النبي صلي الله عليه وسلم يقرأ على الصحابة
" من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة "" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
الوسم: الإنفاق
مثل الإنفاق في غير طاعة الله
ومن الأمثلة القرآنية التي ضربها سبحانه للناس، تبياناً لمواقف المنفقين للمال، وتمحيصاً للمؤن من المنافق، قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين * ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير * أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } (البقرة:264-266).
هذه الآيات الثلاث تضمنت أمثلة ثلاثة، تتعلق بأحوال الناس في الإنفاق:
المثال الأول: فيه تشبيه بعض المتصدقين الذين يتصدقون طلباً للثواب، غير أنهم يُتبعون صدقاتهم بالمن والأذى، بالمنفقين المرائين، الذين ينفقون أموالهم لا يطلبون من إنفاقها إلا السمعة والمفاخرة بين الناس. فالذي ينفق ماله ابتغاء السمعة والظهور بين الناس، لا يستشعر نداوة الإيمان وبشاشته، ويكون قلبه مغشياً بالرياء، كالحجر الذي لا خصب فيه ولا ليونة، يغطيه تراب خفيف، يحجب قسوته عن العين، كما أن الرياء يحجب قسوة القلب الخالي من الإيمان. فإذا نزل مطر غزير على هذا الحجر، ذهب بالتراب الذي عليه، فانكشفت حقيقته، وظهرت قسوته، ولم ينبت زرعه، ولم يثمر ثمره، كذلك القلب الذي أنفق ماله طلباً للظهور بين الناس، فإن إنفاقه هذا لا يثمر خيراً، ولا ينفعه أجراً!
وجه التمثيل بين المانِّ والمؤذي بصدقته وبين المرائي بنفقته، أن كلا منهما قد غش نفسه، فألبسها ثوب زور، يوهم الرائي شيئاً غير ما هو في الحقيقة.
المثال الثاني: ضرب الله المثل فيه للمخلصين في الإنفاق؛ وذلك مثل المؤمن العامر قلبه بالإيمان، ينفق ماله عن ثقة ثابتة في الخير، نابعة من الإيمان، كمثل بستان خصب عميق التربة، يقوم على ربوة، فإذا نزل عليه مطر كثير، أعطى ثماراً وغلالاً ضعفي ما يعطي غيره. وإذا نزل عليه مطر قليل كفاه ليبقى على رونقه وجماله وبهائه.
وجه التمثيل في هذا المثل – كما قال الشيخ رشيد رضا – أن المنفق ابتغاء مرضاة الله هو في إخلاصه وسخاء نفسه وإخلاص قلبه كالجنة الجيدة التربة الملتفة الشجر العظيمة الخصب في كثرة بره وحسنه، فهو يجود بقدر سعته، فإن أصابه خير كثير أغدق وسع في الإنفاق على ذوي الحاجات، وإن أصابه خير قليل أنفق منه بقدره، فخيره دائم، وبره لا ينقطع; لأن الباعث عليه ذاتي لا عرضي كأهل الرياء وأصحاب المن والإيذاء. ف (الوابل) و(الطل) على هذا عبارة عن سعة الرزق وما دون السعة.
ولك أن تقول: إن وجه التمثيل هنا – كما قال الشيخ محمد عبده – أن النية الصالحة في الإنفاق كالوابل للجنة فيها تكون النفقة نافعة للناس; لأن أصحابها يتحرون مواضعها، فيضعون نفقتهم موضع الحاجة، لا يبذرون بغير روية. وأن أمثال هؤلاء المخلصين لا يخيب قاصدهم; لأن رحمة قلوبهم لا يغور معينها، فإن لم تصبه بوابل من عطائها لم يفته طَلَّه، فهم كالجنة التي لا يخشى عليها اليبس والزوال.
وهذا التمثيل يفيد أن إنفاق المؤمن قد يكون إنفاقاً كثيراً، مثل المطر الغزير، وقد يكون إنفاقاً قليلاً، مثل المطر القليل، وفي كلٍّ خير، وهو يُعبِّر عن اهتمام المؤمن بغيره، والعمل على النهوض بأمته قدر استطاعته، وبحسب إمكاناته.
وهذا المثل مقابل للمثل الأول؛ فإذا كان قلب المرائي قاسياً، عليه ستار من الرياء، كمثل حجر صلد عليه غشاء من التراب، فإن قلب المؤمن كالأرض الخصبة المعطاء؛ وإذا كان قلب المرائي المغطى بالرياء والنفاق، كمثل حجر أملس مغطى بالتراب، سرعان ما تنكشف حقيقته وطبيعته، فإن قلب المؤمن خير على كل حال.
المثال الثالث: عقَّب سبحانه المثلين السابقين بمثل آخر، يتبين به حال الفريقين؛ إذ فيه تمثيل لنهاية المن والأذى، وكيف يمحق الله آثار الصدقة المتبوعة بالمن والأذى محقاً في وقت لا يملك صاحبها قوة ولا عوناً، ولا يستطيع لذلك المحق دفعاً ولا منعاً، تمثيل لهذه النهاية البائسة في صورة بستان فيه من كل الزروع والثمرات، جارياً الماء في كل أنحاءه، فهل يود من كان مالكاً لمثل هذا البستان أن يخسر بستانه، خاصة بعد أن تقدمت به السن، وبلغ أرذل العمر، وأخذ العجز منه كل مأخذ، وكان تحت رعايته أولاد ضعاف ونساء عجائز، لا يستطيعون سعياً في الأرض ولا كسباً، فهل يرغب من كانت هذه حاله أن تأتي بستانه عاصفة، تفني أخضره ويابسه، وتذره قاعاً صفصفاً، أو هل هو راغب أن يحترق بستانه فيصبح نسياً منسياً؟
ويصور لنا هذا المثل أنموذجاً من واقع الحياة البشرية، حيث نجد مثل هذا الشيخ الفاني الكبير في ضعف جسمه، وهن نشاطه، وقد تكون له ذرية لا يعطفون عليه، أو قد يكونون فقراء لا يقدرون على نفعه بشيء، إن لم يكونوا عالة عليه، فكما يتحسر هذا الشيخ على حياته السابقة، كتحسر الذي أنفق ماله منًّا وأذى، أو كالذي أنفقه بقصد لفت الأنظار والأسماع؛ لأنه لم يدخر عملاً صالحاً يشفع له يوم القيامة، إذا انقطعت به أسباب الدنيا.
والتمثيل هنا أيضاً فيه تصوير لحال المؤمن المعطاء المنفق ماله ابتغاء وجه الله، فهو لا يقصد أن يذهب بأجر صدقته هباء، بل هو حريص كل الحريص على أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، فلا يمنُّ بها على أحد، ولا يؤذي أحداً بكلمة تجرح مشاعره، وتذهب بركة صدقته.
كما يدل هذا المثل الأخير على أن الذي يهمل طاعة الله من أجل ملاذِّ الدنيا، لا يحصل في الآخرة إلا على الحسرة والندامة. فهو يحتاج في آخرته إلى الأعمال الصالحة كحاجة صاحب الأرض إلى ثمارها وخيراتها. ولعل حسرة هذا الشيخ الفاني الذي بلغ من الكبر عتياً تكون أعظم بعدما يئس من الشباب الذي ولى هارباً، فلم يعد لديه إمكانية على العمل والعطاء.
فالقرآن الكريم من خلال هذه الأمثلة الثلاثة، يريد أن يربي المسلم على مأثرة من مآثره السامية، وهي مأثرة الإنفاق في سبيل الله، ويبين له أن الرياء يبطل ثواب العمل، وأن المنَّ والأذى يحبط أجر الصدقة. فالرياء مرض من أمراض المجتمع، يدل على ضعف في الشخصية، وسوء في الخلق، وتعلق بالدنيا، وبُعد عن الآخرة. والإسلام عندما أوصى بالصدقة، إنما أوصى بها تزكية لنفس المتصدق، وتزكية لماله أيضاً، وحرصاً على تكافل المجتمع، وبناء مجتمع معافى من الحسد والبغضاء، وبعيد عن التناحر والتشاحن.
وغفر لك وايانا ماتقدم من ذنبك وماتاخر
الحث على الإنفاق في وجوه الخير
أما بعد ، أيها الناس :
فإن الناظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد غرضاً لا يكاد يفرغ الحديث عنه إلا ويرجع إليه
افتح صفحات أول سورة في القرآن بعد الفاتحة تجد عشرات الآيات خصصت للحديث عن أهمية ذلك الموضوع في حياة الأمة
إنه الإنفاق في سبيل الله عز وجل
نعم .. الإنفاق في كل طريق يرضي الله تبارك وتعالى سواءً كان انفاقاً واجباً أم مستحباً
وفي ذلك يقول ربنا عز وجل {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}
فمن كانت هذه حاله فليبشر بأعظم موعود وأكرم مورود كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه عن عبدالله بن سلام أنه قال : أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم انجفل إليه الناس فكنت فيمن جاءه فلما تأملتُ وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب . قال وكان أول ما سمعت منه : (( أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلو بالليل والناس ينام تدخلوا الجنة بسلام ))
وربما أنفق الإنسان نفقة يظنها صغيرة حقيرة فإذا جاء يوم القيامة وجد تلك الصدقة الصغيرة كأمثال الجبال ، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم
(( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوّه حتى تكون مثل الجبل )) .
ولا تعجب فأنت تتقرب إلى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .
وفي الصحيحين أيضاً عن عدي بن حاتم الطائي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبين ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة))
نعم .. نصف التمرة ينفعك فكيف بما زاد على ذلك ؟؟
وثبت في الأحاديث الصحيحة أن الصدقة تطفئ غضب الرب سبحانه ، و أنها تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار ، وأنها تطفئ عن أهلها حر القبور
فأين الذين انغمسوا في الخطايا من تلك الصدقات التي تطفئها ؟ أين الخائفون من غضب الرب ؟ وأين الوجلون من حر القبور ؟ ألا يتقون ذلك بالصدقات ؟
أين الطامعون في فضل الله ؟ أين المشتاقون إلى الجنة ؟ إلى هؤلاء جميعاً أسوق قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ، وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}
كان ابن عمر رضي الله عنه يقرأ القرآن فمرّ بهذه (( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ )) قال: ففكرت فيما أعطاني الله فما وجدت شيئاً أحب إليّ من جاريتي رُميثة ، فقلت هي حرة لوجه الله
قال مولاه نافع : ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو زاد
واستمع إلى قصة أبي طلحة عندما سمع هذه الآية . قال أنس رضي الله عنه كما في الصحيحين : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحب ماله إليه بيرحاء ، وهو بستان يانعُ الثمار عذبُ الماء حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخله أحياناً يشرب من مائه الزُلال .. قال فلما نزلت هذه الآية (( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ )) ذهب أبو طلحة إلى رسول الله فقال يا رسول الله إن الله يقول : ((لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)) وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وأنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله . فقال صلى الله عليه وسلم (بخٍ بخٍ ذلك مال رابح ذلك ما رابح).
ومن أبي طلحة إلى طلحة بن عبيدالله أحد المبشرين بالجنة
أخرج الطبراني بإسناد صحيح عن سُعدى زوج طلحة رضي الله عنهما قالت : دخل عليَّ طلحة يوماً وهو خاثر النفس فقلت له : مالك كالح الوجه ؟ ما شأنُك ؟ فقال : المال الذي عندي قد كثُر وأكربني فقالت : وما يُغمك ؟ ادع قومك (تعني فاقسمه بينهم) فدعا طلحة قومه فقسم المال بينهم حتى لم يبق منه شيء ، وكان اربعمائة ألف درهم
أيها المسلمون:
كأني بنفوس المؤمنين – أسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم – كأني بها قد تاقت إلى البذل والإنفاق في سبيل الله تقرباً إلى الله وطلباً للدخول في رحمته
ولذلك فإني أسوق إليكم أصنافاً من مشاريع الخبر ووجوه البر وطرق الإحسان
فمن أعظمها وأشرفها بناء المساجد حيث يحُتاج إليها
فعن عثمان بن عفان رضي الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة) أخرجاه في الصحيحين . وفي رواية لابن ماجه : (ولو كمحفص قطاة أو أصغر) أتدرون يا عباد الله ما مفحص القطاة ؟ إنها الحفرة التي تحفرها القطاة لتضع فيها بيضها !! فلو كان المسجد بقدر تلك الحفرة أو أصغر بنى الله لبانيه بيتاً في الجنة
فما أسعد ذلك المسلم الذي وفقه الله لبناء مسجدٍ بالأجر العظيم من الله ، فوالله إنه لا يصلي فيه مصل ولا يتعبد لله متعبد من قارئ للقرآن أو عالم أو متعلم أو معتكفٍ إلا كان له من أجره نصيب . فإين الطالبون فضل رب العالمين ؟
ومن أعظم أعمال البر نشر العلم النافع عن طريق طباعة الكتب أو شرائها وتوزيعها أو توزيع المواد السمعية النافعة المشتملة على التلاوات القرآنية والدروس العلمية والدعوة إلى الله عز وجل
حدث أحد الدعاة في إحدى البلاد : يقول كنا في جاهلية وبدع وضلال حتى رجع حجاج بلادنا من مكة ومعهم كتب فيها العقيدة الصحيحة فقرأناها وصلحت عقائدنا بعدها والحمد لله
ومن أعمال البر : طباعة المصاحف وإنشاء المعاهد التي تعلم العلوم الشرعية
ومن ذلك : إنشاء القنوات الفضائية الإسلامية التي تنشر الإسلام والسنة : تدعو الكافر وتعلّم الجاهل وتهدي الضال وتذكر الغافل ، ينتفع بها الملايين علماً وهدى وصلاحاً ، فهنيئاً لمن وفق لذلك من أثرياء المسلمين .. هنيئاً له ما يفتح الله على يديه من الخير والعلم والإيمان ، ويا خسار من جمع فأوعى ، جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده ، ولئن كانت القنوات التلفزيونية تحتاج إلى مال كثير فإن القنوات الإذاعية أيسر منها وأقرب
ومن أعمال البر : السعي في فكاك المساجين ممن سُجنوا في ديون لا يستطيعون لها سدادا فهؤلاء هم المعسرون ، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر ، أو يضع عنه) فإن بعضهم ربما أمضى في سجنه سُجن مدداً طويلة في خمسة آلاف وعشرة آلاف ونحوها فحُرم منه الوالدان وبكاه الزوجة والولدان ، والله وحده المستعان
هذه يا عباد الله أنواع من طرق الخير ووجوه الإحسان اكتفيت بها خشية الإطالة وإلا فالأنواع كثيرة جداً ويكفي من القلادة ما أحاط العنق.
أيها المسلمون.. لا يقولن قائل إنا غير مُستطيع إلا أن يكون فقيراً فإن لم يكن فقيراُ فلينفق حسب استطاعته ولو بشئ يسير بين الحين والحين
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ ….. وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا }
بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية
أما بعد ، فيا معاشر المسلمين : ربما تاق إلى الإنفاق من لا مال لـه ولا متاع فرجع حسيراً كسيراً تفيض عيناه البصيرتان وتتقلب يداه القصيرتان .
(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)
وإلى هؤلاء أسوق سؤال إخوانهم من فقراء الصحابة وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور (أي أهل الأموال) ذهب أهل الدثور بالأجور، بالدرجات العلا والنعيم المقيم فقال صلى الله عليه وسلم وما ذاك ؟ قال يصلون كما تصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال صلى الله عليه وسلم ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة. أخرجاه في الصحيحين
فاشكر الله يا عبد الله على ما تفضل به من صنوف الخير والإحسان
ثم احذر يا عبدالله أن يوسوس لك الشيطان فيوهمك بأنك من الفقراء الذين لا يستطيعون إلا التسبيح والتحميد والتكبير مع أن الله ملّكك مالاً ومركباً حسناً ومرتباً مناسباً وحالا ميسورة، فإن جاءك الشيطان ليقول أنت من الفقراء فتذكر أنك ربما اشتريت لأولادك أحسن اللباس بأغلى الأثمان وتذكر أنك ربما أخرجتهم إلى النزهات والرحلات وانفقت الآلاف ولا تبالي وتذكر أنك ربما دعوت ضيفاً فتكلفت الأموال ولا تبالي، فاحمد الله ولا تنكر فضله وتصدق من فضل الله الذي آتاك.
وكثير من الناس ولله الحمد مستطيعون أن يكفلوا كل شهر يتيماً بمائة وخمسين ريالاً، ومستطيعون أن يساهموا في ترتيب مدرسٍ لتحفيظ أولاد الحي القرآن، ومستطيعون أن يشتروا نسخاً من المصحف أو من كتب أهل العلم ليجعلوها وقفاً لله، ومستطيعون أن يؤمنوا حقيبة مدرسية لطالب فقير ربما لا تتجاوز الواحدة مائة ريال لسنة كاملة، ومستطيعون أن يساهموا في أبواب كثيرة من مشاريع الخير، لكنه الشيطان، (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين
وجعله في موازين حسناتك