التصنيفات
السيدات و سوالف حريم

اسباب السعادة

السعادةُ، ذلك الشُّعور الذي يَسعَى له الخَلْق كلُّهم، فمنهم مَن يصيبه، ومنهم مَن يُخطئه، ومنهم مَن هو بيْن بيْن، على أنَّ السعادة أمرٌ داخلي، لا يمكن لأحدٍ أن يراه، ولا أن يُمسِكَه، وهو لا يُباع ولا يُشترَى، وإنما هو هِبةٌ مِن الله يَهبُها لمَن يشاء مِن عباده، ومن فضْله أنَّه جعَل لذلك أسبابًا يجتهد الإنسانُ في تحصيلها، وأعظمُ هذه الأسباب – في نظري -: أنْ يقتنعَ الإنسانُ بأنَّه لا يمكن لأحدٍ أن يُعطيَه السعادة، بل هي شعورٌ ذاتي، يُغذِّيه عملٌ خارجي.

ولسعادة دَورٌ مهمٌّ، يؤثِّر في مسار حياتنا، وانظر معي إلى هذَين الشخصين؛ لتعرِفَ الفارِق بينهما، فهذا شخصٌ إذا سألتَه عن مشاعره، أجاب: بأني سعيدٌ في حياتي، وأنا – والحمد لله – منسجِم مع مَن حولي، فتقوم مِن عنده منشرحَ الصدر، هادئَ البال، أمَّا الآخر؛ فإذا سألتَه عن حاله أدخلَك في متاهة وكآبة، وأجابك: إنِّي تعيس ومسكين، وضيَّق الدنيا في عينك، وأخذ ينعَى على القدر، حيث جعلَه تَعيسًا، وأخذ يلوم الناسَ إذ لم يهتمُّوا بمشاعرِه، ويُراعوا حالَه، ويتلطَّفوا معه، بل هم في كلِّ يومٍ يَزيدونه تعاسةً، ويحبطون مشاعرَه، لا شكَّ أنَّ شعورَ هذا التعيس قد أصابك بظِلاله، ولكن لا بأسَ عليك ما دُمتَ تَلْقى مثلَ صاحبك الأول، فيغسل عنك ما علَق بنفسك مِن كآبة الثاني.

والسَّعادة وإنْ كانت عزيزةَ المنال، إلا أنَّها مع ذلك تَقبل مَن يخطُبها، ويطلب وُدَّها؛ إذ هي كريمةٌ مع أحبابها، لكنَّها تشترط على خُطَّابها البحثَ عن أسبابها، وهذه بعضُ أسباب السعادة الكثيرة، التي استقرأتُها، وهي تحتاج إلى أن يَسعَى الإنسانُ للتدريب عليها؛ حتى تصبحَ خُلُقًا له:

1- الرضا بالقضاء والقدر: لِمَا يورثه ذلك من طُمأنينة وراحة بالٍ، حيث يوقِن الإنسانُ بأنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئَه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبَه، وهذا الرِّضا هو أعظمُ علاج يمكن أن يُعالِج الإنسانُ به نفسَه؛ ليحصلَ على السعادة؛ لأنَّه يمثِّل القاسمَ المشترك بيْن السعداء، حيث يرضَوْن بما هم فيه، ويستمتعون به كما هو، دون تفكيرٍ في غيره، وليتَنا نتعلم الرِّضا من الأطفال الصِّغار، الذين يتكيَّفون مع أيِّ وضْع يُوجَدون فيه، ويَرضَوْن، فيشعرون – تبعًا لذلك – بالسعادة.

2- الابتسام في وجوه الناس: إنَّ الابتسام خُلُق فاضِل، وهو صدقةٌ؛ لِمَا جاء في الحديث: ((وتبسُّمُك في وجه أخيك صدقة))، وفائدته ما يُدخل في قلْب صاحبه من شعور بالسعادة، ونفْع الناس؛ إذ إنَّ أكثرَ الناس مهمومٌ حزين، شاكٍ مِن حاله وحياته، فإذا رأَوْا مَن يتبسم في وجوههم، استبشروا واستروحوا، ودخلتْ بشائرُ السعادة في نفوسهم، وصاحِب الابتسام ينعكِسُ عليه هذا، حين يردُّون على ابتسامه بالمِثْل، فتدخل السعادة قلبه، وهو السببُ الأصلي لها، فما زال الناسُ في شوْق للقائه، والانبساط إليه.

وما ظنُّك بإنسانٍ يجد الحفاوة أينما حلَّ، هل تظنُّه يكتئِب، أم هو في بِشْرٍ دائم؟! وهذا جزاؤه العاجِل، وما عندَ الله خير وأبقَى.

ومِن عجائب الابتسام أن يفطنَ إليه الغربيُّون مِن خلال التجرِبة والعادة، ويغفُلَ عنه المسلمون رغمَ أنه مِن دِينهم!.

3- السلام: وهو اسمٌ على مسمًّى، وهو دُعاء لأخيك ولِمَن تُسلِّم عليه بالسَّلامة، وهو سبيلٌ إلى السعادة؛ لِمَا يُحدِثه في المجتمع، حيث يأمنُ الناسُ بعضُهم بعضًا؛ لأنَّه لا يفعله إلا مؤمِن قدِ استحكم الإيمانُ في قلبه؛ عملاً بهَديِ النبي – صلى الله عليه وسلم – حين أمرَنا بالسلام في قوله: ((والذي نفْسي بيده لا تدخلوا الجَنَّة حتى تؤمنوا، ولا تُؤمِنوا حتى تحابُّوا، أوَلاَ أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحابتُم؟ أفْشُوا السلامَ بينكم)).

فخُلق السلام داعيةٌ للأمْن في المجتمع، وإذا أمِن الناس فقد حصَّلوا شطرَ السعادة بإذن الله؛ لأنَّ "السعادة تنقسم إلى سعادة فردية، وسعادة اجتماعية".

4- صُنْع المعروف وممارسة الأعمال التطوعيَّة: جاء في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنَّه قال: ((لا يحقرنَّ أحدُكم من المعروف شيئًا))، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((مِن أفْضل العملِ إدْخالُ السُّرور على المؤمِن)).

وصُنْع المعروف مِن أهمِّ خِصال السعادة التي يغفُل عنها الناس، وينطبق هنا ما ذكرْناه في الابتسام، ونَزيد عليه بألاَّ يحقر الإنسانُ شيئًا من المعروف والخير، فيُساعد المحتاج، ويُغيث الملهوف، ويَعود المريض، ويُرشِد السائل، ويَصنع لأخرقَ، ويسمع الأصمَّ، ويَتصدَّق على المحتاج، ويَبذل كلَّ معروف يستطيعه.

وفوائد هذه الأعمال:

أنَّها تعود على صاحبها بالسعادة؛ لأنَّه يشعر بقِيمته في الحياة، ويحسُّ بأنَّ له دورًا يؤدِّيه، واجبًا يقوم به، وأنه ليس هملاً، ولا متاعًا زائدًا عن الحاجة؛ لأنَّ الشعور بانعدام القِيمة، وعدم الأهميَّة سببٌ مِن أعظم أسباب الأمراض النفسيَّة، وخاصَّة الاكتئاب؛ حيث ينغلق الإنسان على نفسه، ثم ينطوي على مآسيه، ولا يزال يجتر أحزانه، والشيطان عن يمينه وشماله، ومِن فوقه وتحته، يُحزنه ويُقنِّطه؛ حتى يقع مريضًا لا فائدةَ فيه، أو منتحرًا خسِر دنياه وآخرته.

5- صِلة الرحم: لا شكَّ ولا مِرية أنَّ صلة الرَّحِم من أعظم المعروف الذي ذكرْناه في السبب السابق، ولكنَّها تَزيد عليه في أنها واجبةٌ، وهي سببٌ في الغِنى وطول العمر؛ كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزْقه، وأن يُنسأَ له في أثَره، فلْيَصلْ رَحِمَه)).

ولا شكَّ أنَّ بسْطَ الرزق مِن أعظم الأشياء التي يسْعَى لها الإنسان، بل لو قلنا: إنَّ أعظم أسباب التعاسة في أيامنا هذه هو الخوفُ مِن الحاجة والفقر، لكنَّا محقِّين، فهلاَّ وصلتَ رَحِمَك، وقمتَ بحقهم؛ حتى تدخلَ السرور عليهم، وتسعد نفسك، فواللهِ لَرِيالٌ تنفقه في صِلة رحمك أرْجى في أرباحه مِن ألف ريال تاجرتَ به؛ ابتغاءَ الرِّبْح.

ومع ذلك، فإنَّ صِلة الرحِم تؤدِّي بك إلى أمور أخرى من أسباب السعادة، مثل: الابتسام وقضاء الحاجات، وإفشاء السلام والأمر بالمعروف، ونشْر العِلم، وغير ذلك من أمورٍ لا تحصل إلا بالاجتماعِ مع الأقارب والأرْحام.

6- المحافظة على صلاة الجماعة، وبخاصَّة صلاة الفَجْر في وقتها مع الجماعة: جاء في الحديث: أنَّ ((مَن صلَّى الفجر في جماعة، كان في ذِمَّة الله حتَّى يمسيَ))، فما ظنُّك بإنسان في حمايةِ الله ورعايته؟!

وجاء في حديث آخَرَ: أنَّ ((مَن أصبح والآخرةُ همُّه، جمَع الله عليه شَمْله، وأتْه الدنيا وهي راغمة))، ولا شكَّ أنَّ من قام لصلاة الفجر ممَّن أهمتْه آخرتُه، وسعى لها، ومع كلِّ ما سبق، فإنَّ قرآن الفجر كان مشهودًا؛ حيثُ تشهده الملائكة، فقل لي بربِّك: كيف تكون حالُ مَن أدرك هذا؟!

7- المداومة على ذِكْر الله: وخاصَّة أذْكار الخروج من البَيْت؛ لأنَّ أكثر أسباب الهمِّ والقلق والضِّيق مِن الشيطان، فإذا بدأ الإنسانُ يومَه بذِكْر الله، وكان أوَّل ما يقوله عند خروجه مِن البيت كما جاء في الحديث: ((بسمِ الله توكلتُ على الله، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله، قال الملَك: كُفيتَ وهُديتَ وُقيتَ، فإذا سمع الشيطان ذلك تنحَّى، وقال لصاحبه: كيف لك برجلٍ كُفِي وهُدِي وُقِي؟!)).

وذِكْر الله – عز وجل – دواءٌ للقلوب؛ قال – تعالى -: ( أَلاَ بِذِكْرِ الَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [الرعد: 28]، وأعظم ذلك القرآن، فهو شِفاءٌ لِمَا في الصُّدور، وهو رحمةٌ للمؤني، وشفاء لأمراضهم النفسيَّة والبدنية، إذا كانوا ممَّن آمَن به واتَّبعه، وأنت واجدٌ أنَّ أكثر المصابين بالأمراض النفسية ممَّن لا يرفع بالقرآن رأسًا، وأقل الناس ضيقًا ومرضًا نفسيًّا هم العلماءُ الربَّانيُّون، وحَمَلة القرآن.

8- الاستغفار: وذلك أنَّ كثرة الاستغفار تحطُّ الخطايا، التي هي أكبرُ أسباب الشَّقاء وضِيق الصَّدر.

9- الاغْتسال بالماء الباردِ في أيَّام الصيف: ولذلك أثرٌ عجيبٌ في حصولِ السَّعادة مؤقَّتًا، وبشكل عاجِل، فالاغتسال مِثلُ المسكن المؤقَّت، سريع المفعول (البنادول)، ولابن تيمية كلامٌ جميل في تفسير سببِ ذلك.

10- الصَّدقة ولو بالقليل: كلَّما تيسَّر ذلك، واحرصْ على أن يكون ذلك في الصباح الباكِر، وفي أوَّل المساء؛ لتوافقَ دعاء الملائكة للمنفقِي: ((اللهمَّ أعطِ منفِقًا خلَفًا)).

11- المسح على رأس اليتيم: ولذلك أثرٌ عجيب، خاصَّة إذا صاحبَه مداعبةٌ لليتم، وتطيب لخاطرِه، وجلوس وأكْل معه، وكذلك الضُّعفاء والمساكين، ونتيجة ذلك – إضافةً إلى ما سبق ذِكْره (في فِقرة 4) – شعورٌ بالسعادة العاجِلة، مع كسْب ثناء هؤلاء الضُّعفاء ودعائهم، ويلحق بهذا السعيُ على الأرْملة والمسكين، وكلِّ محتاج متعفِّف لا يُفطَن له.

12- حضور حِلَق الذِّكْر، ومجالِس العلم وتدارس القرآن: حيث تتنزَّل على أصحابها الملائكةُ، وتغشاهم رحمة الله، وتُغفَر ذنوبهم، ويذكُرهم الجليل — تبارك وتعالى — فيمَن عنده، وتدعو لهم الكائناتُ مع الملائكة رِضًا بما يصنعون مِن طلبٍ للعِلم، ومشْي في سبيله.

13- النُّصح للمسلين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في لِين ورِفْق وتُؤدَة: وذلك أنَّ المنكَرات تؤثِّر على نفس مَن يراها، فيضيق صدرُه إذا لم يُنكرْها، وذلك مِن شؤم المعاصي، وأقل مراتِب الإنكار بالقَلْب.

14- النظر في أحوال الناس مِن حولك: لتعرفَ أنَّ هناك مَن هو أشدُّ بلاءً منك، فتسكن عند ذلك نفسُك، ويذهب عنك الضِّيق، وتجه للاستفادةِ ممَّا آتاك الله، وتشكره إذْ عافاك مما كتبَه عليهم.

أيُّها القارئ الكريم، لا تستكثرْ على نفسك أن تعيشَ في سعادة، وتنشرها فيمَن حولك، وحاول ألاَّ تكون سببًا في الكآبة، فهنالك حولَنا من الظروف والمشكِلات ما يكفي لجلْب الكآبة.

وتذكَّر أنَّ مِن خير الأعمال ((سرورًا تُدخِله على مؤمِن))، وأنَّ خير الناس أنفعُهم للناس، وتفكَّر في الأشخاص الذين تشتاق لهم، وتحبُّ رؤيتَهم، وستجد حتمًا أنَّ الرابط فيما بينهم أنَّهم ممَّن يُدخل السرور على قلْبك.

كما آمل أن نُغيِّر فكرتَنا عن التديُّن الذي يتَّخذ الحزن شِعارًا، فهذا من مُحْدَثات الصوفية والرافضة، الذين أدْخلوها على المسلمين، ولولا أنَّ الحزن سقيم، ولا يأتي بفائدة، لَمَا كانت ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح: 1]، مِن أهمِّ ميزات حبيبنا – عليه الصلاة والسلام -.

وهذا لا يُناقض الحُزنَ الطبيعي الجِبلِّي، الذي فُطِر عليه الناس عند فقْد عزيز، أو فوات أمْرٍ محبوب، إنما يُقصَد به ما جعَله الناس شعارًا لتديُّنهم، فزادوا به ما لم يوجبْه الله عليهم، والحقُّ وسطٌ بيْن طرفين، فعليك بقصْد الأمور، فكِلا طرفي قصْد الأمور ذميم.

أسأل الله لي ولوالديَّ، وأهلي وأحبتي، ولمَن قرأها، ولمسلمين – سعادةَ الدنيا والآخِرة….




بارك الله فيك



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.