الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله,وعلى آله وصحبه.
أمَّا بعدُ :
فإنَّ الرياضة بمعناها الشامل نشاط إنساني لا ينفكُّ عن طبيعة الإنسان، فالأجسامُ والعقولُ تحتاج إليها في كل حين، وإذا أهمل الإنسانُ الرياضة أُصيب بالملل والضعف الجسدي، والخمول العقلي، وقد كان ترويض الأجسام قديماً يتم بوسائل مختلفة كالجري والسباق والمصارعة والفروسية والسباحة، وغير ذلك من أنواع الرياضات، فكانت الرياضة بقسميها: رياضة العقول والقلوب (الرياضة المعنوية)،ورياضة الأجسام (الرياضة البدنية) معروفة، منذ وقت مبكر.
فالرياضة النفسية والمعنوية مثلاً تشملُ أمُوراً كثيرةً، يجمعُها الأدبُ مع الله والأدب مع الناس، ويتفرع عنها كل خلق حسن.. ومعنى ذلك أن يروض العبد نفسه على حسن التعامل مع الله حتى يصبح ذلك له جبلة وسجية إلى أن يلقى الله، فمن روض نفسه على مراقبة الله عاش كذلك متيقظاً من الغفلة، ومن روَّضها على المحاسبة والخشية والالتجاء إلى الله تروضت على ذلك.
وكذلك الأدب مع الخلق،فينبغي للعبد أن يروض نفسه على التخلق بالأخلاق الحسنة،والأدب الرفيع مع الناس،فإن الحلم بالتحلم،والصبر بالتصبر،ولا يتم ذلك إلا بترويض النفس. قال المناوي: (الأدب رياضة النفوس، ومحاسن الأخلاق، ويقع على كلِّ رياضةٍ محمودةٍ يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل).وكثيراً ما يذكر السلف الصالح -رحمهم الله-وخاصة ابن القيم وابن الجوزي والغزالي ونحوهم ممن تكلم في علوم النفس هذه المعاني من الرياضة، ويُطلقون عليها: رياضة النفوس..
من أنواع الرياضة المعنوية:
ومن أنواع الرياضة المعنوية إتقان بعض فنون العلم التي عمادة في الأداء الحركة، سواء كانت حركة الفكر كما في المسائل الحسابية في علم الرياضيات، وهي ما سميت بهذا الاسم إلا لأن فيها ترويضاً للذهن على التفكير الدقيق، والاستنتاج.
أو حركة اللسان كإتقان فن التجويد وتلاوة القرآن، ولذلك قال في الجزرية:
وليس بينه وبين تركه إلا رياضة امرئ بفكه
هذا ما يتعلق بالقسم الأول أو المعنى الأول من معاني الرياضة.
أما المعنى الثاني: فهو رياضة الأجسام ولياقتها بأمور عديدة؛ لتصبح قوية مرنة، بعيدة عن كثير من الأدواء والعلل الجسدية.. وقد كان القُدامى يعتنون بها أيما عناية، بل جاء عنه صلى الله عليه وسلم- أنه قال:(المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضَّعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز..)رواه مسلم، فقوة المؤمن هي القوة المعنوية والقوة البدنية، ولا تتم القوة البدنية إلا بالتمرن والتدرب وممارسة الرياضات، وأيضاً فقد قال الله-تعالى-:(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ..) (الأنفال:60)، والإعداد يكون بقوة الإيمان وقوة الأجساد،وقوة الأجساد لا تكون إلا بالرياضات المختلفة.
وقد مارس رسول الله-صلى الله عليه وسلم-رياضة الجري هو وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقد ثبت عنها أنها قالت: (خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: (تقدموا) فتقدموا، ثم قال لي: (تعالي حتى أسابقك) فسابقته فسبقته،فسكت،حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره،فقال للناس:(تقدموا) فتقدموا، ثم قال: (تعالي حتى أسابقك)،فسابقته فسبقني،فجعل يضحك وهو يقول:(هذه بتلك).1 وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أنهم كانوا في غزوة (ذي قرد)مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأن أحد الصحابة طلب المسابقة فانبرى له سلمة وسابقه،فسبقه إلى المدينة)2 وسابق النبي-صلى الله عليه وسلم- بين الخيل التي أضمرت3 من الحيفاء، وأمَدُها ثنية الوداع،وسابق بين الخيل التي لم تضمَّر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فيمن سابق بها)4 وكان للنبي-صلى الله عليه وسلم- ناقة لا تُسبق…)5
ومن الرياضة التي حث عليها صلى الله عليه وسلم رياضة الرماية والمناضلة وركوب الخيل، قال -صلى الله عليه وسلم-: (من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصى) رواه مسلم، ورواه ابن ماجة بلفظ: " فقد عصاني" قال الألباني صحيح بلفظ: "ليس منا"
وجاء في البخاري عن أبي عثمان النهدي أنه قال: " أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة بن فرقد بأذربيجان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا هكذا وأشار بإصبعيه اللتين تليان الإبهام قال الحافظ في الفتح: " زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِيهِ مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن الْجَعْد عَنْ شُعْبَة بَعْد قَوْله مَعَ عُتْبَةَ بْن فَرْقَد " أَمَّا بَعْد فَاتَّزِرُوا وَارْتَدُّوا وَانْتَعِلُوا وَأَلْقُوا الْخِفَاف وَالسَّرَاوِيلَات , وَعَلَيْكُمْ بِلِبَاسِ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيل , وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّم وَزِيّ الْعَجَم , وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهَا حَمَّام الْعَرَب , وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشَنُوا وَاخْلَوْلَقُوا وَاقْطَعُوا الرَّكْب وَانْزُوا نَزْوًا وَارْمُوا الْأَغْرَاض , فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْحَدِيث ..
ومن أنواع الرياضات التي مورست في زمن النبي-صلى الله عليه وسلم-: رياضة المصارعة، وقد روى أبو داوود عن محمد بن علي بن ركانة أن ركانة طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم أن يصارعه فصارعه النبي-صلى الله عليه وسلم- فصرعه)6.
فهذا بعض ما نفل من أنواع الرياضة في زمن النبي-صلى الله عليه وسلم- مما يدل على اهتمامه وعنايته صلى الله عليه وسلم بتربية البدن والروح على حد سواء.
وأما في زماننا فقد اتخذت الرياضة ألواناً عديدة، واهتم بها اهتماماً بالغاً، حيث وضعت لها في كل دولة وزارة خاصة تعتني بكل شؤونها.. مع البون الشاسع بين ما يراد اليوم من وراء تلك الرياضات، من ترفيه ومتعة بل وإفساد أحياناً، وما كان يريده محمد-صلى الله عليه وسلم-، حيث كان المقصود من ذلك تقوية البدن على مواجهة أعداء الله وصدهم عن محارم المسلمين، والدفاع عن الدين والأعراض والأنفس، لا الرياء والسمعة واستعراض العضلات والفوز بحفنة من الدراهم والدنانير.
وعليه أقول لكل شاب مسلم مستقيم على دينه: عليكم بالرياضة بمختلف أنواعها؛ ما لم تكن محرمة شرعاً، وعليكم أن توجهوها إلى هدف أسمى من كل هذه الأهداف الدنيوية، وأن تحولوا هذا المباح إلى عمل صالح يرضى به الله عنكم، والأمة اليوم تنتظر منكم الكثير.
ولتعلموا أن دول الشرق والغرب اليوم تشغلنا بكثير من الألعاب أو ما يسمى بالبطولات العالمية عن قضايانا الأساسية، فعليكم أن توجهوا أعمالكم وجهودكم إلى ما يخدم دينكم، حقر ذلكم العمل أو عظم..
نسأل الله أن يجعل أعمالنا كلها لوجهه خالصة، إنه سميع قريب.