مقدمة
تنتمي البكتيريات إلى صنف الكائنات الدقيقة ، أو العضويات الدقيقة. أي تلك التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة. فهي من فرط صغرها لا تظهر إلا تحت عدسة المجهر،الذي يضاعف من حجمها آلاف المرات.
جسيمات ذات خلية واحدة
لتكوين فكرة دقيقة عن حجم البكتيريا bactérie، نشير إلى أنها لا تتجاوز، في الغالب، ثلاثة أجزاء من الألف ،من الملمتر الواحد. ولذلك لم يهتد الإنسان إلى وجودها طوال قرون وقرون.
وللبكتيريا خلية واحدة فحسب. وبنيتها بالغة البساطة. وهي تتميز به، بقدرتها المذهلة على التكاثر. مع العلم أن هذا التكاثر يتم عن طريق الانقسام. بمعنى أن الخلية البكتيرية الواحد تنقسم إلى خليتين مستقلتين عن بعضهما. ثم تنقسم هاتان الأخيرتان، فتتكون أربع خلايا، و هلم جرا. و تتم هذه الظاهرة بسرعة تفوق التصور. فالبكتيريا الواحدة صوف تؤدي، خلال بضع ساعات، إذا هي وجدت الظروف المناسبة لذلك، إلى تكون ملايين البكتيريات، و هو ما يفسر كون هذه الكائنات الدقيقة أكثر الكائنات الحية عددا على سطح الأرض.
و توجد البكتيريات في كل مكان تقريبا. فهي تحيا في التربة، مثلما تحيا في الهواء و في الماء. كما أن هذه الجسيمات المجهرية قادرة على البقاء و الاستمرار بجسم الإنسان، و بالحيوان و النبات على حد سواء.
و ثمة خاصية مهمة تميز عددا كبيرا من الأصناف البكتيرية، و يتعلق الأمر بمقاومتها الشديدة، و اذا وجدت نفسها في ظروف غير ملائمة. إذ يتغير شكلها، حينئذ، لتتحول إلى بوغ Spore شديد الصلابة. فإذا ما توفرت لها ظروف أفضل، استعادت شكلها الطبيعي، وصارت قادرة من جديد على التكاثر، و سوف نرى ما تكتسيه هذه الخاصية من أهمية، أثناء الحديث عن مرض الكزاز Tétanos، على سبيل المثال.
بكتيريات مؤذية و أخرى نافعة
حين نتحدث عن البكتيريات، تقفز إلى أذهاننا على الفور مختلف الأمراض التي تتسبب فيها هذه الكائنات التي لا تراها العين. و مع ذلك، فان البكتيريات ليست كلها مؤذية، لحسن الحظ . و يكفي ، لكي نتأكد من ذلك، أن نقارن بين العدد الهائل للبكتيريات، في الوسط الذي نحيا فيه، و العدد القليل للاعفانات التي تترتب عن بعضها.
و بالفعل، فان نسبة كبيرة من هذه الجسيمات المجهرية تنتمي إلى ما ما يسميه العلماء بالبكتيريات الراشدة Bactéries commensales ، أي تلك التي تحيا بداخل الجسم، دون أن تؤذيه، ( وهي تختلف عن البكتيريات الرمية Saprophytes ، التي تعيش على الأجسام الميتة ) .
بل إن بعض السلالات البكتيرية تعتبر ضرورية، أو جد نافعة للإنسان. و كمثال على هذا نذكر تلك البكتيريا التي تحمل الاسم العلمي " اشيريششيا كولي " Echirichia Coli . فهي تعيش بالقولون ( الأمعاء الغليظة ) لدى الإنسان، و تلعب دورا مهما في إنتاج الفيتامين " K " ، التي هي من أهم الفيتامينات ! كما أن هذه البكتيريا تساهم مساهمة فعالة في الإبقاء على التوازن الحيوي المنشود، على مستوى الأمعاء.
ثم إن بعض الأصناف البكتيرية الأخرى تقوم بوظائف حيوية بالغة الأهمية، فهي فيما يتعلق بإنتاج الجبن، و الحليب الرائب، الخ … وهكذا يتبدى أن " السمعة السيئة " لهذه الكائنات الدقيقة تطغى على ما تؤديه أصناف عديدة منها من وظائف نافعة للإنسان.
خصائص البكتيريات المضرة
خلافا للبكتيريات " المسالمة " أو ( الراشدة )، التي سبقت الإشارة إليها، تتميز البكتيريات المضرة Pathogènes بكونها لا تكاد تنفذ إلى الجسم حتى تشرع في إيذائه بمختلف الطرق.
– ومن هذه البكتيريات ما يفرز مادة سامة – يسميها الأطباء السمين Toxine – تلحق أضرارا عديدة بجسم الإنسان. و ثمة أمثلة معروفة، في هذا المجال، نذكر منها بكتيريا داء الكزاز Tétanos، و بكتيريا الخناق الغشائي Botulisme ، فهذه الأصناف تؤذي الجسم، أساسا، بواسطة ما تفرزه من سمين.
– و هناك بكتيريات تجمع، في الوقت نفسه، بين القدرة على إفراز السمين و القدرة على الإيذاء المباشر، عن طريق التكاثر على مستوى الأنسجة . و كمثال على هذا نذكر البكتيريا المسببة لمرض الحمى القرمزية Scarlatine . و يتعلق الأمر بالمكورة العنقدية Streptocoque ، من صنف " A " ، و تؤدي ، محليا ، إلى التهاب اللوزتين – نظرا لقدرتها على الإيذاء المباشر – بينما تتسبب، بواسطة ما تفرزه من سمين، في حدوث الأعراض الجلدية، التي يتميز بها المرض المذكور. أما الغالبية العظمى من البكتيريات المضرة، فان قدرتها على إحداث مختلف الأضرار تتلخص في الإيذاء المباشر للأنسجة، دون إفراز أي نوع من السمين.
و تتميز هذه الكائنات المجهرية، في الغالب، بتكاثرها خارج الخلايا، و بعدم قدرتها على إبداء مقاومة طويلة للكريات الدموية البيضاء البالعة Phagocytes ، التي تتكفل ب " ابتلاعها " بغية القضاء عليها . بيد أن هناك أصنافا بكتيرية تستطيع النفاذ إلى داخل الكريات البالعة نفسها ، حيث تخلد إلى نوع خاص من " السبات " و من أوضح الأمثلة على هذه الظاهرة نجد بكتيريا داء السل. وهو ما يفسر المدة الطويلة التي يستغرقها تطور هذا الداء و المدة الطويلة كذلك، التي يتطلبها علاجه. كما أن هذه الظاهرة المذكورة تفسر حدوث الانتكاس، في حالة ما إن لم يكن العلاج فعالا و كافيا.
– ومما يجدر ذكره في هذا السياق، أن بعض البكتيريات المضرة قد تفقد " ضراوتها " مع الزمن، فتتحول إلى كائنات مجهرية عاجزة عن التسبب في الأذى. و كثيرا ما يترتب ذلك عن فقدان هذه البكتيريات لبعض المكونات أو الخصائص البيولوجية، كما هو الشأن بالنسبة إلى المكورة الرئوية، التي تفقد جفينتها، فلا تعود قادرة على الإيذاء.
– و خلافا لما سبق، فقد يحدث أن تتحول بعض أصناف البكتيريات الراشنة ( المسالمة ) إلى عناصر اعفانية ذات خطورة، في بعض الحالات الخاصة. و تشاهد هذه الظاهرة، مثلا، لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من نقص شديد في وظيفة الجهاز المناعي : مثل ضحايا السيدا، أو المرضى الذين يتناولون أدوية مثبطة للمناعة Immuno-Suppresseurs أو هرمونات كظرية Corticoïdes .
– و أخيرا تجدر الإشارة إلى أن ظهور المضادات الحيوية Antibiotiques و خاصة استعمالها العشوائي، دون التقيد بأية وصفة طبية، قد أدى إلى ما يمكن أن نسميه ب " البقاء للأقوى ". و معنى ذلك أن نوعا من الانتقاء قد حدث – بسبب استعمال الأدوية المذكورة كيفما اتفق – مؤديا إلى اختفاء السلالات البكتيرية " المعتدلة " و إلى تكاثر تلك التي تتميز بضراوة شديدة و بمقاومة شديدة للأدوية، و الأطباء يعرفون جيدا، على سبيل المثال، ما تطرحه بعض سلالات البكتيريا المسماة ب " المكورة العنقودية " Staphylocoque " – ذات القدرة الفائقة على مقاومة مختلف المضادات الحيوية – من مشاكل بالمستشفيات.
ثلاث أنواع رئيسية من البكتيريات
تنقسم البكتيريات، من حيث الشكل الذي تتخذه تحت عدسة المجهر، إلى ثلاث أنواع رئيسية، هي ، المكورات Coques ، و العصيات Bacilles و اللولبيات Spirilles.
– و للمكورات ، كما يوحي اسمها بذلك ، شكل دائري شبيهة بكرية بالغة الصغر.
و توجد أصناف تفوق الحصر من هذه المكورات. فمنها ما يؤدي إلى اعفانات بسيطة ، نسبيا ، ومنها ما يتسبب في اعفانات بالغة الخطورة.
و يطلق الاخصائيون على كل صنف من هذه البكتيريات اسما معينا ، بناء على مميزات مجهرية ، أو على نوع الاعفان الذي تتسبب فيه.
وهكذا نلاحظ ، مثلا ، أن تسمية المكورة العنقودية Staphylocoque تعود إلى كون البكتيريات المنتمية إلى هذا الصنف تشكل ، تحت عدسة المجهر ، مجموعات شبيهة بعناقيد العنب.
أما البكتيريات المسماة المكورة العقدية Streptocoques ، فقد سميت كذلك لأنها تبدو لصيقة يبعضها مثل حياة العقد.
أما المكورة السحانية Méningocoque فقد أطلق عليها الأخصائيون هذه التسمية لأنها تؤدي إلى التهاب السحايا Méningite . و الشيء نفسه بالنسبة إلى المكورة الرئوية Pneumocoque التي تتميز ب " ميل " خاص إلى إحداث الاعفانات الرئوية.
و هذه ، بالطبع ، مجرد ، أمثلة ، أوردناها للتوضيح.
– و في ما يتعلق بالعصيات Bacilles ، فإنها تبدو ، بالفعل ، بواسطة المجهر ، مثل عصيات صغيرة. و هي كثيرة العدد ، شأنها في ذلك شان المكورات. و الأسماء التي يطلقها علماء البكتيريولوجيا على كل صنف منها تعود أما إلى نوع المرض الذي تتسبب فيه.
فعصية كوخ Bacille de Kochالتي تؤدي الى حدوث داء السل ، قد صارت تحمل هذا الاسم لان روبرت كوخ كان سباقا إلى رؤيتها و دراسة خصائصها بالمجهر.
و العصية البكتيرية التي تحدث مرض الطاعون تسمى " يرسينيا " . تخليدا للسويسري ألكسندر يرسان ، Alexandre yersin ، الذي اكتشفها ، لأول مرة ، خلال وباء هونغ كونغ.
و عصية ايبرت Bacille d’Eberth ، التي تتسبب في الحمى التيفية ، تحمل هي الأخرى اسم العالم الذي توصل إلى اكتشافها .
و ثمة أمثلة أخرى عديدة ، تندرج ضمن نفس السياق.
و من جانب آخر ، نجد أصنافا كثيرة من العصيات التي لا تحمل أسماء مكتشفيها ، و إنما يشار إليها فقط باسم المرض الاعفاني ، الحاد أو المزمن، الذي يترتب عنها.
– أما بالنسبة إلى اللولبيات Spirilles ، فان شكلها اللولبي هو الذي يفسر هذه التسمية.
و اللولبيات ، بشكل عام ، أقل تسببا في الاعفانات ، لدى الإنسان ، من المكورات و العصيات.
و ليس ثمة من شك في أن أكثر هذه اللولبيات " شهرة " هي تلك التي تحدث داء الزهري ( أو السفلس Syphilis ) . وهي لا تزال ، حتى يومنا هذا ، تطرح مجموعة من المتاعب، في ما يخص " تربيتها " بالمختبر ، خلافا لمعظم الأصناف البكتيرية الأخرى