تعيش الأسرة العربية حالة طوارئ من بداية العام الدراسي وحتى نهايته، وتشعر بصداع مزمن يتجدد كل عام، أحيانا يكون الصداع راجعا إلى اختلال اقتصاديات الأسرة بسبب مصروفات المدارس والجامعات، وقد يكون لاضطراب البرنامج اليومي للآباء والأبناء بعد فترة الإجازة الطويلة، والأصعب من ذلك تلك المسئولية التي تزيد على كاهل الأسرة في متابعة الأبناء في المذاكرة، وخاصة عندما يكتشف الوالدان ضعف تحصيل أبنائهم لدروسهم؛ الأمر الذي قد يؤدي بهم إلى الفشل الدراسي وضحالة المستوى الثقافي فيما بعد وعدم القدرة على التفكير السليم في المستقبل والتخطيط الصحيح لحياتهم مما يصيب الأسرة بإزعاج مستمر.
ركيزة أساسية
بداية يقول الدكتور "صلاح محمد سليمان" أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإسكندرية: إن مشكلة ضعف التحصيل الذي يؤدي إلى الفشل الدراسي تعود في الأساس لعدة أسباب وصعاب تواجه بعض الطلاب وتعوقهم عن مواصلة التقدم الدراسي، أخطرها يبدأ من الأسرة نفسها باعتبارها الركيزة الأساسية في المجتمع ومنها ينطلق الفرد الذي تناط به المهمة التعليمية، وكذلك المجتمع والمدرسة أو الجامعة والمناهج والمعلم والنظام المتبع في الامتحانات كل هذا وغيره مسئول عن هذه المشكلة.
ويضيف أن الفشل في أي مجال – لا شك- له مساوئه الخطيرة وآثاره الضارة وهذه المساوئ تتفاوت حسب أهمية مجالها، والدراسة والتعليم من أهم ضروريات الحياة العصرية عامة. ويترتب على هذه المشكلة تأثيرات سلبية وخطيرة سواء على الأسرة أو المجتمع، فالمجتمع ما هو إلا أفراد تنعكس أعمال كل فرد على مجتمعه بطبيعة الحال وأهم هذه الآثار وأعظمها هي الفشل الدراسي الذي قد يهدد استقرار الأسرة.
نتائج وآثار
ويؤكد الدكتور "سليمان" أن من آثار الفشل الدراسي اختلال توازن المجتمع وعدم انسجام أفراده واختلال البنية الاجتماعية، فنجد عدم التكافؤ في الأعمال التي يقوم بها أفراد هذا المجتمع من ناحية وتباين طبقاته من ناحية أخرى، ويصبح المجتمع عبارة عن أجزاء متفاوتة؛ قسم متعلم ناجح في دراسته وحياته، وقسم فشل في دراسته ولم يحقق حياة كريمة لنفسه وأصبح عالة على مجتمعه ويتسبب في وجود فجوات واسعة بين مختلف أفراد المجتمع.
وعن علاج هذه المشكلة يؤكد دكتور "سليمان" أن نجاح الطفل في تعليمه المبكر وتحفيزه على ذلك من أهم العوامل اللازمة لعلاج هذه المشكلة، وذلك لأنه قد يساعده في تكوين مستقبل أفضل وحياة نفسية أهدأ وشعور طيب تجاه المجتمع الذي منحه هذا النجاح. وتظل التربية المستمرة التي يتلقاها الطفل في المنزل أولا ثم في المدرسة ثانيا عاملا مؤثرا على نجاح الطفل وتقدمه وقوة تحصيله الدراسي؛ فلو لم نختر طرق التربية المؤثرة والفعالة ونبتدع وسائل لتخريج أطفال أكثر استيعابا لهذه التربية ونجاحا في تطبيقها فإن ما نفعله سوف يضيع هباء.
علاقات قوية
وتؤكد الدكتورة "سامية أبو الفتوح" أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس، أنه ربما يجعل الفشل الدراسي الطلاب غير قادرين على تكوين علاقات قوية وبناءة مع أسرهم أو مع مدرسيهم، بل إن ذلك قد يولد حقدا في نفوسهم على بعض زملائهم وقد يتعدى الأمر إلى أكثر من ذلك حيث قد يؤدي إلى فقدان الطالب ثقته بنفسه، وهو ما يجعل الفشل سمة غالبة في أي عمل يسند له في المستقبل.
وربما يؤدي ذلك إلى الإصابة باضطرابات نفسية خطيرة لدى الطالب الذي يعاني من نقص الفهم والاستيعاب بسبب إحساسه بأنه بهذا النقص، وقد يؤدي ذلك أيضا لنوع من العصبية الزائدة ويتسبب في شكل من أشكال التمرد على المجتمع من خلال ألوان الانحراف المختلفة، وهذا ما تؤكده الدراسات العلمية؛ حيث إن معظم الذين يسلكون سبيل الانحراف هم في واقع الأمر أفراد فشِلوا دراسيا ثم اعتراهم هذا الإحساس بالنقص فجروا حقدهم على مجتمعهم بأفعالهم غير السوية.
وتضيف الدكتورة "سامية" أن الفشل الدراسي يرجع لعدة أسباب يمكن إرجاعها لعاملين أساسين هما:
1. العامل الذاتي.
2. العامل البيئي.
العامل الذاتي
فمن الناحية الذاتية يرجع الفشل إلى:
1- انخفاض مستوى الذكاء عند الطالب مما يؤدي إلى إهماله لدروسه وعدم قدرته على مسايرة زملائه وهذا يتسبب في تأخره الدراسي نتيجة عدم الاستيعاب وقلة الفهم.
2- الناحية الصحية للطالب حيث إن إصابته بعض الأمراض مثل الصمم والأنيميا وأمراض الكلام والتخاطب كالتأتأة والتلعثم تؤدي إلى انخفاض مستوى استيعابه وبالتالي إلى تأخره دراسيا عن زملائه.
3- عدم رغبة الطالب في دراسة نوعية معينة من العلوم والضغط عليه من قبل الوالدين بدراسة علوم أخرى.
4- ظاهرة تسرب وهروب الطلاب من المدرسة نظرا لوجود عوامل جذب عديدة خارج المدرسة
5- طريقة التعامل الخاطئة من الآباء التي قد تقتل الطموح الشخصي لدى الأبناء لتحقيق الأحسن.
6- فقدان الطالب الدافع الشخصي للدراسة بسبب الظروف التي يمر بها المجتمع والتي يسمع عنها الطالب كثيرا من والديه ومعلميه.
7- صعوبة المواد والمناهج الدراسية بالنسبة للطالب مما يؤدي إلى إحجامه عن التعليم وهروبه من المدرسة.
وعن كيفية التغلب على مثل هذه الظروف تقول الدكتورة سامية أستاذة علم النفس:
* لا بد من مساعدة الطالب على تنمية ذكائه وقدراته وذلك من خلال قراءاته التي تطلق العنان لخياله وأيضا ألعاب الذكاء وممارسة الأشياء التي يحبها.
* المحافظة على صحة الطالب من أمراض الأنيميا وذلك عن طريق التغذية السليمة وأيضا العرض على الطبيب المختص، إذا كان يعاني من ضعف في التخاطب لاتخاذ اللازم بسرعة لأن مثل هذه الأمراض تضعف قدرته على التعامل مع زملائه الأسوياء مما يفقده الثقة في نفسه ومن ثم ينعكس ذلك على تحصيله الدراسي.
* عدم ضغط الوالدين على الطلاب لدراسة نوعية معينة من العلوم وتركهم لاختيار نوع الدراسة بأنفسهم.
* حسن معاملة الآباء للأبناء وجود لغة للحوار الأسري بينهم لأن ذلك يخلق نوعا من الانسجام والتفاهم بين أفراد الأسرة ويؤثر ذلك بالإيجاب على الحالة النفسية لديهم.
* يجب بث روح الدافع الشخصي للدراسة من حين لآخر للطالب ويقوم بهذا الدور الأسرة والمدرسة معا.
العامل البيئي
أما من الناحية البيئية فيرجع الفشل الدراسي إلى:
1- المشكلات الاجتماعية والخلافات المستمرة بين الوالدين مما يؤدي لعدم وجود المناخ المناسب لمذاكرة الطالب لدروسه فيهمل الابن الدروس كنوع من العقاب للوالدين والتمرد على الواقع الأليم الذي يعيشه في ظل مثل هذه الخلافات المستمرة.
2- التفريق بين الأبناء في المعاملة وهي مسألة خطيرة للغاية ولها آثار سلبية كثيرة على الأبناء.
3- المشكلات الاقتصادية حيث إن انخفاض مستوى المعيشة وانخفاض دخل الأسرة يؤديان إلى قيام الوالدين بتوجيه أبنائهم للعمل من أجل مساعدتهم على المعيشة وبالتالي إهمال الطالب لدروسه والفشل دراسيا.
4- أصدقاء السوء، وهم من العوامل الأساسية التي تؤدي لانحراف الطلاب من خلال التقليد والاتباع.
5- المبالغة في التدليل وتلبية كافة رغبات الأبناء مع عدم متابعتهم في الدراسة وعدم وجود التعاون المثمر بين الأسرة والمدرسة من أجل مصلحة الأبناء.
6- وقد يكون ارتفاع المستوى الاقتصادي للأسرة سببا في فشل الأبناء حيث قد يشعر بعدم أهمية التعليم وجدواه طالما أن كل متطلباته مجابة.
7- الحلقة المفقودة بين الطالب والمعلم وعدم وجود القدوة للطالب تلك القدوة التي تدفعه للاهتمام بدراسته.
وحول طريقة علاج هذه الظروف البيئية تقول الدكتورة سامية أبو الفتوح: هناك أمور يجب أن نضعها في الاعتبار أهمها:
* وجود المناخ الأسري المناسب لدى الطالب والحد من الخلافات المستمرة بين الوالدين مما يساعد الطالب على التركز المطلوب لتحصيل الدروس.
* عدم التفريق بين الأبناء في المعاملة، فالأبناء يجب أن يكونوا جميعهم سواسية.
* عدم توجيه الأبناء للعمل لمساعدة الآباء على المعيشة لأن ذلك يؤدي إلى إهمال الطالب ومن ثم الفشل الدراسي.
* على الآباء الاهتمام بأصدقاء الأبناء ومتابعة سلوكهم لأن أصحاب السوء أحد العوامل الأساسية في انحراف الأبناء.
* عدم تلبية جميع رغبات الأبناء وعدم المبالغة في تدليلهم.
* ضرورة وجود التعاون المثمر بين الأسرة والمدرسة من أجل مصلحة الأبناء.
* ومطلوب كذلك وجود حلقة اتصال بين الطالب والمعلم وجود القدوة للطالب فهذا يدفعه للاهتمام بدراسته وزيادة تركيزه الذهني وإصراره على النجاح والتفوق.
مقترحات مفيدة
ومن جانبه يقول الدكتور "فواز علي" أستاذ علم المناهج وطرق التدريس بجامعة حلوان: هناك حلول ومقترحات عديدة لعلاج ضعف التحصيل الدراسي وتجنب الفشل في التعليم، ولا بد أن يعرف الجميع أن التعليم يجب أن يرتبط بالتفكير السليم وأن يكون المنهج الذي يدرس للطالب يقوم على استخدام العقل وتنشيطه والعمل على تنمية التفكير على مدار سنوات الدراسة، وعكس هذا يؤدي لا شك لفشل ذريع للطلاب، لذلك فمن ناحية المنهج مطلوب الاستفادة القصوى من التفكير الجاد وتعويد الأبناء على حل مشكلاتهم باستخدام التفكير السليم. وللأسف ما زال هناك مناهج تقوم على حفظ واسترجاع المعلومات فقط دون استخدام التفكير.
ولا بد أيضا أن يرتبط التعليم بحياة الطالب فكلما كان التعليم منطلقا من احتياجات الإنسان الأساسية ازداد الطالب ارتباطا بالتعليم نفسه وأصبح أقدر على الاستمرار فيه وأكثر استيعابا له ومقدرة على الإبداع فيما يتلقاه من دروس علمية.
كما يجب مراعاة الحالة النفسية والاجتماعية لدى الطلاب لأنها تؤثر على تحصيل الطالب العلمي، وعندما يسود الجو الأسري نوع من التفاهم والتفاؤل ينعكس أثره على عطاء الأبناء، والعكس يؤثر على مسيرة الطالب التعليمية، لذا يجب على المدرسة تفهم حالة الطلاب ومراعاة ذلك بكل جدية.
ولا بد أيضا من مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب حيث إن قدرات الطلاب الذكائية تختلف من شخص لآخر فيجب على المربي أن يراعي هذه الفروق الفردية بين أبنائه الطلبة ويعامل كل طالب حسب قدراته الذكائية ولا يجعلهم على حد سواء من الناحية التفكيرية؛ لأن مراعاة هذه الفروق يجنب الكثير من الطلاب الوقوع في الفشل الدراسي.
ويضيف الدكتور "فواز" أهمية النصح والإرشاد من قبل القائمين على تربية الطالب، فيجب أن يتقربوا من هؤلاء الطلاب ويقدموا لهم النصح والإرشاد الذي يفيدهم في مستقبلهم التعليمي ويجنبهم الكثير من المشكلات التي قد تؤدي للفشل الدراسي.
ولا بد كذلك من التأكيد على الأسلوب المتبع في معاملة الأبناء حيث يجب أن يتسم باللين والشفقة؛ فالمربي الناجح هو الذي يعامل أبناءه الطلبة معاملة قوامها المودة والحب والرحمة ويتجنب الشدة في التعامل معهم فهذا قد يؤدي إلى خلق نوع من العلاقة الحميمة بين الطالب ومعلمه ويغرس فيه حب المادة العلمية مما يكفل له التفوق فيها.
ولا بد أيضا أن نؤكد على أهمية إعداد الكوادر التعليمية المؤهلة والناجحة وبخاصة في المرحلة الابتدائية، حيث إنها هي الأساس في غرس حب التعليم في نفوس الأبناء