بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وضع لنا الأخ CoNaN ThE DeTeCtIvE
موضوعا عن تحريم الموسيقي فجزاه الله خيرا على الموضوع
لكني رأيت من بعض الأعضاء مازل يتردد أو يقول هناك اختلاف!!!!!
سبحان الله لقد نقل لكم الأخ الايات والأحاديث وأقوال العلماء والرد على بعض الشبه ثم بعد هذا كله يقولوا هناك اختلاف
فأريد ان أضيف لموضوعك نقل الإجماع على تحريم الموسيقي حتى لا يقول شخص هناك اختلاف نعم قد خالف في الأمر بعض أهل العلم لكن خلافهم غير مقبول لأنه غير معتبر وقد خالفوا الأجماع!!!!
الإجماعات
الإجماعان الأول والثاني:
سيأتي ذكرهما في الآخر؛ لأن الكلام عليهما سيطول.
الإجماع الثالث: نَقَلَهُ الإمام ابن جرير الطبري (وُلد 224ه):
قال الإمام ابن جرير الطبري في كتابه «تهذيب الآثار»: (النبي صلى الله عليه و سلم أمر عليا بكسر الصنم .. فإذا كان أمر النبي صلى الله عليه و سلم عليا بكسره وتغييره عن هيئته المكروهة التي يُعصى الله به من أجلها .. فمعلوم أن ما ذكرت من الطنابير والعيدان والمزامير، وما أشبه ذلك من الأشياء التي يعصى الله باللهو بها، أولى وألزم للمرء المسلم تغييرها عن هيئتها المكروهة التي يعصى الله بها..، وبنحو الذي قلنا في ذلك وردت الآثار عن السلف الماضين من علماء الأمة، وعمل به التابعون لهم بإحسان .. حدثنا ابن بشار .. عن إبراهيم، قال:- كان أصحاب عبد الله يستقبلون الجواري معهن الدفوف في الطرق فيخرقونها-) .. انتهى
وخبر خرق الدفوف ذكره الشيخ الألباني، وقال: (رواها ابن أبي شيبة أيضاً بسند صحيح) ([1]) .. انتهى.
الإجماع الرابع: نقله الإمام أبو بكر الآجري (ولد نحو 280ه):
قال الإمام أبو بكر الآجري في مقدمة كتابه (تحريم النرد والشطرنج): (أما بعد: فإن سائلاً سأل عن هذه الملاهي التي يلهو بها كثير من الناس ويُلعب بها، مثل: النرد والشطرنج والزمارة والصفارة والصنج والطبل والعود والطنبور .. الجواب وبالله التوفيق: جميعُ ما سأل عنه السائل والعمل به والعب به باطل وحرام العمل به، وحرام استماعه بدليل من كتاب الله عز وجل، وسن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وقول الصحابة رضي الله عنهم).. انتهى
وقال الحافظ ابن رجب: (سماع آلات الملاهي كلها، وكلٌ منها مُحَرَّمٌ بانفراده. وقد حكى أبو بكر الآجري وغيره إجماع العلماء على ذلك) ([2]). انتهى
الإجماع الخامس: نقله الإمام أبو الطَّيب الطَّبري (ولد 348ه):
قال الحافظ ابن رجب: (وقد صنف القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي رحمه الله مصنفاً في ذم السماع وافتتحه بأقوال العلماء في ذمه .. ثم ذكر بعد ذلك قول فقهاء الأمصار، ثم قال: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهته والمنع منه .. فأما سماع آلات اللهو فلم يَحْكِ في تحريمه خِلافاً، وقال: إن استباحتها فسق) ([3]). انتهى
وقال الإمام ابن القيم: (قال القاضي أبو الطيب: .. وأمّا العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام ومستمعه فاسق واتِّباع الجماعة أولى) ([4]). انتهى
الإجماع السادس: نقله الإمام أبو الفتح سليم الرازي (ولد قريباً من 360ه):
قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي: (وممن نقل الإجماع على ذلك أيضاً –أي على تحريم المعازف- إمام أصحابنا المتأخرين: أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي، فإنه قال في تقريبه بعد أن أورد حديثاً في تحريم الكوبة: «وفيه حديث آخر: «إن الله يغفر لكل مذنب إلا صاحب عرطبة أو كوبة». والعرطبة: العود، ومع هذا فإنه إجماع) ([5]). انتهى
قلت: ولا نحتاج إلى الكلام على سند الحديث الذي ذكره، إنما يهمنا هنا أن الإمام أبا الفتح سليم الرازي قد صرَّح بالإجماع على تحريم آلة موسيقية.
الإجماع السابع: نقله الإمام البغوي، الحسين بن مسعود (ولد 436ه):
قال الإمام البغوي في كتابه (شرح السنة): (واتفقوا على تحريم المزامير والملاهي والمعازف) ([6]). انتهى
الإجماع الثامن: نقله الإمام جمال الإسلام ابن البرزي (ولد 471ه):
قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي: (وقال الإمام جمال الإسلام ابن البزري – بكسر الباء، نسبة لبزر الكتان-: الشبابة زمر لا محالة حرام بالنص، ويجب إنكارها ويحرم استماعها، ولم يقل العلماء المتقدمون، ولا أحد منهم بحلها وجواز استعمالها) ([7]). انتهى
الإجماع التاسع: نقله الإمام ابن أبي عصرون، عبد الله التميمي (ولد 492ه):
قال ابن أبي عصرون في الشبابة: (الصواب تحريمها، بل هي أجدر بالتحريم من سائر المزامير المتفق على تحريمها؛ لشدة طربها). انتهى
الإجماع العاشر: نقله الإمام ابن قدامة، عبد الله المقدسي (ولد 541ه):
قال الإمام ابن قدامة: (آلة اللهو كالطنبور، والمزمار .. آلة للمعصية بالإجماع) ([1]).انتهى
الإجماع الحادي عشر: نقله الإمام الرافعي، عبد الكريم بن محمد (ولد 555ه):
قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي: (قال الرافعي في «العزيز»، والنوي في «الروضة»: المزمار العراقي وما يضرب به مع الأوتار حرام بلا خلاف) ([9]). انتهى
الإجماع الثاني عشر: نقله الإمام ابن الصلاح، أبو عمرو (ولد 577ه):
قال الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح: (فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين ولم يثبت عن أحد ممن يُعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع) ([10]). انتهى
الإجماع الثالث عشر: نقله الإمام أبو العباس القرطبي (ولد 578ه):
قال الإمام أبو العباس القرطبي: (أما المزامير والأوتار والكوبة – وهو طبل طويل ضيق الوسط .. فلا يختلف في تحريم سماعه، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك) ([11]). انتهى.
الإجماع الرابع عشر: نقله الإمام محي الدين النوي (ولد 631ه):
قال الإمام النوي في كتابه (روضة الطالبين وعمدة المفتين): (المزمار العراقي وما يضرب به الأوتار حرام بل خلاف) ([12]). انتهى
الإجماع الخامس عشر: نقله الإمام ابن تيمية (ولد 631ه):
قال الإمام ابن تيمية: (وكل ما كان من العين أو التأليف –أي التركيب- المحرم فإزالته وتغييره متفق عليها بين المسلمين، مثل إراقة خمر المسلم، وتفكيك آلات الملاهي) ([13]). انتهى.
وقال الإمام ابن تيمية أيضاً: (فدلَّ هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها، ولهذا قال الفقهاء: إن من أتلفها فلا ضمان عليه إذا أزال التالف المحرَّم) ([14]). انتهى.
وقال الإمام ابن تيمية أيضا: (إتلاف الآلة التي يقوم بها صورة التأليف المحرم وهي آلات اللهو؛ فإن هذه العقوبات المالية ثابتة بالسنة وسيرة الخلفاء) ([15]).
الإجماع السادس عشر: نقله الإمام ابن القيم (ولد 691ه):
قال الإمام ابن القيم: (أصوات المعازف التي صح عن النبي تحريمها، وأن في أمته من سيستحلها بأصح إسناد، وأجمع أهل العلم على تحريم بعضها، وقال جمهورهم: بتحريم جملتها) ([16]). انتهى.
قلت: فهذه النقول تبين لك أخي القارئ أنه قد أجمع أهل العلم على تحريم المعازف من حيث الجملة، لكن اختلفوا فيما يُستثنى من ذلك، حيث استثنى البعض ضرب الدف عند قدوم الغائب أو للقادم من الجهاد، بينما جزم الباقون بتحريمه، كذلك استثنى البعض ضرب الدف في العيد والنكاح للرجال، بينما جزم الباقون بتحريمه لأن استثناء الدف في العيد والنكاح خاص بالنساء فقط.
الإجماع السابع عشر: نقله الإمام شهاب الدين الأذرعي (ولد 708ه):
قال الإمام شهاب الدين الأذرعي – فيمن يصفر بالشبابة على القانون المعروف -: (فهي حرام مطلقاً، بل هي أجدر بالتحريم من سائر المزامير المتفق على تحريمها) ([17]). انتهى.
الإجماع الثامن عشر: نقله الحافظ ابن رجب (ولد 736ه):
قال الحافظ ابن رجب: (سماع آلات الملاهي .. لا يُعرف عن أحد ممن سف الرخصة فيها، إنما يُعرف ذلك عن بعض المتأخرين من الظاهرية والصوفية ممن لا يعتد به) ([18]). انتهى.
وقال الحافظ ابن رجب في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري): (وأما استماع آلات الملاهي المطربة المتلقاة من وضع الأعاجم، فمحرَّمٌ مجمعٌ على تحريمه، ولا يُعلم عن أحد منه الرخصة في شيء من ذلك، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يُعتد به فقد كذب وافترى). انتهى.
وقال الحافظ ابن رجب أيضاً: (سماع آلات الملاهي كلها، وكل منها محرم بانفراده. وقد حكى أبو بكر الآجري وغيره إجماع العلماء على ذلك) ([19]). انتهى
الإجماع التاسع عشر: نقله حافظ الدين محمد البزازي الكردي (ولد 827ه):
قال الإمام ابن نجيم –من كبار فقهاء الحنفية-: (ونقل البزازي في المناقب الإجماع على حرمة الغناء إذا كان على آلة كالعود) ([20]). انتهى.
الإجماع العشرون: نقله شهاب الدين ابن حجر الهيتمي (ولد 909ه):
قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي: (الأوتار والمعازف كالطنبور والعود والصنج، أي ذي الأوتار، والرباب والجنك والكمنجة والسنطير والدريج وغير ذلك .. هذه كلها محرمة بلا خلاف ، ومن حكى فيها خلافاً فقد غلط عليه هواه حتى أصمَّه وأعماه، ومنعه هداه، وزل به عن سن تقواه .. وممن حكى الإجماع على تحريم ذلك كله الإمام أبو العباس القرطبي، وهو الثقة العدل) ([21]). انتهى
وفيما يلي نقل لكم الإجماعين الأول والثاني:
الإجماع الأول: نقله وأقره أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين: عمر بن عبد العزيز:
روى الإمام النسائي في سنه (رقم: 4135)، قال: (أخبرنا عمرو بن يحيى، قال حدَّثنا محبوب –يعني ابن موسى-، قال أنبأنا أبو إسحق –وهو الفزاري- عن الأوزاعي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد كتاباً فيه: .. «وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمَّتك جمّة السوء»).
وهذا إسناد صحيح، لأن رواته ثقات، والإسناد متصل، وبيانه كما يلي:
1/ عمرو بن يحيى: ثقة.
2/ محبوب بن موسى: ثقة.
3/ أبو إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد: ثقة حافظ.
4/ الإمام الأوزاعي، هو عبد الرحمن بن عمرو: إمام ثقة حافظ.
5/ عمر بن عبد العزيز، هو خامس الخلفاء الراشدين:
قال الإمام الذهبي: (عمر بن عبد العزيز .. الإمام، الحافظ، العلامة، المجتهد، الزاهد، العابد، السيد، أمير المؤمنين حقاً، .. الخليفة،الزاهد، الراشد..
حدَّث عن: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (الصحابي)، والسّائب بن يزيد (الصحابي)، وسهل بن سعد (الصحابي)، واستوهب منه قدحاً شرب منه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأم بأنس بن مالك، فقال: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله –صلى الله عليه وسلم- من هذا الفتى .. وكان من أئمة الاجتهاد، ومن الخلفاء الراشدين .. وكان إمام عدل –رحمه الله، ورضي عنه) ([22]). انتهى.
والخلاصة: أن الإسناد صحيح، بفضل الله تعالى.
وقال الشيخ الألباني: (أخرجه النسائي .. بسند صحيح) ([23]). انتهى.
وهذا فيه إجماعان قطعيان على تحريم الموسيقى:
الإجماع الأول: هو ما أخبر به أمير المؤمنين، وخامس الخلفاء الراشدين: عمر بن عبد العزيز، وهذا هو صريح قوله: (وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام).
فهذا إخبار صريح بأن المعازف لم يُظهرها أحد في عهد النبي صلى الله عليه و سلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة، وهكذا إلى زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز.
فهذا هو صريح قوله: (وإظهارك المعازف بدعة في الإسلام).
وعمر بن عبد العزيز قد أدرك عدداً من الصحابة –ذكرهم الإمام الذهبي-، وقد صلَّى خلفه الصحابي أنس بن مالك –رضي الله عنه-، أي أن الإمام في الصلاة كان هو عمر بن عبد العزيز.
وهنا نسأل سؤالين غاية في الأهمية:
السؤال الأول: ما هو حكم المعازف الذي عَلِمَه أمير المؤمنين من الصحابة رضي الله عنهم؟
الجواب: يتضح من قوله: (وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام).
السؤال الثاني: وما حكم هذه البدعة التي لم تكن موجودة قبل عهده؟
الجواب: يتضح من قوله: (ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمَّتك جُمّة السّوءِ).
وإليكم تصريحات أئمة اللغة بتعريف البدعة:
1/ جاء في كتاب (العين) ، (باب العين والدال والباء): (البِدْعةُ: ما استحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من أهواء وأعمال). انتهى.
2/ وجاء في (تهذيب اللغة): (كلٌ من أنشأ مالم يُسْبَقْ إليه قيل له: أبدعت. ولهذا قيل لمن خالف السنة: مُبتدع. لأنه أحدث في الإسلام مالم يسبقه إليه السَّلف. وروى عن النبي صلى الله عليه و سلم بإسناد صحيح أنه قال: إياكم ومُحدثات الأمور، فإن كل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) ([24]). انتهى.
3/ وجاء أيضاً في (تهذيب اللغة) للأزهري: (ومحدثات الأمور: ما ابتدعه أهل الأهواء من الأشياء التي كان السلف الصالح على غيرها وقال صلى الله عليه و سلم : «كل محدثٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة»)([25]). انتهى.
4/ وجاء في (المخصص في اللغة): (قيل «بدعة» للأمر المختلق الذي لم تجر به عادةٌ ولا سنة) ([26]). انتهى.
5/ وجاء أيضاً في مرجع (المخصص في اللغة): (البِدْع: الشيء الذي يكون أولاً. و «لستُ بِدْعٍ في كذا» أي: لَسْتُ بأول من أصاب هذا .. والبِدْعة: ما ابتُدع من الأديان والآراء والأهواء). انتهى.
6/ وجاء في (جمهرة اللغة) لابن دريد: (بدعت الشيء، إذا أنشأته .. وكُلٌّ من أحدث شيئاً فقد ابتدعه، والاسم: البِدعة). انتهى من مادة (ب – د – ع).
وفيه أيضاً: (ويقال: جاء الرجل بدعة، إذا جاء بأمر مُنكَر). انتهى من باب (الباب والدال).
7/ وجاء في (لسان العرب): (بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه: أنشأه وبدأه ..، والبِدع: الشيء الذي يكون أولاً .. ، وكل محدثة بدعة: إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة) ([27]). انتهى.
8/ وجاء في (الفروق اللغوية)، لأبي هلال العسكري: (الابتداع إيجاد ما لم يسبق إلى مثله) ([28]). انتهى
والخلاصة:
أنه يتضح بذلك أن أمير المؤمنين أنكر إظهار المعازف لِما في ذلك من مخالفة إجماع السابقين على كون المعازف من المنكرات التي حرَّمها الشرع.
قال إمام الحرمين الجويني: (قد علمنا قطعاً انتشار احتجاج السلف في الحث على موافقة الأمة واتباعها والزجر على مخالفتها .. وما أبدع مبدع في العصر الخالية بدعة إلا وبخه علماء عصره على ترك الاتباع وإيثار الابتداع .. وهذا ما لا سبيل إلى جحده، وقد تحقق ذلك في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم) ([29]). انتهى
وقال الإمام ابن برهان –من كبار علماء أصول الفقه – في كتابه (الوصول إلى علم الأصول): (رأينا السابقين من السلف الصالحين يعظمون النكير ويشدون النفير على من خالف إجماع الأمة قبله .. ومثل هذا لا يتفق الناس عليه إلا من توقيف رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكانت الحجة لازمة) ([30]). انتهى.
الإجماع الثاني:
وقع في عهدي عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، وهو أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز قد صرَّح بأن إظهار المعازف بدعة منكرة يستحق فاعلها العقاب الشديد، حيث قال: (ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جُمة السوء).
والجُمة: مجتمع شعر الرأس. «الصحاح في اللغة»، مادة (جمم).
والجز: معناه: القطع. انظر: القاموس المحيط، فصل الجيم، لسان العرب، (جز)
وقوله (يجز جُمتك): معناه يقطع مجتمع شعر رأسك.
وقد أقرَّه على ذلك إمام أهل عصره، وفقيه الشام: الإمام الأوزاعي.
إذ كان الأوزاعي أعلم أهل عصره بالسنة، فلو كان قول عمر غير صحيح –لكان أنكره وما حدَّث به.
فالإمام الأوزاعي حدَّث بخبر عمر بن عبد العزيز ولم ينكره، وقد كان الأوزاعي شديداً في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم.
قال الإمام الذهبي: (قد كان عبد الله بن علي ملكاً جباراً، سفاكاً للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق ما ترى، لا كخلق من علماء السوء الذي يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسف، ويقلبون لهم الباطل حقاً –قاتلهم الله- أو يسكنون مع القدرة على بيان الحق) ([31]). انتهى
وقال الإمام الذهبي أيضاً: (الأوزاعي .. شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام .. كان مولده: في حياة الصحابة .. قال إسماعيل بن عياش: سمعت الناس في سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة .. ، عن مالك، قال: الأوزاعي إمام يقتدى به ..، وكان له مذهب مستقل مشهور، عمل به فقهاء الشام مدة، وفقهاء الأندلس) ([32]). انتهى.
وقال الحافظ المزي: (أبو عمرو الأوزاعي إمام أهل الشام في زمانه في الحديث والفقه .. وقال أبو عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي: ما كان بالشام أحدٌ أعلم بالسنة من الأوزاعي .. وقال أبو حاتم: إمام مُتَّبع لما سمع)([33]).
فالإمام الأوزاعي مُتَّبع لما سمعه عن عمر.
وأقرَّهما على ذلك الإمام مالك؛ وسيأتي تصريح الإمام مالك بعدم جواز المعازف.
قال الإمام أبو يعلى الخليلي في (الإرشاد في معرفة علماء الحديث): (أبو عمرو الأوزاعي إمام بلا مدافعة، ورعا، وعلما، رُئي بمكة يركب ومالك بن أنس آخذ بركابه، وسفيان الثوري يقوده، أجاب عن ثمانين ألف مسألة من الفقه من حفظه). انتهى.
وقال الإمام الذهبي: (ولقد كان مذهب الأوزاعي ظاهراً بالأندلس إلى حدود العشرين ومائتين، .. وكان مذهب الأوزاعي أيضاً مشهوراً بدمشق إلى حدود الأربعين وثلاثمائة. وكان القاضي أبو الحسن بن حذلم له حلقة بجامع دمشق ينتصر فيها لمذهب الأوزاعي) ([34]). انتهى.
قلت: فلو كان الإمام الأوزاعي أنكر قول عمر بن عبد العزيز: لاشتهر ذلك عنه بلا شك.
قلت: وأقرهم على ذلك أيضاً الإمام أبو إسحاق الفزاري، فهو الذي روى هذا الأثر عن الإمام الأوزاعي، ولم يُنكره. فقد كان أبو إسحاق لا يخشى في الله لومة لائم.
قال الإمام الذهبي: (أبو إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد الإمام الكبير، الحافظ، المجاهد .. وكان من أئمة الحديث ..، حدث عنه: الأوزاعي والثوري –وهما من شيوخه- وابن المبارك ..، ذكره أبو حاتم فقال: الثقة المأمون الإمام. وقال النسائي: ثقة مأمون أحد الأئمة.
قال الخليلي: قال الحميدي: قال لي الشافعي: لم يُصنِّف أحدٌ في السير مثل كتاب أبي إسحاق.
وقال أبو حاتم: اتفق العلماء على أنَّ أبا إسحاق الفزاري إمام يقتدى به، بلا مدافعة.. وقال أحمد العجلي: كان ثقة، صاحب سُنة، صالحاً، هو الذي أدب أهل الثغر، وعلَّمهم السنة، وكان يأمر وينهى، وإذا دخلالثغر رجل مبتدع، أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه. أمر سلطانا ونهاه، فضربه مائتي سوط، فغضب له الأوزاعي .. ويروى: أن هارون الرشيد أخذ زنديقاً ليقتله، فقال الرجل: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري، وابن المبارك يتخلَّلانِها، فيخرجانها حرفاً حرفاً..
قال علي بن بكار الزاهد: رأيتُ ابن عون فمن بعده، ما رأيت فيهم أفقه من أبي إسحاق الفزاري ..، قال ابن مهديِّ: كان الأوزاعي والفزاري إمامين في السنة) ([35]). انتهى.
قلتُ: هذا هو الإمام أبو إسحاق الفزاري الذي حدَّث بقول عمر بن عبد العزيز، فلو كان يُنكره: لكان صرحَّ بذلك، ولكنه كان إماماً في السُّنّةِ، وإماماً في الحديث، وإماما فيالفقه.
فدلَّ ذلك على اتفاقهم على صحة قول عمر بن عبد العزيز.
ونعلمُ قطعاً أن مسألة المعازف هي من المسائل التي يكثر الخوض والكلام فيها على مر الزمان، فكان اتفاقهم هذا إجماعاً قطعياً تحرم مخالفته، كما صرَّح به كبار الأئمة.
وقد تقدم تفصيل ذلك في كتابنا هذا. فمن شاء فليراجع تصريحاتهم هذه في هذا الكتاب: (الباب الأول/ القواعد الأصولية/ القاعدة الثامنة/ المطلب الخامس).
( [1] ) تحريم آلات الطرب ص 103.
( [2] ) نزهة الأسماع في مسألة السماع (ص 25)
( [3] ) نزهة الأسماع (ص 62-64).
( [4] ) إغاثة اللهفان (1/230).
( [5] ) كف الرعاع (ص 124).
( [6] )شرح السنة (12/ 383).
( [7] ) كف الرعاع (ص 114).
( [8] ) المغني (9/115).
( [9] ) كف الرعاع (ص 122).
( [10] ) فتاوى ابن الصلاح (ص 300).
( [11] ) كشف القناع عن حكم الوجد والسماع (ص 72).
( [12] ) روضة الطالبين وعمدة المفتين (8/205- 206).
( [13] ) مجموع الفتاوى (28/118).
( [14] ) مجموع الفتاوى (11/535).
( [15] ) مجموع الفتاوى (29/ 224).
( [16] ) مدارج السالكين (1/491).
( [17] ) كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع (ص 120).
( [18] ) نزهة الأسماع في مسألة السماع ، (ص60).
( [19] ) نزهة الأسماع في مسألة السماع (ص 25).
( [20] ) البحر الرائق: (7/89).
( [21] )كف الرعاع ص 124
( [22] ) سير أعلام النبلاء (5/115).
( [23] )تحريم آلات الطرب (ص 120).
( [24] ) تهذيب اللغة، مادة (ب د ع).
( [25] ) تهذيب اللغة، مادة (حدث).
( [26] ) المخصص، اشتقاق أسماء الله عز وجل.
( [27] ) لسان العرب، مادة (ب د ع).
( [28] ) الفروق اللغوية، الفرق بين الاختراع والابتداع.
( [29] ) التلخيص في أصول الفقه (ص 375).
( [30] ) الوصول إلى علم الأصول (2/75).
( [31] ) سير أعلام النبلاء (7/126).
( [32] ) سير أعلام النبلاء (7/108-126).
( [33] ) تهذيب الكمال (17/307).
( [34] ) تاريخ الإسلام (أحداث سنة ستين ومائة).
منقول
إذا يا إخواني عشرون عالما ينقل لنا الإجماع وبعد كل هذا نخالف
لا حول ولا قوة إلا بالله