حيث كانت النهاية يجب أن تكون البداية, درسٌ متواضع من أكاديمية الحياة, التي لا تملُّ من رفدنا من الدروس لتقوية مناعتنا لمواجهة كل ما هو آت,حكمةٌ أخرى جادت بها الحياة عليّ ,ألا وهي أن الحالة لا تبقى على حالها أبداً فتتأرجح الحالة هبوطاً وصعوداً إلى أن تلقى مصيرها الأزلي ألا وهو الزوال ,ذاك ما حاول الشاعر أن يقحمه بيننا ,حينما قال:-
لكل شيء إذا ما تم نقصانُ فلا يغرّ بطيب العيش إنسانُ
لم أظن أبداً أن ذاك التغير بما فيه من هبوط وصعود وتأرجح, يحمل في طياته وباءً لتهاجر مُهلكاته إليّ دون سابق إذن ,وتسري مسرى الملعون في دمي, وتحطّ رحالها دون ترحيب أو حتى قبول ,فما كان لي سوى أن أُباشر بإقراء ذاك الضيف المُقحم , فلست أنا إلا مأموراً ينفذ ما يُمليه عليه ضميره ومنبته الطيب بتفانٍ وإخلاص .
خلته كباقي الضيفان يطمع بكرم مُضيفه ببضعٍ من الزاد ؛لتيسير مظان سبيله , غير أنه قد نزع عنه كسوة الحياء ,فما أشبهه بديكة مروٍ,ظننته سيرحل ويُتابع ما عهدت عنه من حبه التنقل , إلاّ أنه ما أحب الاستقرار قط إلاّ عند زيارته الغير ميمونة لي , إلاّ أني لم أظهر له ذلك فبقدر تعرّيه عن الحياء كنت مبالغا في التزين به تزين البكر لحظة زفافها .
استطعت أن استرق لحظات أنفرد فيها ونفسي , لنتناقش فيما تركه حتى اللحظة ذاك الوباء , فأشارت عليّ بأن أرضى بالواقع فما أُعانيه ليس سوى تأثيرات بدائية , ويجب أن أكون أكثر صلابة وربما قسوة فما سيحدثه بك الزائر من تقلب وتخبط في مشاعرك أعظم ,وذاك الذي حدث حديثاً.
حاولت أن نتكاتف أنا ونفسي, التي وبفضل ضيفنا الكريم تخلت عني ! وأضحيت أنا بالنسبة لها هباء منثوراً, تساوت عندها الأمور تصدُّ كل من يلجأ إليها عدواً كان أم حميماً, لكنني لم ألبث إلا وأسحب طرفي ذاك الشرخ علّه يخرّ بداعي الحنين , لم أكن إلاّ مجتهداً في توسلي إليها ورجائي مبيناً لها وهي خير من تعلم بأن حيلتي قد خارت ,ووهني ضعُف , فإذا كنت لا تزالين تؤمنين بالرؤوف فالأقربون أولى بالمعروف ,غير أنه قد أسمعت لو ناديت حيّاً .
بين المحبة والكره أحاسيسٌ منها الأرقى ومنها الأدنى , أحاسيس تآمرت نفسي في نسجها ,لم أعلم أيّ نوع إليه تنتمي تلك الأحاسيس , عجزت أيّما عجز عن فهمها تحليلها , لا أعلم ربما أيضاً مصدرها , ربما لا أريد أن أفهمها أو أُجهد نفسي في تفسير مكنوناتها ,ربما … لكني أقرُّ باضطرابي بل تخبطي في الشعور أو الاستشعار بمادة الحياة .
منهم من يوهمك بفتنة الدنيا الفاتنة ويقنعك بالعيش مدى الحياة , منهم أيضاً من يُفزعك وبشدة من ما آلت إليه الأمور في زماننا المغمور إلى أن تشعر بأنك تموت حسرة كل يوم ," أوااااه" منهم من تسهل مهمته في مزاولة مهنته كسفير لإبليس ليزرع بك أحاسيس التحرر لتكتفي بالقول إن الله غفورٌ رحيم ,"هيهات " منهم من يقتادك إلى ميادين التدبر والتفكر ويغرس بك أحاسيس تنزع الغشاوة عن عينيك .
منهم ومنهم , فكثيرة هي هالات الأحاسيس ,لكن ما يُزعجك حقاً هو أن ترى ذاك يتحدث عن منطق الواقع ,وآخراً عن واقع المنطق , وهو يتحدث عن فلسفة العيش ,وهم عن عيش الفلسفة ,أوااااااه أيتها المشاعر أواااااه .
أحياناً أشعر بأني قويٌّ إلى حد القسوة , وتارة أحسُّ بأني طيّب إلى حد السذاجة ,
مراراً يهفو بي الحزن إلى أدراك غامضة , تجعلني كما الطفل الصريخ أحتاج لأي حضن دافئ لا يهم من هو صاحبه بقدر ما سيرميه عليّ من حنان ,وفي بعض الأوقات تتطور الأمور لأشعر بأني أحتاج لأقبض يديّ على البشرية جمعاء لأطمئن بأنهم بخير !!
صدقوني وبعيداً عن الانحياز أنني ومنذ زمن بعيد أُقاوم فكرة أن ما يجري في هاته الحياة حُلما طويلاً لا يريد صاحبه أن يستيقظ .
تاهت مشاعري بين معرفة قيمة الموجود إلى أن يُصبح مفقوداً , وبين الانتظار والتهافت لحدوث حدث ما فما إن يحدث ,يحدث تكديراً وضنكاً غريباً عجيباً ممُلاً .
أين تاهت تلك اللهفات والأشواق أتكذب هي أيضاً؟؟؟ لماذا كانت إذاً؟؟؟ ولماذا لا أشعر بقيمة المحسوس الملموس إلا حين يُمسي ذكرياتٍ وآهات ؟؟
أجهدتني تلك الأحاسيس , فاقت كلّ المقاييس , صدقوني أنني أشعر بأنني أحب الناس جميعاً, وها أنا ذاتي أكرهم جميعا بعد برهة من الوقت , أشعر أني لست أنا!!
أشعر بأني … لا أدري أشعر بأني لا أشعر !! نعم لا أشعر !! تباً وسحقاً لتلك المشاعر , أبعد هذه السنين من معاشرتي نفسي أجهل ماذا أريد ؟؟!!
في الحقيقة لا أعلم ,ربما نعم ,وعلّه كان بلى , لكنني أعلم أمراً واحدا ,هو أني أهيم في فوضى المشاعر.
واصلي