التصنيفات
منوعات

اخلاق المؤمن الرحمة

الرحمة

مقدمة في غاية الأهمية..!!

خلق نعرفه جميعا، ونعرف معناه، ولكنه أصبح غير موجود بيننا، لقد غاب هذا الخلق عن البشريةن وصارت الأرض مفتقدة له، العالم كله في أشد الاحتياج لهذا الخلق، فبغيابه انتشرت الجريمة، وصارت القانبل الذرية تدوي هنا وهناك، الملايين يقتلون في لحظة.

انه خلق الرحمة الذي أصبح وجوده نادرا في دنيا البشر، ألست معي في ذلك..!؟

أما تحب أن ترحم يوم القيامة..!؟

ولذلك فخلق الرحمة ليس المطلوب معرفته فقط، بل اجادته وتطبيقه في الحياة؛ لأننا لو أوجدناه وطبّقناه كما ينبغي سنضمن الرحمة يوم القيامة بمشيئة الله.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" انما يرحم الله من عباده الرحماء" رواه البخاري 7448 ومسلم 2132 والامام أحمد 5204.

أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبكي عند قراءتنا للقرآن الكريم، فان لم نستطع البكاء فلنتباك..!! كذلك الرحمة: المطلوب أن نفتعلها افتعالا، فالراحمون يرحمهم الله.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ألا تحب أن ترحم يوم القيامة..!!؟

خلق النجاة

ان الترغيب في الاتصاف بخلق الرحمة لم يعد هدفا، بل ان الهدف الأساسي أن تستشعر مدى أهمية هذا الخلق.. انه خلق النجاة يوم القيامة، ولا بد أن تعرف الآن ان كنت سترحم يوم القيامة أم لا!

وقبل هذا السؤال سل نفسكك هل ترحم الناس؟

انها علاقة قوية بين معاملتك للناس في الدنيا، ورحمتك يوم القيامة، فمن عامل الناس بالرحمة في الدنيا، فماذا ينتظر يوم القيامة؟

والان هل يا ترى عرفت من المستحق لرحمة الله يوم القيامة!؟

على بيّنة

اننا في هذا الخلق سنعرض نماذج الرحمة التي من المطلوب تنفيذها واجادتها، وحتى تكونوا على بيّنة.. فان الأمر يسير كالتالي:

كيف ترحم الكبار.. كيف ترحم الوالدين.. النساء..الأطفال.. الأقارب..الخدم.. الحيوان..ولكنني وجدت أنني لو بدأت بهذه النماذج العملية لن تكون متيقظا معي بدرجة كاملة.. فقلت: ما المبدأ الجميل الذي أبدأ به..؟

فوجدت أن أفضل ما نبدأ به الموضوع هو:

رحمة الله بنا.. وأريدك قبل القراءة أن تستشعر أن الملائكة تحفك الآن.. وان رحمة الله تغشاك.. وأن السكينة تتنزل عليك.. هيا استقبل رحمات الله.

" كتب ربكم على نفسه الرحمة"

انظر الى رحمة الله تعالى بنا، حتى نتصف بصفات الله، الرحمن الرحيم، يقول تعالى:{ كتب ربكم على نفسه الرحمة} الأنعام 54.

فكّر في هذه الآية!! وانظر الى هذه الكلمة {كتب}.

وسبحان الله! ان هذه الآية موجودة مرتين في سورة الأنعام.

أما تشعر بالاطمئنان بعد هذه الآية..!!؟ لا تخف فقد {كتب ربكم على نفسه الرحمة}، فالأصل

في صفات الله الرحمة، أما الغضب فنتيجة أعمالك وليس صفة لازمة، فصفته اللازمة والدائمة هي الرحمة.

"ورحمتي وسعت كل شيء"

يقول الله تبارك وتعالى مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم:{ فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة} الأنعام 147.

انك حين تقرأ هذه الآية يتبادر في ذهنك سؤال ألا وهو:

كم تبلغ هذه الرحمة الوسعة!؟ فتجيب عليك هذه الأية:{ ورحمتي وسعت كل شيء} الأعراف 156.

تفكّر في هذه..{كل شيء} وتخيّل مداها.

أراك قد فكرت في كل شيء… فاحمد الله على رحمته الواسعة التي وسعت كل شيء.

"ان رحمتي سبقت غضبي"

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: ان رحمتي تغلب غضبي" رواه البخاري 3194 ومسلم 6903 والامام احمد 2433. وفي رواية أخرى:" ان رحمتي سبقت غضبي" رواه السيوطي في الدر المنثور 36.

يا سبحان الله تخيّل الكون يقوم على مبدأ الرحمة.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (ان صحت الرواية):" لما خلق الله آدم.. ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله فحمد الله بأذنه، فقال له ربه: رحمك الله يا آدم" رواه الترمذي 3368 والحاكم 222، فكان أول كلام الله لآدم: رحمك ربك.

"الا أن يتغمدني الله برحمته"

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما من أحد يدخله عمله الجنة"، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:" ولا أنا الا أن يتغمّدني ربي برحمته" رواه مسلم 7044 والامام أحمد 352.

أسمعك تقول: اللهم تغمّدنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

يا الله.. قام الكون على الرحمة.. وخلق آدم ومعه الرحمة.. ولن يدخل أحد الجنة الا برحمة الله.. انظر قيمة الرحمة.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ان الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة جزء، أمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل الأرض رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق، حتى الدابة ترفع حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه. رواه البخاري 6000.

رحمة واحدة في الدنيا!! كل هذا، ورحمة واحدة!!

كل الخلائق.. البشر، الحيوانات، الطيور، الحشرات..

كل هؤلاء يتراحموا برحمة واحدة!!

وادّخر لنا الله 99 رحمة يوم القيامة.

أما تشعر معي بهذه السكينة التي عمّتنا الآن..!؟

رحمات لا بدّ لها من تفكّر..!!

يقول تعالى:{ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} القصص 73. فمن رحمة الله بنا أن جعل الليل والنهار.

فتخيّل معي.. لو كانت الدنيا ليلا فقط أو نهارا فقط، هل تعلم حينئذ كم من الأمراض العصبية والنفسية التي كنا سنصاب بها..!

{قل أرأيتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الى يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بضياء} القصص 71.

سرمدا أي: دائما..!

ويقول تعالى:{ قل أرأيتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه} القصص 72. انها رحمة الله.

وانظر الى عظم رحمة الله في خلق الليل والنهار.

ان النهار لا يأتي فجأة، وكذلك الليل: بل يأتيان تدريجيا يقول الله:{ والليل اذا عسعس*والصبح اذا تنفس} التكوير 17-18.

عسعس: أي بتدرّج، وتنفس أي: نفسا نفسا.

سبحان الله.. انها رحمات لا نستشعرها ولا تخطر على بالنا، بالرغم من أننا نراها كل يوم.

يا لها من رحمات تحتاج منا أن نتفكر فيها..!

" فانظر الى آثار رحمة الله.."

يقول تعالى:{وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته} الشورى 28. فبدون الماء تموت الأرض، واستشعر معي:{ وينشر رحمته} وكأن المطر يوزع رحمات الله على الأرض، تحمله الرياح مبشرات بين يدي رحمته..

واليك هذه.. يقول تعالى:{ فانظر الى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها} الروم 50.

يا الله.. تخيّل لو فقدنا الرحمة.. رحمة الله في انزاله المطر. يقول تعالى:{ ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون* لو نشاء جعلناه أجاجا} الواقعة69-70.

المزن: هي السحب، واجاج: أي مملح. تخيّل.. لو نزل الماء مالحا.. ستموت الأرض.. وسل نفسك كم يوما ستحياه بدون ماء..!؟ انها رحمة الله بنا.

رحمة أودعها الله في القلوب..!!

ومن رحمات الله رحمة العلاقات الاجتماعية، وهي رحمة أودعها الله في القلوب، فقد أودع الله سبحامه وتعالى في قلوب الآباء والأمهات حب أولادهم.

فكل أب وكل أم، انسانا كان أو حيوانا، بداخله رحمة أودعها الله في قلبه على وليده.

والله بدون هذه الرحمات لفسدت الأرض، وكذلك الرحمة التي أودعها الله في قلوب العائلات، العم والخال والعمة والخالة و…

بل انظر الى هذه الرحمة.. انها الرحمة التي أودعها الله في قلبين…

وقال عنهما:{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم 21.

يا الله..!! أول ما يبنى هذا البيت الجميل يبنى على المودة والرحمة، ولكن بمعصيتهم لله وبعدهم عنه تنزع الرحمة تدريجيا…

" ومن رحمته أنه لا يأخذنا بذنوبنا"

من منا لم يذنب في حياته أبدا..!؟ من منا لم ينب في حياته الا 100 ذنب..!؟

من منا لم يذنب في حياته الا 1000..!؟ من منا لم يذنب في حياته الا…!؟

ومن رحمة الله بنا أنه لا يأخذنا بذنوبنا.. ان ذنوبنا كثيرة كثيرة..

ومع ذلك فانه يمهلنا.. اقرأ هذه الآية وانظر الى حالك، وتذكر سنوات عمرك الماضية، يقول تعالى:{ وربك الغفور ذو الرحمة، لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب} الكهف 58. أظنك الآن لا يسعك الا أن تقول: الحمد لله.

يا سبحان الله.. ان النذب الذي اريكبته أمس، أو الذي ارتكبته الأسبوع الماضي لو علمه أمك وأبوك ما غفروه لك، ولكن الله غفور رحيم.

يقول تعالى:{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم} النور 14.

{ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منهم من أحد أبدا} النور 21.

ويقول:{ وان نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون* الا رحمة منّا ومتاعا الى حين} يس 43-44.

ان الله لو أخذنا بذنوبنا ما ترك على الأرض أحد، ولكن رحمة بنا يمهلنا.. فنتوب ويغفر لنا.. أما تحتاج هذه الرحمة لشكر؟

{لئن شكرتم لأزيدنّكم} ابراهيم 7.

ومن رحمته سترك بعد المعصية

تخيّل لو فضحنا الله بعد المعصية.. فبعد معصيتك لله تجد على باب بيتك شرحا لما فعلت من معصية، فلان عصى وفعل كذا وكذا، ولكن من رحمة الله أنه يسترنا بعد المعصية، وتخيّل لو كان للذنوب رائحة..!! فكلما ارتكبت معصية خرجت لك رائحة..

انه من نتن الرائحة لن يطيق أحد منا الآخر..

ولكن من رحمته بنا أنه يسترنا.

سرق أحد الرجال فأخذوه الى سيدنا عمر بن الخطاب، فقال الرجل لعمر: أقسم بالله هذه أول مرة، فقال عمر: كذبت ان الله لا يفضح عباده من أول مرة..

حقا انه قانون الرحمة يعلمنا اياه سيدنا عمر بن الخطاب.

" ان الله لا يفضح عباده من أول مرة".

ومن رحمته تيسير التوبة

يقول تعالى:{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} البقرة 37. ان سيدنا آدم حينما عصى الله، وأكل من الشجرة ندم، ولكنه لم يكن يعرف كيف يتوب.

{ فتلقى آدم من ربه كلمات} ان قالها يتوب الله عليه ويغفر له.

فما هي هذه الكلمات..؟ هي:{ ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونّن من الخاسرين} الأعراف23.

حقا ان من رحمة الله بنا أنه ييسّر لنا التوبة كما رأينا كيف يسّرها لأدم عليه السلام..

يا سبحان الله..!! ليس العجيب أن عبدا يتذلل الى سيده ويتودد اليه، ولكن العجب كل العجب من سيد يتودد الى عبده، فالله يتودد الينا برحمته.

أراك تشعر بأن هذه الآية فيها سرّ عجيب.. هيا اجعلها دعاءك الدائم لا يفتر منها لسانك، ولتجعلها بداية عصر جديد..

{ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.

ومن رحمته ارسال الرسل وانزال الكتب وسنّ الشرائع

يقول الله تعالى:{ وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} الأنعام 155.

يا الله!! لو نفذتم ما في الكتاب فسوف ترحمون.. نعم، من لاحمة الله بنا هذا القرآن وهذه الشريعة الاسلامية.. واياك أن تقول: بأن قطع يد السارق، والجلد وهذه الحدود ظلم.. لا والله انها رحمة بهذا المجتمع حتى يصان..

احفظ مني هذه:" الشريعة الاسلامية مبنية كلها على الرحمة".

والدليل على ذلك.. انظر الآن:

كم من الجرائم.. والشذوذ.. والاغتصاب..و..

والله ان العالم يحتاج الى الشريعة الاسلامية.

ومن رحمته انه جعل لنا يوم القيامة

وانك تتعجب حينما تعلم أن من رحمة الله بنا أنه جعل لنا يوم القيامة، يقول تعالى:

{ كتب على نفسه الرحمة، ليجمعنّكم الى يوم القيامة} الأنعام 12. انظر الى تركيب الآية..!!

انه من رحمته أن يجمعكم يوم القيامة حتى يأخذ كل ذي حق حقه.. هذا الشاب الصالح الذي صان نفسه عن المعاصي وغضّ بصره.. وهذا الذي ظلم في الدنيا.. وهذا الذي ظلم الناس.

تخيّل هناك أناس تقدم على الله يوم القيامة كالمسافر العائد الى أهله مسرورا (صاموا.. صلوا.. قاموا لله.. غضوا أبصارهم.. ظلموا).

وهناك أناس تقدم على الله يوم القيامة كالسجين الهارب من السجن وقد قبض عليه (هؤلاء الذين نسوا الله في الدنيا).

فرق كبير بين الاثنين.. حقا ان يوم القيامة لرحمة.

ومن رحمته انه خلق المرأة

ان من آثار رحمة الله تبارك وتعالى أنه خلق المرأة لجلب العاطفة الى الأرض، ولولا هذه الرحمة لخلت الأرض من الود والعاطفة الى الأرض، ولولا هذه الرحمة لخلت الأرض من الود والعاطفة، هذا ليس مبالغة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" عاش آدم في الجنة قبل حوّاء فاستوحش فخلقت حوّاء، فقال من أنت ولم خلقت؟ فقالت: أنا سكن لك".

انظر لكلمة (استوحش) ولذلك خلقت حوّاء.

وانظر الى العلاقة بين الرجل والمرأة 0سكن).

ان النساء في الاسلام شقائق الرجال.. ليس في الاسلام معركة بين الرجل والمرأة.. فالمرأة في الاسلام مكرّمة لها مكانتها.

ومن رحمته نزولنا الأرض

ومن رحمة الله عز وجل أنه أنزلنا الى الأرض.. أراك تتعجب بعدما قرأت هذا وتقول: هل من المعقول أن نزولنا الأرض، وعدم دخولنا الجنة مباشرة رحمة لنا..؟

وأقول لك: هناك الكثير عندهم هذه المشكلة، ولكن اذا عرف السبب بطل العجب!

فبطبيعتنا أننا نمل من الشيء الذي نحصل عليه بسهولة ولا يعجبنا بعد فترة، ولكن الشيء الذي نتعب في الحصول عليه لا نمل منه أبدا، ونسعد به سعادة كبيرة، مثل الأب الذي تعب في جمع المال يخاف على سيارته أن تخدش خدشا بسيطا، ولكن الابن يأخذها يوما فلا يحافظ عليها لأنه لم يتعب فيها.

ولذلك فمن رحمة الله بنا نزولنا الى الأرض، والاشتياق الى الجنة.. اعبد الله حياتك كلها واجتهد في العبادة واتعب حتى تسعد بالجنة ورؤية الله عز وجل.. اننا لا بدّ أن نصحّح الكثير مما نفهم.

ومن رحمته تنغيص الدنيا

ومن رحمة الله بنا أنه نغص علينا الدنيا، وابتلانا فيها حتى لا نرتاح الى هذه الدنيا أبدا، ونشتاق الى الجنة، والله انها لرحمة كبيرة، فبالرغم مما في الدنيا من تعب وتكدير وتنغيص، الا أننا نخرج منها بالبكاء الشديد و..

فما بالنار لو كانت حلوة لا تنغيص فيها ولا مشقة ولا عناء، فكيف يكون خروجنا منها؟..

فمن رحمته أنه كدّرها ونغصها علينا حتى نعلم أنها ليست مستقرا وليست دائمة..

رحمته عمّت البشرية جميعها حتى الكفرة

كل هذه الرحمات السابقة، وأيضا كل الرحمات الآتية.. كل هذا من رحمة واحدة من مائة جزء.. سبحان الله الخالق العظيم الرحمن الرحيم…

ومن رحمته بنا أن هذه الرحمة عمّت البشرية جميعها حتى الكفرة..

كيف ذلك..!؟ هل يمنع الله الرزق عن الكافر؟ أبدا.. أليست هذه رحمة؟ سبحان الله..! انهم يعصون الله ولا يؤمنون به ومع ذلك.. هل يمنع عنهم الهواء! لا والله، بالرغم من أن الأرض أرضه والسماء سماؤه.

ومع ذلك يرزقهم ولا يمنع عنهم الهواء ولا الماء.. رحمة من الله، لعلهم يعودون اليه، واسمع هذه القصة:

جاء شيخ كبير الى سيدنا ابراهيم عليه السلام، فدعاه سيدنا ابراهيم الى الطعام، وأوقد النار لينضج الطعام، فجاء هذا الشيخ الكبير وسجد أمام النار؛ لأنه كان يعبدها فقال له سيدنا ابراهيم: قم أتعبد النار؟ فقام الرجل وخرج، فأرسل الله جبريل الى سيدنا ابراهيم:" يا ابراهيم لم لم تتحمّله ساعة وأنا أتحمّله ستين عاما" فجرى خلفه سيدنا ابراهيم، وقال له: هلم الى الطعام، فقال الشيخ: لما؟ فقال ابراهيم: لقد عاتبني ربي فيك. فقال الشيخ: اله رحيم لا بدّ أن يعبد، وأسلم الرجل.

وانظر الى سيدنا ابراهيم حينما قال:

{ واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات} البقرة 126.

(ثم اشترط شرطا) {من آمن منهم بالله واليوم الآخر} البقرة 126، ولكن انظر الى رحمة الله:{ ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطرّه الى عذاب النار} البقرة 126.

اقرأ الآية مرة أخرى.. وافهمها.

رحمات مخصومة

وهناك رحمات نخصومة للمؤمنين، تتنزل على أهل المساجد تحيط بكل واحد منهم، وتدعو لهم الملائكة بالرحمة:" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم الا غشيتهم الرحمةو.." رواه مسلم 6793 وأبو داود 1455.

انها رحمات خاصة بالمؤمنين { وكان بالمؤمنين رحيما} الأحزاب 43.

{فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته} الجاثية 30.

ولذلك لا بد أن تستشعر أن المؤمنين في رحمة الله.

{فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة 38.

هل ذقت هذا الشعور من قبل؟.. هيا تذوقه الآن؟..

(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)

انني كنت أقرأ هذه الآية ولا أفهمها {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} يونس 58. وأقول: كيف أفرح برحمة الله، ولكن أيها الأحبة مجرد شعوركم بأن رحمة الله تعمّكم، هذا الشعور كفيل بأن يجعلك تفرح.. لا تفرح بالمال ولكن افرح حينما تجد نفسك في رحمة الله.. حينما تجد نفسك تصلي في المسجد افرح، حينما تصلي ركعتين بالليل افرح:" رحم الله رجلا قام من الليل فصلى.." رواه أبو داود 1308 والنسائي 1609 وابن ماجه 1336.

حينما تجدي نفسك أنت وزوجك تصليان ركعتين بالليل فافرحا، فأنتما من المرحومين يوم القيامة.

هل عرفت الآن بماذا تفرح..!؟

ليس المطلوب المعرفة فقط، ولكن المطلوب هو العمل والتنفيذ أليس كذلك؟؟

نريد أن نفهم..!!

سبحان الله!! اذا كان الله يرحمنا كل هذه الرحمات، فلماذا اذن نعذب في هذه الدنيا؟ ولماذا نتعرض للمشاكل؟ فلانة طلقت، فلانة ابنها توفى، فلانة.. وفلان لا يجد عملا، فلان رسب في الامتحان، فلا..

طالما أن الله يريد أن يرحمنا، فلماذا يحدث كل هذا لنا في الدنيا..!؟

واليك الجوابن حتى تتضح الصورة، وتفهم.. ان الرحمة تقتضي توصيل المنفعة، أو دفع الضرر، ولكن أحينا لا نعرف أين المنفعة وأين الضرر، وقد يكون توصيل المنفعة لك أمر غير طبيعي، فأنت تكرهها، مثل الابن الذي يرفض الدواء المر، فادراك عقله ما زال قاصرا، فلا يدرك أن هذه المرارة التي في الدواء فيها شفاء، ولكن الأب يسقيه الدواء فينظر الابن الى أبيه ولسان حاله يقول: لماذا تعذبني؟! ولله المثل الأعلى.

فالمنفعة الحقيقية أن تصل الرحمة اليك، حتى وان كنت تكرهها.

وما رأيك بأب يدلل ابنه عند خطئه ويقول رحمة به..!! ماذا ننتظر من هذا الولد بعد فترة.. انه سيفسد.. هل وضحت الصورة؟

انظر الى سيدنا موسى تربية القصور، تربى في بيت فرعون.. وفجأة تتغيّر حياته..

يهرب خارج مصر 10 سنوات، يرعى الغنم في مدين… يا الله لماذا كل هذا!؟

لأنه فيما بعد سيقود بني اسرائيل، وما أدراك ما هم!؟ فكان لا بد له من هذا..؛ لأن الأمر عظيم.. فهذا رحمة به " أحيانا يحدث لك أمر أراد الله به أن يرحمك ولكنك لا تفهم".

يا حبيبي يا رسول الله أنت أعظم رحمات الله

ان من أعظم رحمات الله أنه أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

يقول الله تعالى:{ وما أرسلناك الا رحمة للعالمين} الأنبياء 107، ولم يقل الله: ( للمؤمنين)، ولم يقل: (للمسلمين) بل قال (للعالمين) لتشمل المؤمن والعاصي، الطائع والكافر، الانسان والحيوان، الانس والجن.

ويقول صلى الله عليه وسلم:" انما بعثت رحمة.." رواه مسلم 6556.

تخيّل نفسك الآن من غير النبي صلى الله عليه وسلم..!!

وحتى تدرك ما أقصد.. انظر الى رجل عظيم مثل غاندي، انه عقلية فذة بكل المقاييس نعترف بذلك، ولكن أنظر اليه حينما تمر أمامه بقرة تجده يسجد لها!!

هل ترضى أن تكون هكذا.. ترضى أن تقول: أنا لا اعتقد في أي شيء!! الحمد لله على هذه الرحمة.

ان المواطن الأميركي لا يستغني عن الطبيب النفسي، لا عن المحامي.. انظروا الى الخواء العاطفي الذي لديهم وحالات الانتحار والشذوذ.

حقا ان رسول الله من أعظم الرحمات.

فبه عرفت لماذا خلقت؟ وما غايتك؟ وعرفت الجنة والنار..

أسئلة سهلة ولكن الغرب لا يعرفها، وليست سهلة عنده هكذا..

لن يشعر بهذا الكلام الا من أحب النبي من كل قلبه واقتدى به، وأحس أنه لولا النبي لكنا ضائعين تائهين عاصين.. ويوم القيامة تبرز الرحمة في شفاعته صلى الله عليه وسلم.

انها رحمة الله بنا.. واي رحمة تلك!!

والآن جاء وقت التطبيق

والآن بعد أن رأينا رحمات الله ورأينا أثرها في حياتنا.. جاء وقت التطبيق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من لا يرحم لا يرحم" رواه البخاري 5997 ومسلم 5982 والامام أحمد 2241. ويقول أيضا:" لا تنزع الرحمة الا من شقي أبو داود 4942 والترمذي 1923 والامام احمد 2310. ولذلك، وبعد كل هذا، نريد أن نسأل سؤالا..

هل تشعر الآن أنك من الذين يرحمون الناس..!؟

أم أنك ممن اذا قدر على الناس أفرغ عليهم شرور كبته وغله؟

واذا رايت انسانا في موقف ضعيف، هل ترحمه أم لا؟

واذا رأيت انسانا بامكانك ستره، فهل تستره أم تفضحه..؟

والآن هيا نطبق خلق الرحمة، ونأخذ جانبا جانبا في حياتنا ونطبق فيه خلق الرحمة… هيا بنا.

أولا: الرحمة بالوالدين

وأول هذه الرحمات التي نحب أن نطبقها هي الرحمة بالوالدين.

ان الذي يصل بأبيه وأمه الى مرحلة البكاء.. هل هكذا رحمهم!؟

البنت التي وصلت بأبيها وأمها لمرحلة تعب الصدر، ووجع القلب.. هل هكذا رحمتهم!؟

الذي يرسب رغم أنه يعلم أن هذا سيتعب أبا ه وأمه تعبا شديدا.. هل فكّر أنه بعدم مذاكرته أنه ليس رحيما بهما!؟ البنت التي تمشي مع ولد.. هل تدري أنها هكذا ليست رحيمة فهل تعرف ما الذي سيحدث لأبيها ان عرف ذلك!؟

ألا تخاف اذا نزلت من بيتك وأغلقت الباب بقوة في وجه أبيك وأمك، ثم ماتا في هذه اللحظة وهما قد غضبا عليك.. فكيف ستقضي بقية عمرك وأي مصير ينتظرك..؟

ان الذي يدخل البيت ثم يغلق على نفسه الغرفة، ألم يعلم بأنه بهذا فاقد للرحمة بأمه وأبيه؟

ان سيدنا ابراهيم رغم أن أباه كافر،، الا أنه كان رحيما به، وكان حديثه له يبدأ: ( يا أبت).. تعلم من سيدنا ابراهيم.

اياك أن تجعل أباك وأمك يغضبان عليك، فهذا والله غاية الجفاء لهما والقسوة عليهما..

هل وصلك المقصود؟ أظنه قد وصل.

وان لم يصل ففيك مشكلة.. أنت بعيد فعلا عن الرحمة.

ثانيا: الرحمة بالأقارب

والنوع الثاني من الرحمات التي نريد أن نطبّقها ونجيدها هي الرحمة بالأقارب، ورحمتك بهم أن تزورهم يقول تعالى:" أنا الله الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته". رواه أبو داود 1694 والترمذي 1907.

ان زيارة الأقارب لها اسم آخر ألا وهو: صلة الرحم..

فهل سنزور أقاربنا ونصل رحمنا ونكون من الرحماء؟

ثالثا: الرحمة بالأطفال

والنوع الثالث من الرحمات هو الرحمة بالأطفال، وهيا نتعلم كيف نرحم الأطفال!! جلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان عنده الأقرع بن حابس فجاء الحسن بن علي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهشّ وبش للحسن وحضنه وقبّله، فقال الأقرع بن حابس: ان لي عشرة من الولد كا قبّلت أحدا منهم قط، فنظر اليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:" من لا يرحم لا يرحم".

من قال ان ديننا دين معقّد.. دين التجهّم.. من قال: اننا لا بدّ أن نعبس في وجوه الناس.. لا والله انظروا وتعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم؟

والآن أيها الأب الحبيب هل تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا…؟

بل أكثر من ذلك.. فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل في الصلاة فيريد أن يطيل فيها فيقول:" فأسمع بكاء الصبي فأخفف الصلاة.." رواه البخاري 709 ومسلم 1056. انظروا الى الرحمة وتعلموا.

حتى يشجع الأمهات أن يأتين بأولادهن الى المسجد.

وينظر أعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبّل أولاده.. فيقول الأعرابي: أتقبلون أولادكم..!؟ فنظر اليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له:" ما أملك أنّ نزع الله من قلبك الرحمة" رواه الامام أحمد 556.

انظر كيف نقل رسول الله هذه الأمة من الظلام الى النور.

واليك هذه الحكاية.. كان هناك طفل صغير في المدينة اسمه: عمير، كان دائما معه عصفور يلعب به.. النبي صلى الله عليه وسلم سمّى هذا العصفور: النغير فكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما رأى عميرا يقول له:" يا عمير ما فعل النغير؟" وفي يوم من الأيام رأى النبي صلى الله عليه وسلم عميرا يبكي فقال:" ما يبكيك يا عمير" فقال: يا رسول الله لقد مات النغير.

فجلس النبي صلى الله عليه وسلم ساعة يلاعبه.. فمرّ الصحابة فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب عميرا، فنظر اليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال:" مات النغير فأردت أن ألاعب العمير". رواه البخاري 6203 والامام أحمد 3115و119.

هل تستطيع أن تغيّر معاملتك للأطفال وتجعلها هكذا..!؟

هل ستتعامل مع الأطفال بهذه الرحمة..!؟

فان لم يكن لك أطفال فاكفل يتيما، اذهب الى ملجأ وامسح على رأس يتيم، فان المسح على رأس اليتيم يرقق القلب.

يقول صلى الله عليه وسلم:" أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار باصبعيه وشبك بينهما. رواه البخاري 6005 وأبو داود 5150 والترمذي 1918.

رابعا: الرحمة بالنساء

ومن الرحمات التي نريد أن نطبّقها في حياتنا.. هي الرحمة بالنساء. خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وكان معهم الحمال يركب عليها الصحابيات، وكان من ضمن الصحابة صحابي اسمه: أنجشه، كان يقود الابل، وكان له صوتا جميلا، فبدأ ينشد الأناشيد الاسلامية بصوت عذب رقيق، من حلاوة الصوت بدأت تتمايل الجمال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير" رواه البخاري 6149 و6161 و6202 و6209 ومسلم 5990 والامام أحمد 3254.. القارورة: قطعة الزجاج.

وانظر الى وصف النبي للمرأة بالقارورة.. من يقول بعد ذلك أن الاسلام لم يحترم المرأة.. كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا رأى ابنته السيدة فاطمة كان يقوم ويقبّلها بين عينيها…

من رحمتنا بالنساء ألا نغلظ في معاملتهن؛ بل تكون معاملة طيبة كلها رحمة، فما ضرب رسول الله امرأة ولا أهانها..

اياك أن تتعامل مع أختك أو أمك أو ابنتك أو زوجتك بمنطق اللا رحمة، فمن يتعامل هكذا فليغير معاملته من فوره، وليقتد برسول الله.

كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت:" أوصيكم بالنساء خيرا".

ونصيحة أوجهها للشاب.. من رحمتك بالنساء أن لا تصاحب البنات حفاظا على هذا القلب الرقيق (القارورة).. فانك غالبا لن تتزوجها فحرام عليك هذا القلب أن ينكسر، وحرام عليك أن تتعلق بك وتنشغل بك، وهي متزوجة من شخص آخر، أو تظل تقارن في عقلها الباطن بينك وبين زوجها، وحرام عليك أن تعدها بالزواج ثم تخلف وعدك، فهذا من أكبر الأشياء التي فيها ترك للرحمة بالنساء.

وكذلك نصيحة للآباء: لا تضرب بناتك.. لا تؤذي مشاعرهن، عاملهن بالرحمة..

ليس معنى هذا أننا نترك التربية: فاياك أن تفهم الظاهر..

وتقول: انني أفدت من خلق الرحمة أنني لن أضرب أبنائي…!

لقد قلنا فيما سبق: أننا أحيانا نشق على الآخرين رحمة بهم أليس كذلك!؟

وكذلك نصيحة للمراقبين في الامتحانات: اياك أن تقول: اتركوا الأولاد يغشوا رحمة بهم حتى لا يرسبوا.. ان هذه رحمة في غير موضعها.. هذا فهم خاطئ..!!

خامسا: الرحمة بالخدم

ومن أنواع الرحمة.. الرحمة بالخدم وهذا الموضوع موجه خاصة للنساء.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" اخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تبلسون، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون فان كلفتموهم فأعينوهم". رواه أبو داود 5158 وابن ماجه 3690 والامام أحمد 5158.

يا الله..!! يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الخدم أنه اخواننا.. بعد قراءتك لهذه الكلمة أما شعرت بالرحمة.. لن يشعر بها الا امرأة صالحة طيبة تحب رسول الله، وتنفذ تعليماته وسترحم الخدم..

سادسا: الرحمة بالحيوان

وكذلك من أنواع الرحمة.. الرحمة بالحيوان.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" بينما رجل يمشي اشتد عليه العطش، فنزل بئرا وشرب، ثم خرج، فاذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: قد بلغ هذا مثل الذي بلغ مني، فنزل فملأ خفه، ثم صعد فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له". رواه البخاري 2363 و2466 و6009 ومسلم 5820 والامام أحمد 1378.

هل فعلت ذلك من قبل..!؟ رأيت كلبا في الشارع فأحضرت له طعاما ليأكل، أو أحضرت له ماء.. انها والله رحمة الحيوان.

وكلنا يعلم حكاية المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من حشائش الأرض.

سبحان الله!! كيف لا نفخر بديننا، وكيف لا نفخر بأننا مسلمون.. دين يحافظ على الحيوان ويرحمه، فكيف يكون الحال مع الناس..!!

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من ذبح عصفورا أو قتله في غير شيء، سأله الله عنه يوم القيامة". رواه الامام أحمد 2166.

وبينما عبدالله بن عمر في الطريق، فوجد مجموعة من الشباب يمسكون بدجاجة ويربطونها ويرمون عليها، فقال لهم: لعن رسول الله من فعل هذا.

سبحان الله.. فما بالكم بمن يصوب في الأندية على الحمام بدلا من الأطباق..؟

الموضوع ليس مسألة قطة أو عصفور أو حمامة أو كلب..!!

الموضوع أساسه أن القلب نوعت منه الرحمة.

سابعا: الرحمة بالعصاة

واليك هذه الرحمة العجيبة.. وهي الرحمة بالعصاة: يقول الله تبارك وتعالى:{ كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم} النساء 94. اياك أن تنسى ماضيك.. هل نسيت ماذا كنت من قبل؟ ستهزأ بالناس الآن وتسخر منهم لمعاصيهم، ونسيت نفسك، فنصيحتي لك أن تبدأ مع الناس من حيث بدأت لا من حيث انتهيت فعامل العصاة.. برفق..وكن رحيما بهم، واياك أن تدعو عليهم، بل ادعوا لهم بالهداية كما هداك الله.

وتعلم من رحمة مؤمن يس.. الذي دعا قومه كثيرا ولكنهم قتلوه {قيل ادخل الجنة} يس 26، فكانت أول كلمة يقولها:{ قال ياليت قومي يعلمون} يس 26، سبحان الله أي رحمة هذه..

تعلم منه واعلم أن الناس بداخلها الخير رغم معصيتهم ويبعدهم عن الله، واجعل شعارك {ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل 125.

واياك أن تقول: لا أمل فيهم.. وتذكر أن الصحابة كانوا يقولون: لو آمن حمار الخطاب ما آمن عمر!!.

ثامنا: الرحمة بالمسلمين المضطهدين في بقاع الأرض

ومن أنواع الرحمة.. الرحمة بالمسلمين المضطهدين في بقاع الأرض.. في الشيشان.. في كشمير.. في فلسطين.. في الهند، فرحمتنا بهم أن ندعو لهم ليل نهار.. في كل وقت.. ليس في أيدينا الا هذا.

ومن رحمتنا بهم أن نكون موصولين بالله طائعين له، حتى لا تتكرر هذه المآسي في اي بلد آخر.

تاسعا: الرحمة بجسدك

ومن أنواع الرحمة.. الرحمة بجسدك.. كيف ذلك!؟ بأن تترك التدخين، فهل من المعقول أن ترحم الناس وتنسى نفسك؟ نحن الان لا نتكلم في الحلال والحرام.. اننا نتكلم عن الرحمة بهذا الجسد بأن تمتنع عن التدخين.

بالله عليكم.. امتنعوا عن التدخين.

هناك مؤتمرات تقيمها وزراة الصحة لمحاربة التدخين، فاني أناشدكم، وأطالبكم بكل مقترحاتكم لمحاربة التدخين، فأنتم ثروة المجتمع، فهيا عاونوا المجتمع ليتخلص من هذه العادة السيئة (التدخين).

عاشرا: الرحمة بالناس أجمعين

هيا افتح لي قلبك..

آخر نوع من أنواع الرحمات التي نريد أن نطبقها في حياتنا؛ بل نجيدها: الرحمة بالناس أجمعين.. كيف ذلك!؟ ما عليك الا أن تفتح لي قلبك الآن.. عامل الناس برقة، وحاول أن تنتهز الفرص: تعطف على مسكين، تعفو عمن ظلمك، تبتسم لولد فقير مسكين.. والله انها أشياء كثيرة تستطيع بها أن ترحم الناس كل الناس، فهي من علامات رحمة لقلب، أما جرّبت يوما أن تنزل ومعك بعض النقود لتعطيها لمسكين، أما جرّبت وأنت في البيت تأكل طعاما طيبا، فمن رحمتك أنك أخذت جزءا من هذا الطعام، ونزلت من بيتك لتعطيه لفقير.. ان من رحمتك بالناس أنك تبحث عن هذه الفرص.. انسان يحتاج منك مالا فمن رحمتك به أن تفرّج عنه هذه الكربة..

قال صلى الله عليه وسلم:" من فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة" رواه البخاري 2442 و6951 ومسلم 6521 والامام أحمد 292.

هيا.. ارحم الناس، اياك ان تضرب أحدا على وجهه، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه ولم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما ولا امرأة الا أن يجاهد في سبيل الله أو تنتهك حرمة من حرمات الله فينتقم للله تعالى.. انه لم ينتقم لنفسه قط.

من رحمتك بالناس أنك تستر من أخطأ ولا تفضحه، واياك أن تعرف نقطة ضعف صديقك وتذله بها، فان ذلك كم دلائل قسوة القلب.

وعليك الرحمة بالناس في انتقاء الألفاظ معهم والتودد اليهم.

يقول أبو ذر: أمرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرحم المساكين وأجالسهم.

ومن رحمتنا بالناس ألا نعذب أحدا.. يقول صلى الله عليه وسلم:" أشدّ الناس عذابا يوم القيامة أشدّهم عذابا للناس في الدنيا".

ومن الرحمة بالناس: الرحمة بكبار السن، ايك أن تكون جالسا في المواصلات وترى رجلا كبيرا أو امرأة كبيرة، أو امرأة أيّا كانت، ولا تقوم فهذا ليس من الرحمة يقول صلى الله عليه وسلم:" ما أكرم شاب شيخا لسنه الا قيّض الله له من يكرمه عند سنّه". رواه الترمذي 2022.

وهكذا قد عرفت أنه لا بد أن نرحم الوالدين والأقارب والأطفال والنساء، والخدم والجيران، والعصاة والمسلمين المضطهدين والجسد والناس جميعا.

فهل بعد كل هذا ترحم الجميع وتنسى نفسك أن ترحمها وتخاف عليها من دخول النار؟

فكيف ترحم نفسك؟ بأن تطيع الله عز وجل..

اسأل نفسك الآن: كم ستأخذ من عشرة؟ واحدا، أم اثنين، أم خمسة، أم تسعة..؟

اخشى أن تكون قد رحمت الجميع وأدّيت حق الجميع، ولكنك مقصّر في الرحمة بوالديك فهذه تكون الطامة الكبرى..

فبالله عليك ابدأ بأبيك وأمك ولا تنسهما.

هنيئا لك رقة القلب ودمعة العين

انك لو طبقت كل هذه الرحمات وأجدتها واتقنتها ستجد شيئا عجيبا ألا وهو.. أن دمعة عينيك ستصبح ثريبة جدا وقلبك سيصبح رقيقا وحساسا، سبحان الله.. علاقة غريبة بين المسح على رأس اليتيم وكفالته والدعاء للمستضعفين والرحمة بالفقراء والمساكين والرحمة بالحيوان، وبين رقة القلب.

هنيئا لك يا من نويت الآن أن تطبق الرحمة.. هنيئا لك رقة القلب ودمعة العين فانها ستغسل الذنوب باذن الله.

الدموع رحمة يجعلها الله في قلوب عباده

وانظر الى النبي صلى الله عليه وسلم كيف كانت دموعه قريبة: بعثت اليه احدى بناته بأن ابنها يموت، فمن رحمته صلى الله عليه وسلم أرسل اليها:" ان لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر وتحتسب" فأرسلت اليه تقسم عليه ليأتيّنها فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت ورجال. فرفع الى رسول الله الصبيّ ونفسه تتقعقع_ قال: حسبته أنه قال: كأنها شن_ ففاضت عيناه، فقال: يا رسول الله ما هذا؟ فقال:" هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده انما يرحم الله من عباده الرحماء". رواه البخاري 1284 ومسلم 2132.

وانظر الى سيدنا عمر بن الخطاب حينما كان يمشي في الطريق فسمع طفلا يبكي فبكى عمر.. لماذا تبكي يا عمر؟" أخشى أن أحاسب عليه يوم القيامة"..

متى كانت آخر مرة بكيت فيها من خشية الله..!؟

متى كانت آخر مرة بكيت فيها لرؤية منظر مؤثر لانسان يستحق الرحمة!!؟

هل دمعتك قريبة..!؟ أم أن قلبك قاس غليظ!؟

اللهم ارزقنا قلبا خاشعا رقيقا وعينا دامعة الله آمين..

وانظر الى رقة قلب عمر بن الخطاب

جاء رجل لسيدنا عمر بن الخطاب وقال له شعرا، قال له:

يا عمر الخير جزيت الجنة اكسوا بناتي وأمهنّ

أقسم بالله لتفعلنّ

فقال له عمر: واذا لم أفعل يكون ماذا؟ قال: ان لم تفعل اذا أبا حفص لأمضين، قال عمر: وان مضيت يكون ماذا؟ فقال: والله عنهن لتسألن يوم تساق اما الى نار واما الى جنة، فبكى عمر بن الخطاب وسقط وهو يبكي، ثم قام مسرعا الى بيته يبحث عن كساء فلم يجد، فخلع رداءه وأعطاه للرجل، وقال له: خذ هذا ليوم تكون الأعطيات أمنا، لعلي أساق لا الى نار ولكن الى الجنة.

أخشى أن يتعلق قلبك ببلاغة الكلام فقط.

ولكني أدعوك لترى رحمة سيدنا عمر بن الخطاب ورقة قلبه ودمعته القريبة.. هل تستطيع أن تكون كذلك..!؟

وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة

ان الناظر الى حال العالم الآن لا يلاحظ شيئا في غاية الخطورة.. الا وهو كلما زاد العلم الحديث كلما قلت في العالم الرحمة.. تجد قنابل ذرية يموت بها ملايين، وقنابل جرثومية وقنابل عنقوديةو.. ولكن لماذا تقل الرحمة بزيادة العلم الآن!؟

لأن علما بدون رحمة كارثة.. مصيبة، ولذلك انظر الى القرآن.. حقا انه شفاء ورحمة.. لا يمكن أن تجد في القرآن كلاما عن العلم الا وتجده مقرونا بالرحمة.. سبحان الله..

يقول تعالى:{ ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} غافر 7 ويقول أيضا:{ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنّا علما} الكهف 65.

أراك الآن تقول: أولا مرة ألاحظ هذا.. لكن لو أننا نقرأ القرآن بتدبّر سنجد أسرار هذا القرآن قد دخلت قلوبنا وفهمتها عقولنا.. حقا انه شفاء لنا.

علم معه رحمة اذا انتظر خيرا كثيرا، وتقدما كبيرا وسعادة وطمأنينة واستقرار، ولكن علم بدون رحمة..!!!

وختامه مسك:

يا الله.. حتى ابليس!!!

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ان الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة أمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه رحمة واحدة تتراحم بها الخلائق الى يوم القيامة، فاذا جاء يوم القيامة ضمّ الله هذه الرحمة الى التسعة وتسعين، ثم نشرها وبسطها على كل خلقه، كل رحمة منهم كما بين السماء والأرض فلا يهلك يومها الا هالك".

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أما تمسك بولدها فقال:" أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار" فقالوا: لا، قال:" فالله أرحم بعباده من هذه بولدها" رواه البخاري 5999 ومسلم 6912. حتى ان العلماء يقولون:" حتى أن ابليس يتطاول لتدركه رحمة الله وأنّى له ذلك، ولكن من رحمة الله يخيّل له ذلك".

يقول الامام علي بن أبي طالب: لو قيل لي يوم القيامة سنجعل حسابك لأبيك وامك لرفضت؛ لأن الله سيكون ارحم بي من امي وأبي.

حقا " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"..

ان يوم القيامة ليوم تشتد حاجتنا فيه لرحمة ربنا.. فهيا قدّموا لأنفسكم وابذروا الحب تحصدوا الحب.

" أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي"

وآخر رحمات يوم القيامة.. يوم يدخل أهل الجنة الجنة ويدخل أهل النار النار، ولكن هناك ما زال مجموعة من عصاة المسلمين في النار لم ينقوا بعد، فيقف النبي صلى الله عليه وسلم ويشفع لهم وينادي: يا رب عصاة أمتي، فيقول الله تبارك وتعالى: اذهب يا محمد فأخرجهم من النار، ويحد له حدا ويعد له عددا، فذهب النبي فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنة، ثم يعود مرة أخرى، فما زال هناك عصاة من المسلمين في النار، فيحدث ما حدث في السابق، ثم مرة ثالثة، ثم رابعة وهكذا. ثم تشفع الملائكة ثم يشفع المؤمنون، ولكن ما زال هناك بقية في النار فيقول الله عز ودل: شفع الأنبياء ةشفع المرسلون وشفعت الملائكة، وشفع المؤمنون، وشفع حبيبي محمد، أفلا أعفو أنا، فيحم الله عز وجل فيضع قبضته في جهنم فيخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من لا اله الا الله محمد رسول الله فيخرجون وقد تفحمّوا، فيضعهم الله في نهر يسمى: نهر الحياة، فكأنهم ينبتون نباتا أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: وآخر الرحمات دخول الجنة. رواه البخاري 4581 و7439 ومسلم 453.

يقول الله تبارك وتعالى للجنة:" أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي".

هل عرفتم الآن لماذا ادّخر الله تسعا وتسعين رحمة عنده؟ لأن الدنيا لا تستحق الا رحمة واحدة، ولكن الجنة تستحق مائة رحمة.. اللهم اقذف في قلوبنا الرحمة واجعلنا نتصف بها دائما وأبدا.. اللهم آمين




جزاك الله الخير



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.