كان يا ما كان في قديم الزمان، وفي غدير هادئ في أرض الله الواسعة، عاشت ثلاث سمكات صغيرات.. قد يكن أخوات، أو صديقات. وقد أطلق البعض على الأولى اسم غرة وعلى الثانية اسم غريرة وعلى الثالثة اسم غرغورة. كانت غرة سمكة فطنة وذكية. أما غريرة فكانت أشد فطنة وحكمة. فيما كانت غرغورة غير ذات حيلة وعاجزة عن التصرف السريع. وقد كان قرب الغدير نهر جارٍ، يزوره الصيادون من وقت إلى آخر.. فيكتفون من صيده ويعودون. وشاءت الصدف في أحد الأيام أن وقع بصر صيادين على الغدير، فقررا العودة إليه في اليوم التالي ليرميا شباكهما فيه، ويجربا حظهما في الصيد لعلهما يحظيان بسمك جديد. سمعت السمكات الثلاث قول الصيادين.. ولكن كانت ردة فعل كل واحدة منهن مختلفة عن الأخرى وهذا بان في تصرفهن.
على الفور اهتمت غرة بالموضوع، فتركت ما كانت تقوم به في مياه الغدير، أعلمت رفيقاتها بقرارها وانسابت مغادرة. غريرة أيضا اهتمت بالموضوع، ولكنها لم تشعر بضرورة الرحيل، لذا ظلت تترقب بعض الغذاء لتلتقطه من هنا وهناك.. أما غرغورة فكانت في عالم آخر. لم تهتم بما سمعت، ولم تلتفت إلى ضرورة الرحيل أصلاً وكأن الخطر لا يعنيها.
في هذا الوقت كانت غرة قد غادرت الغدير من خلال الفتحة التي تصب بالنهر. سبحت حتى وصلت إلى بر الأمان. وفي الغد.. عاد الصيادان، واختارا أن يرميا الشبكة في تلك الفتحة التي تربط الغدير بالنهر.. رأت غريرة الصيادين فأدركت خطأها بأنها فرطت حين قللت من أهمية الخطر. ولكنها الآن في خطر فعلي ولا يمكن أن تستسلم وتسلم نفسها للشباك.. عليها أن تتصرف. وبالفعل خطرت في بال غريرة خطة فنفذتها في الحال. تظاهرت بالموت، فطفت على سطح الماء، وراحت تتقلب مرة ببطنها ومرة بظهرها على مرأى من عين الصيادين اللذين سحباها من الشبكة ورمياها جانبا ، على أساس أنها ميتة، ولا يمكنهما أكلها. وفور وصوله على الأرض بين الغدير والنهر، قفزت غريرة إلى الماء وغاصت في النهر بعيدا وسط ذهول الصيادين ودهشتهما.. لم يبق إلا غرغورة.. في الغدير ظلت غرغورة تروح وتجيء لا تعرف كيف تخرج من مأزقها، تعطل التفكير لديها حتى قادتها زعانفها إلى الفتحة بين الغدير والنهر. وبكل سهولة وصلت إلى الشباك.. علقت فيه وكان نصيبها الهلاك.
