المسلم يؤمن بالأنبياء جميعاً ـ عليهم الصلاة والسلام ـ , ولا يفرق بين أحد منهم ، إلا أنه يعتقد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتمهم وأفضلهم ، قال الله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }(البقرة: من الآية253) ، وقال : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } (الأحزاب:40) .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون: هلاَّ وُضِعت هذه اللبنة ؟ ، قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ) رواه البخاري .
فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم النبيين وأفضلهم ، ولا يؤذن لأحد بدخول الجنة بعد بعثته إلا أن يكون من المؤمنين به ، وبه تفتح الجنة ولا يدخلها أحد قبله . فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر ) رواه أحمد .
ولذلك فمن أعظم ما يفتخر به المسلم إيمانه ومحبته لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيا
إنه الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث الكمال والسمو الخُلقي . فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله – صلى الله عليه وسلم – منه القسط الأكبر ، والحظ الأوفر ، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه .
أوفر الناس عقلاً ، وأسداهم رأياً ، وأجودهم نفساً ، أجود بالخير من الريح المرسلة ، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وكان يقول : ( أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا ) رواه الطبراني .
أحسن الناس معاملة ولو مع الخدم ، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( خدمت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر سنين، والله ما قال لي: أف قط ، ولا لشيء فعلته : لم فعلت كذا ؟ ، وهلا فعلت كذا ؟ ) رواه البخاري .
ألين الناس وأسهلهم طبعاً ، وما عُرِض عليه أمران إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم ، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب وأشدهم مع الحق ، لا يغضب لنفسه ، فإذا انتُهِكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء .
أشجع الناس وأقواهم يخوض الحروب الشديدة ، ويُنادي بأعلى صوته : ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ) رواه البخاري ، وهو من الشجاعة بالمنزلة التي تجعل أصحابه إذا اشتدت الحرب وحمي القتال يحتمون به ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
أعف الناس لساناً ، وأوضحهم بياناً ، وأعدلهم وأعظمهم إنصافا ـ ولو مع أعدائه وخصومه ـ ، لا يحابي أحداً لقرابته يقول – صلى الله عليه وسلم – : ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) رواه البخاري .
أرحب الناس صدراً ، وأوسعهم حلماً ، يصبر على من آذاه ، ويحلم على من جهل عليه ، ولا يزيده جهل الجاهلين إلا أخذاً بالعفو ، ويبتسم في وجه محدثه ويقبل عليه ، حتى يظن أنه أحب الناس إليه ، ويبدأ من لقيه بالسلام ويصافحه ، ولا ينزع يده قبله ، بل ويسلم على الأطفال ويداعبهم ، ويجيب دعوة الحر والعبد ، ويعود المرضى ويتبع الجنائز .
أرحم الناس وخيرهم لأهله وأمته ، ومع كثرة أعبائه ومسئولياته كان زوجا محبا ، وأبا حانيا ، فكان خير الناس لأهله ، يصبر عليهم ، ويغض الطرف عن أخطائهم ، ويعينهم في أمور البيت ، فيخصف نعله ، ويخيط ثوبه ويقول : ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .
وكانت عبراته شاهدة على مدى رحمته بأهله وأولاده ، تُوفي ابنه إبراهيم فبكى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : ( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) رواه البخاري .
ويوم أرسلت إليه ابنته زينب ـ رضي الله ـ عنها ـ تخبره أن صبياً لها يموت وتطلب منه أن يأتيها ، جاءها ورفع له الصبي ففاضت عيناه بالدموع ، فأثار بكاؤه تعجب أصحابه ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( هذه رحمة جعلها الله، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) رواه البخاري .
ومن رحمته بأمته أن الله أعطاه دعوة مستجابة ، فادخرها لأمته يوم القيامة شفاعة ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته ، وإني أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا ) رواه البخاري ، ولذلك قال الله ـ تعالى ـ عنه : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة:128) .
كان أكثر الناس تواضعا ، وأخفضهم جناحا ، وألينهم جانبا ، وسيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مليئة بالمواقف والعبر الدالة على ذلك ، وما حفظ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه تكبر على أحد .
وقد نال أعلى المنازل ، وحظي عند ربه بأكبر المقامات ، ـ فهو صاحب الحوض المورود ، واللواء المعقود ، والمقام المحمود ، وأُسري به إلى السموات العلى حتى بلغ سدرة المنتهى ، وبلغ مقاما لم يبلغه مخلوق قبله ولا بعده ، وأنعم الله عليه بالمعجزات ، وأيده بالآيات ، فما ذكر شيئا من ذلك على وجه الفخر أو المدح لنفسه ، ولا تعالى به على أحد من الناس ، بل كان التواضع صفته ، وخفض الجناح سمته . فكان إذا أخبر عن منزلته تلك يقرن إخباره بها بنفي الفخر.
ويوم الفتح الأكبر حين دخل مكة منصورا مؤزرا، دخلها وقد طأطأ رأسه ـ تواضعا لله تعالى ـ ، حتى إن رأسه ليمس رحله من شدة تواضعه لربه ، فلم تأخذه النشوة والكبر عند انتصاره وظهوره .
وقف أمامه رجل ، فأخذته رعدة ، وهو يظنه كملك من ملوك الأرض ، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) رواه الحاكم .
ولو لم يكن له ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلى الأرض ، وإيصال القرآن الكريم والدين العظيم إلى العالم والبشرية كلها ، لكان فضلاً لا يُوفي الناس حامله بعض جزائه .
ذلك قبس من نور النبوة ، وشعاع من مشكاة الرسالة ، فما أحوجنا إلى أن نتعرف على كل صغيرة وكبيرة في حياة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من مولده إلى وفاته .. فمن حقه علينا أن ندرس كل جوانب سيرته وحياته ، ونعلم أطفالنا وأهلينا : من هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ ، وذلك للقيام بحقه علينا ، من محبة وأدب ، وتوقير ونصرة ، واتباع واقتداء ، قال الله تعالى: { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }(الفتح: من الآية9) ، وقال : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) .