التصنيفات
قصص و روايات

غرفه النوم !

تتهافت الأضواء إلى بؤرة تواجدها، فتدفئها و تزيد في ألقها. يصلها صوت المخرج عميقاً من خلف الزجاجة السميكة التي تفصلهما:
-إليك الخط .
تتثاءب..
– يقوم رجلنا الكبير، رجلنا الأوحد بزيارة ود و صداقة إلى بلاد"الدندون" ،حيث تصدى له استقبال جماهيري حاشد من قبل الشعب الدنوني الشقيق، و قائده رجلهم الكبير ، رجلهم الأوحد . تفاصيل أكثر مع طائرنا الأوحد.
و ما أكثر التفاصيل ! تعرفها مذ كانت ساذجة صغيرة ، وهي الآن جزء منها. تذكر أنها ثارت في أيام اشتغالها الأولى على التفاصيل. و لازالت تردد عند تقديمها لنشرة منتصف الليل:( لو يرحموا النّاس قليلاً، منذ زمن بعيد تعاد نفس الصور لنفس الشخص بنفس الكلمات. و جريدة منتصف الليل على جرعاتها أن تكون قليلة حتّى نستطيع أن ننيم الناس خفافاً). لكنها في كل مرة لم تكن تجرؤ على قول ذلك علناً . و اصطدمت موجات غضباتها بصخور حرصها على الحياة، و على وظيفة حفيت لتجدها تتفق و ميولاتها و آمالها.
هدوء و كبح للنفس، و تواطؤ جرّوا عليها رضى كل المحيطين بها إلا هي . حتّى الرجل الكبير بعث لها هدية قيّمة، و كلمة تقدير لجهودها و تفانيها، و لروحها الوطنية. و صارت المرأة الكبيرة في مبنى التلفزة، و احتكرت الصورة الأولى و الصوت الأول في كل النشرات. وارتقت في عملها و وظيفتها لتصبح زوج الطائر الأوحد على الورق، و عشيقة الرجل الأوحد على الفراش . أبعدت أن يكون الطائر المتثائب دوما أمام الناس- بعينيه المتقلصتين و نثار فمه يصيب الكاميرا، بملامح وجهه الجامدة التي يخشاها كل عمال المبنى الكبير- على علم بعلاقتهما. بيد أنها تأكدت من ذلك حين أتاها ثملاً ذات ليلة. فقال دون تقديم و بقايا دمعة قهر في عينه اليمنى:
– إنه مولانا، و لو أمرني بشيء مما يفعل بك لما ترددت في إنزال سروالي له . لكنه يريدك أنت.
و زفر بحسرة. كبتت ثورتها مجدداً أمامه كما فعلت مع الرجل الكبير عندما أرهقها تثاؤبه أمامها كل ليلة.( أنت نمطي جداً. ألا ترى أن رقادك معي لم يتغير منذ سنين ). و حسبته يقول: (أرقد مع هذا الشعب منذ وُجد، و لا أحد أصابه ملل فثار أو اشتكى).
كانت تعلم أن المراسيم ستستمر ساعتين فقط، من حسن حظها- على فكرة ـ دقائق فقط، تكفي اليوم أن يأتي زلزال على الحياة بأكملها، أو أن تقوم حرب و تقعد، و مع ذلك، فهم يصرون على تقديم جديد الرجل الكبير الذي يقوم بنزهة في بلد الأصدقاء.
ونشرة الأخبار دخلت كتاب"غينيز" كأطول أخبار في التاريخ بزمن ثماني ساعات، و أتفهها على الإطلاق لدرجة أن نسبة مشاهدتها تبلغ عند الذروة ناقص ثلاثين مليون مشاهد. و في مناسبة كهذه، دأبت على ممارسة عادتها القديمة ، تنام داخل الأستوديو لساعة على الأقل أو ساعة و نصف. بعدها تذهب للحمام و تتبول أحلامها و تعيد طلاء وجهها ليعجب الرجل الكبير. قال لها يوماً:
– أجدك في الواقع أجمل من التلفاز.
كانت تود أن تقول له:"حسرة علي، كل ما يدخل تلفزتكم سيدي يصبح رديئاً". لكنها لم تعلق على مجاملته اللطيفة بل ابتسمت بامتنان و هي تلثم يده. رغم أنه يقلبها على فراش زوجها و في الأستوديو كيفما يشاء، إلا أنها لا تذكر أنها تجرأت يوماً على تقبيل غير يده اليمنى . و تجسرت يوماً بعد طول تردد لتجرب يده اليسرى فحدجها بنظرة أدركت معناها جيداً. كأنه قال:" من اليد اليسرى إلى الكتف
و منه إلى الخد، فالفم… لا" و فهمت أنها ستمنعه من أداة تثاؤبه الذي يحب.
نومها كان ككل المشاهدين، بعينين مشرعتين حتى لا يرموا بقلة الإحترام لخطاب يلقيه أو لنزهة يقوم بها أو لمجرد ذهابه للحمام. و بعين داخلية تتفرج كما الجميع على فضائية أحلامهم، وما يتمنون أن تكون عليه بلادهم، و ليس ما هي عليه بلاد رجلهم الكبير.
و انقضت الساعتان، و رنت أجراس الساعات الحائطية دفعة واحدة، فاستيقظ المخرج مذعوراً متضايقاً ثم قال:
– إليك الخط.
و عاد هامساً و هي جاحظة العينين في الكاميرا:
– إليك الخط.
ثم صاح. و لمّا لم تنبس بكلمة لكز بمرفقه مساعده الغاط في نوم عميق . لم توقظه أجراس الساعات
و لا صرخات المخرج الذي قال بصوته الناعس:
– أما كان يجدر بك أن تظل صاحياً؟ أخرج لنا على الفور النشرة الإحتياطية.
و تظهر هي نفسها بنفس ملابسها الرسمية في النشرة الأخرى لكنها تبدو أصغر، فتقول:
– يقوم رجلنا الكبير، رجلنا الأوحد، بزيارة ود وصداقة إلى بلاد "الفرعون" حيث تصدى له استقبال جماهيري حاشد من قبل الشعب الفرعوني الشقيق. و قائده رجلهم الكبير، رجلهم الأوحد. تفاصيل أكثر مع طائرنا الأوحد.
التفت المساعد إلى المخرج ، ثم قال بقلق:
– ألن تُكتشف الكذبة للشعب؟ كيف كان في بلاد "الدندون" قبل دقائق، وهو الآن في بلاد"الفرعون"؟
حدجه غاضباً:
– إحرص على ألا تنام مرة أخرى…
ثم أردف متوتراً:
– الشعب نائم عزيزي كحالنا تماماً. المصيبة في رجلنا الكبير كيف يمكن لنا أن نقنعه أنه كان في المكانين معاً في نفس اللحظة.

عبدالسلام المودني




مشكورة حياتى




شكرا على مرورك



يسلموووووووووووووو يا قمررررررررر



يسلموااااااا



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.