التصنيفات
التربية والتعليم

تربية الأبناء بين المصادقة والمعاقبة


بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
جريدة الأهرام 2 نوفمبر 2022

علاقة الأبويْن بالأبناء ينبغي أن تقوم على دعامتين أساسيتين هُما الحُب والحكمة. والحُب يشمل الحنو والرعاية والعطاء. والحكمة تشمل الفهم السليم في ممارسة كلٍ من عناصر المعاملات مع الأبناء.

ونحن ننصح في تربية الأبناء، أن تبدأ بعلاقة من الصداقة بينهما وبين أبنائهما، بحيث تربطهما بهم مشاعر من المودة، وليس مُجرَّد سُلطة الأعلى على الأدنى…

وفي هذه الصداقة والمودة، توجد الثقة والمصارحة: فيستطيع الابن أن يفتح قلبه لوالديه، ويحدثهما بصراحة عمَّا في داخله. ويكشف مشاكله وحروبه الروحية، دون أن يخشى عقاباً
أو توبيخاً أو فقداناً للثقة به. بل يطلب المشورة والإرشاد. ولا مانع من الحوار، لا بلون من المجادلة والكبرياء، بل للتوضيح وبحث كل وجهات النظر معاً…

وفي كشف الابن لأخطائه، يكون واثقاً أن أبويه سوف لا يعايرانه بها، أو يغيران معاملتهما له بسببها…

وبعلاقة المصارحة هذه، وفي جو المصادقة والمودَّة، يثق الابن أن والديه يتصفان بالموضوعية وليس بالانفعال. فهما يسمعان في هدوء كل ما يقوله عن أخطائه ومشاكله،
دون أن يثور أيّ منهما أو يتضايق، أو يشتد في لوم الابن أو إيلامه، بل يرشده إلى ما يجب عليه في إقناع. وبهذه المعاملة يمكن للابن أن يقتنع بمحبة والديه وحكمتهما، ولا يخفى عنهما شيئاً، ويتخذهما كمرشدين…

على أن جو المصادقة بين الأبناء والأبوين، لا تمنع احترام الأبناء لهما، سواء من الناحية الدينية التي تأمر بإكرام الوالدين والخضوع لهما، أو من الناحية العملية أيضاً ثقةً بحكمتهما ومحبتهما وحُسن إرشادهما.

وبالرغم من كل ما قلناه عن الصداقة والمودة بين الوالدين وأبنائهما، نقول أيضاً إن بعض أخطاء الأبناء تحتاج إلى عقوبة إن كانت فادحة أو مقصودة، بينما أخطاء أخرى يكفيها مُجرَّد التنبيه أو التوبيخ، أو إظهار عدم الرضى عنها أو الإرشاد، أو الإنذار بالعقوبة إن تكرر الخطأ..

والعقوبة لازمة أحياناً، لأنَّ كثيرين لا يشعرون بفداحة الخطأ إن لم يُعاقبوا. وبدون العقوبة قد يستمر المخطئ في أخطائه، وقد يصل إلى حد الاستهانة والاستهتار. واللَّه ـ تبارك اسمه ـ على الرغم من رحمته ومحبته للبشر، قد عاقب كثيرين، شعوباً وأفراداً، وأنذر بعقوبات…

وهناك أنواع من العقوبة يستخدمها الآباء والأمهات، فالبعض قد يمنع عن ابنه شيئاً من المصروف أو الهدايا، أو يمنعه عن بعض الترفيهات أو المشهيات أو الزيارات التي يحبها.
أو يمنعه عن اللعب، أو عن بعض الصداقات.

على أن بعض الأباء قد يلجأ في العقوبة إلى أسلوب من العنف وجرح الشعور،
مثل الضرب والشتيمة! وهذا بلا شك أسلوب غير روحي. وقد يأتي بنتائج عكسية، إن كان منهجاً مستمراً.

على أن البعض قد يستخدم في العقوبة أسلوب المخاصمة أو المقاطعة. فتستمر الأم مثلاً فترة طويلة لا تُكلِّم ابنها ولا تستمع إليه. ولا ترد عليه إن كلَّمها، أو تتجاهله باستمرار.
وفي نفس الوقت تغيظه بمعاملة أخوته بلطف. وقد تطول فترة المخاصمة، ويبدو الموضوع
بلا حلّ!

ولا شك أن المخاصمة والمقاطعة لها أضرارها وأخطارها: فهى إجراء سلبي وليست حلاً لإشكال. ويكون فيها الابن ـ وبخاصة لو كان صغيراً ـ في وضع عاجز عن التَّصرُّف،
ولا يعرف متى تنتهي هذه المخاصمة؟! وكيف؟ كما أنها لا تُعطي مجالاً للتفاهم أو الحوار.
وإن طالت، يزداد الأمر تعقيداً … ويبدو أن هذه الوسيلة كعقوبة، لا تصلح إلاَّ إذا كانت لدقائق أو ساعات يعقبها عتاب…

المهم في العقوبة أن تكون ذات نتيجة طيبة في تقويم الابن، ولا تكون مُجرَّد تنفيس عن غضب مكبوت، أو إراحة لأعصاب متوترة..

والوالدان الحكيمان لا يهددان، إنما يتصرفان بحكمة تجمع بين الحب والحزم، وبين العقاب والعلاج. فيكون العقاب هدفه الإصلاح، وليس لمُجرَّد المُجازاة. وبحكمة يُعرف سبب العقوبة، وهل يصلح؟ ولأي مدى…

وللعقوبة شروط. والشرط الأول منها، أن يعرف الابن أنه قد أخطأ، وأنه يستحق العقوبة.

لذلك ينبغي توضيح الموقف له، وشرح نوعية الخطأ الذي وقع فيه ونتائجه. على أن يقتنع بذلك. لأنه إن لم يدرك أنه قد أخطأ، سيشعر أنه قد وقع تحت ظلم، وأن سُلطة الوالدين تُستخدم بطريقة عشوائية وبدون حق، وهذا الشعور يضره ويتعبه..

?? يجب إقناعه أيضاً بأن العقوبة نافعة له لتربيته. وعليه أن يتذكَّر أنه فعل ما لا يليق، ورُبَّما قد أساء إلى سُمعة الأسرة، وقدَّم أمثولة سيئة لأخوته الذين قد يقلدونه في حالة عدم معاقبته.

مع إشعاره أن العقوبة لا تتعارض مع محبة والديه له.

ومن شروط العقوبة أن تكون على قدر الاحتمال: على قدر ما يستحق الخطأ من جهة، وعلى قدر ما يحتمل المخطئ من جهة أخرى. ويُراعى في العقوبة شعور الابن الحساس، والابن الصغير، والابن الصغير الذي قد تصدمه العقوبة، والابن المحتاج إلى حنان لظروف خاصة. ويُراعى أيضاً عامل السن، وعامل الجهل أحياناً…

وتكون العقوبة لوقت محدد تنتهي بعده. لأنَّ بعض الأباء إذا غضبوا مرَّة على أبنائهم، يكون غضباً مستمراً لا يُعرف متى ينتهي؟! وإن منعوا الابن عن شيء، لا يعرف متى ينتهي المنع؟ وهذا خطأ بلا شك. واللَّه نفسه، كان يُعاقب، ثم يعفو ويغفر..

وينبغي أن تكون العقوبة على أساس ثابت من المبادئ والقيم. فلا يعاقب الابن عن شيء من المفروض أن يبتعد عنه، ثم يصرح له بذلك الشيء في وقت آخر!! وهكذا لا يدرك الحكمة في المنع والمنح!

ومن شروط العقوبة أن تكون لوناً من العلاج، وتؤدي إلى ذلك. وأن يفهم الابن بها أنه غير مغضوب عليه. وإنما الغضب هو على الخطأ




خليجية



لحظه وداع
اسعدني مرورك العطر



thanxxxxxxxxxxx



كلام جدا رائع

اشكرك غاليتي

دمتي بخير




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.