بدو أن الأحكام التي يطلقها الأهل، وعن غير قصد، على أطفالهم الذين يعانون إعاقة جسدية، جائرة وغير عادلة، فهم لشدة خوفهم وقلقهم عليهم من أن يصيبهم مكروه يحرمونه الكثير من الأمور الممتعة التي يحصل عليها الطفل الصحيح.
فيما يؤكد إختصاصيو علم نفس الطفل وأطباء الأطفال أن لا داعي لكل هذه الحماية المشدة على الطفل المعوّق، فحرمانه الكثير من الألعاب بسبب إعاقته يؤثر سلبًا في نظرته إلى الحياة والمستقبل، وسلوك الأهل هذا قد يعزز شعوره بالعجز وبالنقمة على الأطفال الأصحاء.
والمعلوم أن الدراسات الطبيّة أكدت أن الإنسان المصاب بإعاقة في أحد أعضاء جسده يستعين تلقائيًا بأعضاء أخرى بديلة تساعده في التحرّك والانسجام مع محيطه، مما يساعده في التميز في قدرته على استعمالها فتكون إحدى حواسه قوية مقارنة بغيره من الأصحاء . فالأعمى مثلاً تكون عنده حاسة السمع قوية جدًا نظرًا إلى أنها إحدى الوسائل المهمة لديه للتواصل مع العالم الخارجي المحيط به. لذا يرى الاختصاصيون أنه يجدر بالأهل الذي لديهم طفل يعاني إعاقة جسدية أن يساهموا في تنمية حواسه وعضلات أعضائه السليمة لا سيما العضلات الحركية.
ومن المعلوم أن اللعب يشغل حيّزًا مهمًا وأساسيًا في نمو الطفل وتطوره، سواء كان طفلاً صحيحًا أم طفلاً معوقًا. لذا فإن توفير الألعاب للطفل الذي يعاني إعاقة جسدية ضرورة تربوية لتعزيز قدرات الطفل المعوّق الجسدية والذهنية على حد سواء.
– ما هي الألعاب التي يجب اختيارها للطفل الكفيف؟
إن توفير لعبة للطفل الكفيف يبدو أمرًا صعبًا خصوصًا بالنسبة إلى الأهل، إنما هناك دائمًا ألعاب يمكن توفيرها للطفل الكفيف.
للطفل الكفيف الصغير جدًا
لا توجد صعوبة في اختيار لعبة للطفل الكفيف الذي لم يتعدًَّ السنة، في إمكان الأم شراء كل الألعاب التي ترتكز على تنبيه الحواس الأخرى، مثلاً " البيلوش" ولوح النشاطات الذي يسمح له بتمرين قدراته اليدوية وتنمية حاستي السمع واللمس. فالأصوات التي يصدرها تساعده في التنبه إلى ميزة كل صوت مما يثير فيه حاسة اللمس، فيحاول إمساك القطعة التي تصدر صوتًا. وهنا على الأم مساعدته في الوصول إليها ولمسها.
بداية سن الاكتشافات
تبقى الألعاب التي لا ترتكز كثيرًا على النظر محدودة، ولكن يمكنها أن توفر للطفل الأعمى متعة، مثل كرة الكف، والحيوانات التي تصدر أصواتًا، وأيضًا لوح النشاطات.
تقوية المخيلة
يصعب على الطفل الأعمى تقليد ما لا يراه، وبالتالي فإن مخيّلته تعجز عن تصور ما لا يُرى بالعين المجرّدة. وفاقد البصر تختفي عنده الأشياء بمجرد فقدان التواصل معها عبر اللمس ، مما يدفعه إلى أن يشكل ذهنيًا أحجية ويتخيل صورة كاملة للشيء الذي تعرّف إليه باللمس والسمع وهذا تمرين صعب يتطلب فترة تعليم طويلة. فلنأخذ مثال السيارة التي تشكّل بالنسبة إلى الطفل الأعمى الاحتكاك بالمقعد وحزام الأمان، ويشعر بها عندما تدار ويسمع صوت المحرك. والسيارة في الطريق هي صوت مميز يتنقل. وهنا دور الأهل في مساعدة طفلهم الأعمى في اكتشاف السيارة عن طريق اللمس شيئًا فشيئًا.
من المعلوم أن العلاقة بين نموذج مصغر ونموذج حقيقي لا تكون قائمة إلا من خلال البصر. ولكن في حالة العمى يجب توفير مجسّم سيارة صغيرة التي لا تكون أكبر بكثير من يد الطفل والتي من الطبيعي ألا تكون بحجم السيارة الحقيقي ، والوزن نفسه، والحرارة نفسها التي تنتجها السيارة الحقيقية، ولكن ذكرى لمس قطع هذه السيارة الصغيرة تساعد الطفل الأعمى في تصوّرها.
– والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه هنا ، كيف يمكن الطفل الأعمى أن يجد نقطة مشتركة بين الواقعي الذي لا يراه ومخيّلته؟
الربط بين الواقعي والمتخيل لا يحصل إلا إذا كان في متناول الطفل أدوات يراها بعينيه. لذا فإن ألعاب التقليد بالنسبة إلى الطفل الأعمى وسيلة أساسية لمساعدته في إدراك الواقع ومشاركة أقرانه نقاط المرجع نفسها. فمن المعلوم أن لعبة التقليد عمومًا تساعد الطفل في فهم العالم المحيط به والاندماج معه، فهو عندما يقلّد والده أثناء اللعب فإنما هو يخوض تجربة التواصل الاجتماعي وكيف يمكن السيطرة على مشاعره وإدارة توتره. ويلزم ذلك تفسير وتماثل تمهيدي. فكما الطفل الصحيح يحتاج إلى هاتين الخطوتين، كذلك الطفل الأعمى. فإنهما تكونان سندًا لتكرار اللعبة والاندماج بالتجارب اليومية. وهكذا تقوى مخيّلته ويصبح لديه تصور عن الواقع الذي لا يراه.
ألعاب التركيب ( الليغو)
تعتبر ألعاب التركيب متعة بالنسبة إلى الطفل الصحيح نظرًا إلى أنها تجعله يستعمل يديه، وكذلك بالنسبة إلى الطفل الأعمى شرط أن يرشده الأهل إلى كيفية تركيبها ومشاركته في ذلك. وتتحدّث سيدة عن طريقة تركيب ابنها هذه الألعاب وتشير إلى أنه غالبًا ما يقوم بتركيب صور هندسية، ويستعمل العناصر الأوّلية، وتحديدًا القطع الصغيرة، فقد لاحظت أنه يهمل القطع الكبيرة لأنه يصعب عليه الإمساك بها، لذا بدأ بتركيب القطع الصغيرة. وهذا مؤشر بحسب علم النفس لأن الطفل الأعمى يفضل القطع الصغير لأن في استطاعته السيطرة عليها وفهم تفاصيلها، مما يتيح له فهم العالم الذي لا يبصره وتشكيل صورته في خياله.
الألعاب الاجتماعية
تتطلب الألعاب الاجتماعية من الطفل الأعمى الكثير من الأدوات. إذ خلال هذه الألعاب يستعمل ملكة التركيز والذاكرة وملكة التجريد. وفي المقابل يطرح هذا النوع من اللعب مشكلات تقنية، مثلاً الألوان، ولوح النشاطات، والنصوص… لذا يجدر بالأهل أن يعلّموه التكيف مع مواد خاصة مثل الألواح المنقوشة ولوح البريل، وهو لوح خاص بالعميان تكون فيه الكلمات نافرة. فالاحتفاظ بالشق الجمالي للعبة ضروري، لأنه يجب التفكير في اللاعبين الآخرين المبصرين. وقد يواجه الطفل الأعمى في البداية صعابًا يكون سببها أحيانًا عدم قدرته على التنظيم، أو التعرف إلى اللعبة، وتحريك الأدوات… ولكن بمجرد أن يعتاد على هذا النوع من الألعاب سوف يشعر بالمتعة.
ألعاب مبتكرة
هناك الكثير من الألعاب التي يمكن الطفل الضرير الاستمتاع بها فهو يجد المتعة في الألعاب التي ترتكز على تحريك اليدين، واللمس وأحيانًا الذوق والشم، ومشكلة الألوان ليست دائمًا مستبعدة عندما لا تشكل شرط اللعبة الأساسي.
الألعاب التربوية
يصعب إيجاد ألعاب تربوية سهلة الاستعمال لا تكون ملائمة لسن الطفل وضعه الصحي خصوصًا أن معظمها يرتكز على القراءة والكتابة. إنها لحظة الإفراج عن المقص والصمغ ولوح نشاطات البريل الخاص بالعميان حيث تكون فيه الكلمات أو المجسّمات نافرة.
المالتي ميديا Multimedia
ينصح الاختصاصيون بتوفير القرص المدمج الذي يسمح للطفل بالاستماع إلى قصة أو معلومة ويمكن اختيار كتب وثائقية شرط أن يقرأها الأهل للطفل، كما يمكنهم شراء كتب وثائقية من نوع أقراص مدمجة. فالكتب ذات الخطوط النافرة معظمها يكون قصصًا.
– ما هي الألعاب التي ينبغي توافرها للطفل الأصم؟
لا يمكن تجاهل الصعاب التي يواجهها الطفل الأصم في مجتمع السامعين خصوصًا إذا كان موجودًا في مكان كل اللعب فيه يرتكز على الكلام الذي لا يستطيع سماعه. قد يستوعب الطفل الأصم بعض قواعد اللعب بالتقليد والنظر ولكن ليس كل اللعب، وإلى أن يحين الوقت لفهمه قواعد اللعب يكون أقرانه قد تغلّبوا عليه مما يسبب له مشكلة. لذا دور الأهل هنا أن يعرفوا نسبة الصمم عند الطفل، فإذا كان صممًا حادًا لا يمكنه أن يلعب طوال الوقت مع أطفال عادين. و دور الاختصاصي أن يشرح للأخوة طريقة اللعب مع أخيهم الأصم، ويعطي النصائح الآتية.
* عندما يتكلمون من الضروري أن يكون الشقيق الأصم ينظر إلى شفاههم فممنوع التحدث إليه وجهه في اتجاه آخر. فهذا يشعره بالإهانة لأنه يحرمه من أن يفهم.
* التأكد من أنه يفهم اللعبة من خلال إعادة شروطها مرّات عدة. فعوضًا أن نقول له عليك أن تضع الكرة في الهدف على الشقيق الصحيح أن يرسم الهدف ويريه أهميته ويمثل أمامه ليقلده ويفهم أصول اللعبة، وإذا عبس فهذا يعني أنه لم يفهم.
* الطلب من أخوته أن ينتبهوا إليه أثناء اللعب خارج المنزل، فمثلا إذا كانوا يلعبون أمام المنزل وسمعوا صوت سيارة عليهم سحبه من المكان، وهذا قد يسبب غيرة عند الأخوة أو إلفة.
وهذه بعض الألعاب التي يمكن توفيرها للطفل الأصم:
الألعاب الاجتماعية الطريفة
يمكن الطفل الأصم اللعب بالألعاب الاجتماعية بطريقة طريفة شرط أن يسهّلها الأهل عليه أثناء مشاركته اللعب بتسهيل قاعدتها. فمثلا يمكنه أن يلعب الدومينو أو تركيب الأحجية …
الألعاب التي تصدر ذبذبات
يهتم الطفل الأصم بالألعاب التي تصدر ذبذبات، فيضع أذنه على صدى تموّجات اللعبة، فمن المعلوم أن الأصم يشعر بالأصوات التي تسبب ارتجاجًا ويحس بها في جسمه. لذا يمكن أن نوفّر له ألعابًا تصدر ذبذبات وارتجاجات.
وأخيرًا يرى الاختصاصيون أنه في إمكان الطفل الاستمتاع بكل الألعاب التي يلعب بها الطفل الصحيح، مثل الليغو ولوح الرسم والتلوين وركوب الدراجة ، ولكن شرط أن يقوم الأهل بتعليمه طريقة اللعب، ومراقبته كي لا يؤذي نفسه.
الطفل المقعد أو المصاب بالشل
لم تعد النظرة إلى الطفل المقعد أو المشلول كما كانت في السابق، بأنه طفل عاجز غير قادر على القيام بأصغر الأمور، بل أصبح في إمكان هذا الطفل الاندماج مع أقرانه في المدرسة والملعب ومشاركتهم نشاطاتهم الرياضية من دون أن يشعر بأنه طفل مختلف. ويؤكد التربويون أن الأطفال الأصحاء لا يتذمرون من مشاركة الطفل المقعد في نشاطاتهم الرياضية بل أحيانًا كثيرة نجدهم يندفعون لتشجيع الطفل المقعد أثناء مزاولته رياضة معينة. واللعبة هي التي تحدد علاقاتهم، فالتواصل الإنساني حتى السنة السابعة يتكون وتطور تقريبًا عبر اللعب. ولاحظ التربويون أنه عندما يكون الطفل المعوق سبب نجاح فريقه يقع عليه الاختيار تلقائيًا ليشاركهم في المباراة المقبلة.
– ما هو نوع الألعاب الذي يوجد علاقات تواصل جيّدة؟
إضافة إلى الألعاب الاجتماعية وألعاب التركيب، هناك الألعاب الخلاّقة مثل السباحة والموسيقى والرسم أو حتى فن تعلّم الطبخ. فهذا النوع من الرياضات يسمح بالشعور بالمساواة بين الطفل المعوّق والطفل الصحيح. ويشير الاختصاصيون إلى أنهم لاحظوا أن طفلاً صحيحًا في السابعة يمكنه أن يشعر بالخوف من الماء أثناء وجوده في حوض السباحة أكثر من طفل مقعد يتقن السباحة. كما أن الألعاب التي ترتكز على التفكير والمعلومات غالبًا ما تستوجب تكيفًا مع القاعدة.
ويشد الاختصاصيون على ضرورة أن يؤمن الأهل بأن إصابة طفلهم بإعاقة جسدية لا تعني حرمانه مما يتمتع به الأطفال الأصحاء، خصوصًا أنه مع تقدم الطب وتطور المفاهيم التربوية وعلم النفس أصبح متاحًا توفير كل شروط الأمان الجسدي والنفسي للطفل المختلف. فصنّاع الألعاب صاروا يأخذون في الاعتبار وجود أطفال يعانون إعاقة ما فأصبحوا ينتجون الألعاب التي تساعد هؤلاء في الاندماج مع مجتمع الأصحاء بسهولة، فيما معظم المدارس والأندية الرياضية توفر الأماكن الخاصة بالأطفال المعوقين واختصاصين في هذا المجال لمساعدتهم في تخطي مشكلاتهم الجسدية.
الله يعطيك العافيه ^^
موضوع قيم وربنا يكون في العون