إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة، التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة، لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة في ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب!.
والعكس صحيح: فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، وسعى إليه، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد،
{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}.
فسبحان الله الانسان لا يعلم ماقد يحدث له ربما يحدث له امرا يظن انه شر فيصبح خيرا
فتمعنو في هذه الايه العظيمه انها من أعظم ما يملأ القلب طمأنينة وراحةً، ومن أهم أسباب دفع القلق الذي عصف بحياة كثير من الناس، بسبب موقف من المواقف، أو بسبب قدر من الأقدار المؤلمة ـ في الظاهر ـ جرى عليه في يوم من الأيام!
ويوجد قصص كثيره منها قصة نبي الله موسى قصة إلقاء أم موسى لولدها في البحر وجدتَ أنه لا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام، وصدق ربنا: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
كم من شخص لم يقدر الله تعالى له رزقا ما ، فيضيق ذرعا بذلك، واهتم واغتم وصار ضيقا صدره ـ وهذه طبيعة البشر ـ لكن الذي لا ينبغي أن يحدث هو الحزن الدائم، والشعور بالحرمان الذي يقضي على بقية مشاريعه في الحياة!
تأملو هذه الآية لا ليذهب حزنكم فحسب، بل ليطمئن قلبكم، وتنشرح صدوركم، ويرتاح خاطركم، ان الله تعالى رُبَما صرف هذه الانعام عنكم رحمةً بكم! وما يدريكم لعله إذا رزقكم بهذه الانعام والامنيات كانت سبباً في شقاء وهم لكم، وتعاستكم من طبع بني آدم الاستعجال والضجر مما يكدره، والجزع مما يكره، ولا يعلم الانسان ان مكارهه ومواجعه قد تسفر عن خيرات وفضائل وبركات اذا صبر واحتسب، بل قد لايكون وراء المكروه خيرا فحسب بل (خيرا كثيرا) يجني بركته وفضله وحسنته في الدنيا ويجني في الآخرة جزاء صبره واحتسابه واحتماله ولذلك كم تمر على المسلم في الحياة من امور تجمع الخير والشر والحسن والسيء والواجب عليه الصبر والاحتمال وعدم الجزع.
وأن يتوكل على الله، ويبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة، فإذا وقع شيءٌ على خلاف ما يحب،فليتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}.
وليتذكر أن (من لطف الله بعباده أنه يقدر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن، و الابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم، ولطفاً، وسوقا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم)
عفاف العتيبي – المعهد العالي للدعوة والاحتساب