الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
فشروط الحجاب الإسلامي هي :
الشرط الأول :
أن يغطي جميع بدن المرأة ، فلا يبدو منها شيء ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي : " المرأة كلها عورة " .
وقد اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى على وجوب تغطية المرأة جسدها إذا كانت أمام الرجال الأجانب ، فلا يبدو منها شيء ، لا شعرها ، ولا وجهها ولا نحرها .
قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى : اتفق المسلمون على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ، لا سيما عند كثرة الفساق .
وقال الإمام ابن رسلان الشافعي : أجمع العلماء على تحريم خروج المرأة وهي كاشفة عن وجهها .
أما الأدلة على تحريم إبداء المرأة لشيء من جسدها أمام الرجال الأجانب فنذكر منها :
الدليل الأول :
قوله تعالى : ] قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ (النور :30-31) .
وبيان الدلالة من هذه الآيات من وجوه عدة :
أولاً :
أن الله أمر المؤمنين بغض البصر ثم حفظ الفرج ، ثم أمر المؤمنات بغض البصر ثم حفظ الفرج ولكي ننفذ الأمر الأول وهو غض البصر- علينا أن نبعد كل ما من شأنه إشغال البصر ومنعه من تنفيذ حكم الله عز وجل ، لذلك أعقب الله هذا الأمر بحفظ الفرج ، وحفظ الفرج يعني منع كل الأسباب المؤدية إلى ميل الرجل إليه ، ومن أعظم هذه الأسباب التكشف أمام الرجال ، والتكشف من أكبر الفتن التي تدعوا الرجل إلى النظر المحرم ، ولو أن المرأة غطت جميع جسدها – من رأسها حتى أخمص قدميها – لما وجد الرجل الأجنبي ما يدعوه إلى النظر ولصرف بصره عن المرأة ، وعند ذلك تؤمن الفتنة ، أما أن تبدي المرأة عن أجمل شيء فيها ، بل ومجمع حسنها – وهو وجهها – فهذا لا يمكن أبدًا أن تؤمن معه الفتنة ولقد أحسن من قال :
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها كفتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر
ثانيًا :
أن الله قال : ] وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ [ ( يعني تغطى ) به المرأة رأسها كـ ( الغدفة ) فإذا كانت مأمورة بتغطية شعرها ، كانت مأمورة أيضًا بتغطية وجهها من باب أولى ، لأن الوجه مجمع الجمال والفتنة فإن الرجل الذي يطلب جمال الصورة أول ما ينظر إلى الوجه ، ونظرته إلى سائر الجسد تابعة لنظرته إلى الوجه ، فإذا كان الوجه جميلاً استحسن باقي جسدها ، وإذا لم يكن جميلًا لم ينظر إلى باقي جسدها نظرة ذات أهمية لذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاطب أن ينظر إلى وجه مخطوبته ، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما .
ثالثًا :
أن الله تعالى قال : ] وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا [ أي ما ظهر منها بغير إرادتها ، وهو الجلباب ( العباءة ) فإن المرأة لا تستطيع تغطيته ، أما الوجه فإنها تستطيع لو أرادت ، لذلك قال الله عز وجل : ]َ إِلاَّ مَا ظَهَرَ [ ولم يقل ( إلا ما أظهرن منها ) .
رابعًا :
أن الله تعالى قال : ] وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنّ [ يعني لا تضرب المرأة برجلها الأرض فيسمع منها صوت خلخالها ، أو صوت حذائها ، فيميل الرجل إليها بنظره وقلبه ، وهذا الفعل من الفتنة التي تخالف الأمر بحفظ الفرج ، فإذا كان النهي قد ورد من أجل صوت خلخال لامرأة لا يعرف أجميلة هي أم شوهاء عجوز أم شابة ، فكيف بإبداء المرأة لأجمل شيء فيها وهو وجهها . لا شك أنه أولى بالتحريم .
خامسًا :
نلاحظ أن الله عز وجل قد بدأ الآيات بنداء المؤمنين باسم الإيمان فقال ] قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ [ ثم ] وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ [ وأخيرًا ] وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ أي يا معشر المؤمنين بالله والمؤمنات ، إن كنتم حقًا أمنتم بالله واليوم الآخر فامتثلوا أمر الله لكم بغض البصر وحفظ الفرج ، وتوبوا إلى الله جميعًا مما كنتم تصنعون من إطلاق البصر ، وكشف العورات ، والتزموا بالحجاب الذي أمركم الله به ، ورضيه لكم ، حتى تفلحوا في دنياكم وأخراكم ، وإن لم تفعلوا ، فالخسران المبين لكم في الدنيا والآخرة .
ولقد كان في هذه الآيات أشد الأثر في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم
ولندع عائشة رضي الله عنها ، تصف لنا استقبال الصحابة رضوان الله عليهم لهذه الآيات ، فتقول : ما رأيت أفضل من نساء الأنصار ، ولا أشد تصديقًا بكتاب الله ، ولا إيمانًا بالتنزيل ، لقد أنزلت سورة النور ] وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ [ انقلب إليهن رجالهن ، يتلون عليهن ما أنزل الله فيها ، ويتلوه الرجل على امرأته ، وابنته ، وأخته ، وعلى كل ذي قرابة ، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله في كتابه ، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يعني في الصلاة ) متعجرات ، كأنهن على رؤوسهن الغربان من الأكسية . ( يعني لفت كل واحدة منهن رأسها ووجهها حتى أصبحن لا يرى منهن شيء إلا السواد ) .
الدليل الثاني :
قال تعالى : ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [ (الأحزاب :59) يقول الإمام القرطبي المالكي رحمه الله تعالى : كانت عادة العربيات التبذل وكشف الوجوه ؛ فأمر الله الرسول أن يأمرهن بإدناء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن ، وإدناء الجلباب يعني تغطية الوجه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة ، أن يغطين وجوههن من رؤوسهن بالجلابيب .
وبهذا نعلم أن المرأة إذا خرجت أمام الرجال الأجانب وجب عليها تغطية جميع جسدها ولا تبدي وجهها إلا في حالات بينتها شريعتنا السمحاء وهي :
1- في الصلاة والحج : يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها ، إلا إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب فإنه يجب عليها تغطيته ، كما كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تفعل ، وقد روى ذلك الحاكم بإسناد على شرط مسلم ، وكما كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تفعل ، فقد روى أحمد و أبو داود عنها أنها قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها ، فإذا جاوزنا كشفناه " وهو حديث صحيح .
2- أمام الخاطب .
3- للطبيب عند الضرورة .
4- عند الإدلاء بالشهادة أمام القاضي ، إذا طلب منها ذلك .
5- للعجوز التي لا تشتهى ، فإن لها أن تكشف عن وجهها ، مع الحذر من وضع أي نوع من أنواع الزينة ، ومع ذلك فقد اختار الله لها أن تبقى على تغطية وجهها لأن ذلك خير لها ، قال تعالى : ] وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنّ [ (النور : 60) . و قد دخل مسروق رحمه الله على حفصة و كانت عجوزًا ، فغطت وجهها ، فقال لها : يرحمك الله ، ألم تسمعي قول الله تعالى : ] وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [ فقالت له : ألم يقل في آخر الآية : ] وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ [ قال : بلى ، قالت : فأنا أفعل ما اختار لي ربي .
الشرط الثاني :
أن لا يكون الحجاب زينة في نفسه يدعو الرجال إلى النظر بل يكون ذا لون واحد وغير مزركش ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الرافلة في زينتها في غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها " . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إنما النساء عورة ، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس ، فيستشرفها الشيطان فيقول : إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته ، وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال : أين تريدين ؟ فتقول أعود مريضًا ، أو أشهد جنازة ، أو أصلي في مسجد ، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها . فهذا فعل الشيطان مع امرأة ما أرادت من خروجها إلا خيرًا ، فكيف بمن تتزين وتجوب الأسواق بزينتها وطيبها يعصف . وقد قالت حرم د . محمد رضا : كل امرأة خرجت من خدرها إلى الطرقات ، قد أخذت زخرفتها وازينت ، لسان حالها يقول : ألا تنظروا إلى هذا الجمال ؟ هل من راغب في القرب والوصال ؟ إنها تعرض جمالها في أسواق الشوارع ، كما يعرض البائع المتجول سلعة ، وكما يعرض بائع الحلوى ما عنده مزينًا بالألوان الزاهية ، والأوراق اللامعة ، ليسترعي الأنظار ويغري النفوس ، ويثير الشهية ، فتروج بضاعتها ، ويكثر المشترون ، ويتهافت الطلاب والجياع والناهبون .
الشرط الثالث :
أن يكون الحجاب صفيقًا ( متينا ) لا يشف الجسد .
الشرط الرابع :
أن يكون الحجاب فضفاضًا واسعًا ، لا يجسد أعضاء المرأة .
الشرط الخامس :
أن لا يكون فيه تشبه بلبس الرجال .
الشرط السادس :
أن لا يتشبه بزي الكافرات ، مثل البنطلون والقصير ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " .
الشرط السابع :
أن لا يكون ثوب شهرة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ، ثم ألهب فيه النار " .
الشرط الثامن :
أن لا يكون الحجاب مبخرًا أو معطرًا لأن هذا من كبائر الذنوب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن المرأة إذا استعطرت ثم مرت بالمجلس فهي زانية " حتى ولو كان خروجها إلى المسجد فقد مرت امرأة بأبي هريرة رضي الله عنه فاشتم طيبها فقال : يا أمة الجبار المسجد تريدين ؟ قالت : نعم . قال : وله تطيبت ؟ قالت : نعم قال : فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل " .
وهذا هو آخر شروط الحجاب الإسلامي ، أسأل الله عز وجل أن ينفعنا به في الدنيا بالتطبيق وفي الآخرة بالرضى والقبول عند الله عز وجل إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم