أس اختيار الزوجة :
قال تعالى : (وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) (البقرة : 221) ، وقال تعالى : (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) (التحريم : 5) ، وقال تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب : 35) .
روى البخارى عن أبى هريرةt عن النبى r قال : "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " (2) .
قوله : تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : أى لأجل أربع .
قوله : لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا : الحسب فى الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر أبائهم وقومهم وحسبوها ، وقيل المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة .
ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يُستحب له أن يتزوج نسيبه إلا أن تعارض نسيبه غير ديّنة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا فى كل الصفات ، وأما قول بعض الشافعية : "يستحب أن لا تكون المرأة ذات قرابة قريبة" فإن كان مستنداً إلى الخبر فلا أصل له أو إلى التجربة وهو أن الغالب أن الولد بين القريبين يكون أحمق فهو متجه (1) .
قوله : وَجَمَالِهَا : يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا أن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة نعم لو تساوتا فى الدين فالجميلة أولى ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق .
قوله : فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ ، فى حديث جابر : "فعليك بذات الدين" والمعنى أن اللائق بذى الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره فى كل شئ لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبى r بتحصيل صاحبة الدين الذى هو غاية البغية .
قوله : تَرِبَتْ يَدَاكَ : أى لصقتا بالتراب ، وهى كناية عن الفقر وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة زاد غيره أن صدور ذلك من النبى r فى حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه ، وحكى بن العربى أن معناه استغنت ورد بان المعروف اترب إذا استغنى وترب إذا افتقر وجه بأن الغنى الناشئ عن المال تراب لأن جميع ما فى الدنيا تراب ولا يخفى بعده وقيل معناه ضعف عقلك وقيل افتقرت من العلم وقيل فيه تقدير شرط أى وقع لك ذلك إن لم تفعل ورجحه بن العربى وقيل معنى افتقرت خابت (2) .
فأول الشروط وأهمها التى يجب أن تتوفر فى الزوجة : الدين ،كما قال تعالى : (وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) (البقرة : 221) ولقوله تعالى : (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ( (النور : 26) ، وقوله تعالى : (قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) (النساء: 35) ، فإنها إن كانت على دين رجوتَ منها الخير ، وأول مظاهر تدين المرأة "الصلاة" ، وهى الصلة بين العبد وربه ، فإن كانت على صلة طيبة بينها وبين ربها رجوتَ منها أن تكون على صلة طيبة بينك وبينها ولله المثل الأعلى فمن فرطت فى أمر ربها وحقه لا عيب عليها إن فرطت فى أمر وحق زوجها !! ، ومن رضى أن تكون زوجته مفرطة فى أمر ربها وفرضه فلا يلومن إلا نفسه إن هى فرطت فى حقه ولم تحافظ على بيته .
وإذا كانت الزوجة ذات دين فهى على خلق ، وهذا بديهى ، فالدين الإسلامى وهو دين الوسطية من يعتنقه يكون بين الإفراط والتفريط ، فلا هى مفرطة فى تدينها ولا هى مفرطة فى دينها ، وتراها وقد تخلقت بخلق القرآن الكريم ، من حجاب ومعاملات وحديث وغير هذا مما فرضه القرآن الكريم على المرأة .
وإذا انضم إلى الدين الجمال فبها ونعمت ، وقد رغَّب النبىrفى الجمال فقال : "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ" (1) ، وقولهr وقد سئل : "أى النساء خير ؟ قال : "الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ" (2) ، والمرأة المتدينة الجميلة نور على نور ، وإن كانت ذات مال وحسب فقد جمعت من صفات الخير الكثير .
ومن الصفات المطلوبة فى الزوجة أن تكون ودوداً ولوداً ، كما قالr: " تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ" (3) .
ومنها أيضاً : أن تكون ذات عطف وحنان لقولهr : "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ" (1) .
أن تكون بكراً : لقولهr لجابر t : "أَلَا تَزَوَّجْتَهَا بِكْرًا تُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا وَتُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا" (2) .
وصحَّ عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها وعن أبيها أنها قالت يوماً لرسول الله r وهى تشير إلى زواجه منها ، وهى البكر التى لم يتزوج رسول اللهr غيرها بكراً : "أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ قَالَ فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا" (3) .
فان كانت هناك قرينة تدعو إلى نكاح الثيب فبها ونعمت .
ومن طريف ما روى فى الفرق بين الثيب والبكر أن جارية عرضت على الخليفة المتوكل فقال لها : أبكر أنت أم أيش ؟ قال : أيش يا أمير المؤمنين ! .
واشترى أحدهم جارية فسألها : ما أحسبك إلا بكراً ! فقالت له : لقد كثرت الفتوح فى زمان الواثق ! .
وقال أحدهم لجارية : أبكر أنت ؟ قالت : نعوذ بالله من الكساد (تعنى الثيوبة) ! .
وعرضت على أحدهم جاريتان بكر وثيب فمال إلى البكر ، فقالت الثيب : أما رغبت فيها وما بينى وبينها إلا يوم تعنى أنها ليلة بين البكر وكونها تكون ثيب فقال لها : (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) (الحج : 47) .
أن تكون ممن تربى على مائدة القرآن والسنة ، لا ممن تربى على مائدة الشرق والغرب ، التى تجرى وتلهث خلف كل ما هو جديد فى عالم الموضة والأزياء والمناكير ، ودنيا "الكاسيت" والمطربين وتأخذ سنتها وقدوتها من المطربين والمطربات والراقصين والراقصات والممثلين والممثلات ، فالحذر أخى من الإقتران بفتاة لم تختمر بخمار ربها ، وقدمت عليه خمار أهل الفن والدعارة والمجون فعرَّاها ولم يسترها ، وجعلها سلعة معروضة لكل ذى عينين لينظرها ، وشفتين ليحدثها ويمازحها ويهاتفها ، ويدين فى الطريق والمواصلات يتحسسها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك (1) .
ومن مواصفات الزوجة الصالحة أيضاً من :
التى تحسن الإستماع إلى زوجها وتعينه على طاعة اللهU ، الرقيقة الطيبة الحانية الزاهدة الستيرة الراضية الرزينة الطاهرة العفيفة خفية الصوت الودودة الحليمة الرفيقة مَن ليست بالحنانة (1) أو المنانة (2) أو الأنانة (3) أو النقارة أو البراقة أو الخداعة أو الكذابة أو الحداقة (4) أو الشداقة (5) أو اللعوب أو المتفاكهة أو المتواكلة أو الكسولة أو المتهتكة أو العاهرة أو العصبية أو الخيالية أو العنيدة أو الساذجة ، ولا متمرضة ، ولا متشدقة ، ولا تفرط فى زينتها ، ولا مهملة لنفسها وجمالها .
هذا ولا حرج فى عرض الرجل ابنته أو أخته على من يرى فيه الصلاح ، فقد عرض شعيب إبنته على موسى عليهما السلام كما أخبر تعالى عنه قوله : (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) (القصص : 27) الآية .
وقد عرض الفاروق عمر t ابنته حفصة للزواج بعدما مات زوجها ، كما روى البخارى وغيره عن عمر بن الخطاب وقد تأيمت ابنته t يقول : "فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، قَالَ سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ، فَقَالَ : قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا ، قَالَ عُمَرُ : فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ : إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا(6) ، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ(7) مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ r فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا" (1) .
ولم يزل هذا الأمر منذ رسول اللهr ثم صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من بعده ، حتى سلّمه الصحابة إلى التابعين وتابعى التابعين ، فقد ذكرت كتب السير عن عبد الله بن وداعة قال : كنت أجالس سعيد بن المسيب فتفقدنى أياماً (2) ، فلما أتيته قال : أين كنت ؟ قلتُ : توفيت زوجتى فاشتغلت بها ، قال : هلا أخبرتنا فشهدناها ؟ قال : ثم أردت أن أقوم ، فقال : هل استحدثت امرأة ؟ فقلت : يرحمك الله تعالى ، ومن يزوجنى وما أملك إلا درهمين أو ثلاثاً ، فقال : أنا (3) ، فقلت : وتفعل ؟ ! قال : نعم ، فحمد الله تعالى وصلى على النبىr وزوجنى على درهمين أو قال : ثلاثة قال : فقمت وما أدرى ما أصنع من الفرح ، فعدت إلى منزلى وجعلت أفكر ممن آخذ ، ممن أستدين ، فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلى ، فأسرجت ، وكنتُ صائما ، فقدمت عشائى لأفطر ، وكان خبزاً وزيتاً ، وإذا بالباب يقرع ، فقلت : من هذا ؟ ، قال : سعيد ، قال : فكرت فى كل إنسان اسمه سعيد ، إلا سعيد بن المسيب ، وذلك أنه لم يمر أربعين سنة إلا بين داره والمسجد ، فخرجت إليه ، فإذا به سعيد بن المسيب ، فظنت أنه بدا له أى رجع عن رأيه فقلت : يا أبا محمد : لو أرسلت إلى ! لأتيتك ، فقال : لا ، أنت أحق أن تؤتى ، فقلت : ماذا تأمر ؟ فقال ، إنك رجلاً عزباً فتزوجتَ ، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك ، وهذه امرأتك ، وإذا هى قائمة خلفه فى طوله ، فدفعها فى الباب ورده .
قال : ثم دخلت بها ، فإذا هى من أجمل النساء وأحفظ الناس لكتاب الله تعالى وأعلمهم لسنة رسول الله r ، وأعرفهم بحق الزوج .
ولا حرج أيضاً فى عرض المرأة نفسها على من ترى فيه الزوج الصالح لها ،إذا أمنت الفتنة ، وكان الرجل صالحاً ورعاً ، كما كان من أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها وعرضها نفسها على النبى r.
وهنا نبه إلى التأنى فى اختيار زوجة المستقبل ، فلاتستحب العجلة دون انتقاء زوجة المستقبل ، فما هى المعاير والاس الموضوعة عند اختيار زوج وزوجة المستقبل .
أس اختيار الزوج :
أما الأس التى يجب على كل فتاة أن تضعها نصب عينيها عند قبول من يتقدم لخطبتها ، فأول هذه الشروط والأس والمعاير : الدين ، فإن صاحب الدين إذا احب المرأة أكرمها ، وإذا كرهها لم يظلمها .
قال تعالى : (وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (البقرة : 221) ، وقوله تعالى : (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) (النور : 26) ، وقال r : "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(1).
وقال النبى r لبنى بياضة : "أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه ، وكان حجاماً" (2) .
وعن ابن أبى حازم عن أبيه عن سهل قال : "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟ قَالُوا : حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ ، قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟ قَالُوا : حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ r هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا" (1) .
فالدين أختاه هو "الترمومتر" الذى تستطيعين به الحكم على الرجال ، وليس ما يملك من مال أو شهادات ، ولكن إن انضم إلى الدين المال أو المؤهل فبها ونعمت ، ولا يُقدم أبداً على صاحب الدين صاحب أحدث صيحة فى قص الشعر ! أو أحدث صيحة فى عالم الملابس ! ومن يحفظ الأغانى ولا يعى صدره آية من كتاب الله تعالى ، أو حديثاً من أحاديث النبىr ولا المتخنثين الذين عج بهم الطريق فلا تستطيع أن تفرق بين الفتى والفتاة من الملبس أو الشعر ! ولا صاحب الكلام المعسول ، "الدبور" الذى يتنقل بين الأزهار ليرتشف الرائحة من هذه وتلك ، ولا من يقف على باب مدرستك ينتظر خروجك لتنزها معاً خلسة عن الأهل ، ولا من ذاق طعم "القبلة" منك قبل أن تحلى له ، ولا من يضع "الاسطوانة" فى حديثك معه تليفونياُ ، الحذر الحذر أختاه من تلك الذئاب الضارية ، واعلمى أنه لن يستقيم بيت نال فيه الشاب ما أراده من فتاته قبل البناء بها ، فهو بين شقى رحى : الشك فيها أن تكون مع غيره كما كانت له قبل البناء ، وبين إذلالها بتسليمها نفسها له قبل أن تحل له ، فكونى على حذر أختاه ، وعليك بصاحب الدين الذى يريد أن يأخذ بيدك إلى ربك وإلى جنته .
فإن كان من حملة كتاب الله تعالى فيُقدم على غيره ، وان كان من أهل الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة فبها ونعمت ، فالدين هو الأساس الذى عليه تُبنى الحياة الزوجية السعيدة .
أن يكون مستطيعاً لتحمل نفقات الزواج لقولهr : "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (1) .
وكم من شاب "أحب فتاة" ، والتقت الأفكار بعد العيون ، وتناغمت الأنفاس تعزف أجمل ألحان الحب الذى لم يشهد العالم مثله ، وكم التقت الأحلام ، فيرى الشاب الحلم ، فيقصه على فتاته ، فتكمله هى ! كم فكَّر فى مكالمتها هاتفياً فيجد الهاتف قد "رنَّ" وكانت هى ! كم من قصص "الحب" قد نمت وترعرعت فى خيال كثير من الفتيات ، ثم إذا جاء الحديث عن الزواج كان سراباً وذهبت الأحلام أدراج الرياح ، وتحطمت على صخرة الواقع ، وأخذت معها ما أخذت من قصص المذلة وذهاب العفة والأدب والحياء ، ثم لم تعد .
أما قوله r لفاطمة بنت قيس : "أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ " (2) فهذا إذا تقدم للفتاة اثنين من أهل الدين والورع ، فيُقدم صاحب المال على الآخر ، ولا يُرفض صاحب الدين لقلة ماله .
ويستحب فيه أيضاً : أن يكون رفيقاً بالنساء لقولهr فى شأن أبى جهم : "أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ " (3) قالوا : أى كثير الضرب للنساء .
ويستحب فيه أن يكون جميل المنظر حسن الهيئة : حتى تُسر الفتاة عند رؤيته فلا تنفر منه .
أن يكون شاباً : فيُقدم على الشيخ العجوز ليحصل التناسب العقلى والعاطفى ، ولا حرج فى زواج الشيخ الكبير ممن تصغره ، فرب شيخ عجوز أفضل من مائة شاب .
أن يكون كفؤاً للفتاة : من حيث العمر ، والمستوى التعليمى والدين أولاً والعقلى ، والمادى ، والبدنى ، ونحو هذا .
(2) أخرجه البخارى (51958) ومسلم (21086) .
(1) كذا فطن أهل العلم من المسلمين منذ زمن إلى الآثار المترتبة على زواج الأقارب وحذروا منها ، حتى جاء العلم الحديث مؤيداً لمقالتهم وما ذهبوا إليه .
ويجدر بنا هنا التنبيه إلى خضوع الزوجين إلى الكشف قبل الزواج دفعاً لأية آثار جانبية قد تظهر بعد الزواج فى حالات بعينها .
(2) انظر فتح البارى (5136) بتصرف .
(1) أخرجه مسلم .
(2) تقدم .
(3) تقدم .
(1) أخرجه البخارى (51955) ومسلم (41959) .
(2) تقدم .
(3) أخرجه البخارى (51953) .
(1) فى أثناء كتابة هذه السطور يتعرض أحدهم لفسخ خطوبته الثالثة فى خلال عام واحد ، فبعد أن انهى علاقته بمخطوبته الأولى رغم كونها ذات دين وخلق ، ولا اعلم سبباً مقنعاً لديه لفسخ تلك الخطبة عرضت عليه أخته فتاة : لا تصلى ، متبرجة سافرة ، ولا أظن الأهل أصحاب صلاة ودين لبعض ما شهدته عندهم ، ثم إذا به يكتشف أنها على علاقة صداقة ! بشخص آخر ! فأنهى علاقته بها ، ولان البيت بيت لم تحطه سياج الدين والعفة والآداب الإسلامية ، فكان يجالس أختها ويمازحها ويضاحكها ، لما لا وهى أخت خطيبته والكل اخوات وحبايب !! ، "فوقع" فى حبها من "النظرة الأولى" ، وألقت الفتاة شباكها عليه ، حتى جاءنى يوماً ليقص على مدى تعلقه بها وحبه لها ، فحذرته أن يكون الإناء واحد ! وقلت له : اخشى عليك ان تكون تلك الفتاة قد رضعت من نفس الاناء فتكون كأختها ، فقال : لا لا ، إنها مختلفة تماماً عن اختها ، قلت له : ولكنها لا تصلى ، وأنت والحمد لله من أهل الصلاة ، فلا يغرنك منها معسول الكلام والأمل فى صلاتها ، قال بلسان الحال وكما يقول كثير من شبابنا الطيب : لعلى أكون سبباً فى "شدها" هدايتها إلى طريق ربها ، وبدلاً من أن تشدها أنت لأعلى تهوى هى بك لأسفل لعلى أكون سبباً فى التزامها بدبنها وصلاتها ، حتى فوجئت به منذ أيام قليلة ومع حلول شهر رمضان المبارك يكلمنى هاتفياً قائلاً : لقد أنهيت علاقتى بالفتاة واختها ! كيف يا أخى وقد كنتَ تهيم حباً بها ؟ قال : لقد اكتشفت علاقتها بأكثر من شاب ، والكل عنده رقم الهاتف والمواعيد والتنزه والخروج و .
(1) التى تحن إلى زوج آخر غير زوجها ، أو من تقارن بينه وبين غيره .
(2) كثيرة المن على زوجها بما فعلت .
(3) كثيرة الأنين والشكوى .
(4) التى تشتهى كل تقع عليه حدقتها ، فتكلف زوجها ما لا يطيق .
(5) المتشدقة فى كلامها المتقعرة فيه .
(6) أى لم يتكلم بشئ .
(7) أى أكثر وجداً وحزناً .
(1) أخرجه البخارى .
(2) أى فقدنى فى مجلسه ، وكان هذا من الآداب التى يتحلى بها أهل العلم ، وهو تفقدهم أهل مجالستهم ومعرفة حالهم .
(3) وكان لسعيد بن المسيب بنت قد خطبها الخليفة عبد الملك بن مروان لابنه الوليد فرفضه سعيد بن المسيب .
(1) صحيح : أخرجه الترمذى (1085) وابن ماجة (606-607) والحاكم (2164) .
(2) صحيح : أخرجه البيهقى (7136) .
(1) أخرجه البخارى (51958) .
(1) أخرجه البخارى (51950) ومسلم (21018) .
(2) أخرجه مسلم (21114) .
(3) السابق .