ولذا فمن المعقول اعتبار أنه ليس من زمرة أولئك البشر الطبيعيين في نفسيتهم.وعندما حاول الآباء والأمهات والمربون إفهام أبنائهم وبناتهم وطلابهم ما الذي يعنيه إقدام المرء على الغش والخداع والاحتيال، قالوا إن الغش أو الاحتيال والنفاق لا يصدر إلا عن إنسان ضعيف ومُقصر في أداء عمله.
ولذا عليهم أن يجتهدوا ويكونوا أقوياء بسلوكياتهم وعلمهم وتعاملاتهم الراقية مع الغير، كي لا يُضطروا إلى اللجوء لتلك السلوكيات الضعيفة. وللطب النفسي محاولات كثيرة للتعرف على أسباب إقدام البعض على الغش والاحتيال والنصب، وذلك سعياً لإيجاد حلول لهذه السلوكيات التي متى ما بدأ المرء بالإقدام عليها حال المرحلة الأكاديمية، فإنها ستصبغ سلوكيات حياته في المراحل العملية والاجتماعية والأسرية التالية.
وفي حين حاولت مجموعة من الدراسات الطبية التعرف على نفسية الغشاش، كمثال على نوعية شاذة للنفس البشرية، حاولت دراسة الباحثين في الطب النفسي من جامعة أوهايو الأميركية التعرف على المزيد حول جانب النقيض، أي نفسية الطالب الجامعي الذي لا يُمارس الغش cheating كأسلوب في حياته الدراسية.
وعُرضت نتائج الدراسة في حلقتين علميتين، يوم 16 ويوم 17 أغسطس الحالي، ضمن فعاليات اللقاء السنوي للرابطة الأميركية للنفسية الذي عُقد إبان تلك الفترة في مدينة بوسطن الأميركية.
وجد الباحثون أن الطلاب الذين يحصلون على معدلات عالية في تقييم مدى الشجاعة والإقدام، وتقييم مدى الإيمان بالمعقدات الشخصية، وتقييم مدى الأمانة والصدق، هم أقل احتمالاً لأن يكونوا قد قاموا بعمليات الغش في الماضي أو لديهم أي رغبة في القيام بها مستقبلاً.
واللافت للنظر، والمتطلب لعمق في التأمل، هو ملاحظة الباحثين في نتائج دراستهم أن الأشخاص الذين لا يغشون أو لا يحتالون على الغير، هم من البراءة بمكان، لدرجة أنهم لا يعتقدون بأن أحداً من زملائهم في الدراسة قد يُقدم على فعل عملية الغش أو عدم الأمانة الأكاديمية! أي بعبارة أخرى، لأنهم أمناء في سلوكياتهم، فهم يعتقدون أن بقية الناس أمناء كذلك. ولا يتوقعون من الغير الإقدام على مثل هذه الأفعال المشينة. وهو ما يتوافق مع المثل الشعبي القائل: ” كلٌ يرى الناس بعين طبْعه”، أي بنوعية الطبائع والسلوكيات التي يقوم بها.
وقالت البروفسورة سارة ستاتس، الباحثة المشاركة في الدراسة والمتخصصة في علم النفس، الناس الذين لا يغشون لديهم نظرة أكثر إيجابية نحو ما يُمكن أن تكون عليه سلوكيات الغير.
ولذا لا يُمكنهم أن يروا ثمة فرقاً بين نفوسهم ونفوس غيرهم! وفي المقابل، وجد الباحثون أن الطلاب الذين يُسجلون نُقاطاً متدنية في مجالات التقييم المتعلقة بالأمانة والصدق والشجاعة والإقدام والإيمان بالمعتقدات الشخصية، هم أكثر لجوءاً إلى الغش والاحتيال والخداع. وأضافت البروفسورة ستاتس ان هؤلاء كانوا أكثر ميلاً لتبرير سلوكهم في الغش باعتقادهم أن الآخرون يغشون كذلك، فلما لا يغشون مثلهم!
وتأتي أهمية الدراسة، في جانب التعليم الجامعي، من نتائج مجموعة من الدراسات الحديثة التي أشارت إلى ارتفاع نسبة الغش في مجتمعات الطلاب الجامعيين، على الأقل تلك الصادرة عن الباحثين في الولايات المتحدة، والتي قال بعضها أن ما بين 60 إلى 80% من الطلاب الجامعيين أقروا في الاستفتاءات الخاصة بأنهم فعلوا ذلك. ولذا وصفت الباحثة أولئك الطلاب الذين لا يغشون بأنهم “أبطال أكاديميون”.
وقالت بأن هؤلاء يبدوا أنهم أقلية ضمن مجموعات الطلاب التي تُمارس الغش كلما سنحت لها الفرصة، وتلقى المكافآت تلو الأخرى في الجانب الأكاديمي، هذا مع وجود قلة احتمالات الانكشاف أو تلقي العقوبات.
وكان الباحثون من جامعة ميناسوتا وجامعة بريتش كولومبيا، قد نشروا ضمن عدد يناير من مجلة العلوم النفسية “سايكولوجيكل سينس” دراستهم عن سلوك الغش. والتي تبين لهم في نتائجها أن الأشخاص الضعفاء في إيمانهم بقدراتهم على فعل الأفضل لحياتهم، هم أكثر إقداماً على الغش أو على سرقة الغير.
ومثل ذلك توصلت إليه دراسات طبية نفسية أخرى، وغالبيتها تُرجع الأمر إلى وجود ضعف ما في نفسية الشخص الغشاش. وتتحدث عن تأثيرات نفسية عميقة للغش، خاصة في نواحي النظرة إلى بقية الناس الأسوياء.