الهذاء (البارانويا) اضطراب ذهاني وظيفي يميزه الأوهام و الهذيان الواضح المنظم الثابت. أي الهذيانات و المعتقدات الخاطئة عن مشاعر العظمة و الإضطهاد مع الإحتفاظ بالتفكير المنطقي و عدم وجود هلوسات في حالة الهذاء النقي. أي أن الشخصية رغم وجود المرض تكون متماسكة و منتظمة نسبيا و على اتصال لا بأس به بالواقع ، و لا يرافقه تغير في السلوك العام إلا بقدر ما توحي به الأوهام و الهذيانات.
و يعرف الهذاء أحيانا باسم "رد فعل الهذاء" و أطلق عليه البعض اسم "جنون العظمة و جنون الإضطهاد"
تصنيف الهذاء (البارانويا) :
يصنف الهذاء على النحو التالي:
1- الهذاء النقي أو الهذاء الحقيقي Pure or True Paranoid :
حيث تسود أوهام العظمة أو أوهام الإضطهاد أو الهذاء الجنسي أو هذاء المشاكسة أو هذاء الغيرة.
2- حالة الهذاء النقي State Paranoid :
و أهم أعراضها الأوهام العابرة غير الدائمة و غير المنتظمة تماما ، و لكنها غريبة مع بعض اضطرابات في الفكر. و تعتبر حالة الهذاء حالة بين الهذاء النقي و بين الفصام الهذائي.
3- الفصام الهذائي Schizophrenia Paranoid :
ومن أعراضه التفكك والبلادة الانفعالية , ومن أشكاله هذاء العظمة , وهذاء الاضطهاد , وتكون أعراض الفصام الهذائي مختلطة بأعراض الفصام الأخرى.
4- الهذاء المنقول (الهذاء الثنائي) Folie à Deux:
حيث تنتقل الأوهام الهذائية من المريض الى شخص قريب أو متعلق به مثل الوالد و الولد أو الزوج و الزوجة أو الأخ و الأخت. و هي حالة تقمص ، و ينتقل عادة من الشخص المسيطر الى الشخص الأقل سيطرة و القابل للإيحاء و يكون الشخصان غالبا سيئي التوافق ذوي محيط بيئي متماثل و يواجهان نفس الظروف النفسية.
مدى حدوث الهذاء :
الهذاء أقل انتشارا من الفصام و يمثل مرضى الهذاء حوالي 2% من نزلاء مستشفيات الأمراض العقلية.
ولكن نسبة انتشاره في المجتمع لا شك اكبر من هذا الرقم ، لأن مريض البارانويا لا يذهب الى المستشفى إلا إذا ساءت حالته جدا ..
و يكثر ظهور الهذاء في منتصف العمر أي في مرحلة الرشد و خاصة في الأربعينات أكثر مما يشاهد في مرحلة الشباب.
الشخصية الهذائية :
في الطفولة / :
نتسم شخصية الطفل ذي المستقبل الهذائي بسمات أهمها: الوحدة و قلة الأصدقاء و العزلة الإجتماعية و عدم القدرة على تبادل الثقة ، و التقلب الإنفعالي ، و عدم الأمن ، و الشك و العناد و السرية ، و الحزن و التبرم و التهيجية و الإمتعاض من النظام.
و كلما نما الفرد نحو الرشد / :
تبدأ السمات السابقة في المبالغة ، فتتسم الشخصية بشدة الحساسية و خاصة للنقد ، و مشاعر الإضطهاد و العظمة ، و المبالغة (يجعل من الحبة قبة) ، و تأكيد الذات و الأنانية و التمركز حول الذات و التذمر و العدوان.
و في الرشد تتضح سمات أهمها: الجمود و التزمت و المناوأة ، و عدم التسامح في النقد ، و الإستخفاف بالآخرين ، و الغيرة ، و الطغيان و التسلط على من هم دونه ، و الإيمان بالسحر و التفكير الخرافي.
أسباب الهذاء:
– الصراع النفسي الدائم بين رغبات الفرد المكبوتة و الخوف من الفشل في إشباعها لتعارضها مع المعايير الاجتماعية و مع القيم.
– الإحباط والإخفاق المستمر في معظم مجالات التوافق الذاتي و الانفعالي و الاجتماعي مع الشعور بالنقص و الاعتماد المفرط في استخدام الآليات الدفاعية و من أهمها :
الإنكار ، و التبرير ، و التعويض ، و الكبت ، و الإسقاط ( مثل إسقاط الدوافع التي تؤدي إلى الشعور بالذنب على مضطهديهم ) والتمويه على الذات.
– خبرات الطفولة المبكرة المؤلمة و اضطراب الجو الأسري وسيادة التسلطية و الكف و النقد و نقص كفاية عملية التنشئة الاجتماعية و الفشل في تحديد مستوى طموح يتناسب مع القدرات .
– تهديد أمن الفرد من خلال المنافسة أو الرفض أو الخزي أو الهزيمة.
– عدم نضج الشخصية و اضطرابها قبل المرض.
-المشكلات الجنسية و سوء التوافق الجنسي ، و العنوسة ، و تأخر الزواج ،
و الحرمان الجنسي. و تعزي مدرسة التحليل النفسي الهذاء الى أنه نتيجة للجنسية المثلية المكبوتة و المسقطة ، و الشعور بالإثم.
أعراض الهذاء:
1-الأعراض عامة للهذاء :
أهمها الأوهام و الهذيانات و المعتقدات الخاطئة الجامدة المنظمة الدائمة التي تطغى على البصيرة، و الدفاع بحرارة عن هذه الأوهام و الهذيانات و محاولة اقناع الآخرين و توجيه كل الإهتمام اليها و تمركز السلوك حولها.
2- الأعراض الإكلينيكية للهذاء:
*ـ توهم العظمة Delusion of Grandeur:
حيث يعتقد المريض أنه عظيم أو قائد أو فيلسوف ، أو مبدع ، ويؤمن بأهمية ذاته وتفوقه وعظمته وخطورته وقد يعتقد أن لديه قوة خارقة وسحرية ، ويلاحظ عليه الحديث عن الذات والتعالي والمفاخرة ، وتبني أهداف غير عملية .
*ـ توهم الاضطهاد Delusion of Persecution :
حيث يعتقد المريض أن أحد الناس ينوي قتله ويدبر له مكيدة ، ويعتقد المريض أنه مظلوم ، وأن الآخرين يسيئون معاملته ويخططون لإيذائه ( كأن يضعوا له السم في الطعام ) ، وقد يعتقد المريض أن المخابرات والشرطة موجهة نحوه ويترصدون خطواته بعدة وسائل.
*ـ توهم الغيرة Delusion of Jealousy :
وفيه يعتقد المريض أن محبوبه على علاقة حب بشخص آخر ، والزوجة تعتقد أن زوجها يخونها ، وهذا النوع من الاعتقاد يختلف عن الغيرة العادية حيث تكون الغيرة هنا شديدة عميقة متأصلة وثابتة يصعب فهمها ولا أساس لها .
*ـ توهم الإشارة أو الإحالة أو الإسناد Delusion of Reference :
و فيه يعتقد المريض أن أقوال الآخرين وأفعالهم تستهدفه ، وذلك للنيل منه وتجريح صورته أمام الآخرين والمريض هنا يصور أية حركة أو كلمة أو واقعة على أنها تعنيه هو.
*ـ توهم المرض Hypochandriac Delusion :
ويعتقد المريض بأنه مصاب بمرض عضال وغير قابل للشفاء بالرغم من إجراء الفحوص المتكررة التي تؤكد سلامته ويتركز توهم المرض هنا على أية منطقة من الجسم لذلك سميت توهمات سوماتية عضوية ، وغالبية هذا التوهم يتركز على وظائف الجهاز الهضمي والقلب والصدر ، كالاعتقاد بأنه مصاب بالسرطان ، أو وجود حشرات في جسمه.
*ـ توهم الإثم والشعور بالذنب Sin Delusion :
حيث يعتقد أنه ارتكب جريمة أو قام بفعل أثيم يعاقب عليه ، وذلك كله مجرد توهم أقنع نفسه به كعرض للمرض العقلي.
*ـ توهم الجنس :
وفيه يعتقد أن أحد أفراد الجنس الآخر في مركز غنى وشهرة يحبه ويرسل إليه رسائل عن طريق الراديو أو التلفاز أو المجلات أو أي وسيلة أخرى ، ويكتب له خطابات غرامية.
توهم المشاكسة :
حيث يصر المريض على الحقوق و المطالبة بها و يحب المشاكل و الشكاوي القانونية و القضايا و العناد و الخصام و محاولة تخطي الآخرين.
*ـ توهمات مختلطة :
حيث تضم اعتقادات وتوهمات متنوعة ، تضم عددا من الأشكال السابقة الذكر
تشخيص الهذاء:
تشخيص الهذاء ليس صعبا. و قد نجد بعض أعراض الهذاء لدى الشخص العادي الذي يتحيز لمبدأ خاطئ لا يقبل فيه مناقشة و لكنه بالإقناع يمكن أن يغير رأيه و يعترف بخطئه. أما الهذاء المرضي فهو جزء من تكوين شخصية المريض و لا يمكن أن يحيد عنه.
علاج الهذاء:
حالات الهذاء لا تحتاج إلى الإيداع في مستشفى الأمراض النفسية لإن المرضى يظلون في إطار المعقول فيما يختص بالإتصال الإجتماعي فيما عدا ما إذا كانوا من النوع الخطر العدواني المشاكس أو الجنسي فيجب إيداعهم في المستشفى.
* العلاج النفسي يهدف إلى تخفيف حدة قلق المريض و تجديد قدرته على الاتصال على مستوى واقعي في العلاقات الشخصية و التخلص من أوهامه.
* العلاج الطبي بالأدوية و العقاقير المضادة للذهان لازم لجعل المريض أكثر طواعية خلال العلاج النفسي.
_________