التصنيفات
ادب و خواطر

غفوة بريئة بقلم دانا الديك

غفوة بريئة
تودّ لو نسجت من أحلامها قصصاً ترويها لأناس فقدوا الحق في الحلم..فقدوا الحق في الحنان.. عند كل مساء تغفو على وسادتها وتخيط من أمنياتها الواقعية روايات طاهرة.. تغفو بعمق وتسافر مدناً وأوطان في ساعاتٍ هنيهات.. تودُّ لو تمطتي براقاً يطير بها إلى فضاء الكون ويحطُّ بها في كبد السماء.. تودُّ لو أنّها تستطيع اصطحاب أناساً ارتاحت لهم في أرضنا إلى رحلة المساء..
ما أحلى المساء ما دام كان مصدر للترحال في هذا الفضاء الواسع.. فهو أروع ما قد يصادفنا في الحياة..
عند كل مساء.. تلك النجوم التي اعتادت أن تداعبها بالعدِّ كلّ ليلة.. هي أيضاً اعتادت أن تداعبها بلمسة في غفواتها المسائية.. في تلك العربة التي يجرُّها البراق كل مساء بينما تركبها هي وتودُّ لو اصطحبت معها بعضهم.. بينما يجول البراق في الفضاء.. وبينما أصبحت تألف الشهب..أصبحت تغرّد بصوتها في عنان الكون الغير مرئي لسكان الأرض.. منذ سنوات وهي تمارس الترحال المسائي.. أما آن لصدى صوتها أن يطرق أبواب الأرض ليردد نغماتها تماماً كما يردد صوت الرعد؟
في ليلة غاب انفرادها وأصبحت جزءاً من زوجٍ فريد.. في ليلة تحققت أمنياتها باصطحاب بعضهم..على ساحل نجم الثُّريا وجدت طيفاً لطالما انتظرته كلّ مساء.. وإن كان طيفاً فقد أسعدها وأحسّت بشخصه يطربها بهمساته اللا مسموعة المقروءة..
بعينيها أطلقت العنان لسهام نظراتها لتأسر طيفه..
كم هي ممثلة رائعة..كم هي قنوعة بمبالغة..
يحسن بنا أن نتكيف مع الموجود.. ونحضن الظروف.. لكن الأجدر بنا أن نظلّ على موعدٍ
مع السعي لتحقيق ما نريد..
وفي صباح هذا اليوم .. حيث أزعجها شعاع الشمس الذي تعمّد إزعاجها عند كلّ صباح.. صحت من نومها.. وخالجها شعور بأنها طافت عوالم مجهولة.. لكنّها تجاهلت هذا الشعور..
احتست بعضاً من شراب التفاؤل.. وأخذت تطير كفراشة ربيعية في بيتها.. تداعب الكل بضحكاتها العفوية.. اعتادوا عليها هكذا فراشة البيت نهارً.. والقمر الساطع ليلاً..
وإن أرهقها الطيران يوماً وحبّذت المكوث في سكون دونما طيران ولا ضحكات.. كان البيت خريفياً شاحب الحال..
إن كان هذا هو دورها منذ الولادة.. فعليها أن تظلّ على العهد حتى النهاية.. وإن كنّا نعلم أن التصرف العفوي أجمل .. لكنها أتقنت العفوية بتكلّف.. ليهنأ عشها الذي احتضنها دوماً.. ولترى بسمات مرسومة على أفراده التي احتوتهم واحتووها..
كان يناديها اليأس كلّ صباح.. لكنها بإرادتها نالت من دعواته وصدى نداءاته.. وتعوّدت أن تطرب مسمعها بعزف النجاح.. بلحن السرور.. بنغم الراحة..
ذكية هي كيف تتقن لعب الأدوار .. قوية هي كيف تحسن الامتطاء في العواصف والفيضان..
غزيرة هي بعزيمة وإرادة وإيمان.. غزيرة بجراحات آلمتها وما برحت لكنها ممرضة أتقنت فن مداواتها..أو على الأقل عرفت كيف توقف نزيفها..
في لقاءاتها الودية مع بعض الصديقات.. اعتادت أن تتجرع جرعة من أنفاس"ضد الصدمات" كي يكون لديها مناعة ضد أي كلمة قد تجرح إحساسها..
قبل كل محاورة كلامية اعتادت أن تفرغ آبار دموعها كي لا تنفعل إحدى الآبار وتفور في لحظة غير مرغوب بها ..
تذكر هي ما معنى إفراغ آبار دموعها.. ما معنى تجرع أنفاس "ضد الصدمات".. ما معنى أشياء كثيرة تقوم بها كي تحافظ على برودتها المصطنعة..
وكي تكون واقعية أكثر.. استبدلت وسادتها التي اعتادت أن تغفو عليها بحضن أمها.. ذلك الحضن الذي كان دوماً يحقق لها الآمان والراحة.. وفي ذلك الحضن أصبحت أحلامها واقعية حقيقية ملموسة.. حتى غدت في حيرة من أمر تسميتها بأحلام.. كان ذلك تأثير دعوات والدتها ولمساتها الحنونة وحضنها الدافئ.. كم تمنّت لو تموت بعد النوم في حضن أمها.. لأنها كانت تجزم بأنه لن يكون هناك من هو أجدر من أمها بحضنها.. ليس هناك من هو ملاك كأمها..
وكي تكتمل واقعية أحلامها.. استبدلت البراق والحوارات المسائية مع النجوم أو مع القمر بالحوار مع والدها.. ذلك الحوار الذي كان ينشر في أرجاء ذاكرتها معنى السعادة الدنيوية.. معنى الثقة والإحساس بالوجود.. كان يعطّر خيالاتها بروائح الصدق والإخلاص.. ينسيها كلّ خيباتها الجنونية.. يذكّرها أن الطيبة ما زالت موجودة.. أن الرجولة ما زالت موجودة.. أن الحياة جميلة تستحق أن نعيشها.. كان يغرس كل المعاني الإيجابية في أوساط تفكيرها.. فلا يدع مساحة إلا وروى فيها شجرة أمل..
نِعم هكذا أب وأم..
هكذا أصبحت أحلامها المسائية حقيقية.. واقعية.. وهي أصبحت سعيدة الصحوة والغفوة..
وبدل أن تشتاق لمسائها كما في السابق.. أصبحت تشتاق لنهارها .. حتى شعاع الشمس الذي كان العدوّ الأول لها.. غدا صديقها المنتظر.. التي تناجيه في ليلها في شوق..
غفواتها البريئة لم تموت.. بل أصبحت واقعاً حقيقياً أروع..
أجمل ما في الحياة أسرتنا..

منقول
دانا الديك




مشكوره ربي يعطيك العافيه



ميرسي
على الرد



سلمت اناملكِ طرح مميز بأسلوب راقي يجذب القارئ

بارك الله فيكِ وفي اطروحاتك

شكرا لكِ ومزيدا من العطاء




مشكوره و تسلم يدينك



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.