كان من الطبيعي أن يحدث الدين الإسلامي نقلة نوعية في الشعر العربي، لأن الدين الإسلامي ارتكز على جملة من الضوابط الأخلاقية السامية، حاملاً معه المودة والتسامح والنخوة والإباء، والقيم التليدة، نابذاً الفسق والفجور والنميمة، والحقد والكراهية، وقد تفيأ الدين الحنيف بالبعث والثواب والعقاب والجنة، وقد تجلى ذلك في آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأفواه الصحابة، لذلك كان لابد
من أن يؤثر تأثيراً جلياً في موضوعات الشعر المختلفة فبرزت سمات الزهد والتقى والورع، ومخافة الله، وقد اتخذ الغزل الطهر والنقاء والصفاء بتأثير الإسلام مما هيأ لذيوع وشيوع الغزل العذري ما أضفى على الرجل والمرأة ضرباً من الاحترام والتقدير، ووهب المرأة الجلال والوقار، ولذلك لجأ الشاعر إلى الشكوى مما أصابه من تباريح الحب التي كشف عن الألم والعذاب والاكتواء بنيران الحب، وتتمثل هذه الشكوى بالتضرع إلى سبحانه تعالى كما في قول جميل:
إلى الله أشكو لا إلى الناس حبها ولابد من شكوى حبيب يروع
ألا تـتـقـين الله فيمن… قتلته فأمسى إليكم خاشعاً يتضرع ii
فيا رب حببني إليها وأعطني لـ مودة منها أنت تعطي وتمنع ii
ومن الواضح أن شعراء الغزل العذريين وغيرهم متأثرون بالقيم الإسلامية كفكرة العفو والغفران كما قول الشاعر عمر بن أبي ربيعة:
فديتك أطلقي حبلي وجودي فإن الله ذو عفو غفور
ونلمس أن الشاعر الفرزدق يعرض فكرة الإثم في القتل ثم بين عقاب الله لقاتل النفس المؤمنة وفي ذلك تحذير للمرء لكي يتجنب الوقوع في مثل هذه الآثام:
يا أخت ناجية بن سامة إنني أخشى عليك بني إن طلبوا دمي
فـإذا حـلـفت هناك أنك من دمي لبريئة فتحللي، لاتأثمي ii
فـلـئـن سفكت دماً بغير جريرة لتخلدن مع العذاب الآلأم ii ومن اللافت للنظر والانتباه أن شعر الحماسة كان أكثر تأثيراً بالإسلام من شعر الهجاء والمديح فكان يستخدم أكثره في الجهاد حيث يرفد صفوف المحاربين عدد من القصاص والوعاظ يحثون على الاستشهاد في سبيل الله، والفوز بالجنة مما يجعل للقصيدة مواعظ خاصة كقول الشاعر نصر بن سيار:
دع عـنـك دنيا وأهلاً أنت تاركهم ماخير دنيا وأهل لايدومونا
وأكثر تقى الله في الأسرار مجتهداً إن التقى خير ما كان مكنونا
واعـلـم بـأنك بالأعمال… مرتهن فكن لنا كثير الهم محزونا
وامـنـح جهادك من لم يرج آخرةً وكن عدواً لقوم لا يصلونا ii
فـاقـتـلهم غضباً لله.. منتصراً منهم به ودع المرتاب مفتونا ii
ويعرض الشاعر كعب الأشقر في قصيدته فكرة محاربة فرقة خرجت عن طريق الهدى ولذلك
يدعو إلى الاستبسال في الحرب والنيل من هذي الفرقة التي زاغت أعينها عن طريق الحق والصواب:
إذا اعتصمنا بحبل الله إذ جحدوا بالمحكمات ولم نكفر كما كفروا
جاروا عن القصد والإسلام واتبعوا دينا يخالف ما جاءت به النذر
وكان الشعراء يسبغون على المحاربين صفات عظيمة وكان هدفهم من ذلك بما ينتظرهم من نعيم الخلد وبذلك يتضح تأثير الدين الإسلامي بالشعر وإيمانهم بمبدأ الثواب ونيل رضوان الله في الآخرة كما في قول الشاعر الضحاك بن قيس وهو يرثي بهلول الصقري:
يا عين أذري دموعاً منك تهتانا وابكي لنا صحبة بانوا وإخوانا
خلوا لنا ظاهر الدنيا وباطنها وأصبحوا في جنان الخلد رضوانا
وتسود الروح الدينية في المراثي ويعرض الشاعر مناقب الشهيد واتزانه بالتقى والزهد والإيمان ومما لاشك فيه أن هذا الرثاء يمنح الشاعر نفسه آملاً برحمة الله وعفوه وفوزاً كبيراً في آخرته كقول جرير في عمر بن عبد العزيز:
حملت أمراً عظيماً فاصطبرت له وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
لقد تمثل في الرثاء سمات روحانية كالتسليم لله والرضا بقدرته وقضائه فالموت حق على العباد وما على المرء سوى التسليم بالصبر والإيمان بما أراده الله لعبيده وعلى مثل هذه الشاكلة يؤثر الدين الإسلامي تأثيراً إيجابياً رائعاً ونبيلاً.
إن بطون وأمات الكتب العربية تزخر بكثير من الأمثلة التي تدعم وتؤيد بشكل مطلق أثر الدين الإسلامي على ألسنة الشعراء وما زال هذا الأثر يتعمق مذكراً البشرية باليوم الآخر وما ينتظرها من الثواب والعقاب ويكشف لنا الدين الإسلامي عن الدنيا ومتاعها الزائل وأن طريق الخلاص يتجسد بالتقى والعمل الصالح ومجانبة الأعمال الشائنة والتحلي بقيم الإسلام المتمثلة بالتواضع والتسامح والخلق الكريم والأمانة.
م/ن