التصنيفات
التربية والتعليم

وظيفة المدرس بين الواجب و المسؤولية

خليجية
وظيفة المدرس بين الواجب و المسؤولية
خليجية

<DIV align=center><B><FONT color=blue>إن الحديث عن وظيفة المدرس يدعونا بالضرورة إلى التطرق للتربية و السياسة التربوية و غاياتها الاجتماعية ما دام المدرس يعتبر من عناصرها المحورية و لقد صار من البديهي منذ دراسات" دوركايم"السوسيولوجية أن وظيفة التربية الأساسية هي ضمان استمرارية الكيان الإجتماعي من خلال العمل الذي يمارسه الجيل السابق على الجيل اللاحق و الذي ينقل إليه بمقتضاه المقومات الثقافية و الفكرية و السلوكية الأساسية للمجتع.BDIV

ومن هذا المنطلق تتحد وظيفة المدرس باعتبارها تتصل اتصالا وثيقا بالأهداف الاجتماعية للتربية ما دام المجتمع قد أوكل إليه مهمة تربية الناشئة، و قد مرت هذه الوظيفة عبر فترات تاريخية مسايرة في ذلك تطور التعليم و تطور المجتمع .
و كما في باقي البلدان العالمية في كثير من البلاد العربية عرفت هذه الوظيفة عدة تطورات متأرجحة تارة بين التميز و العطاء العلمي و المعرفي الذي عرفه المجتمع العربي الإسلامي و تارة أخرى بالانحدار و التخلف و التقهقر كما هو الحال في وقتنا الراهن.و على سبيل التذكير فإن التربية التقليدية برمتها كانت تسند إلى المدرس مهام نقل المعرفة و بث القيم الأخلاقية ، و تجعل منه أداة للمحافظة على استمرار المجتمع و كانت هذه المهام تجعل منه عضوا ذا مكانة اجتماعية متميزة بما كان ينفرد به من احتكار للمعرفة و كانت هذه المكانة تزيد رسوخا لاتصال مهمة التعليم بمهام اجتماعية أخرى خاصة المهام الدينية. فكانت هيبة المدرس مزدوجة لأنه رجل دين و رجل علم و تجدر الإشارة أن القيمة الاجتماعية لرجل التعليم لم تكن لها علاقة بظروفه المادية بحيث أن في كثير من الأحيان كان العديدون يختارون حياة التقشف وفقا لمبادئهم الصوفية أو الدينية، كما كان الحال عند الفقاء الإسلامين .
و مع مرور الوقت، تطور التعليم و تطورت معه وظيفة المدرس، فبعدما كان المدرس هو الذي يعلم و يحدد المادة و يمارس سلطته على المتعلم جعلته المؤسسة أداة في خدمتها فيطبق البرامج و التعليمات و يمارس سلطته لا مشروعية لها إلا أنه يستمدها من المؤسسة.و مع هذا التغير في السيرورة التاريخية الذي عرفتها مهمة المدرس فقد أضحت هذه الأخيرة تتأثر و بشكل كبير بالمتغيرات المجتمعية الحديثة و أصبح يغلب عليها الطابع المادي ، بحيث أصبح المجتمع الحديث يحكم على الإنسان حسب أجرته و مكانتها في سلم الأجور.
إذن فقد عرفت مهنة التدريس تغييرات جذرية من حيث القيمة الاجتماعية التي تميزها، فمن مظاهر توزيع الشغل في الوقت الراهن كون جميع المجتمعات مهما كانت نزعتها السياسية ، و الاقتصادية ، قد دخلت في ديناميكية اجتماعية ، أدت إلى تفريعات اجتماعية وزعت السكان إلى فئات أو تصنيفات اختلفت المدارس السوسيولوجية في تسميتها ، فمن يسميها طبقات اجتماعية و من يسميها تفريعات أو فئات ، غير أن الدراسات المختلفة أبرزت بعض خصائصها و من بين هذه الخصائص توزيع السكان على شكل سلم اجتماعي أعلاه تكون الفئات العليا و هي تحضى بالاعتبارين المادي و المعنوي.و أدناه الفئات السفلى و تمثل الأوساط الاجتماعية الأقل اعتبارا ماديا و معنويا ، و بينهما الفئات الوسطى و تختلف نسب توزيع السكان على الفئات هذه حسب مستوى تصنعها بالدرجة الأولى .في المجتمعات المتصنعة المتقدمة هناك تقارب شبه كلي بين جميع الطبقات .في حين في المجتمعات المتخلفة فهناك فجوة و هوة ساحقة بين مختلف الطبقات و الفئات الاجتماعية.
من خلال ما سبق يتبين لنا أن الفئات الوسطى في المجتمعات المتقدمة تمثل نسبة كبيرة في حين أن الفئة السفلى هي أقلية ولها عواملها و أضف إلى ذلك الوصف الكمي فعلى المستوى المادي نجد أن هناك تقارب في مستوى العيش و الأجور.بحيث أن هناك ضمان للعيش الكريم لجميع شرائح المجتمع .
أما في المجتمعات المتخلفة فنسبة الفئة السفلى يمثل الأغلبية و حتى الفئة الوسطى فهي بعيدة كثيرا عن مستوى العيش الرغيد و هذا يظهر جليا في شرائح المجتمعات المتخلفة.
و مكانة المدرس عادة في السلم الاجتماعي هي الفئات الوسطى بحكم مكانته المادية و ترتيب أجرته في سلم الأجور إلا أن المدرس في المجتمعات المتقدمة هي أحسن حالا بكثير جدا منها في المجتمعات المتخلفة.و من جهة أخرى نجد أن المكانة الاجتماعية تختلف أيضا على المستوى المعنوي في المجتمعات المتقدمة لا ينظر إلى المستوى المادي كثيرا بالعكس من ذلك في المجتمعات المتخلفة التي تعطي الاهمية للثروة المادية و المظاهر الاستهلاكية فاعتبار الفرد يكون متصلا بقيمته المادية بغض النظر عن نوعية النشاط الاجتماعي الذي يزاوله و الخدمات التي يقدمها لمجتمعه .فرجل التعليم رغم جسامة ما يقدمه لمجتمعه لا يحضى بالاعتبار المعنوي الذي يستحقه بسبب نزوع المجتمعات المتخلفة إلى كل ما هو مادي.
و لهذه الأسباب فإن وظيفة المدرس أصبحت تتعرض لكثير من هذه الضغوط الاجتماعية فنجد أن العديدين من المدرسين لا يجدون في مهنتهم ما يشبع طموحاتهم الاجتماعية فيكونون أول من يحتقرها و من هذا المنطلق فإن عدم رضى المدرس عن نفسه و عن مهنته هو في حد ذاته العائق الأول أمام كل رغبة في التجديد التربوي، و هذا الأمر هو الذي أدى بكثير من المدرسين في كثير من المناطق إلى التخلي عن مهنهم و الهجرة إلى بعض البلدان الاوروبية طلبا للرفاهية لعلهم يجدونها هناك بعدما قد يئسوا حسب اعتقاداتهم من جدوى بقائهم في مهماتهم و السنون تمر، و الأعوام تمضي، من غير أن يحققوا أحلامهم التي من أجلها قد ولجوا و اختاروا العمل بمهنة التدريس في مقتبل حياتهم .
إن اعتزاز المرء بعمله من الأمور التي تلعب دورا هاما في تحديد مسار حياته المهنية من حيث تفتح شخصيته و تهيئتها لاكتساب المهارات و الخبرات المتصلة بعمله ، غير أن توفر هذا الاعتزاز أو انعدامه متصل بطبيعة الحال بظروف عامة و خاصة تحيط بالمرء منها مكانته الاجتماعية و هذا ينطبق على مهنة التدريس فالمكانة الاجتماعية تتحد داخل المجتمع نفسه الذي يقدر مهنة التعليم و حاليا في المجتمعات التي نتمي إليها لا تقدر الممارسين لهذه المهنة و بالتالي ينعكس كل ذلك على الأداء التربوي العام، و يجعل المدرس يشعر بعبئ مهمته كوزر مثقل غير مرغوب فيه، و تكون هذه الحالة عائقا أمام تطوير العملية التعليمية ، و في المقابل فإذا تغيرت نظرة المجتمع من خلال التقدير الواجب توفيره لمهنة التعليم فسوف يكون العطاء بلا حدود و من جهة أخرى إلى جانب التحفيز المادي الذي لا مناص من توفيره لا بد من توفير أيضا التحفيز المعنوي من طرف القائمين على السياسة التربوية و التعليمية ، فعلى سبيل المثال لا الذكر فإن المدرس في المجتمعات المتقدمة يحظى بكل التقدير إن على المستوى المادي أو المستوى المعنوي على حد السواء.
و بناء على ما ذكر فإن وظيفة المدرس في العملية التعليمية برمتها لها مكانة خاصة و رئيسية في الآن نفسه ذلك أن المدرس يعتبر العنصر الحاسم في أي إصلاح بحيث يعتبر الوسيط الذي عبره يتم هذا الإصلاح

<FONT face="Times New Roman"><FONT size=5>و هي مهمة مرتبطة راتباطا وثيقا بمسؤوليات ثلاثية الأبعاد ، إذ أن المدرس مسؤول تجاه الطفل المتعلم ، لان العمل الذي يمارسه عليه و أسلوب التعليم الذي يختاره له بالغ الأثر في مساره و تمدرسه ، و هو أيضا مسؤول تجاه مجتمعه الذي أوكل إليه مهمة تربية أبنائه بغية تحقيق أهداف معينة ثقافية و اجتماعية ، و هو مسؤول أخيرا ضميره ، لما تتميز به مهنة التعليم من علاقة القيم الإنسانية النبيلة ، فهذه المسؤولية المتعددة الجوانب هي التي تلزمه مهما قيل أو يقال أو سيقال في المستقبل عن عمله و مهما كان موقف المجتمع الذي يعيش فيه مقدرا له أو محتقرا له، و لعل المجتمعات الحديثة رغم ما تعرفه من انتشار لمبادئ التربية الحديثة و رغم ما تعرفه من مستجدات و مخطات إصلاحية إلا أنه ما زال أفرادها لم يكتسبوا الوعي التربوي الأمر الذي يجعلهم لا يقدرون مهمة المدرس ، و بالتالي يكون المدرس في مقام متميز لانه بحكم عمله و تكوينه تتهيأ له اكتساب شروط هذا الوعي و عليه لا يجوز له إطلاقا ، الظهور بمظهر عامة الناس و التصرف بمقايسهم إذ كما يقال في المثل (مقام جاهل الأمور ليس هو مقام متجاهلها )، و بناء على هذا الأساس فإن علاقة المدرس بمهنته هي علاقة جوهرية فمهما كانت ضغوط المحيط و عاداته الراسخة فنجد أن هناك حالات عديدة أثبت و بشكل جلي أن العنصر الحاسم هو المدرس ، إذ بإمكانه إذا توفرت لديه الشروط أن يكون يكون أداة للإصلاح و لعل أحسن مثال عن هذا الموقف هو ما أنجزه المربي "فريني"frenet<B>، في فرنسا بحيث كان مدرسا في البادية تمكن من وضع طرق و اختيارات طبقها في قسمه ثم انتشرت بالرغم من العوائق الإدارية و المؤسسية ، فتكون بفضله تيار تربوي جعله من أعلام الفكر التربوي الحديث .إذن يمكن الجزم بالقول أن المدرس هو الشمعة التي تحترق لتضئ الطريق للآخرين.BP

خليجية




منقول



خليجية



خليجية




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.