بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1- أنها السورة الوحيدة في القرآن التي بدأت وانتهت بنفس المعاني تماما،
حيث بدأت بقوله سبحانه وتعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، وانتهت بقوله تعالى:
(يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
وهو نفس المعنى تمامًا، ولا تختلف الآيتان
إلا في ذِكر التسبيح بلفظ الماضي في أول السورة وبصيغة المضارع في آخرها،
وذِكر الله نصًا بعد التسبيح والإحالة في آخر السورة، وذلك لما ذُكر عن الله
تعالى قبل ختام الآية، وهو يشير إلى أن التسبيح لله في السماوات والأراضين
كان وكائن وسيبقى أبد الدهر، ونهاية الآيتين بالعزة والحكمة بالحديث عن
معركة كانت مع بني النضير وستبقى مع أوغاد اليهود إلى يوم النشور تدار
من الله العزيز فلا غالب له، والحكيم الذي لا تخرج أفعاله وأقداره عن الحكمة البالغة
أرض المحشر والمنشر
2- أن هذه السورة الوحيدة في القرآن التي ذَكر الله تعالى فيها أن أرض
الشام هي أرض الحشر، لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر) وقد بيَّنت الأحاديث ما أُجمل
هنا في الآية أنها أرض الشام التي أُجلي إليها بنو النضير، ومن ذلك
ما أورده الألباني أن أبا ذر الغفاري سمع النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "الشام أرض المحشر والمنشر".
3- لم أجد في القرآن كله آية تتحدث عن حصون اليهود المانعة التي
أوصلت المسلمين إلى الظن أنها حصون لا يمكن اقتحامها، ولا يمكن
إخراج اليهود منها، بل ظن اليهود أنفسهم أن هذه الحصون تمنعهم ليس
فقط من الناس بل من الله، كما لم أجد تخريب بيوت اليهود بأيديهم وأيدي
المؤمنين إلا في هذه السورة.
المال ليس حكرا على الأغنياء
5- هذه السورة الوحيدة التي قررت منهجية اقتصادية كبرى تقضي
بألا يكون المال حكرًا على الأغنياء دون الفقراء كما قال تعالى:
(كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ)
وكأن هناك حكمة ربانية لعلاج الفوارق
الاقتصادية والاجتماعية بتشريع الجهاد، مما يستبعه ويقتضيه من حدوث
الغنائم والفيء، وترد هذه إلى نوعيات مخصوصة، وبحص دقيقة لإعادة
التوازن إلى هذه الحياة
6- على كثرة ما تحدث القرآن عن المؤمنين مهاجرين وأنصار، ومؤمنين
بشكل عام، لكن النص هنا فريد على الفقراء المهاجرين والأنصار الباذلين
بذلا يصل إلى الإيثار على النفس مع شدة الخصاصة وقلة الثمرة؛ بما يدل
على شدة الحب والترابط، والسمو الأخلاقي بين صفوف المؤمنين الذين
واجهوا اليهود في المدينة، وهي صفة يجب أن تتحق في الصف الإسلامي
ليكون أهلا لنصر الله على الكافرين وعلى الظالمين، وفي هذا الإطار نفسه
نجد الحب قويًا بين أجيال المؤمنين إلى الحد الذي يجأر المتأخرون في
الدعاء لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان
جبن اليهود في ميدان القتال
7- إذا كانت ثمة إشارات في القرآن على جُبن اليهود وحلفائهم عن الصمود
في ميدان القتال فقد انفردت سورة الحشر بأنهم:
(لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ)
وهي الصورة نفسها التي نراها، ونوقن أنها
ستكرر مع كل تجمع يهودي يخط لحماية نفسه.
8- لقد أُسبغت على القرآن صفات كثيرة في سور القرآن إلا أن هيبة القرآن
وقوته في التأثير لا نجد مثلها في غير آية الحشر:
(لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ).
الحميمية بين المنافقين والكافرين
9- إذا كانت بعض سور القرآن قد أشارت إلى العلاقة الحميمة بين المنافقين
والكافرين فقد انفردت هذه السورة في بيان وجوه العهود والمواثيق التي
أُبرمت بين المنافقين واليهود.
10- تنفرد السورة بأنها السورة الوحيدة التي خُتمت بثلاث آيات تتحدث عن
الله تعالى فقط، وبدأت كل آية بقوله تعالى: "هُوَ اللّه"
وإذا أمعنا النظر في الآيات الثلاث فسنجد أن ذكر الله تعالى قد تكرر نصًا ودلالة (33) مرة،
أما نصًا فقد ورد (22) مرة في (3) آيات، وأما إشارة فقد ورد فيها (11) مرة،
وقد بيَّنتْ من صفاته العليا وأسمائه الحسنى ما يأخذ بمجامع القلب نحو
حب الله تعالى وخشيته لأنه ذو الكمال والجلال والجمال وحده لا شريك له.
فضل خواتيم سورة الحشر
11- كان من هدي الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ خواتيم
سورة الحشر في كل صباح ومساء، وفي ذلك أورد الإمام النوي أن
معقل بن يسار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يصبح
ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان، وقرأ ثلاث آيات من
سورة الحشر وكَّل الله تعالى به سبعين ألف ملك يصلُّون عليه حتى يمسي،
وإن مات في ذلك مات شهيدًا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة"
. وإذا كان الإمام النوي – شارح صحيح مسلم- قد أورده في كتابه
"الأذكار" وذكر أن فيه ضعفًا فيستأنس بالحديث، ونحث على العمل به
لأنه من فضائل الأعمال
انتهى