العالم لسبب أو لآخر، غير أن اكتشاف الكهرباء في أواسط القرن التاسع عشر أحدث ثورة عالمية في تقنيات الإضاءة كان لها أطيب الأثر في تبدل معيشة الإنسان.
الإضاءة بالكهرباء: استخدمت الكهرباء في الإضاءة بادئ ذي بدء بالقوس الكهربائية بين قطبين من الكربون، وطور هذا النوع ليستخدم في إنارة الشوارع في المدن الكبرى معطياً ضوءاً ساطعاً قريباً من الضوء الطبيعي. إلا أن اختراع المصباح الكهربائي ذي السلك الفحمي المتوهج سنة 1878 كان الخطوة العلمية الأولى في الإضاءة بالكهرباء. وبسبب أهمية هذا المصباح فقد نشب جدل كثير حول من توصل أولاً إلى ابتكاره ويدعي كل من الفرنسيين والروس والبريطانيين والأمريكيين نسبته إليهم، والحقيقة أن الفضل الأول في صنع المصباح الكهربائي المتوهج المفرغ من الهواء واستعماله تجارياً إنما يعود إلى توماس إديسون [ر] Thomas Edison في الولايات المتحدة الأمريكية لأن عمله هذا كان جزءاً من مشروع متكامل للإضاءة الكهربائية شمل توليد الطاقة ونقلها وتوزيعها، وأقامت شركته عرضاً تاريخياً سنة 1879 للإضاءة بالكهرباء في حديقة منلو Menlo Park عُدَّ الأول من نوعه في العالم، ولم يقتصر إسهام إديسون على ابتكار المصباح واستعماله وإنما رافق ذلك الكثير من الفكر العملية المطبقة حتى اليوم، ومن بينها نظام الربط (الوصل) على التفرع (التوازي) المعمول به حالياً في جميع أرجاء العالم الذي لا يعدو كونه ترجمة لفكرة إديسون الأولى. ومنذ ذلك الحين احتلت المصابيح الكهربائية مكانتها المهمة في الاستثمار الصناعي واشتغل كبار الفيزيائيين والمنتجين في العمل على تحسين أنواعها وإطالة أعمارها (استعمال سلك التنغستين، واستعمال الوشائع المضاعفة، واختيار الضوء الأبيض المائل للصفرة، وملء الحبابة بغاز الأرغون ثم الهالوجين واليود وغير ذلك).
كانت الخطوة التالية في الإضاءة الصنعية بالكهرباء ابتكار أنابيب التفريغ الغازية (أنابيب التبخير vapour tubes)، وهي أنابيب الإضاءة التي تعمل بمبدأ القوس الكهربائية داخل أنبوب مفرغ من الهواء يحوي كمية قليلة من بخار عنصر ما كالنيون مثلاً (الضوء الأحمر) أو بخار الزئبق (الضوء الأزرق والأبيض المائل للزرقة). وقد شاع استعمال هذه الأنابيب في الإضاءة المنزلية وفي المصانع ولتزيين الواجهات منذ الثلاثينات من القرن العشرين حتى غدت بعد تحسينها من أفضل الوسائل العملية في الإضاءة الداخلية، وهي المعروفة اليوم باسم مصباح التألق الغازي أو الفلورسنت fluorescent. ولقد طرأت تحسينات كثيرة في غضون النصف الثاني من القرن التاسع عشر على أنابيب التفريغ الغازية هذه فابتكر مصباح تفريغ بخار الزئبق العالي الضغط ومصباح التفريغ الصوديومي العالي الضغط أيضاً الذي استعمل في إضاءة الشوارع وواجهات المباني الحجرية والآثار كما استعمل في الأجهزة التي تحتاج إلى إضاءة شديدة، وكان من آخر ما أنجز في هذا الصدد مصباح التفريغ الزنوني (غاز الزنون الخامل xenon) ذو الطاقة العالية والضوء المشابه لضوء الشمس تقريباً، ثم مصباح الألق الكهربائي (المصباح الوضاء الكهربائي electro luminescent) الذي يجعل الجدران والسقوف وكأنها ذاتية الإضاءة، الأمر الذي قد يصبح وسيلة الإضاءة الأساسية في المستقبل.
وخلاصة القول أن لعلم الإضاءة اليوم من أنواع المعرفة ما يمكن من تلبية جميع احتياجات الإضاءة العامة والخاصة بحسب الغرض منها: للإضاءة الداخلية في المنازل وفي المصانع أو لإضاءة الشوارع والمباني، أو تزيين الواجهات والإعلانات، أو للاستعمال في المنارات وفي المناور الكاشفة، أو إضاءة المساحات الكبيرة إضاءة غامرة flood lighting كمهابط الطائرات مثلاً، أو للاستعمال في التصوير المجهري وأجهزة التنظير الطبية، أو لنقل الضوء بوساطة الألياف البصرية المرنة flexibel optic fibres أو لتوفير الإضاءة بأحد عناصر الطيف المرئي أو الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء وغير ذلك.