فلن تحصل على نعمةٍ أجلُّ ولا أعظم ولا أحلى من رضوان الله تعالى ..
فكيف أعرف إذا كان الله عزَّ وجلَّ راضٍ عني أم لا؟
بعض الناس يربط رضا الله عزَّ وجلَّ بعطـاء الدنيـا .. فإذا أُعطي أحدهم المال أو الجاه أو نجا من مصيبةٍ ما، يظن أن هذا بسبب محبة الله عزَّ وجلَّ له ..
ولو كانت الدنيا هي علامة الرضا، لما كان أكرم الخلق ينام على الحصير ويرقع ثوبه بنفسه وتمر عليه قرابة الثلاثة أشهر دون أن يتذوق فيها سوى التمر والماء ..
وعلامة رضا الله عليك:: أن يُيسر لك الطاعات ويُباعد عنك المحرمات .. فإذا كنت على طاعة دون أن تغتر بها، فاعلم أن الله عزَّ وجلَّ راضٍ عنـك ..
لأن البعض إذا أحس بفضل الله ومنته عليه بالطاعة والهداية، يغترَّ بذلك ويأمن من مكر الله تعالى .. فيشعر إنه من خواص عباد الله الصالحين، وهذا من العُجب والغرور والعياذ بالله ..
والله تعالى يقول {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الإنفطار:6]
فرضا الله عزَّ وجلَّ هو محض فضلٍ ومنةٍ منه تعالى علينا، وليس بجهدٍ منا .. فالله تعالى وحده هو الذي وفقك لفعل الطاعات وفعل ما يُرضيه عنك ..
قال تعالى {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]
وإن كنا نحتاج لمعرفة كيف نتعامل مع الله عزَّ وجلَّ إذا غَضِب؛ خشيةً من عقابه ..
فلماذا نحتاج لمعرفة كيفية التعامل معه إذا رَضي؟!
إنك بحاجة لتكون أكثر دقةً في تعاملك مع الله حال رضاه سبحانه وتعالى؛ لأن الوصول إلى رضا الله سبحانه وتعالى سهل أما الثبـات عليه صعب ..
قال تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ..} [إبراهيم: 27]
فكيف تثبُت على رضا الله؟
أولاً: ارض عنه كما رضي هو عنــك .. قال تعالى {.. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119]
ارض به إلهًا لك، لا شريك له .. فأنت راضٍ بعبوديته وبطاعته وبدينه وبكتابه وبنبيه ..
وإن رضيت بكل ذلك، صرت من أهل الجنــة .. عن أبي سعيد أن رسول الله قال "من رضي بالله ربًا، والإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً وجبت له الجنة" [صحيح مسلم]
فكل ما يُرضي الله عزَّ وجلَّ، يُرضيــك ..
ارض بما قسمه الله لك .. بشكلك، بحالك، بمكانك، بمستوى معيشتك .. كُن في تمام الرضا عن الله على كل حال ..
والرضـــا من أعمال القلوب .. التي هي أفضل وأهم من أعمال الجسد (الجوارح)، وكلاهما مطلوب.
وإذا رضيــت عن الله، فستنعم بالسرور بالله .. يقول ابن القيم رحمه الله "ثمرة الرضا: الفرح والسرور بالربِّ تبارك وتعالى" [مدارج السالكين (2:176)]
والرضا عن الله طريقٌ مختصرٌ جدًا للوصول إلى الله تبارك وتعالى .. فإذا كان غيرك يعمل كثيرًا للوصول إلى الله تعالى، فإن الرضا يوصلك إلى الله عزَّ وجلَّ بجهدٍ أقل وحسناتٍ أكثر.
فإذا رضي العبد عن ربِّه بالقليل من الرزق، رضي ربُّه عنه بالقليل من العمل ..
ثانيًا: الصبــر على رضــا الله عزَّ وجلَّ .. بأن تصبر على أوامره ونواهيه وأقداره المؤلمة ..
وحتى لو كان الله عزَّ وجلَّ راضٍ عنك، عليك أن تستعجل على رضاه .. كما قال موسى عليه السلام {.. وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84]
فابحث عن الأشيـاء التي ترضيه وافعلها بسرعة ..
اذهب إلى والديك وتأكد من رضاهما عنك .. يقول النبي "رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين، وسخط الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين" [رواه البزار وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2503)]
احمد الله بعد تناول الطعام والشراب .. عن أنس قال: قال رسول الله "إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها" [رواه مسلم]
وهكذا احرص على الحفاظ على رضا الله تعالى عنك؛ لأن رضوان الله عزَّ وجلَّ لا يُعطى لأي أحد وهو أعظم من نعيم الجنـةِ كلها ..
قال تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72]
فلا تترك الشيطان يخدعك ويجعلك تخسر رضوان الله تعالى عليك؛ لأن الشيطان يُصاب بغيرةٍ شديدة ويشتعل فيه الغضب والحسد كلما رأى رضا الله على العبـد ..
****فلنتعاهد من الآن، على أن ندخل في رضوان الله تعالى الذي هو منتهى السعادة ..
موعدنــا الجنـــة إن شاء الله تعالى،،*****