التصنيفات
التعامل مع الزوج و العلاقة الزوجية

القوامة بين تعسف الرجل وتمرد المرأة.


تُعَدُّ قضية القوامة من أكثر القضايا المثيرة للجدل والنقاش في وقتنا هذا، وقد تَحَدَّث فيها الكثيرون، وبَيَّنُوا معناها من كافة النواحي، ولكن هناك الكثير من الرجال يسيء استعمال القوامة بمعناها الصحيح الذي وضحه الشرع، فيتعسف في استخدامها وكأنها سيف مسلط على رقبة المرأة، يعوقها عن الحركة، ويدميها إذا فعلت، وكأنه فهم أن القوامة إلغاء لشخصية المرأة وكيانها وعقلها ورأيها، فلا يبقى منها سوى القيام بخدمته ومتعته وإنجاب الأطفال. ومع طغيان هذه الأفكار على معظم الرجال في العالم كله، وفي مجتمعنا العربي بوجه خاص، كانت الشرارة التي أذكت نار الحركات النسائية، ودعاوى تحرير المرأة، ومناداتها بالمساواة مع الرجل، وإنصافها من ظلمه لها!
واندفعت الكثير من النساء وراء هذه الدعاوى، وبالفعل تمردت كثيرات منهن على أفعال الرجل وسوء فهمه للقوامة، وإساءة استعمالها مع زوجته، وقرَّرْنَ لذلك الخروج من بوتقة تحكم الرجل فيهن لمجرد كونه رجلاً، حتى وإن كان لا يمتلك مؤهلات القوامة.

ومن صور إساءة استعمال القوامة أشارت الدراسات إلى أن 20 إلى 60 % من النساء في الدول النامية تعرضن للضرب داخل الأسرة، وأن 35 % من المصريات المتزوجات تَعَرَّضْنَ للضرب من قبل أزواجهن، و69% من الزوجات يتعرضن للضرب في حالة عدم الاستجابة لطلبات الزوج، أو الرد عليه بلهجةٍ لا تعجبه، أو تدخل الزوجة برأيها في شئونه أو شئون المنزل.
و40 % من حالات الطلاق وقعت نتيجة ضرب الزوج لزوجته، وتشير الدراسات الاجتماعية في مصر إلى أن معظم أسباب ضرب الزوجات اقتصادية، وتتعلق بالضغط النفسي الناتج عن صعوبة المعيشة، أما في الدول العربية الأفضل حالاً فتعود أسباب الضرب إلى اعتقاد راسخ لدى الأزواج بضرورة التأديب المستمر للمرأة، والسيطرة عليها؛ لأنه هو الرجل والقوام عليها!

وفي مقابل ذلك، ومع استمرار عنف الأزواج وإساءة استعمالهم القوامة، ظهر رد الفعل العنيف من الزوجات، فقد أكدت دراسة حديثة أعدها المركز القومي للبحوث في مصر أن 20 % من الزوجات يَضْرِبْنَ أزواجهن لأسباب تعود إما لضعف الزوج أو لتهوره وعصبيته، ومقابلة الضرب بالضرب، وأن 45 % من ارتكاب الجرائم ضد الأزواج يرجع إلى تسلط الزوج وتحكمه، والضرب المستمر للزوجة، ومحاولته الضغط عليها، وتهميش دورها، وعدم احترامها، وقد قرأنا عن العديد من الجرائم البشعة التي ارتكبتها زوجات للتخلص من أزواجهن؛ لإيذائهم المستمر لهن.
وبين تعسف الرجل في تطبيقه لحقه الشرعي في القوامة، وتمرد المرأة ورفضها لهذا التعسف، تفككت الكثير من الأسر، واختلت موازين العلاقة الزوجية الصحيحة؛ لابتعاد الناس عن المنهج الرباني الذي ينظم تلك العلاقة، ومن ثَمَّ كانت هناك ضرورة لإعادة فهم كلٍّ من الزوجين للمعنى الصحيح للقوامة.

رجل البيت:

محمد عزت متزوج منذ 15 سنة يقول: نعم، يجب أن أكون رجل البيت، وكلمتي هي المسموعة من الزوجة والأبناء، ولا أطيق الزوجة التي تناقش وتحاور زوجها في كل صغيرة وكبيرة؛ لذلك تزوجت من إحدى قريباتي، وهى ريفية بسيطة، ليس لديها سوى نعم وحاضر، وهذا ما أريده، ومن حقي، طالما أنني أنا الذي ينفق على البيت، ويكدح من أجل توفير مطالبهم.

لا للدكتوراه:

علي مهندس يقول: زوجتي طموحة جداً، كانت تعمل وتدرس قبل الزواج، ولم أمانع في البداية، ولكن بعد ذلك لم ترغب في الإنجاب حتى تواصل دراستها العليا، وطبعاً رفضت ذلك، وبدأت تتغير معي وتشعر بالنِّدِّية تجاهي، وتتعالى عليّ بشهادتها وعلمها؛ لأني لم أكمل الدراسات العليا مثلها، واكتفيت بعملي!
ولما زادت الخلافات بيننا وصلنا إلى نهاية لم أكن أرغبها، لولا عناد زوجتي وغرورها، وشعورها بالمساواة معي في كل شيء، ولا يوجد مبرر كي أكون أفضل منها، ويجب أن أسمع كلامها كما تسمع هي كلامي!! وحدث الطلاق من مدة، ثم بحثت عن زوجة أخرى تقدر الحياة الزوجية، وترغب في الاستقرار، وتحب الأطفال، وتفهم دورها ودور زوجها في الحياة.
جمعة محمد 40 سنة لا يتعامل مع زوجته إلا بالضرب- كما يقول-، فهي لا تستحق سوى هذا؛ حتى لا تخرج عن طوعه، فالشرع أعطى الرجل الحق في ذلك؛ حتى يؤدب زوجته، وتظل في طاعته وخدمته طول العمر.
تقول إحسان ع: أنا موظفة منذ 30 سنة، وبعد الزواج والمسئولية بدأت أساهم في نفقات البيت، وفي السنوات الأخيرة بدأ زوجي يماطل في مصروف البيت، و يطلب مني كل المرتب، ولا يحق لي أن أتصرف فيه، فهو الرجل، ويجب أن أطيعه في كل شيء، وإلا أصبحت ناشزا، وهو له حق القوامة، حتى ولو لم ينفق على أسرته!

فتاة متمردة:

أسماء عبد الله تقول: أبلغ 37 سنة، ولم أتزوج بإرادتي؛ لأني لا أرغب، ولا أتحمل أن يتحكم في رجل أيًّا كان، ولكثرة ما أشاهد في زيجات الآخرين من حولي من فشل وانهيار للأسرة، ودائما الأبناء هم الضحية. ولا يعود الأمر لهذا السبب فقط؛ بل لأني لم أرى والدي مرة يضحك في وجوهنا نحن وأمي، ولا يطلب حاجاته سوى بالصوت العالي، ومن يتأخر عن تنفيذ أوامره لا يجد إلا الضرب والإهانة. وكانت والدتي تتحمل وتصبر من أجلنا، وتقول: إنه الرجل، ويحق له أن يفعل ما يشاء، وعلى الزوجة أن تتحمل زوجها في كل الأحوال، وتطيعه دوماً وبلا مناقشة، حتى وإن كان يذيقها كل أصناف العذاب.

تكليف أم تشريف:

يقول د. أحمد الشحات موسى- أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر: إن الله – عز وجل – خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني، يشتركان في عمارة الكون بالعبودية، فلا فرق بينهما في عموم الدين والتوحيد والاعتقاد وحقائق الإيمان والثواب والعقاب، وفي عموم التشريع في الحقوق والواجبات كافة، قال – تعالى -: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل 97) فالإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في العمل الدنيوي والحساب الأخروي، وجعل كلًّا منهما له دوره في تكوين الأسرة المسلمة، وتنمية المجتمع، والنهوض به، وكذلك في الدعوة إلى الله – عز وجل -، قال – تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله – إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 71.

وعندما أوجب الإسلام الاختلاف والتفاوت بين الرجل والمرأة في بعض العبادات وأحكام التشريع، لم يكن لميزة في الرجل عن المرأة، ولا للتقليل من شأن المرأة وقيمتها، وإنما لحكمة في ذلك تتمشى مع دور كُلٍّ منهما وخصائصه التي خلقها المولى- تبارك وتعالى -فيه، وللفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالرجل به من الْمُقَوِّمات الجسدية والعقلية ما يؤهله للقيام بشئون الأسرة، والجد في طلب الرزق، وتحمل الصعاب والمشاق في سبيل توفير عيشة كريمة لأهله، والمرأة بها من المقومات التي تؤهلها للحمل والإنجاب، وتربية الأبناء، والعطف عليهم، وتحمل تعبهم لأقصى مدى، دون شكوى أو ضجر، ولا يمكن أن يكون لأحدهما دور الآخر. ومن ثم كانت هذه الشركة الطيبة بين الزوجين، وتكونت مؤسسة الزواج، وأي مؤسسة لابد لها من رئيس يحكمها، ويدير شئونها، ويقوم عليها، ويتولى رعاية من فيها، وكانت هذه القوامة للرجل كما بَيَّنَهَا الشرع، قال – تعالى -: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) النساء 34.
وهي كما توضح الآية مرتبطة بشقين؛ الأول: المؤهلات الفطرية التي وهبها الله – عز وجل – للرجال والتي تختلف عن النساء، وكذلك إلزامهم بالْجُمَعِ والجماعات والجهاد والولاية والقضاء، وأنّ الطلاق بيده، وغيرها من الأمور، وهو ما ذهب إليه العلماء والمفسرون في تحديد معنى التفضيل المذكور بالآية. والشق الآخر كسبي، وهو الإلزام بدفع المهور والنفقة على البيت.

ويضيف د. أحمد: إن على الزوج أن يفهم المعنى من الآية، وألّا يسيء استخدامها؛ فهي مسئولية وتكليف قبل أن تصبح حقًّاً وتشريفًا له، فالقوامة تعنى القيام على أمر الزوجة والأبناء، ورعاية مصالحهم، والاهتمام بشئونهم. وفي المقابل يجد الزوج من زوجته الطاعة والاهتمام وحُسْن الخلق الذي ينبغي أن يسود بينهما. ومع الفهم الخاطئ والتطبيق السيئ للقوامة نشط أعداء الإسلام في تأليب الزوجات على أزواجهن، وضرورة التمرد عليهم، معللين ذلك بقوله – تعالى -: (وَاضْرِبُوهُنَّ). ولكن الآية أشارت إلى أن الزوجة الصالحة تكون قانتة، والقنوت هنا يعنى الطاعة في غير معصية لله – عز وجل -، أما إذا خاف الزوج من نشوز زوجته فله أن يُقَوِّمَ ذلك حفاظًا على الأسرة، ويكون ذلك بالتدريج، فيبدأ بالوعظ، ثم الهجر في الفراش وهو أشد، فإذا لم ينصلح حالها يضربها، ولذلك ضوابط، فلا يوجعها، أو يضربها في أماكن تؤذيها، ولا يستخدم شيئاً غليظاً، وقد أشار الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – إلى وكزها بالسواك فقط، وليس الضرب كما يفهمه الأزواج الآن!

مفاتيح القلوب:

هل تحقق قوامة الرجل على المرأة الصحة النفسية لكليهما؟
سؤال أجاب عليه د. حمدي يس -أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس- حيث قال: نعم إن قوامة الرجل على المرأة تعني الكثير، وحاجة كل منهما إلى الآخر كبيرة، والزواج من أسمى العلاقات الإنسانية التي يتحقق في ظلالها الإشباع الحسي والنفسي، المادي والمعنوي، والاستقرار العاطفي الذي يتحقق به استقرار المجتمع وصلاحه.
والقوامة هي أن يكون الزوج رجلًا بمعنى الكلمة، والرجولة هنا لا تعني النوع، إنما المقصود منها الأفعال والتصرفات، والفهم العميق لنفسية المرأة وطبيعتها، والاختلاف الفسيولوجي الطبيعي بينها وبينه، فيحسن معاملتها، ويقدر مشاعرها، ويحتويها عند حاجتها إليه. فالله – عز وجل – قال في آية القوامة: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) ولم يقل الذكور، حتى يفهم الجميع المعنى الحقيقي لها.

وإذا نظرنا إلى الاختلاف بين الرجل والمرأة سنعرف لماذا تولى الرجل قيادة سفينة الحياة الزوجية، ولا يعني هذا أن المرأة غير صالحة للقيادة، ولكن الأصلح في أن تكون بجوار القائد- وهو الزوج-، ولا يجب أن يحدث تنازع وخلاف على القيادة، حتى لا تختل الدفة وتغرق السفينة بمن عليها. فإذا قلنا: إن الرجل يساوي العقل للبيت، فإن المرأة هي القلب، ولا يمكن لأي إنسان أن يعيش بعقل دون قلب، وإِلَّا أصبح متحجر المشاعر، ولا بقلب دون عقل، وإلا تحكمت فيه الأهواء، والجسد السليم هو الذي يحمل العقل الواعي والقلب الحنون، وبهما تسعد الحياة وتستمر.
والرجل عليه أن يفهم طبيعة المرأة وما يعتريها من تغيرات جسدية وصحية ونفسية طوال مراحل حياتها في فترات الحيض والنفاس والحمل والإرضاع، وحاجتها المستمرة لاحتواء الزوج وفهمه لها، والتماس الأعذار لها إذا قصرت في تلبية مطالبه، والزوجة لا تمل من سماع كلمات الحب والإعجاب والاحتواء من زوجها لآخر عمرها، فعليه أن يعرف مفاتيح قلب زوجته حتى يملكه طوال العمر، والزوجة تحب القوة من زوجها ماديا ومعنويا حتى تشعر معه بالأمان.

فكلمة "رجل" بالنسبة لها تعني الحضور القوي والوجود في الحياة الاجتماعية، وتعني الإنسان الذي يحميها ويتولى أمورها ويفهم طبيعتها الإنسانية، ويُشْعِرها بأنوثتها، ويخاطبها بما تحب أن تسمعه، فإذا كانت المرأة نبع الحب والحنان، فالزوج هو الذي يَمُدُّ هذا النبع بالعطف والرعاية وحسن المعاشرة، حتى تستمر في العطاء. وإذا كانت العواطف هي زاد الحياة، وإذا كانت الحياة الزوجية كالوردة الندية، فإن الورود لا تخلو من الأشواك، فلا نتوقع أن تظل الحياة خاليةً من المنغصات والمشاكل، والتي عندما تحدث يجب أن يتدخل العقل لحلها، ولولا ذلك لما وصلت الحياة إلى بر الأمان.
ويضيف د. حمدى: إن القوامة تحتاج إلى مقومات عقلية ومادية ومعرفية واجتماعية وذهنية وعاطفية، لابد أن تتوفر في الرجل، وأي خلل فيها أو سوء فهم لها يؤدى إلى فشل الحياة الزوجية. وللرجل كذلك حاجاته المادية والمعنوية التي يريد من الزوجة إشباعها، وكما في الحديث (أنّ الزوجة الصالحة للرجل إذا نظر إليها سَرَّتْهُ، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله)، وفي روايةٍ: (وعياله).

التربية والقوامة:

يقول د. عبد الغنى عبود- أستاذ التربية المقارنة والإدارة التعليمية بكلية التربية جامعة عين شمس-: إن قوامة الرجل على المرأة تعد ميزة للأسرة والمجتمع، وهى تعد بمثابة الرأس من الجسد، وقد حدد الإسلام دور الزوجين في بناء أركان الحياة السعيدة المستقرة، وجعل كلًّا منهما مكملًا للآخر، ولا تستقيم الحياة إلا به، وإذا كانت القوامة تعنى الاحتواء والاحتضان والتشاور وعدم الاستبداد، إلا أن الكثير من الأزواج لا يفقه هذا المعنى، ويتخذها ذريعةً للتسلط والتملك والعنف على الزوجة والأبناء.

ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، من أهمها: أسس التربية الخاطئة، والتنشئة الاجتماعية التي تتعارض مع تعاليم الدين، فمنذ الطفولة يكون الطفل الذكر مفضلًا على الأنثى، وخلال مراحل التنشئة والتربية يتضخم هذا التفضيل حتى يترسخ في ذهن الولد أنه الأفضل دائماً، وأن أخته لا يمكن أن تصل أبدا إلى مرتبته ومستواه.. ويتزوج الرجل وهو مُشَبَّعٌ بهذه الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام التي تروج أن المرأة مخلوق أقل من الرجل في كل شيء، وأنها تتفوق فقط في جمال الشكل، والذي يكون أيضا لإسعاد الرجل!

وللأسف فإن التربية في العالم الإسلامي مضادة تماماً للمشروع الحضاري والأخلاقي الإسلامي الذي يجب أن نكون عليه، وهناك تقليد أعمى للغرب في كل شيء، كدنا نفقد معه هويتنا وثوابت ديننا، فعندما تمردت المرأة الغربية على دورها المنزلي، وخرجت تزاحم الرجال في كسب العيش، تبعتها المرأة المسلمة وتركت دورها هي الأخرى في تربية الأبناء وتدبير شئون الأسرة، ومن ثَمَّ حدث الخلل في نظام المجتمع، ولم تستطع المرأة أن تقاتل في جبهتين، فأعيتها المقاومة، وأنهكتها مزاحمة الرجال في أعمالهم الشاقة، وظلت تنادي بالمساواة مع الرجل، وزاد التنافس بينهما على من يستحق الزعامة والخلافة، ومَنْ يتبع مَنْ؟ والإسلام من كل هذا برئ.

يجب أن نربي أبناءنا على فهم دور كل منهم في الحياة، وعدم تفضيل الذكور على الإناث، وتعليم الولد احترام أمه وأخته، وأن يدرك أن البيت السعيد يقوم على الحب والاحترام والعطف المتبادل بين الزوجين، فعلى الزوج ألّا يتعسف في استعمال القوامة، وأن يدرك الحكمة والغاية السامية من الزواج، وأنه آيةٌ من آيات الله – عز وجل -، وعلى الزوجة أن تدرك قيمة زوجها ودوره في الحياة، وأن تظهر حبها واحترامها له دوماً أمام الأبناء، وألا تنبهر بالنساء اللاتي تحررن من سيطرة الزوج، وتنخدع بكلامهن، وتخسر سعادتها بيدها.

ويكفي أن أذكر هنا ما قالته أديبة أوروبية مشهورة عن حاجتها للرجل بعد أن طعنت في السن ولم تتزوج، فقالت متوجعة: (إن أكثر من تضرر من دعاوى تحرير المرأة هن النساء، وأنا أتمنى الآن أن أفقد كل ما أملك، أو أستبدل كل ما وصلت إليه من مجد وشهرة ونبوغ برجل يسكن إلي وأسكن إليه، حتى وإن كان قعيدًا لا يتحرك!..يكفي أن أنظر إلى عينيه وأشعر بأنفاسه التي تشعرني بالقوة والأمان، وتحلو معه مرارة الوحدة، وأشعر بالدفء في ليالي الشتاء الموحشة الباردة!




مشكورين



خليجية



اهلا نور
منورة



خليجية



التصنيفات
منوعات

القوامة


إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، و نستهديه و نستغفره ، ونسترشده ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده ورسوله .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) .
و قال أيضاً : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) .
وقال جل جلاله 🙁 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً )
(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب: 70-71) .

أما بعد :
فإن أحسن الكلام كلام الله ، عز و جل ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النار .[1]
و بعد :
حاول الكثير من أعداء الإسلام التشنيع على الدين الإسلامي من خلال آية القوامة كدليل على التمييز ضد المرأة , و لعل أطرف ما قيل [2]:
1- أن الإسلام قد سلب المرأة حريتها ، و أهليتها و ثقتها بنفسها إذ جعل الرجل قواما على المرأة .
2- أن القوامة تمثل بقايا من عهد استعباد المرأة و إذلالها , يوم أن كانت المرأة كما مهملا في البيت , و فكرة مجهولة في المجتمع و أماً ذليلة مهينة للزوج .
3- ليس من المستساغ ، و لا من العدل أن ينفرد الرجل بالقوامة ، و رياسة الأسرة من دون المرأة ، و هي قد حطمت أغلال الرق ، و الاستعباد ، وتساوت مع الرجل في كل الحقوق ، و الالتزامات .

و للرد على هذه الشبهات والمغالطات , نرى أن نبسط القول في قوامة الرجل على المرأة في الشريعة الإسلامية :
قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)

إن القوامة في الشريعة الإسلامية ما هي إلا آلية تنظيمية تفرضها ضرورة السير الآمن للأسرة المسلمة القائمة بين الرجل ، و المرأة و ما ينتج عنهما من نسل طيب ، و ما تستتبعه من تبعات .
و في شأن القوامة ما بين الرجل و المرأة هناك فروض ثلاثة : فإما أن يكون الرجل هو القيم ، أو تكون المرأة هي القيم ، أو يكونا معا قيمين .
و حيث إن وجود رئيسين للعمل الواحد يؤدي إلى التنازع والإفساد , لذلك سنستبعد هذا الفرض منذ البدء .
قال تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22) .

و الفرض الثاني – أن تعطى المرأة القوامة ، و رئاسة الأسرة :
و الأم –كقاعدة عامة- عاطفية انفعالية تتغلب عاطفتها على عقلها في أي أزمة تمر بها هي ، أو أحد أفراد أسرتها , و الذي يدبر أموره ، و أمور غيره بالانفعال كثيرا ما يحيد عن الطريق المستقيم ، و يعرض نفسه ، وغيره لأزمات كان بالإمكان تخطيها ، و عدم الوقوع بها .
و العاقل الذي لا يحكمه هواه يستبعد هذا الفرض الذي لا يصلح لقوامة ، و رياسة الأسرة .
قال الشيخ محمد قطب ، حفظه الله : ( أن المرأة ذاتها لا تحترم الرجل الذي تسيره فيخضع لرغبتها بل تحتقره لفطرتها ، و لا تقيم له أي اعتبار ، فهذه هي المرأة الأمريكية بعد أن ساوت الرجل مساواة كاملة ، و صار لها كيان ذاتي مستقل عادت فاستعبدت نفسها للرجل فأصبحت هي التي تغازله ، وتتلطف له ليرضى ! و تتحسس عضلاته المفتولة ، و صدره العريض ، ثم تلقي بنفسها بين أحضانه حيث تطمئن إلى قوته بالقياس إلى ضعفها [3].
و حيث إننا استبعدنا الفرض الأول والثاني لم يبق إلا الفرض الذي حكم به الإسلام لسببين :
1- أن الرجل بناء على طبيعته التي خلقها الله تعالى عليها يتمتع بقدرات جسمية ، و عقلية أكبر بكثير على – وجه العموم – من المرأة التي تكون عادة أقل حجما وقوة ، و يتحكم بانفعالاتها و أفعالها ، العواطف الإيجابية و السلبية أكثر من حكمة العقل ورجحانه .
( و قد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة ، و أن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثير من تلك الموجودة في مخ المرأة ، و تقول الأبحاث أن المقدرة العقلية و الذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ، و وزن المخ و عدد التلافيف الموجودة فيه ) [4] .
2- الإسلام فرض على الزوج الإنفاق على أسرته بالمعروف , كما كلفه بدفع المهر ، و غيره من الالتزامات ، و الواجبات , و ليس من العدالة و الإنصاف في شيء أن يكلف الإنسان بالإنفاق على أسرته دون أن يكون له حق القوامة ، و الإشراف و التربية .
و قد ذكر الله سبحانه و تعالى إلى هذين السببين الرئيسيين لاختيار الإسلام الرجل للقوامة .
بقوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)

قال الإمام ابن كثير عليه رحمة الله : ( أي هو رئيسها ، وكبيرها و الحاكم عليها و مؤدبها إذ اعوجت , بما فضل الله بعضهم على بعض أي لأن الرجال أفضل من النساء و الرجل خير من المرأة ، و لهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، و كذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : (لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة …)[5]. و كذا منصب القضاء ، وغير ذلك ، ( و بما أنفقوا من أموالهم ) أي من المهور ، و النفقات و الكلف التي أوجبها الله عليهن في كتابه ، وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، و له الفضل عليها ، والإفضال , فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى : ( و للرجال عليهن درجة ).
و قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهم : ( الرجال قوامون على النساء ) (( يعني أمراء عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، و طاعته أن تكون محسنة لأهلها حافظة لماله ))[6]
و قال الإمام البغوي عليه رحمة الله : ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) , يعني الرجال على النساء بزيادة العقل ، و الدين و الولاية , و قيل : بالشهادة ، لقوله تعالى : (فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان , و قيل بالجهاد و قيل بالعبادات من الجمعة و الجماعة ، و قيل هو الرجل ينكح أربعا . و لا يحل للمرأة إلا زوج واحد , و قيل : بأن الطلاق بيده , و قيل : بالميراث , و قيل : بالدية ، و قيل , بالنبوة ) [7].
و قال البيضاوي عليه رحمة الله : ( الرجال قوامون على النساء : ( يقومون عليهن قيام الولاية على الرعية وعلل ذلك بأمرين , و هبي ، وكسبي , فقال : (بما فضل الله بعضهم على بعض ) , بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل , و حسن التدبير , و مزيد القوة في الأعمال و الطاعات , و لذلك خصوا بالنبوة و الإمامة و الولاية , و إقامة الشعائر و الشهادة في المجامع القضايا ، و وجوب الجهاد و الجمعة و نحوها ، و زيادة السهم في الميراث ، و بأن الطلاق بيده ( و بما أنفقوا من أموالهم في نكاحهن كالمهر ، و النفقة ) [8].

فالإسلام إذا جعل القوامة للرجل على المرأة , لم يشرع استبداد الرجل بالمرأة , و لا بإرادة الأسرة , ولم يرد أن تكون تلك القوامة سيف مسلط على المرأة , و إنما شرع القوامة القائمة على الشورى ، و التعاون و التفاهم ، و التعاطف المستمر بين الزوج و زوجته .
قال تعالى (( و عاشروهن بالمعروف ))[9] سورة النساء من الآية 19.
و لقوله صلى الله عليه وسلم (خيركم خير للنساء ولبناته))[10]
و لقوله صلى الله عليه و سلم (( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا و ألطفه بأهله ))[11].
و لقوله صلى الله عليه وسلم ( الصلاة الصلاة , و ما ملكت إيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون الله الله في النساء , فإنهن عوان بين أيديكم أخذتموهن بأمانة الله , و استحللتم فروجهم بكلمة الله ) [12] .
و لا يمكننا أن ننسى قول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه و سلم (رفقا بالقوارير ) [13] .

ضوابط القوامة :
إن القوامة في الشريعة الإسلامية لها مدى تقف عنده ، و تنتهي إليه ، فهي لا تمتد إلى حرية الدين ، و المعتقد ، فليس للزوج أن يكره زوجته على تغير دينها إذا كانت كتابية و لا أن يجبرها على اتباع مذهب معين ، أو اجتهاد محدد من الاجتهادات الفقهية إذا كانت من أهل القبلة مادام هذا الرأي لا يعتبر بدعة مضلة ، و لا يخالف الحق و أهله .
كما لا تمتد القوامة إلى حرية المرأة في أموالها الخاصة ، و لا في المساواة بينها و الرجل في الحقوق التي أراد الله فيها المساواة ، و ليس لها طاعته إذا ارتكب معصية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك و تعالى ) .[14]
فإذا كانت قوامة الرجل لا تمتد إلى الحقوق الأساسية للإنسان فما الذي يخيف دعاة ما يسمى بتحرير المرأة في قوامة الرجل ؟
فماذا يريدون للمرأة افضل ، و أكرم من تلك المكانة المرموقة التي بوأها الإسلام إياها إن كانوا حقا ينشدون خيرا للمرأة – كما يزعمون ؟ .
الحقيقة أنهم لا يريدون ذلك بل يريدون تحطيم ذلك الحصن المنيع للمرأة المسلمة المتمثل ( في قوامة الرجل ) الذي جعله الإسلام قلعة لحماية المرأة من عاديات الزمان وتقلباته ، و رجاله .
ذلك أن موضوع تشريع الحقوق ، و الواجبات لو أوكل إلى الإنسان لشرع من الحقوق ما لا يناسبه ، و قد يأتي تشريعه تسلطا على الآخرين هذا من جانب ، و من جانب آخر لا توجد الضمانات التي تحمل الآخرين على قبول رأيه , و تشريعه للحقوق , و هو إنسان مثلهم ، و خاصة مثل هذه التشريعات قد تأتي وسيلة للتحكم ، و استغلال الآخرين .
أما عندما تكون من عند الله تعالى , يتساوى أمامها الجميع وتبرأ من الشهوة و الهوى ، و تحقق الاستقرار ، و تنسخ فكرة أن يتخذ الناس بعضهم أربابا من دون الله إلى جانب ما يمتاز به الحق الذي شرعه الله ، و منحه من القدسية الثواب والعقاب في الدنيا و الآخرة .
( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة:286) .

الفصل الثالث
كيف تقاوم هذه البدع
(( بدعة ما يسمى بالقضاء على التمييز ضد المرأة ))

كيف تقاوم هذه البدع التي تريد هلاك النسل ، و الحرث ، وخصوصاً أن دعاتها كثيراً ما ينفذون ما يريدون ، وفقاً لخطة مدروسة ومرسومة ، فنراهم يحددون أهدافهم و يجيدون صناعة ، و صياغة المبررات للإقناع البسطاء ، و من في قلبه هوى .
قال الإمام الشاطبي عليه رحمة الله : ( و لا تجد مبتدعاً ممن ينتسب إلى الملة إلا و هو يستشهد على بدعته بدليل شرعي ، فينزله على ما وافق عقله ، و شهوته )) [15]
كما نراهم يثيرون هذه البدع في فترات محددة بتكاتف ، و تجمع مع كل أهل البدع و الأهواء ، و ضعاف الدين و العقل .
فحقيق على أهل العلم ، و الفضل ، أن يقابلوا هؤلاء بخطط مضادة ، مدروسة وفق منهج علمي سليم يجمع ما بين الاستدلال الشرعي الصحيح ، و العقلي السليم مستفيدين من التجارب السابقة لمقاومة ، و مقارعة أمثال هؤلاء ، لأن أكبر أسباب انتشار و قبول بعض القوم لهذه البدع هو تعدد أساليبهم الإقناعية الخبيثة ، و ضعف طرقنا و أساليبنا ، و تشتتها مقارنة مع ، وسائل هؤلاء و طرقهم .
و كي لا تتكرر الأخطاء ، و الإخفاقات بحقنا و نجاحات أهل البدع و الأهواء نضع هذا المنهج البسيط وفقاً لما يلي :
1- تحديد أهداف أهل البدع ( دعاة التغريب و تحرير المرأة و مساواتها بالرجل ) بدقة متناهية ، و معرفة جميع الوسائل التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم .
2- معرفة حقيقة موقفهم الحالي وفق ما تحقق ، و ما لم يتحقق .
3- وضع الحلول المناسبة لصد تلك الهجمات .
4 – التحصين داخليا وذلك بنشر العلم الشرعي وخاصة بين نسائنا فلإنسان عدو ما يجهل

أولاً : تحديد أهداف أهل البدع ، والأهواء :
لعل أوضح أهداف دعاة تحرير المرأة ودعاة القضاء على كافة أشكال التمييز بحسب زعمهم بما يلي :
1- نزع حجاب الوجه كهدف قريب ، ثم القضاء عليه كله كهدف بعيد ، وتشريع قوانين موجبة لهذا الإجراء ، بحيث تصبح أي معارضة لنزع حجاب المرأة مخالفة للقوانين والنظم المرعية . كما حدث في الكثير من البلدان مثل تركيا وفرنسا وتونس وكان تقرير الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان السنوي عن عام 2022 قد تحدث عن الحملات الأمنية والإدارية ضد المحجبات التونسيات، وجاء فيه أن العديد من المحجبات تعرضن إلى المضايقات في الشوارع أو أماكن العمل، وتم تجريد العديد منهن من الحجاب عنوة في بعض مراكز الأمن بالعاصمة، وإجبارهن على التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى ارتداء الحجاب .

كما أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كانت قد ذكرت في 28-5-2003 أن عددًا من طالبات التعليم الثانوي مُنعن من اجتياز امتحانات نهاية العام بسبب ارتدائهن للحجاب. يذكر أنه في عام 1981 أصدرت السلطات التونسية قانونا يعتبر الحجاب زيا طائفيا. ومنذ ذلك الحين والحكومة تلتزم بهذا القانون ، إلا أنه تم التشديد على منع المحجبات من دخول الجامعات والإدارات الحكومية منذ مطلع العقد الماضي، وهو ما أثار انتقادات واسعة في الداخل والخارج، خصوصا من جانب المنظمات الحقوقية التي ترى في منع الحجاب والتضييق على المحجبات تدخلا في الحرية الشخصية للمواطنين.
2- تشجيع الاختلاط في كل مراحل التعليم ، وخصوصاً المرحلة الابتدائية كهدف قريب ، ثم فرض الاختلاط في كل مراحل التعليم وغير التعليم كهدف بعيد .
3- تشجيع المرأة على العمل بالنشاطات المختلفة كالإعلام ، و المهرجانات ، و غرف التجارة و الصناعة ، و جعل هذه المشاركة مقبولة ، و مرغوبة من كل طبقات المجتمع كهدف قريب ، ثم ترسيخ هذا العمل رسمياً كهدف بعيد .
4- تشجيع المرأة على الخوض في غمار العمل السياسي ، و إقرار حق الانتخاب كخطوة أولى ، ثم إقرار حق الترشيح لمجالس النواب و الشعب … الخ كهدف قريب ، ثم السماح لها للعمل بالقضاء ، و المحاماة ، و تولي الوزارات ، و غيرها من المناصب و الولايات السياسية و الاقتصادية ، و الاجتماعية كهدف بعيد .
5- الترويج لفكرة المساواة ما بين المرأة ، و الرجل في كل شؤون الحياة كهدف قريب ، ثم رفع القوامة ، قوامة الرجل عن المرأة ، و منحها حقوقاً و التزامات تساوي حقوق و التزاماته بعيداً عن أية ضوابط شرعية صحيحة كهدف بعيد .
ومن أجل تنفيذ خططهم الخبيثة نراهم كثيراً ما ينسبون تغطية الوجه و الرأس و منع الاختلاط و القوامة ، إلى العادات و التقاليد و الثقافة السائدة بحسب زعمهم ، و اتهام كل من يعارضهم ، أو يقف بوجههم بالجهل ، و التخلق ،و عدم الفهم الصحيح للإسلام ،و أنه لا يريد مصلحة البلاد ، و لا العباد ولا يريد التقدم الاقتصادي والرفاهية للمجتمع .
فهؤلاء يعزفون على وتر الاقتصاد و الفقر و الحاجة ، مستغلين حاجة الناس إلى المال ، و العمل ، وحرص بعض المسؤولين على تحسين الأداء الاقتصادي ، وكل هذا لا يمكن أن يكون بحسب زعمهم إلا بنزع الحجاب ، و مشاركة المرأة للرجل في كل أصناف العمل و ألوانه و تدرجاته .

ثانياً – وضع الحلول المناسبة ، لصد ووقف تلك الدعوات ، ثم القضاء على هذه الأفكار ، و الهجمات التي يشنها الغرب ، و من يسير بركبهم من دعاة تحرير المرأة و تغريبها و مساواتها بالرجل :
أهم الأسلحة التي يجب استعمالها لمحاربة بدع هؤلاء ، و أفكارهم :
1- نشر الدعوة السلفية القائمة على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ، و لن يفترقا حتى يردا على الحوض )) [16] .
و قوله صلى الله عليه وسلم : (( من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها ، و عضوا عليها بالنواجذ ، و إياكم و محدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة )) [17] .
2- تفعيل الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ومقاومة الظلم الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي ، لأن كل شر يقع على هذه الأمة لا بد أن يكون بسبب ذنب جنته فعاقبها الله تعالى بذنبها .
قال الله تعالى : (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110)
وقال تعالى : (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير ٍ) (الشورى:30) .
مقاطعة بضائع الدول التي تروج لهذه البدع ، وتدعم أهل الأهواء :
فاللمقاطعة الأثر الحسن إذا ما استمرت و عممت في ردع هؤلاء و مناصريهم .
3- نشر و دعم التعليم الشرعي بكل مراحله لتخريج دعاة يحبون الله و رسوله ومتسلحين بالعلوم القرآنية و النبوية ، وغيرها من المعارف العصرية التي تساعدهم على نشر الدعوة السلفية ، و مقارعة أهل البدع و الأهواء و مناصريهم .

وأخيراً أختم هذا المبحث بقوله تبارك تعالى :
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214)
وقوله تعالى : (( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51)




ياريت كلنا نعرف ونطبق الكلام كنا سعدنا
جزاك الله خيرا



يارب
تسلمى حببتى



تسلمى دايما لنا



التصنيفات
التعامل مع الزوج و العلاقة الزوجية

القوامة بين تعسف الرجل وتمرد المرأة

القوامة بين تعسف الرجل وتمرد المرأة

هدى سيد 10/6/1429
14/06/2008

تُعَدُّ قضية القوامة من أكثر القضايا المثيرة للجدل والنقاش في وقتنا هذا، وقد تَحَدَّث فيها الكثيرون، وبَيَّنُوا معناها من كافة النواحي، ولكن هناك الكثير من الرجال يسيء استعمال القوامة بمعناها الصحيح الذي وضحه الشرع، فيتعسف في استخدامها وكأنها سيف مسلط على رقبة المرأة، يعوقها عن الحركة، ويدميها إذا فعلت، وكأنه فهم أن القوامة إلغاء لشخصية المرأة وكيانها وعقلها ورأيها، فلا يبقى منها سوى القيام بخدمته ومتعته وإنجاب الأطفال. ومع طغيان هذه الأفكار على معظم الرجال في العالم كله، وفي مجتمعنا العربي بوجه خاص، كانت الشرارة التي أذكت نار الحركات النسائية، ودعاوى تحرير المرأة، ومناداتها بالمساواة مع الرجل، وإنصافها من ظلمه لها!
واندفعت الكثير من النساء وراء هذه الدعاوى، وبالفعل تمردت كثيرات منهن على أفعال الرجل وسوء فهمه للقوامة، وإساءة استعمالها مع زوجته، وقرَّرْنَ لذلك الخروج من بوتقة تحكم الرجل فيهن لمجرد كونه رجلا، حتى وإن كان لا يمتلك مؤهلات القوامة.
ومن صور إساءة استعمال القوامة أشارت الدراسات إلى أن 20 إلى 60 % من النساء في الدول النامية تعرضن للضرب داخل الأسرة، وأن 35 % من المصريات المتزوجات تَعَرَّضْنَ للضرب من قبل أزواجهن، و69% من الزوجات يتعرضن للضرب في حالة عدم الاستجابة لطلبات الزوج، أو الرد عليه بلهجةٍ لا تعجبه، أو تدخل الزوجة برأيها في شئونه أو شئون المنزل.
و40 % من حالات الطلاق وقعت نتيجة ضرب الزوج لزوجته، وتشير الدراسات الاجتماعية في مصر إلى أن معظم أسباب ضرب الزوجات اقتصادية، وتتعلق بالضغط النفسي الناتج عن صعوبة المعيشة، أما في الدول العربية الأفضل حالا فتعود أسباب الضرب إلى اعتقاد راسخ لدى الأزواج بضرورة التأديب المستمر للمرأة، والسيطرة عليها؛ لأنه هو الرجل والقوام عليها!
وفي مقابل ذلك، ومع استمرار عنف الأزواج وإساءة استعمالهم القوامة، ظهر رد الفعل العنيف من الزوجات، فقد أكدت دراسة حديثة أعدها المركز القومي للبحوث في مصر أن 20 % من الزوجات يَضْرِبْنَ أزواجهن لأسباب تعود إما لضعف الزوج أو لتهوره وعصبيته، ومقابلة الضرب بالضرب، وأن 45 % من ارتكاب الجرائم ضد الأزواج يرجع إلى تسلط الزوج وتحكمه، والضرب المستمر للزوجة، ومحاولته الضغط عليها، وتهميش دورها، وعدم احترامها، وقد قرأنا عن العديد من الجرائم البشعة التي ارتكبتها زوجات للتخلص من أزواجهن؛ لإيذائهم المستمر لهن.
وبين تعسف الرجل في تطبيقه لحقه الشرعي في القوامة، وتمرد المرأة ورفضها لهذا التعسف، تفككت الكثير من الأسر، واختلت موازين العلاقة الزوجية الصحيحة؛ لابتعاد الناس عن المنهج الرباني الذي ينظم تلك العلاقة، ومن ثَمَّ كانت هناك ضرورة لإعادة فهم كلٍّ من الزوجين للمعنى الصحيح للقوامة.

رجل البيت

محمد عزت متزوج منذ 15 سنة يقول: نعم، يجب أن أكون رجل البيت، وكلمتي هي المسموعة من الزوجة والأبناء، ولا أطيق الزوجة التي تناقش وتحاور زوجها في كل صغيرة وكبيرة؛ لذلك تزوجت من إحدى قريباتي، وهى ريفية بسيطة، ليس لديها سوى نعم وحاضر، وهذا ما أريده، ومن حقي، طالما أنني أنا الذي ينفق على البيت، ويكدح من أجل توفير مطالبهم.

لا للدكتوراه

على م مهندس يقول: زوجتي طموحة جدا، كانت تعمل وتدرس قبل الزواج، ولم أمانع في البداية، ولكن بعد ذلك لم ترغب في الإنجاب حتى تواصل دراستها العليا، وطبعا رفضت ذلك، وبدأت تتغير معي وتشعر بالنِّدِّية تجاهي، وتتعالى علي بشهادتها وعلمها؛ لأني لم أكمل الدراسات العليا مثلها، واكتفيت بعملي!
ولما زادت الخلافات بيننا وصلنا إلى نهاية لم أكن أرغبها، لولا عناد زوجتي وغرورها، وشعورها بالمساواة معي في كل شيء، ولا يوجد مبرر كي أكون أفضل منها، ويجب أن أسمع كلامها كما تسمع هي كلامي!! وحدث الطلاق من مدة، ثم بحثت عن زوجة أخرى تقدر الحياة الزوجية، وترغب في الاستقرار، وتحب الأطفال، وتفهم دورها ودور زوجها في الحياة.
جمعة محمد 40 سنة لا يتعامل مع زوجته إلا بالضرب- كما يقول-، فهي لا تستحق سوى هذا؛ حتى لا تخرج عن طوعه، فالشرع أعطى الرجل الحق في ذلك؛ حتى يؤدب زوجته، وتظل في طاعته وخدمته طول العمر.
تقول إحسان ع: أنا موظفة منذ 30 سنة، وبعد الزواج والمسئولية بدأت أساهم في نفقات البيت، وفي السنوات الأخيرة بدأ زوجي يماطل في مصروف البيت، و يطلب مني كل المرتب، ولا يحق لي أن أتصرف فيه، فهو الرجل، ويجب أن أطيعه في كل شيء، وإلا أصبحت ناشزا، وهو له حق القوامة، حتى ولو لم ينفق على أسرته!

فتاة متمردة

أسماء عبد الله تقول : أبلغ 37 سنة، ولم أتزوج بإرادتي؛ لأني لا أرغب، ولا أتحمل أن يتحكم في رجل أيًّا كان، ولكثرة ما أشاهد في زيجات الآخرين من حولي من فشل وانهيار للأسرة، ودائما الأبناء هم الضحية. ولا يعود الأمر لهذا السبب فقط؛ بل لأني لم أرى والدي مرة يضحك في وجوهنا نحن وأمي، ولا يطلب حاجاته سوى بالصوت العالي، ومن يتأخر عن تنفيذ أوامره لا يجد إلا الضرب والإهانة. وكانت والدتي تتحمل وتصبر من أجلنا، وتقول: إنه الرجل، ويحق له أن يفعل ما يشاء، وعلى الزوجة أن تتحمل زوجها في كل الأحوال، وتطيعه دوما وبلا مناقشة، حتى وإن كان يذيقها كل أصناف العذاب.

تكليف أم تشريف

يقول د . أحمد الشحات موسى- أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر : إن الله عز وجل خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني، يشتركان في عمارة الكون بالعبودية، فلا فرق بينهما في عموم الدين والتوحيد والاعتقاد وحقائق الإيمان والثواب والعقاب، وفي عموم التشريع في الحقوق والواجبات كافة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل 97. فالإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في العمل الدنيوي والحساب الأخروي، وجعل كلًّا منهما له دوره في تكوين الأسرة المسلمة، وتنمية المجتمع، والنهوض به، وكذلك في الدعوة إلى الله عز وجل، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 71.
وعندما أوجب الإسلام الاختلاف والتفاوت بين الرجل والمرأة في بعض العبادات وأحكام التشريع، لم يكن لميزة في الرجل عن المرأة، ولا للتقليل من شأن المرأة وقيمتها، وإنما لحكمة في ذلك تتمشى مع دور كُلٍّ منهما وخصائصه التي خلقها المولى تبارك وتعالى فيه، وللفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالرجل به من الْمُقَوِّمات الجسدية والعقلية ما يؤهله للقيام بشئون الأسرة، والجد في طلب الرزق، وتحمل الصعاب والمشاق في سبيل توفير عيشة كريمة لأهله، والمرأة بها من المقومات التي تؤهلها للحمل والإنجاب، وتربية الأبناء، والعطف عليهم، وتحمل تعبهم لأقصى مدى، دون شكوى أو ضجر، ولا يمكن أن يكون لأحدهما دور الآخر. ومن ثم كانت هذه الشركة الطيبة بين الزوجين، وتكونت مؤسسة الزواج، وأي مؤسسة لابد لها من رئيس يحكمها، ويدير شئونها، ويقوم عليها، ويتولى رعاية من فيها، وكانت هذه القوامة للرجل كما بَيَّنَهَا الشرع، قال تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) النساء 34.
وهي كما توضح الآية مرتبطة بشقين ؛ الأول: المؤهلات الفطرية التي وهبها الله عز وجل للرجال والتي تختلف عن النساء، وكذلك إلزامهم بالْجُمَعِ والجماعات والجهاد والولاية والقضاء، وأنّ الطلاق بيده، وغيرها من الأمور، وهو ما ذهب إليه العلماء والمفسرون في تحديد معنى التفضيل المذكور بالآية. والشق الآخر كسبي، وهو الإلزام بدفع المهور والنفقة على البيت.
ويضيف د . أحمد: إن على الزوج أن يفهم المعنى من الآية، وألّا يسيء استخدامها؛ فهي مسئولية وتكليف قبل أن تصبح حقًّا وتشريفًا له، فالقوامة تعنى القيام على أمر الزوجة والأبناء، ورعاية مصالحهم، والاهتمام بشئونهم. وفي المقابل يجد الزوج من زوجته الطاعة والاهتمام وحُسْن الخلق الذي ينبغي أن يسود بينهما. ومع الفهم الخاطئ والتطبيق السيئ للقوامة نشط أعداء الإسلام في تأليب الزوجات على أزواجهن، وضرورة التمرد عليهم، معللين ذلك بقوله تعالى: (وَاضْرِبُوهُنَّ). ولكن الآية أشارت إلى أن الزوجة الصالحة تكون قانتة، والقنوت هنا يعنى الطاعة في غير معصية لله عز وجل، أما إذا خاف الزوج من نشوز زوجته فله أن يُقَوِّمَ ذلك حفاظًا على الأسرة، ويكون ذلك بالتدريج، فيبدأ بالوعظ، ثم الهجر في الفراش وهو أشد، فإذا لم ينصلح حالها يضربها، ولذلك ضوابط، فلا يوجعها، أو يضربها في أماكن تؤذيها، ولا يستخدم شيئا غليظا، وقد أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى وكزها بالسواك فقط، وليس الضرب كما يفهمه الأزواج الآن!

مفاتيح القلوب

هل تحقق قوامة الرجل على المرأة الصحة النفسية لكليهما ؟
سؤال أجاب عليه د . حمدي يس -أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس- حيث قال: نعم إن قوامة الرجل على المرأة تعني الكثير، وحاجة كل منهما إلى الآخر كبيرة، والزواج من أسمى العلاقات الإنسانية التي يتحقق في ظلالها الإشباع الحسي والنفسي، المادي والمعنوي، والاستقرار العاطفي الذي يتحقق به استقرار المجتمع وصلاحه.
والقوامة هي أن يكون الزوج رجلًا بمعنى الكلمة، والرجولة هنا لا تعني النوع، إنما المقصود منها الأفعال والتصرفات، والفهم العميق لنفسية المرأة وطبيعتها، والاختلاف الفسيولوجي الطبيعي بينها وبينه، فيحسن معاملتها، ويقدر مشاعرها، ويحتويها عند حاجتها إليه. فالله عز وجل قال في آية القوامة :(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) ولم يقل الذكور، حتى يفهم الجميع المعنى الحقيقي لها.
وإذا نظرنا إلى الاختلاف بين الرجل والمرأة سنعرف لماذا تولى الرجل قيادة سفينة الحياة الزوجية، ولا يعني هذا أن المرأة غير صالحة للقيادة، ولكن الأصلح في أن تكون بجوار القائد- وهو الزوج-، ولا يجب أن يحدث تنازع وخلاف على القيادة، حتى لا تختل الدفة وتغرق السفينة بمن عليها. فإذا قلنا: إن الرجل يساوي العقل للبيت، فإن المرأة هي القلب، ولا يمكن لأي إنسان أن يعيش بعقل دون قلب، وإِلَّا أصبح متحجر المشاعر، ولا بقلب دون عقل، وإلا تحكمت فيه الأهواء، والجسد السليم هو الذي يحمل العقل الواعي والقلب الحنون، وبهما تسعد الحياة وتستمر.
والرجل عليه أن يفهم طبيعة المرأة وما يعتريها من تغيرات جسدية وصحية ونفسية طوال مراحل حياتها في فترات الحيض والنفاس والحمل والإرضاع، وحاجتها المستمرة لاحتواء الزوج وفهمه لها، والتماس الأعذار لها إذا قصرت في تلبية مطالبه، والزوجة لا تمل من سماع كلمات الحب والإعجاب والاحتواء من زوجها لآخر عمرها، فعليه أن يعرف مفاتيح قلب زوجته حتى يملكه طوال العمر، والزوجة تحب القوة من زوجها ماديا ومعنويا حتى تشعر معه بالأمان.
فكلمة "رجل" بالنسبة لها تعني الحضور القوي والوجود في الحياة الاجتماعية، وتعني الإنسان الذي يحميها ويتولى أمورها ويفهم طبيعتها الإنسانية، ويُشْعِرها بأنوثتها، ويخاطبها بما تحب أن تسمعه، فإذا كانت المرأة نبع الحب والحنان، فالزوج هو الذي يَمُدُّ هذا النبع بالعطف والرعاية وحسن المعاشرة، حتى تستمر في العطاء. وإذا كانت العواطف هي زاد الحياة، وإذا كانت الحياة الزوجية كالوردة الندية، فإن الورود لا تخلو من الأشواك، فلا نتوقع أن تظل الحياة خاليةً من المنغصات والمشاكل، والتي عندما تحدث يجب أن يتدخل العقل لحلها، ولولا ذلك لما وصلت الحياة إلى بر الأمان.
ويضيف د . حمدى: إن القوامة تحتاج إلى مقومات عقلية ومادية ومعرفية واجتماعية وذهنية وعاطفية، لابد أن تتوفر في الرجل، وأي خلل فيها أو سوء فهم لها يؤدى إلى فشل الحياة الزوجية. وللرجل كذلك حاجاته المادية والمعنوية التي يريد من الزوجة إشباعها، وكما في الحديث (أنّ الزوجة الصالحة للرجل إذا نظر إليها سَرَّتْهُ، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله)، وفي روايةٍ: (وعياله).

التربية والقوامة

يقول د . عبد الغنى عبود- أستاذ التربية المقارنة والإدارة التعليمية بكلية التربية جامعة عين شمس-: إن قوامة الرجل على المرأة تعد ميزة للأسرة والمجتمع، وهى تعد بمثابة الرأس من الجسد، وقد حدد الإسلام دور الزوجين في بناء أركان الحياة السعيدة المستقرة، وجعل كلًّا منهما مكملًا للآخر، ولا تستقيم الحياة إلا به، وإذا كانت القوامة تعنى الاحتواء والاحتضان والتشاور وعدم الاستبداد، إلا أن الكثير من الأزواج لا يفقه هذا المعنى، ويتخذها ذريعةً للتسلط والتملك والعنف على الزوجة والأبناء. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، من أهمها: أسس التربية الخاطئة، والتنشئة الاجتماعية التي تتعارض مع تعاليم الدين، فمنذ الطفولة يكون الطفل الذكر مفضلًا على الأنثى، وخلال مراحل التنشئة والتربية يتضخم هذا التفضيل حتى يترسخ في ذهن الولد أنه الأفضل دائما، وأن أخته لا يمكن أن تصل أبدا إلى مرتبته ومستواه.. ويتزوج الرجل وهو مُشَبَّعٌ بهذه الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام التي تروج أن المرأة مخلوق أقل من الرجل في كل شيء، وأنها تتفوق فقط في جمال الشكل، والذي يكون أيضا لإسعاد الرجل!
وللأسف فإن التربية في العالم الإسلامي مضادة تماما للمشروع الحضاري والأخلاقي الإسلامي الذي يجب أن نكون عليه، وهناك تقليد أعمى للغرب في كل شيء، كدنا نفقد معه هويتنا وثوابت ديننا، فعندما تمردت المرأة الغربية على دورها المنزلي، وخرجت تزاحم الرجال في كسب العيش، تبعتها المرأة المسلمة وتركت دورها هي الأخرى في تربية الأبناء وتدبير شئون الأسرة، ومن ثَمَّ حدث الخلل في نظام المجتمع، ولم تستطع المرأة أن تقاتل في جبهتين، فأعيتها المقاومة، وأنهكتها مزاحمة الرجال في أعمالهم الشاقة، وظلت تنادي بالمساواة مع الرجل، وزاد التنافس بينهما على من يستحق الزعامة والخلافة، ومَنْ يتبع مَنْ ؟ والإسلام من كل هذا برئ.
يجب أن نربي أبناءنا على فهم دور كل منهم في الحياة، وعدم تفضيل الذكور على الإناث، وتعليم الولد احترام أمه وأخته، وأن يدرك أن البيت السعيد يقوم على الحب والاحترام والعطف المتبادل بين الزوجين، فعلى الزوج ألّا يتعسف في استعمال القوامة، وأن يدرك الحكمة والغاية السامية من الزواج، وأنه آيةٌ من آيات الله عز وجل، وعلى الزوجة أن تدرك قيمة زوجها ودوره في الحياة، وأن تظهر حبها واحترامها له دوما أمام الأبناء، وألا تنبهر بالنساء اللاتي تحررن من سيطرة الزوج، وتنخدع بكلامهن، وتخسر سعادتها بيدها.
ويكفي أن أذكر هنا ما قالته أديبة أوروبية مشهورة عن حاجتها للرجل بعد أن طعنت في السن ولم تتزوج، فقالت متوجعة: ( إن أكثر من تضرر من دعاوى تحرير المرأة هن النساء، وأنا أتمنى الآن أن أفقد كل ما أملك، أو أستبدل كل ما وصلت إليه من مجد وشهرة ونبوغ برجل يسكن إلي وأسكن إليه، حتى وإن كان قعيدًا لا يتحرك! ..يكفي أن أنظر إلى عينيه وأشعر بأنفاسه التي تشعرني بالقوة والأمان، وتحلو معه مرارة الوحدة، وأشعر بالدفء في ليالي الشتاء الموحشة الباردة!




خليجية



مشكورة حبيبتي موضوع جدا رائع



مشكورة يا الغالية



خليجية



التصنيفات
التعامل مع الزوج و العلاقة الزوجية

القوامة دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟

ما هي القوامة؟
سبب قوامة الرجل على المرأة
هل تعني القوامة إلغاء شخصية المرأة؟
القوامة: دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟
استجابة المرأة الزوجة سرّ نجاح زواجها!
هل قوامة الرجل على المرأة مقصورة على الحياة العائلية؟

الحمد لله رب العالمين على نعمه وآلائه المتوالية، وأصلي وأسلم على نبيه الأمين الذي هدى البشرية والإنسانية لدين رب العالمين، وبعد:

فقد خلق الله ـ عز وجل ـ الإنسان، وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، وحثنا على التعارف، فقال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}،وبيَّن تعالى أنَّ ميزان كرامة الإنسان لديه، ذكراً وأنثى، هو التقوى، فقال سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ…} [الحجرات/13].

وكتاب الله تعالى جاء بتحقيق مصالح الناس، ودرء المفاسد عنهم، في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}41{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت:43،42].

وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ..} [النحل:90].

وقال جلَّ في علاه: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ…} [الأنعام:38].

ومن هذه الأمور التي جاء الشرع المطهر ببيانها بياناً وافياً (في القرآن والسنة)، ثم أفاض علماء الأمة في شرحها وتفسير مجملها للناس: أمر" القوامة"، فقال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}34{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء/ 35،34].

ماهي القوامة؟
إذاً كان الله ـ عز وجل ـ ذكر أنَّ الرجل قوَّام على المرأة ـ وهذا لا يجادل فيه عاقل ـ ولكن الجدال والنقاش مع الذين يدورون في رحى الخلاف: التحديد لماهية القوامة، وكيف يقوم الرجل على امرأته؟ وما معنى القوامة هذه؟

إنَّ أهل العلم السابقين تكلموا عن ذلك ، وشرحوا النصوص الربانية القرآنية بكل تحقيق وتدقيق، فأحسنوا وأبدعوا في إيصال معانيها وفوائدها النفيسة.

وهم أعلم بمقصود الآية منَّا؛ لأنهم قريبون من عهد النبوة، ولأنَّ كثيراً منهم تلقى العلم عن الصحابة والتابعين، فسألوهم عن مراد الله ورسوله في كل آية، ثم إنَّ الرسول تكلم عن القرون التي عاشوا فيها فمدحها وأثنى عليها، فقال: "خير أمتي القرن الذي بُعثتُ فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يخلف قوم يحبون السَّما، يشهدون قبل أن يُستشهدوا" (1)

وقد تكلم المفسرون في شرح آية القوامة السابقة كلاماً بديعاً، وها أنذا ألتقط شيئاً من درر كلامهم في شرحهم لماهية القوامة وكيفيتها:

قال ابن كثير في تفسيره عن هذه الآية:
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}: يعني: أمراء: عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله، وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك.. وقال الشعبي في هذه الآية: ) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء( قال: "الصداق الذي أعطاها… (2)

وقال الشوكاني في تفسيره عن هذه الآية الكريمة:
"والمراد: أنَّهم يقومون بالذب عنهن، كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعية، وهم أيضاً يقومون بما يحتجن إليه من النفقة، والكسوة، والمسكن، وجاء بصيغة المبالغة قوله: {قَوَّامُونَ} ليدل على أصالتهم في هذا الأمر" اهـ.

وقال أبوبكر العربي في كتابه "أحكام القرآن":
"قوله: {قَوَّامُونَ} يقال: قوَّام وقيِّم، وهو فعال وفيعل من قام، المعنى هو أمين عليها، يتولى أمرها، ويصلحها في حالها، قاله ابن عباس، وعليها له الطاعة.. ثم قال عندما ذكر القوامة: "فعليه أن يبذل المهر والنفقة، ويحسن العشرة، ويحجبها، ويأمرها بطاعة الله، ويرغب إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام إذا وجبا على المسلمين، وعليها الحفظ لماله، والإحسان إلى أهله، والالتزام لأمره في الحجة وغيرها إلا بإذنه، وقبول قوله في الطاعات" اهـ.

وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره:
"يخبر الله تعالى أنَّ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي: قوَّامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهم بذلك، وقوَّامون عليهن أيضاً، بالإنفاق عليهن،والكسوة، والمسكن" اهـ.

وبمجموع كلام هؤلاء المفسرين نستنتج أنَّ معنى القوامة يدور على خمسة أشياء:

• أنَّ الرجل كالرئيس على المرأة والحاكم عليها والأمير.
• مؤدبها إذا اعوجت وأخطأت وضلَّت طريق الهدى.
• أنَّ الرجل يبذل لها المهر والصداق.
• أنَّ الرجل يتولى أمرها ويصلح حالها، ويحسن عشرتها، ويأمرها بالاحتجاب عن الأجانب وأهل الشر والفتنة.
• إلزامهن بحقوق الله تعالى، بالمحافظة على فرائضه، والكف عما نهى عنه.

وهذا يجرنا إلى الحديث عن:
سبب قوامة الرجل على المرأة

ذكر أبوبكر ابن العربي ـ رحمه الله ـ فيتفسيره أحكام القرآن(3) أنَّ سبب تفضيل الرجل على المرأة في القوامة ثلاثة أشياء ، فقال: "وذلك لثلاثة أشياء:

الأول: كمال العقل والتمييز.

الثاني: كمال الدين والطاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم، وغير ذلك، وهذا الذي بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للبّ الرجل الحازم منكن. قلن: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: أليس إحداكن تمكث الليالي لا تصلي ولا تصوم، فذلك من نقصان عقلها". وقد نصَّ الله سبحانه على ذلك بالنقص، فقال: { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى }.

الثالث: بذلهُ لها المال من الصداق والنفقة، وقد نصَّ الله عليها ها هنا" اهـ.

قال الشوكاني (4) في قوله تعالى: { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } قال: { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ } للسببية، والضمير في قوله: { بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } للرجال والنساء، أي: إنما استحقوا هذه المزية لتفضيل الله للرجال على النساء بما فضَّلهمبه من كون فيهم الخلفاء، والسلاطين، والحكام، والأمراء، والغزاة، وغير ذلك من الأمور.

قوله: ){ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي: وبسبب ما أنفقوا من أموالهم، وما مصدرية، أو موصولة، وكذلك هي في قوله: { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ } ومن تبعيضية، والمراد: ما أنفقوه في الإنفاق على النساء، وبما دفعوه في مهورهن من أموالهم، وكذلك ما ينفقونه في الجهاد، وما يلزمهم في العقل".

وقال الشيخ محمد رشيد رضا (5) : "وسبب ذلك أنَّ الله تعالى فضَّل الرجال على النساء في أصل الخلقة، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة، فكان التفاوت في التكاليف والأحكام أثر التفاوت في الفطرة والاستعداد، ومن ثم سبب آخر كسبي، يدعم السبب الفطري، وهو ما أنفق الرجال على النساء من أموالهم، فإنَّ في المهور تعويضاً للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رياسة الرجال، فالشريعة كرَّمت المرأة إذ فرضت لها مكافأة عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة، وهو أن يكون زوجها قيِّماً عليها، فجعل هذا الأمر من قبيل الأمور العرفية التي يتواضع النَّاس عليها بالعقود لأجل المصلحة، كأنَّ المرأة تنازلت باختيارها عن المساواة التامة وسمحت له بأن يكون للرجل عليها درجة واحدة هي درجة القوامة والرياسة، ورضت بعوض مالي عنها… ".

وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره عن آية { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }: "أي: بسبب فضل الرجال على النساء، وإفضالهم عليهم.. فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة؛ من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات، كالجهاد،والأعياد، والجمع، وبما خصَّهم الله به من العقل، والرزانة، والصبر، والجَلَد، الذي ليس للنساء مثله، وكذلك خصَّهم بالنفقات على الزوجات، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال، ويتميزون عن النساء. (6)

ولعلّ هذا سر قوله: { وَبِمَا أَنفَقُواْ } وحذف المفعول، ليدلّ على عموم النفقة، فعلم من هذا كله أنَّ الرجل كالوالي والسيد لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة، فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به…" اهـ.

وبعد هذا التتبع والاستقراء، نستنبط من كلام هؤلاء العلماء سبب قوامة الرجل على المرأة:

• كمال عقل الرجل وتمييزه.
• كمال دينه كله ؛فطبيعة التي خلق عليها جعلت تكليفه أكثر من المرأة .
• إعطاء المرأة صداقها ومهرها، والنفقة عليها.
• أن الرجال عادة يكون منهم الأنبياء والرسل والخلفاء والغزاة والأمراء.
• أنَّ الرجل بطبيعته أقوى من المرأة قوة بدنية، ونفسية، فهو يتحمَّل المشاق والمتاعب والأعباء.

هل تعني القوامة إلغاء شخصية المرأة؟
قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ: "ينبغي أن نقول: إنَّ هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني.. وإنَّما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها وحمايتها، ووجود القيم في مؤسسة ما لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها، والعاملين في وظائفها، فقد حدَّد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجه وعياله"(7)

القوامة: دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟
يسيء بعض الناس فهم آية { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} فهذا الرجل تجده يشتم ويلطم ويضرب زوجته المسكينة، ثم إذا اعترضت عليه يقول:قال تعالى:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، وقد يكون لا يحفظ من القرآن إلا القليل، وهذه الآية؛ لأنَّها ـ على زعمه ـ آية واضحة في أنَّ الرجل قوَّام على زوجته فليفعل بها ما شاء.

وهذا فهم سقيم، وتأويل فاسد؛ فإنَّ معنى الآية ليس هكذا، بل المعنى هو ما سبق بيانه في تفاسير العلماء.

لذلك بعض النساء قد تحصل لهن ردة فعل أمام هذه التأويلات الخاطئة، فلا يثبتن للرجل القوامة، بل قد نجد نساء بدورهن يؤولن هذه الآية تأويلاً مضحكاً وغريباً، كأن يرين أنَّ هذه الآية مناسبة للعصر الذي كان يعيشه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، أمَّا الآن (في عصر العولمة) فإنَّ النساء يستطعن أن يستظللن ببيوتهن وآرائهن.

وقد حدَّثني أحد الإخوة الذين ذهبوا للدراسة في "باكستان" وقال لي: توجد بعض المناطق هناك.. المرأة فيها هي التي تدفع المهر للرجل، وهي التي تقود به في السيـارة، وهي التي تحاسب عند محل "البنزين" وعند السـوق ونحوها.. فالله المستعان!

وعود على بدء: إنَّ قوامة الرجل على المرأة تعني تهذيبها وأمرها بما تطيق وتستطيع ، وليس من القوامة: الظلم والتسلط.

وقد قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ…} [التحريم:6] فالقوامة هنا تعليم الرجل امرأته وأولاده دين الله؛ حتى يقيهم نار يوم القيامة.

وقال صلى الله عليه وسلم: "خياركم خياركم لنسائهم" وقال صلى الله عليه وسلم: "خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله".(8)

وقال صلى الله عليه وسلم كما رواه عنه ابن عمر: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيِّته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".(9)

ففي هذا الحديث أنَّ الرجل راع، وكذلك أنَّ المرأة راعية فهي ترعى الأبناء وترعى زوجها وتحفظ بيتها من كل سوء ومنكر.

وقالصلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنَّ المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً"(10). ففي هذا الحديث ما يدل على أنَّ القوامة تعني الأمر بالمعروف بمحبة وألفة، والنهي عن المنكر برفق وتلطف، لا بغلظة وتعسف.

إن المرأة بطبيعة الحال والخلقة التي ركبها الله فيها ضعيفة، ولذا فإنَّ الله أسقط عنها الجهاد والقضاء وسائر الولايات، كالولاية في النكاح، وقد خصَّ الدين الإسلامي الرجال بفروض وأسقطها عن النساء، مثل الجمع والجماعات والأذان والإقامة، وجعل الطلاق بيد الرجل لا بيدها.

بل إنَّ الميراث جعل الله الرجل له حظ الأنثيين، وليس ذلك ظلم في الإسلام للمرأة ومصادرة حقوقها، بل هو العدل والإنصاف؛ لأنَّه تدبير من عزيز عدل رحيم رؤوف حكيم ـ سبحانه وبحمده ـ، ومن الحكم التي نلتمسها في أن الله جعل الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين أنَّ الرجل صاحبنفقات، فهو الذي ينفق على أهله، والمرأة لا تنفق في بيت زوجها ـ إلا برضا الطرفين ـ والرجل مشاغله كثيرة، والمرأة ليست كذلك، بل إنَّ الله أمرها بالقرار في البيت، فقال:{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } إلى غير ذلك من الحكم. وقد تكون الحكمة في ذلك تعبدية، ولذا فإنَّ سبب نزول قول الله تعالى: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [النساء/32].

وسبب نزولها ما رواه مجاهد(11) قال: قالت أم سلمة: أي رسول الله: أيغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث؟ فنزلت: { ولا تتمنوا ما فضَّل الله }

كما أن المرأة – بحكم ضعفها التكويني الطبيعي- تحتاج لمن يقوم عليها ويكرمها بهذا القيام،حتى بلغ ببعض النساء في الغرب إلى أن تعطي الرجل المهر حتى تكن-هي- تحت رئاسته!، فهل هذا إلا بدافع الفطرة التي جُبل عليها الإنسان؟!

استسلام الزوجة سرّ نجاح زواجها!
هذا عنوان كتاب ألَّفته امرأة أمريكية تبلغ من العمر (32) سنة، اسمها "لوردا دويل"،يقول الأستاذ "جاسم المطوع" (في مجلة المجتمع (12) بمقالٍ لهُ بعنوان: "القوامة على الطريقة الأمريكية" :
".. وفكرة هذا الكتاب أنَّها عرضت فيه تجربتها الشخصية مع زوجها، وكيف كانت متسلطة تريد أن تتحكَّم في كل شيء وباستمرار، إلى أن بدت تشعر بأنَّ زوجها في طريقه إلى الفشل، واكتشفت ذلك عندما شعرت بأنَّ زوجها بدأ يتهرَّب منها، ثم غيَّرت منهجها في الحياة إلى الحوار الهادئ معه وعدم التدخل في كل شؤونه وعدم مضايقته، والمسارعة إلى السمع والطاعة في كل ما يطلبه، وتقول للزوجات: كفوا عن التحكم في حياة أزواجكن..!"

إنَّ هذا الكلام قد ذكره الله من قبل (1400) سنة، ولكن الكفار لا يعلمون { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } [الروم/7]. وقد قيل قديماً: "والحق ما شهدت به الأعداء".

ويقول الدكتور "عبدالله وكيل الشيخ" في كتابه "المرأة وكيد الأعداء":
"أمَّا قوامة الرجل، فالمرأة أحوج إليها من الرجل؛ لأنَّ المرأة لا تشعر بالسعادة وهي في كنف رجل تساويه أو تستعلي عليه، حتى لقد ذهبت إحداهن إلى القاضي تطلب طلاقها من زوجها، وحجتها في ذلك أنَّها سئمت من نمط الحياة مع هذا الرجل الذي لم تسمع له رأياً مستقلاً، ولم يقل لها يوماً من الأيام كلمة: "لا"، أو "هكذا يجب أن تفعلي"، فقال لها القاضي مستغرباً: أليس في هذا الموقف من زوجك ما يعزز دعوة المرأة إلى الحرية والمساواة؟ فصرخت قائلة: كلا.. كلا.. أنا لا أريد منافساً، بل أريد زوجاً يحكمني ويقودني"(13)اهـ.

فيا سبحان الله! من هذه المرأة التي تعرف حق قوامة الزوج على زوجته وإن لم يفعل معها زوجها تلك القوامة؟

وهكذا المرأة الصالحة التي تستسلم لأوامر زوجها إن كانت بطاعة الله عز وجل ولا تحاول أن تعصيه، وقد ورد عن الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(14)

ومن اللطيف الظريف ما ذكره الشيخ "مازن الفريح" في كتابه أسرة بلا مشاكل: (قال الزوج لصاحبه: من عشرين لم أرَ ما يغضبني من أهلي.. فقال صاحبه متعجباً: وكيف ذلك؟ قال الزوج: من أول ليلة دخلت على امرأتي، قمت إليها فمددت يدي نحوها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية.. كما أنت، ثم قالت: الحمد لله وصلاة على رسول الله.. إني لامرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبيِّن لي ما تحبه فآتيه، وما تكره فأتركه، ثم قالت: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.

قال الزوج لصاحبه: فأحوجتني والله إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد:

فإنك قلتِ كلاماً إن ثَبَتِّ عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجةً عليك.. أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا.. وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟ قال: ما أحب أن يملني أصهاري.. (يعني لا يريدها أن تكثر من الزيارة) فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له؟ ومن تكره فأكره؟ قلت: بنو فلان قومٌ صالحون، وبنو فلان قوم سوء.. قال الزوج لصاحبه: فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حولاً لا أرى إلا ما أحب.. فلما كان رأس الحول.. جئت من عملي.. وإذا بأمَّ الزوجة في بيتي فقالت أم الزوجة لي: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة.. قالت: يا أبا أمية.. والله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة.. فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب.. قال الزوج: فمكثت معي عشرين عاماً لم أعتب عليها في شيء إلا مرة وكنت لها ظالماً).

قال الشيخ مازن الفريح: "ما أسعدها من حياة.. والله لا أدري أأعجب من الزوجة وكياستها، أم من الأم وتربيتها، أم من الزوج وحكمته؟! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".

هل قوامة الرجل على المرأة مقصورة على الحياة العائلية؟

أي: هل قوامة الرجل على المرأة مقتصرة على الحياة العائلية فقط أم على غيرها من أمور الخلافة والقضاء والسلطة وغيرها.

والجواب على ذلك أن يُقال: إنَّ قوامة الرجل على المرأة ليست مقتصرة على الحياة العائلية، بل على كل شيء، فمثلاً الخلافة لا يجوز للمرأة أن تتولاها، وقد قال الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" ما نصَّه: "ولا خلاف بين أحد أنَّهالا تجوز للمرأة".(15)

يقول الأستاذ أبو الأعلى المودودي -رحمه الله-في قوله تعالى: { وللرجال عليهن درجة }: "فالدرجة هي القوامة، وهي ليست مقصورة على الحياة العائلية، لأنَّ قوامة الدولة أخطر شأناً من قوامة البيت، ولأنَّ النص القرآني لم يقيد هذه القوامة بالبيوت".

ثم قال: "إنَّ قوامة الرجال على النساء لا تقتصر على البيوت بدليل أنَّه لم يذكر البيوت في الآية، فهي إذاً قوامة عامة لسائر البيوت كذلك، ثمَّ إذا جعل الله قوامة على المرأة المفردة في بيتها فهل يظن بالله أن يجعل قوامة على ملايين في حين أنه لم يجعلها لها على بيت هو بيتها" (16)

وإن أقوى الأدلة في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن النبيصلى الله عليه وسلمحين علم أنَ أهل فارس قد ملِّكوا عليهم بنت كسرى قال:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"(17)

والعجب من أناس يقولون عن هذا الحديث: هذا مقيَّد بزمان النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان الحكم فيه لأبي جهل استبدادياً أمَّا الآن فلا. والله المستعان.

بل إن الهدهد (الغيور على التوحيد) عندما رأى الملكة بلقيس تحكم قوماً جاء عند سليمان عليه السلام وقال له: { إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم..} فبعد ذلك جاء سليمان وأبطل حكمها ودخلت تحت ولايته وقالت:{أسلمت مع سليمان لله رب العالمين} بعد أن قال سليمان: { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}.

ولذا فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُوَلِّ المرأة في حياته ولا أوصى بعد مماته بأن تتولى المرأة أي منصب رفيع.

ولذا يتبين لنا،أنَّ من ينادي بتحرير المرأة وأنَّ لها أن تتولى مناصب في الدولة ويكون تحتها أناس من الرجال تدير شؤونهم قد أخطؤوا خطأً بيناً، وخالفوا هذه النصوص الواردة في ذلك

ولقد ألف أحد المفكرين العالميين وهو"بليرداجو" ـ رئيس مدرسة التحليل النفسي العلمي، ومقرها سويسرا ـ كتاباً اسمه "المرأة: بحث في سيكولوجيا الأعماق" وذكر في هذا الكتاب أنَّ أهم خدعة خدعت بها المرأة في هذا العصر هي التحرر والحرية، وفي الواقع أنَّ المرأة، ولو علت وادعي أنَّها متحررة وتمارس شؤونها بنفسها إنَّما هي قد سقطت أكثر في عبودية الرجل.

فتأملي ـ أختاه ـ رعاك الله، واعلمي أنَّ الخير كل الخير في إخلاص الوجه والعبادة لله وحده، واتباع نبيه محمَّد صلى الله عليه وسلم، والرضا بأحكام الله تعالى وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى:{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:52،51]

ولنحذر جميعاً من دعاة السوء والفتنة والشر والرذيلة { ولتعرفنهم في لحن القول }.

لا يخدعنك عن دين الهدى نفر *** لم يرزقوا في التماس الحق تأييدا
عمي القول عروا عن كل قائدة *** لأنهم قــــــــد كفـــــروا بالله تقليدا

وابتعدي عن كل ما يمسُّ عرضك من الدعوة إلى التبرج،أو الاختلاط، أو تنكر لفطرتكِ التي فُطرتي عليها، وذودي حن حريتك وحقك بقلمك ولسانك، ورُدِّي عليهم في الجرائد والمجلات ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فإنَّ دين الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.

من الدين كشف الستر عن كل كاذب *** وعن كل بدعي أتى بالعجائب
ولولا رجــــــال مؤمــــــنون لهدمت *** صوامع دين الله من كل جانب

وأقول لكل من قرأ ماكتبت ـ رجلاً كان أو امرأة ـ: ليؤدِّ كل منكم حقوق الله عزّ وجل التي فرضها ؛ فمن الرجل القوامة والأمر بالمعروف بمعروف والنهي عن المنكر بلا غضب ومنكر، ومن المرأة أداء حقوق زوجها عليها.

وأختم بكلام للإمام ابن باز رحمه الله،هذا نصه:
"ومعلوم أنَّ الذي جعل الرجال قوامين على النساء هو الله عزّ وجل في قوله تعالى في سورة النساء: )الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ(. فالطعن في قوامة الرجال على النساء اعتراض على الله عزّ وجل، وطعن في كتابه الكريم وفي شريعته الحكيمة، وذلك كفر أكبر بإجماع علماء الإسلام، كما نصَّ على ذلك غير واحد من أهل العلم..) اهـ(18)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.