قصص الأطفال
البستان الأزرق
——————
كانتْ سمكةٌ صغيرةٌ، تعيشُ في نهرٍ جميل..
النهرُ الكريمُ، غذّاها بطعامِهِ، وربّاها بحنانِهِ، حتى صارتْ كبيرة.
السمكةُ لم تفارقِ النهرَ، ولم تعرفْ وطناً غيرَهُ. في مياهِهِ تسبحُ، وعلى أمواجِهِ ترقص، وفي أعماقه تغوص.
النهرُ يحضنها بين ضفتيهِ، كأنَّهُ أُمٌّ رؤوم.
عاشتِ السمكةُ، هانئةً سعيدة..
* *
ذاتَ يوم.. قالت لها الضفدعة:
– صديقتي السمكة!
– ماذا تريدين؟
– هل شاهدْتِ الأزهار؟
– لا.
– هل تعرفينَ الأشجار؟
– لا.
– اصعدي إلى الشاطئ.
– لماذا؟
– سأُريكِ أشياءَ جميلة.
– أين؟
– في البستان.
قالت السمكة:
– أيكونُ البستانُ أجملَ من النهر؟!
– نعم.
– أنا لم أرَ أجملَ من النهر.
– وهل خرجْتِ منه مرَّةً؟
– لا.
– اخرجي، وشاهدي بعينيكِ.
* *
قفزَتِ السمكةُ إلى الشاطئ..
وحينما صارتْ على الرمال، شعرَتْ باختناقٍ شديد..
أخذَتْ تتلوَّى، وتتقلَّب..
جمعَتْ قواها، وزلقَتْ إلى الماء.. وعندما احتضنها النهر، عادت إليها أنفاسُها، وآبَ إليها نشاطها، فبدأَتْ تغوصُ، وتقفزُ، فرحةً آمنة..
صاحتِ الضفدعةُ:
– لماذا رجعْتِ أيَّتُها السمكة؟!
– النهرُ وطني، ولن أتركه.
– اتركيه قليلاً، ثم تعودين إليه.
– لن أفعل.
– لماذا؟
– إذا تركْتُهُ فسوف أموت.
– لن تموتي.
– وما يدريكِ؟
قالت الضفدعة:
-أنا أعيشُ تارةً في الماء، وتارةً في البستان.
قالتِ السمكةُ:
-أنا ليس لي إلاّ وطنٌ واحد.
* *
انصرفَتِ الضفدعةُ يائسةً..
وانطلقتِ السمكةُ، داخلَ النهرِ، ترقصُ وتغنِّي:
يا نهري يا وطني الغالي
يا أحلى كلِّ الأوطانِ
لا أبغي غيرَكَ لي وطناً
فالموجُ الأزرقُ بستاني
تأليف .. عارف الخطيب
lola lola
كانت نباتات البطيخ الأخضر تملأ ذلك الحقل الكبير وهي فرحة بأنها نضجت وأصبحت جاهزة للقطاف وكل بطيخة
كانت تتخيل مصيرها: هل ستقع في يد مسافر عطشان.؟… أم ستنتقل على العربات إلى البعيد من البلدان؟. هل سيقطفها الصغار من
الصبيان ليأخذوها إلى بيوتهم ويأكلوها مع وجباتهم؟…أم ستأتي الفلاحات النشيطات لقطفها وجمعها ثم
توزيعها على أهل القرية جميعاً من المساكين العطشانين؟
كل ثمار البطيخ بألوانها الخضراء الزاهية كانت تضحك، ما عدا واحدة منها هي أضخمها وأكبرها حجماً.. كانت قشرتها قد أصبحت
سميكة وصفراء، وتكاد تنفجر من كثرة نضجها وامتلائها
قالت البطيخات لهذه البطيخة الأم
أنت لم يقطفك أحد الموسم الماضي… أليس كذلك
قالت
أنا مثلكن… زرعوني هذا الموسم، لكن بذرتي كانت كبيرة وقوية، ونمَوَتُ بسرعة أكثر منكن.
وهم زرعوني لغاية غير الغاية التي من أجلها زرعوكن.
قالت البطيخات الشابات بفضول:
هيه… قصي علينا قصتك… ثم ما هي هذه الغاية؟
قالت البطيخة الأم أكبر البطيخات:
قصتي هي أني سأظل في مكاني هنا حتى أنفجر وتخرج بذوري مني.
صاحت بطيخة صغيرة بفزع
ولماذا؟ ألا تذهبين معنا وتنفعين الناس. وينتهي الأمر؟ وإلا لماذا خلقنا؟ ضحكت البطيخة الكبيرة أم البطيخات، وقالت
إني أنتظر هنا صديقي الطائر الطيب… ذلك الرسول الأمين الذي سينقل بمنقاره ما استطاع من بذوري، ثم يطير بها إلى مسافة بعيدة
ويرميها في أرض لا تعرف البطيخ.. فأنبت من جديد هناك وأكون سعيدة بسعادة الناس بي.
قالت البطيخات الشابات
كان الله في عونك… ستظلين هنا وحدك مع ريح الليل، وشمس النهار… وربما هطلت الأمطار عليك فأفسدت كل شيء
قالت البطيخة الأم:
وماذا تظنين أنت ومثيلاتك أيتها البطيخات الشابات؟ من أين أتيتن إلى هذا المكان ولم يكن يعرف البطيخ أبدا إنه الطائر الطيب العجيب
هذا الذي حمل أول بذرة وألقاها في بلاد بعيدة.. وكانت مغامرته مفيدة وسعيدة… وهكذا يفعل
قالت بطيخة ناضجة أكثر من سواها:
دعينا من هذا الكلام.. إنه من الوهم أو الأحلام… أنهم يزرعوننا بذوراً… ولم نسمع هذه الحكاية إلا منك
هزت البطيخة العجوز برأسها، وقالت
صحيح… إنها حكاية… لكني أحبها، وأتشوق أن تحصل معي… ولعل الطائر الطيب سيرسل بدلاً منه آخرين من المزارعين الطيبين
يأخذوني… ويستغلون بذوري لأعود فأنبت مع كل بذرة من جديد
ونظرت البطيخات كل منها إلى الأخرى وتشاورن… من تريد أن تبقى مع البطيخة الأم لتغدو من جديد هي الأم؟
وبينما هن كذلك رفرف طائر فوق حقل البطيخ.. ولم يعرف اسمه أحد.. ولم يعرف سره أحد.. وأخذ يهبط ويطير فوق حقل
البطيخ، وهو يزقزق بحبور… ويبحث بين التراب عن البذور
كان ماهر ملكاً للقردة قبل ان يطرده قرد شاب من مملكته و يتولى الحكم بدلاً منه .
فارتحل إلى ضفة نهر كبير, و أقام فوق شجرة تين ضخمة تشرف على النهر , جعل منها مقراً له .
وبينما كان يأكل التين ذات يوم سقطت تينة من يده , فأعجبه صوت ارتطامها بالماء , و بدأ يلقي بالمزيد منها , و يقهقه ضاحكاً .
وصادف أن كان في الماء غيلم ( و هو ذكر السلحفاة ) , فأخذ يلتقط حبات التين و يأكلها .
ولما تكرر ذلك , اعتقد الغيلم أن القرد يفعل ذلك من أجله , فرغب في مصادقته و خرج إليه , فنشأت بينهما مودة كبيرة .
طالت غيبة الغيلم عن زوجته السلحفاة , فشكت ذلك إلى جارتها , و قالت : أخاف أن يكون قد اصطاده أحد و قتله .
قالت الجارة : لقد سمعت أنه يقيم مع صديق له متن القردة على الضفة الأخرى من النهر .
تساءلت الزوجة : و لماذا لا يعود إلي ؟
فكرت الجارة قليلاً ثم أجابت : إذا عاد إليك فتمارضي, و إذا سألك عن حالك أجيبيه أن الأطباء وصفوا لك قلب قرد .
بعد مدة , تذكر الغيلم زوجته و قرر الذهاب إليها.وعندما لقيها , وجدها حزينة مهمومة , فربت على ظهرها برفق و سألها : ما بك يا عزيزتي؟
أجابت الجارة بدلاً عنها : إنها مريضة , و قد وصف لها الأطباء قلب قرد .
دهش الغيلم ثم قال : هذا أمر عسير , فمن أين نأتي بقلب قرد و نحن قوم نعيش في الماء.
وأخذ يفكر في صديقه القرد : هل أغدر بصاحبي القرد , و قد تعاهدنا على الوفاء؟
أجاب عن سؤاله بنفسه : هذا محال.
ثم فكر قليلاً : و لكن كيف أدع زوجتي تموت , و هي عون لي في هذه الدنيا ؟
صاحت الزوجة : بماذا تفكر يا زوجي العزيز ؟
أجابها الغيلم : لا شيء.
ثم تركها و انصرف إلى صديقه القرد , و هو لا يدري ماذا يصنع .
فسأله القرد : لماذا غبت عني يا صحبي ؟
أجاب الغيلم : لقد كنت أفكر كيف أكافئك على إحسانك إلي , فوجدت أن أدعوك لزيارتي في منزلي , وهو في جزيرة طيبة الفاكهة .
قال القرد : أشكرك على دعوتك يا عزيزي , لكن ليس عليك مكافأتي , فنحن أصدقاء.
قال الغيلم : لا بد من ذلك , فإن الحيوانات إذا أكلت معاً ازدادت المودة بينها.
وافق القرد على الذهاب مع الغيلم , فحمله على ظهره .
وفي الطريق , لاحظ القرد أن صاحبه مهموم فسأله عن سبب ذلك , وعرف أن زوجته مريضة .
فسأله القرد : و ما هو علاجها ؟
قال الغيلم : إنني خجل منك أيها الصديق , لقد وصف لها الأطباء قلب قرد .
علم القرد أن الغيلم يريد أن يغدر به , ففكر في حيلة ينجو بها من هذه الورطة و فقال: ولماذا لم تخبرني بذلك قبل أغادر منزلي ؟ ألا تعلم أننا معشر القردة إذا سافرنا نترك قلوبنا عند أهلنا أو في مساكننا .
قال الغيلم: و أين قلبك الآن ؟
أجاب القرد : إنه على الشجرة .
هتف الغيلم بحماسة : هيا بنا نهب إذن لنعود به .
عاد الإثنان معاً , و لما وصلا إلى الضفة قفز القرد إلى الشجرة و لم ينزل منها , فصاح به الغيلم : هيا احمل قلبك و انزل إلي يا أخي .
ضحك القرد و قال : هيهات , لقد احتلت علي و خدعتني , فخدعتك, و خنت صداقتي فلن نعود إلى ما كنا عليه من قبل أبداً .
2 * فكر جحا هنيهة , ثم قال لزوجته : لا تحملى هما لذلك سأرسل فى طلب قدر كبيرة من جارنا البخيل
3 * ذهب جحا إلى جاره البخيل , و طلب منه قدرا يطبخ فيها اللحم و و الخضار . فقال
جار : و متى ترد لى القدر يا جحا ؟ قال جحا : أردها إليك عندما نفرح من أكل ما بها . فأعطى الجار جحا قدرا كبيرى
4 , فإن عنده قدورا كثيرة
4* فإن عنده قدورا كثيرة مرت أيام و لم يرد جحا القدر إلى جاره , فارسل هذا ابنه الصغير يطلب القدر من جحا أخضر جحا القدر , وضع فيها أخرى صغيرة جدا وقال للولد : قل لأبيك إن القدرقد ولدت عندنا هذه القدر الصغيرة , فهى حق لكم
أخضر جحا القدر , وضع فيها أخرى صغيرة جدا وقال للولد : قل لأبيك إن القدرقد ولدت عندنا هذه القدر الصغيرة , فهى حق لكم
5 * رجع الولد , و قدم لأبيه القدر الكبيرة , وبداخلها القدر الصغيرة , و قص عليه
الخبر . تعجب الجار البخيل و فرح , و ذهب إلى جحا يشكره على امانته .
6 * ذاعت قصة القدر فى القرية , و تعجب الناس لهذا الحدث العجيب , وراحوا يهنئون الجار البخيل بالمولودة الصغيرة .
7 * بعد أيام , علم أهل القرية أن جحا يريد أن يستلف قدرا كبيرة يطبخ فيها طعامه , فحمل كل منهم قدره , و ذهب إلى جحا , و هو يتمنى أن يقبلها جحا منهه .
8 * أخذ جحا كل القدور التى أحضرها أصحابها , و شكرهم لكرمهم , وقال لزوجته عندك الآن يا زوجتى قدورا كثيرة , تطبخين فيها كما تشائين
9 * بعد يومين . سمع أهل القرية صوت بكاء و نحيب ينبعثان من بيت جحا , فذهبوا يستطلعون الأمر , فوجدوا جحا و امرأته يبكيان أحر بكاء
10 * قال الجار البخيل : لماذا تبكى كذا يا جحا ؟ قال جحا : ألم تعلم بعد ؟ لقد مات كل القدور التى أحضرها أهل القرية فسبحان من له الدوام
11 * راح الجيران ينظرون بعضهم إلى بعض , وتساعلوا : هل يعقل أن القدور تموت ؟ إنها حكاية عجيبة , اخترعها جحا اللئيم
12 * قال الجار البخيل : كيف هذا يا جحا، و قد احضرت اليك اكبر قدر عندي ، على امل ان تلد لي توءمين ؟ و قالت امرأة : وانا اشتريت هذه القدر خصيصا لتلد عندك .
13 * قال جحا : يا ناس ! كيف تصدقون أن القدر تلد ولا تموت ؟ ان كل من يلد ، لا بد ان ينتهى اجله ويموت .
14 * خرج اهل القرية من عند جحا ، و هم يبكون لموت قدورهم ؟، واصبح جحا و عنده عدد وفير من القدور .]
في بستان العم مهدي ورود كثيرة كثيرة..
يعرف العم مهدي كل وردة من هذه الورود، ويسمي كل واحدة منها باسم مختلف.. يعاملها مثل أولاده.. يحدثها، يسقيها الماء بيديه.. ويسألها إن كانت قد ارتوت؟ يتوقف العم عن سقايتها عند شعوره أن الوردة التي يسقيها قد ذهب ظمأها.. يربت على أوراقها الناعمة بلطف.. فتهتز له شاكرة: أنها تحبه، وتقول بصمت: بارك الله بك يا عم مهدي.. كم أنا محظوظة بوجودي في هذا البستان..
* * *
العم مهدي يدعو الأصدقاء لزيارة البستان من حين لآخر..
يأتي الأصدقاء للسلام على العم مهدي، وللتمتع بمنظر البستان الجميل والحصول على بعض الورود ليزينوا بها بيوتهم وحدائق منازلهم..
يقول العم مهدي لزواره: أنا أعرف كل وردة من هذه الورود، أمكث معها أكثر مما أمكث مع أولادي وأحفادي، منذ أن ماتت زوجتي وأنا أقضي في البستان ساعات النهار فليس لي عمل أخر، وكل حياتي في الورود والبستان..
ويضيف مبتسماً: لا تظنوا أنني أعامل الورود كشيء جامد.. لا أبداً فهي تحمل روحاً طيبةً.. أليس كل مخلوق يسبح الله تعالى؟
أنا متأكد أن الورود كلها تعرفني وتعرف ما أريد وتشعر بي كما أشعر بها يوميا.. هي تحادثني وأنا أحادثها، تفهمني وأفهمها..
يضحك العم مهدي ضحكة من أعماق قلبه حتى يظهر بعض ما تبقى من أسنانه، وهو يقول بصوت تقطعه الضحكات: قريباً سترون العجب.. سأصدر قاموساً أضخم من لسان العرب أسميه لسان الورد.. يحوي كل لغات البساتين حول العالم، وسوف أطبع منه ملايين النسخ وأوزعها على كل بساتين الدنيا..
يضحك العم مهدي ويضحك معه كل من يسمعه..
* * *
العم مهدي حياته ورود.. منذ ماتت زوجته قبل سنوات لم يعرف غير هذا البستان..
هو يحلم بالورد في كل مكان.. في بستانه.. في بيته.. في حيه.. في مدينته.. في بلاده.. في العالم كله..
عندما تصاب وردة بمرض، يصاب هو بحزن وألم.. يقوم بمعالجتها بما اكتسبه من خبرة وإحساس بالورود..
كان يقضي أحياناً وقتاً طويلاً أمام وردة مريضة، ما أن يلاحظ تغييراً في لونها وشكلها.. يمسح أوراقها يناجيها.. يغني لها.. كأنها ولد صغير من أولاده..
وإذا ماتت وردة.. يبكي من أعماق قلبه كأن عزيزاً على نفسه قد توفي.. صنع للورود مظلةً كبيرةً ليحميها من مطر الشتاء القوي وبرده، ومن أشعة الشمس وحرها صيفاً..
لم تكن المظلة تشبه غيرها من المظلات.. كانت مثل الأزهار.. واحدة منها.. بألوانها بإشراقها .. بروحها..
وضع العم مهدي في البستان كراسي كثيرة.. وصنع ممرات ضيقة ليمر بها الضيوف كيلا يؤذون الورود ويدوسونها..
قضى العم مهدي كل أوقاته في البستان، لم يكن يعود إلى المنزل إلا عند المساء ليرتاح، وقد سمى أولاده وأحفاده بأسماء الزهور.. فلة، ياسمين، قرنفلة، زهرة، جورية، ورد، بيلسان، أقحوان، شقائق النعمان…
وعندما يزور قريباً أو صديقاً ولد له ولد جديد، يقترح عليه اسماً من أسماء الورود..
أحب العم مهدي الورود..
أحب بستانه حباً لا يوصف، فقد كان له نعم الأنيس بعد وفاة زوجته وزواج جميع أولاده..
قام بإحضار ورود غريبة جميلة من كل مكان في العالم، وبات أصدقاؤه وأهل الحي عندما يسافرون يحضرون له وروداً جميلة من البلاد التي يسافرون إليها..
ومضت الأيام حتى عرف الناس في الحي والمدينة هذه البستان، وبات العم مهدي صديقا للورود يحكي عنه الناس دائماً، وأصبح مثالاً لتجميل الحي والمدينة، وكان الجميع يأتي إليه ليحصل منه على نصيحة أو ليستأذنه بوردة أو ببذرة وردة ليزرعها في مكان آخر..
لم يكن العم مهدي منزعجا من ذلك، بل كان سعيداً سعيداً، يحرص على تزويد من يريد بالنصائح والورود التي يريدها…
* * *
قرب بستان العم مهدي يوجد بيت مطلٌّ على البستان لجار اسمه نمّار..
نمّار هذا لم يكن يشبه العم مهدي بشيء..
كان قلبه قاسياً، لا يحب أحداً، ولم يكن لديه أصدقاء ولم يكن يزور بيته أحد من الناس..
نمّار رجل حقود، وقد أصيب بالحقد الشديد على العم مهدي، فقد كان يغار منه ومن كثرة زواره ومحبيه..
ولم يسعد قلب نمّار المنظر الجميل الذي كان يطلّ عليه من شرفة منزله كل يوم حيث تنتشر الورود الرائعة وتفوح منها الروائح العطرة البديعة..
الحقد سيطر على جوارحه ولم يعد يرى غير نفسه الحاقدة..
وغلب الحقد على كل إحساس جميل يمكن أن يوفره هذا المنظر البهيج الممتع..
وقرر نمّار أن يقدم على عمل سيء تدفعه إليه مشاعره الحاقدة والغيرة الشديدة..
وهل هناك أسوأ من الحقد الذي يدفع صاحبه إلى الإساءة وعدم رؤية الأشياء الجميلة الرائعة في الكون، فتنقلب أمام الحاقد كل الصور ويغدو الجمال قبحاً، والضوء ظلمة، والحلو مراً…
* * *
قرر نمار أن يطلق ما في نفسه من حقد في ليلة ظلماء..
تسور حائط الحديقة..
اقترب من صنبور الماء.. فتح الصنبور وأطلق الماء على آخره.. رفع الخرطوم ووضعه وسط البستان ليغرقه كله وتموت الورود اختناقاً بالماء..
اندفع الماء من الخرطوم بقوة، غمر الماء البستان كله ولم تبق وردة واحدة بأمان.. جرفت المياه الورود، وتحول التراب إلى وحول متحركة.. وأضحت الأرض وحشاً مفترسا ابتلع في هنيهات قليلة كل ما بناه العم مهدي في سنين طويلة..
* * *
في الصباح التالي.. وعند مطلع الشمس، جاء العم مهدي كعادته كل يوم ولكن قبل موعده المعتاد..
كان الجار الحقود جالساً في شرفته ينتظر مجيء العم مهدي..
يتأمل جريمته الشنعاء بحق الورود المسكينة، وبحق الرجل الطيب المسالم الذي لم يرد الأذى لأحد يوماً..
نمّار كان مسروراً بما لحق البستان الغريق من ضرر..
سعيداً بما أحدثه من خراب بجنة العم مهدي..
وكان من شدّة حقده يريد أن يرى بنفسه ما سوف تحدثه صدمة المفاجأة في نفس العم مهدي، عندما يصل ويرى الماء وقد ابتلع بستانه ووروده، وحول المكان إلى منطقة منكوبة.. كأن طوفاناً هائلاً افترسها..
* * *
وصل العم مهدي أبكر من الوقت المعتاد بقليل.. كأن أمراً دفعه للمجيء مبكراً..
قلبه كان يشعر أن أمراً جللاً قد حدث..
لاحظ الماء يسيل من كل جوانب السور.. ويملأ الطريق..
أدرك فوراً أن كارثة قد حصلت..
ركض العم مهدي مباشرة نحو باب بستانه.. فتح الباب بصعوبة..
كاد يموت من الحسرة وهو يرى حديقته غرقى بالكامل.. وقد امحت معالمها واختلطت الأوحال بكل شيء..
هرع نحو مصدر الماء.. أغلق صنبور الماء.. جلس قرب باب بستانه صابراً محتسباً.. يسأل الله العافية..
كان الألم يعتصر فؤاده.. رفع رأسه وعيناه تدمعان.. لاحظ جاره نمّار يقف في شرفة منزله مبتسماً سعيداً بما يرى.. كأنه يشاهد حفلة تنكرية أو مسرحية ضاحكة..
لاحظ العم مهدي سعادة الجار بدلاً من أن يواسيه في مصيبته..
دخل نمّار إلى بيته وأغلق باب شرفته راضياً بفعلته..
هنا أدرك العم مهدي أن نمّاراً هو من فعل هذا العمل القبيح..
تذكر حقد نمّار عليه ونظراته التي كانت دائما تعبر عن غضب منه..
تذكر أنه كان يرمي نفايات بيته على البستان، ولطالما أزعج الورود وأمرضها بقذفه أعقاب سجائره نحو بستانه العامر..
ترى ماذا سيفعل العم مهدي؟؟
كيف سيواجه هذه المصيبة والإساءة البالغة؟
فكر أن يقفز إلى بيت نمار ويمزق ثيابة ويشبعه ضرباً..
فكر أن يدخل بيته ويحطم أثاثه..
أن يكسر سيارته ..
أن يقذف حجارة على نوافذ منزله..
أن يحمل خرطوم المياه ويوجهه نحو شرفة بيته ويغرقه كله بالماء كما أغرق وروده وبستانه..
فكر أن يستنجد بالشرطة، ويسجل محضراً ويطلب من رجال الشرطة أن يقبضوا عليه ويسجنوه.. وأن يرفع عليه قضية بالمحكمة حتى يحكم عليه بالسجن ويعاقب على عمله..
فكر.. وفكر.. وفكر..
وفي النهاية اقفل باب بستانه.. ومضى قاصداً بيته منكس الرأس دون أن يفعل شيئاً مما فكر به…
* * *
وبعد أيام عاد العم مهدي متفقداً بستانه..
فوجد الماء قد خف.. ورأى الورود القتيلة ممدة على التراب المشبع بالماء..
لقد قرر العم مهدي البدء من جديد..
ومن حسن الحظ، أنه كان يحتفظ ببعض شتلات الورود وبذورها في بيته.. وكان يهدي وروداً كثيرة لأصدقائه ومعارفه..
وعندما عرف الناس بما حدث جاؤوا ومعهم كثيرا من الورود التي أهداها إليهم من قبل.. وساعدوا العم مهدي ليبني بستانه من جديد, بصورة أجمل مما كانت عليه..
اجتمع الأصدقاء وأبناء الحي لمساعدة العم مهدي..
وعلموا جميعاً أن الجار نمّار هو الذي فعل ذلك العمل السيء..
لم يخبرهم العم مهدي لكنهم عرفوا ذلك من مواقفه السابقة، وكذلك لأنهم رأوا في عينيه شماتة وسعادة وابتسامة ماكرة..
ولم يكن يمد إليهم يد المساعدة..
وعندما أرادوا الانتقام منه نهاهم العم مهدي فهو لا يحب أن يؤذي أحداً من الناس، ويصفح عمن يؤذيه..
وبعد أيام من العمل الجاد المتواصل… عاد البستان إلى حالته السابقة وبدأت الورود تشرق في البستان من جديد..
* * *
بعد أسابيع كبرت الورود، وكان نمّار يراقب كل ذلك بغضب، خاصة أنه علم أن عمله أصبح مكشوفاً ولا يستطيع هذه المرة أن يعيد الكرة، فقد ينقلب عليه أهل الحي ويردون إساءته..
وبعد ذلك، وبعد أن أورد البستان وأزهر، وأصبح بهيجاً رائعاً من جديد..
قام العم مهدي بجمع أجمل ورود بستانه..
وضعها في زهرية جميلة..
لم يكن أحد يعرف ماذا سيفعل العم مهدي بهذه الورود؟
رآه نمّار يقترب من بيته..
كان مندهشاً.. خائفاً.. يظن أن العم مهدي قرر الانتقام منه أخيراً..
وخاف أن يفتح له الباب.. وكان قد استغرب من قبل كيف أن العم مهدي لم يعامله بقسوة.. ولم يطلب من أهل الحي أن يؤذوه كما آذاه..
فلام نمّار نفسه.. فكر بخطئه…
سمع طرقاً على الباب..
عرف أن العم مهدي على الباب..
لم يقدر على فتح الباب..
سمع صوت العم مهدي هادئاً طيباً كعادته: افتح يا جاري العزيز.. افتح الباب.. أحمل إليك هدية لطيفة..
فوجئ نمار بالهدية..
علم سكان الحي بما فعل العم مهدي..
فوجئ السكان..
فوجئ أصدقاء العم مهدي..
الورود وحدها لم تفاجأ..
كانت سعيدة سعيدة سعيدة..
النهاية
كتير حلوة
العم مهدي كتير طيب
بس انا زعلت على الورد
وكل احفادوا مسميهم اسماء الورود
روووووووعه
مشكوورة ياقلبي
على القصه الرووعه
تقبلي مروري
ديوور
مولابق العنوان للقصه ياقلبي
لازم يكون العنوان مثلا
بستان العم مهدي
العم مهدي والورود