إنها ليست أخطاء في ترجمة اللغات الأجنبية، ولكنها أخطاء في ترجمة لغة الحياة الزوجية، فالكلمة تخرج من طرف تعبِّر عن مضمون معين وحالة نفسية معينة، فيترجمها الطرف الآخر بشكل مغاير أو سطحي؛ ومن هنا ينشأ الاختلاف، وبالمثال يتضح المقال:
تقول : إننا لا نخرج معًا أبدًا، فيقول الزوج: هذا ليس صحيحًا، لقد خرجنا البارحة.
تقول : إني متعبة، ولا أستطيع أن أقوم بأي عمل، فيقول الزوج: هذا غير معقول، هل أنتِ يائسة؟
تقول : البيت دومًا في فوضى، فيقول الزوج: إنه ليس دومًا في حالة فوضى.
تقول : أريد منك مزيدًا من الاهتمام، فيقول الزوج: هل تعنين أني لا أهتم بكِ؟!
وإذا فهم الزوج شكوى الزوجة؛ فسيقل الجدل بينهما، ويكون في إمكانه أن يستجيب لها بطريقة أكثر إيجابية، وهذا يؤدي إلى تفادي الكثير من المجادلات والمشكلات.
ونلاحظ في الأمثلة السابقة، أن الرجل يفهم كلام فهمًا حرفيًّا؛ ما يجعله لا يفهم حقيقة ما تريد قوله، وبالتالي يكون جوابه سببًا لسوء تفاهم وجدال.
إن من أكبر مشكلات العلاقة الزوجية هي الكلمات والعبارات الغامضة، ومن أشهر الجمل للمرأة التي يُساء فهمها هي: (إنك لا تنصت إليَّ)، فترجمة الرجل الحرفية لتلك العبارة تؤدي لعدم تقديره لمشاعر ؛ ما يؤدي إلى الشجار [سنة أولى زواج، هيام محمد يوسف].
(فهو يعتبر نفسه قد أنصت إليها ما دام بإمكانه أن يعيد ما قالته مرة أخرى، أما الترجمة الفعلية لهذه العبارة فهي: إنك لا تتفهم ما أعنيه بكلامي، ولا تهتم بمشاعري، وأحب أن تُظهِر لي أنك مهتم فعلًا بما أقوله) [حتى يبقى الحب، د.محمد محمد بدري، ص(36)].
هل تعلمت الترجمة؟
تقول : (إننا لا نخرج معًا أبدًا).
الترجمة الحرفية التي يفهمها الرجل: إنك لا تقوم بواجبك أبدًا، وكم خاب ظني بك الآن، وإننا لم نعد نقوم بأي عمل مع بعضنا؛ لأنك كسول وغير عاطفي وممل.
الترجمة الصحيحة: إني أشعر بالرغبة في الخروج معك، وعمل شيء مع بعضنا، فأنا أستمتع بقضاء الوقت معكِ، وأحب أن أكون معك.
تقول : (إني متعبة، ولا أستطيع أن أقوم بعمل).
الترجمة الحرفية: إني أعمل كل شيء هنا، وأنت لا تقوم بأي عمل، إني أحتاج لرجل يساعدني، لم يكن زواجنا موفق الاختيار أبدًا.
الترجمة الصحيحة: لقد قمت اليوم بأعمال كثيرة، وإني أحتاج لبعض الراحة قبل أن أعمل أي شيء آخر، هل لك أن تساعدني، وتطمئني بأن ما أقوم به لا بأس به، وأني أستحق بعض الراحة.
تقول : (البيت دومًا في فوضى).
الترجمة الحرفية: إن البيت دومًا في فوضى بسببك، إني كلما قمتُ بتنظيفه أفسدتَه أنت، إنك مهمل، ولا أريد العيش معك حتى تتغير، إما أن تنظف البيت وإما أن تخرج من حياتي.
الترجمة الصحيحة: إني متعبة، وأشعر بالرغبة في بعض الراحة، إلا أن البيت يحتاج للتريب، لا أعتقد أنك تتوقع مني أن أنظفه كله من جديد، هل توافق معي أنه يحتاج للتريب؟ وهل تساعدني في جزء من العمل؟
وهكذا يؤدي سوء الفهم لما يقوله شريك الحياة إلى الجدال بين الرجل و، ولا سبيل إلى الخروج من هذا المأزق إلا أن يتفهم كلا الزوجين كلمات الآخر وألفاظه، بل وما وراء هذه الألفاظ من معاني.
وفي الصمت أحيانًا نجاة:
من الصعوبات التي قد تواجهها عند عودة زوجها إلى البيت هو رغبته في الصمت، حيث يصعب عليها تفسير هذا الموقف ومعناه، فصمت الرجل من أكثر ما تخطئ في ترجمته وتفسيره، فالنساء يسئن تفسير صمت الرجال.
إن الزوجة قد تفاجأ بأن زوجها توقف عن الكلام، وهذه الحالة غريبة عن طبع ، ولهذا فقد تظن لأول وهلة أن الرجل شارد الذهن لم يسمع ما تقول له، ولذلك فهو لا يتكلم.
والرجل يتعامل مع المعلومات بشكل مختلف، فقبل أن يتكلم أو يبدي استجابة لموقف معين، فإنه أولًا يفكر بصمت في الأمر الذي أمامه ليتوصل بنفسه إلى الجواب أو التصرف الصحيح، وقد تأخذ عميلة التفكير الصامت هذه من دقائق إلى ساعات، يدخل الرجل فيها صمته بهدوء، وهذا بالطبع يشغل كثيرًا؛ لأنها بطبيعتها تتكلم إذا كان ثمَّة أمر أو مشكلة، فلماذا هو صامت لا يتكلم؟
على الزوجة أن تتعلم تفسير صمت زوجها، وأنه عندما لا يتكلم فكأنه يقول لها: لا أدري الآن ماذا أقول؟ إلا أني أفكر في الأمر [سنة أولى زواج، هيام محمد يوسف].
كيف تفسرين صمته؟
ولكن الزوجة تفسِّر صمت زوجها وكأنه يقول لها: إني لا أتكلم معكِ لأني غير مهتم ولا أبالي، إن كلامكِ ليس بهام ولذلك فأنا أتجاهلكِ.
وبالتالي هي تسيء تفسير صمت زوجها، وتبدأ تتخيل الأسوأ: إنه يكرهني إنه لا يحبني، إنه يتصور أني لن أُعِنْه إذا تحدث.
لماذا كل هذه التفسيرات الخاطئة؟
لأن الوقت الوحيد تقريبًا الذي تصمت فيه (هو عندما يكون ما تريد قوله جارحًا أو مؤلمًا، أو عندما لا ترغب بالكلام لأنها لم تعد تثق بمن تحدثه وتريد الإعراض عنه، فلا غرابة إذًا أن تشعر بعدم الأمن عندما يمتنع الرجل عن الكلام) [الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، د.جون جراي، ص(11)، بتصرف].
وعلى أن تتفهم طبيعة الرجل إذا أرادت أن تكون صلتها به إيجابية وهادئة.
وفي حالة صمت الزوج تكون الزوجة منزعجة، وتشعر أن عليها أن تحيط به وتخف عنه وتخرجه من صمته، وهكذا هي عندما تكون منزعجة، فإنها تحب أن يكون حولها من يكلمها ويرعاها.
وتعتقد خطأ أنها إذا أخذت تطرح على زوجها الأسئلة وتحاول الاستماع إليه، فإنها ستعينه على الخروج ما هو فيه، إلا أن هذا الأسلوب يزيد انزعاج الزوج أكثر، وبالرغم من قصدها الطيب، إلا أن الأسلوب غير سليم، ونتائجه تأتي معاكسة لما تريد تحقيقه.
وإليكِ الآن أختي الزوجة بعض العبارات التي تسيء الزوجة فهمها فتقع المشكلات والأخطاء:
يقول الرجل: أنا بخير.
قد تفهم : إني غير منزعج لأني لا أبالي، ولا أريد أن أشاركِ أفكاري ومشاعري؛ لأني لا أثق في عونكِ لي.
والترجمة الصحيحة: أنا بخير وأستطيع التصرف في الأمور، ولا أحتاج إلى المشاعر، فشكرًا لكِ.
وعندما يقول الرجل: لا يوجد شيء.
تفهم : لا أدري ما الأمر الذي يزعجني، وأريد أن تسأليني أسئلة لتساعدني على فهم ما حدث.
وبناء على هذا الفهم؛ تنهال الزوجة بالأسئلة على زوجها، في الوقت الذي يفضِّل فيه أن يُترك بمفرده.
والترجمة الصحيحة: لا يوجد شيء يزعجني، وأرجو ألَّا تطرحي عليَّ مزيدًا من الأسئلة؛ لأني أحاول التركيز في حل الأمر.
اختلاف العقول:
وأخيرًا على كل زوج وزوجة أن يعلما جيدًا أن عقل الرجل يختلف اختلافًا بينًا عن عقل ، فعقل الرجل أحادي التركيز، بينما عقل قادر على تعدد المهام؛ (يضم عقل عددًا أكبر من الأجسام الصلبة، ومن مجموعات الأعصاب التي تصل بين شقي الدماغ الأيمن والأيسر، وهذا الاتصال الذي يقيم التواصل بين الجزئين إنما يقل بنسبة 25% لدى الرجال، يعني هذا أن الرجال لا يصلون بين المشاعر والأفكار بنفس براعة النساء في هذا الأمر، وحقيقة الأمر أن النساء يتمتعن بطرق سريعة تربط بين مشاعرهن والقدرة على التحدث والتعبير.
ومن شأن هذا الاتصال بين أجزاء العقل المختلفة أن يزيد من قدرة على أداء عدة مهام في نفس الوقت، فهي تفكر بينما تستمع وتذكر وتشعر وتخط، كل هذا في الوقت نفسه.
و تستخدم اللغة لقدرتها على ذلك في الحديث وفي النقاش والإمتاع، وتعلمت أن تتحدث عن مشكلاتها للآخرين، فعندما يعلم الآخرون مشكلاتها يسهل عليها أن تطلب مساعدتهم، ولو لم تتحدث لما علم الآخرون باحتياجاتها.
أما الرجال؛ فهم مختلفون، فعقل الرجل شديد التخصيص، ويعمد إلى استخدام جزء محد من أحد الجزئين لأداء المهمة، وهذا الاختلاف العصبي يسمح للرجال بالتركيز لفترات زمنية طويلة.
ويفضل الرجال فعل شيء واحد في المرة الواحدة، وعندما يتعرض للضغط من السهل أن ينسى شريكته واحتياجاتها، فيلجأ إلى الهدوء والاستكانة، فمثلًا إذا كان يفكر في كيفية حصوله على ترقية ما؛ فإنه ينسى أن يشتري البن في طريق عودته إلى المنزل.
ومن السهل جدًّا أن تخطئ تفسير هذا السلوك، وإذا فهمت الزوجة طبيعة زوجها؛ فإنه يساعدها على عدم اعتبار الأمر شخصيًّا عندما يكون زوجها منشغلًا أمام الحاسوب وينزعج عندما تتوجه إليه بسؤال ما.
أما فلا يزعجها أن يقاطعها زوجها وهي منشغلة في عمل شيء) [لماذا يتصادم المريخ والزهرة، د.جون جراي، ص(59-60)، بتصرف].
وماذا بعد الكلام:
1- على أن تترجم لغة زوجها ترجمة صحيحة، وخاصة عند مواجهة الضغط والمشاكل، وتفهم صمته وتركه حتى يصل إلى حلٍّ لمشكلاته؛ فإن ترك الرجل بمفرده وتجنبه قد يكون أحيانًا أفضل طريقة لمساعدته.
إلا إذا طلب زوجها منها المساعدة أو طلب رأيها، وقتها فقط تتحدث وتبدي رأيها، دون إظهار مشاعر الشفقة عليه؛ لأن الرجال لا يحبون إحساس الشفقة عليهم.
2- على الرجل أن يصبر على زوجته، ويستمع إلى حديثها؛ لأن الكلام هو وسيلة نقل المشاعر والود والحب عند ، والصمت يشعرها بعدم الأمان، وقد تسيء فهم صمت زوجها كأنه شيء شخصي.
ونذكر قصة السيدة عائشة عندما حكت للرسول r عن إحدى عشرة امرأة تعاهدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهم شيئًا … وفي نهاية القصة قال رسول الله r: (كنتُ لكِ كأبي زرع لأُم زرع) [متفق عليه].
ورغم أن حياة الرسول r لم تكن تتسع فعلًا لسماع هذا الحديث الطويل الذي تزيد كلماته على الثلاثمائة كلمة؛ إلا أنه سمعها وعلَّق تعليقًا يرضيها ويريح قلبها r.
وإذا أردت أن تتعامل مع أي شخص في العالم فعليك أن تتعامل معه بلغته، (فإذا قابلت شخصًا "إنجليزيًّا" لا يعرف إلا اللغة الإنجليزية، ستعامل معه باللغة الإنجليزية، ولو حدثته بكل مفردات اللغة العربية ما فهمها، ولو وصفت له كلمات بليغة ما تذوقها، فكيف تتعامل مع الآخر بوجهة نظرك؟!
حتى مع الأطفال الصغار الذين لا يعرفون اللغات بعد، ستجد أنك تتعامل معهم باللغة التي يفهمونها، وستفاجأ بأنك تؤدي أمامهم الكثير من الحركات الطفولية والأصوات البهلوانية حتى يفهموك ويضحكوا منك) [سحر الاتصال، محمد أحمد العطار، ص(96)].
ام نورا
فراشة
نورتونى