وتحدث الولادة قبل الأوان عادة ما بين الأسبوع الثامن والعشرين والخامس والثلاثين من الحمل، أو بالأخرى في الشهر السابع أو الثامن من الحمل، لأن ولادة الطفل قبل بلوغه الشهر السابع تعد إجهاضا وليس ولادة، ولا يكون الطفل فيها قابلا للعيش بتاتا .
علاماتها
من علامات الولادة قبل الأوان أن يكون جلد الطفل رقيقا، إلى الحمرة، وعظامه لينة ورقيقة، وتنفسه سطحيا، وصراخة ضعيفا، وحركاته على العموم بطيئة وهو لا يرضع بسهولة، وحرارة جسمه غير مستقرة .
أما وزن الأطفال الذين يولدون قبل أوانهم فيكون، في أكثر الحالات أقل من 2500 غرام، ويتراوح وزنهم عادة ما بين الكيلو غرام ونصف الكيلو غرامين، ويكونون أكثر من غيرهم عرضة للمخاطر والمشاكل والتعقيدات الصحية، ونسبة كبيرة منهم يموتون عادة بعد ولادتهم بعدة أيام لعدم اكتمال نموهم .
العدد والنسبة
مع تقدم العلوم الطبية وتطور اختراعات الأجهزة الحديثة والأدوية الفعالة، هبطت نسبة المولودين قبل أوانهم من حوالي 10% في العام 1973 إلى حوالي 3% في العام 1980، وهذه النسبة تشمل بالطبع البلدان المتحضرة فقط، ولا تشمل بلدان العالم الثالث والفقيرة منها حيث تعلو نسبة موت الأطفال الصغار بسبب نقص التغذية وعدم وجود الإٍسعافات الضرورية لإنعاش الأطفال الذين يولدون قبل أوانهم .
وقد سبق لي ومارست التطبيب جزئيا في الريف اللبناني في أوائل السبعينات وتأكد لي كم كانت نسبة موت الأطفال الحديثي الولادة عالية بسبب هذا النقص .
الأسباب الآيلة إلى الولادة قبل الأوان ؟
1. ضعف البنية والإرهاق العام الناتج عن السفر الطويل، أو التنقل اليومي من مركز العمل إلى مركز السكن وخاصة إذا كانت هذه المسافاة بعيدة .
2. الاستهتار بتطور الحمل من قبل الأم وعدم زيارة الطبيب بانتظام وتنفيذ إرشاداته وتوصياته .
3. نقص التغذية وانعدام الشروط الصحية في المنزل، والوقوف الطويل خلال العمل وممارسة الرياضات المرهقة … آلخ .
4. الأمراض الباطنية أو الأمراض المعدية ( السفلس والسل وارتفاع ضغط الدم والزلال البولي وأمراض الغدد والكلى ….. إلخ ) .
5. الإجهاضات السابقة المتكررة وضعف الرحم .
6. حدوث الحمل مباشرة بعد مرض أو إجهاض وقبل أن تستعيد المرآة نشاطها وحيويتها .
7. الحمل التوأمي، وولادة الطفل من مقعدته أو من رجليه وليس من رأسه، كما يحدث في 99% من الولادات الطبيعية .
8. النقص في تكوين الرحم، كالرحم المزدوج ووجود أورام رئة أو ورم في المبيضين .
وقد أظهرت الدراسات العلمية أنَّ الولادة المبكرة ـ أي قبل 37 أسبوعاً من الحمل
تزداد بازدياد حالات تجرثم المهبل، وتزداد أكثر كلما كان التجرثم مبكراً، أي في الأسابيع الأولى من الحمل، وبالتحديد خلال العشرين أسبوعاً الأولى من الحمل.
كانت هذه النتيجة حصيلة 18 دراسة تناولت هذا الموضوع، وقد شملت هذه الدراسات ما مجموعه 20 ألف امرأة حامل.
وقد كان معدل حدوث الولادة المبكرة في حالة التعرض للتجرثم المهبلي البكتيري ضعف الحالات العادية، أي بين الحوامل اللواتي لم يتعرضن للتجرثم المهبلي.
أما إذا أصيبت الحامل بتجرثم مهبلي قبل الأسبوع العشرين من الحمل فإنها معرضة للولادة المبكرة بمعدل يفوق 4 أضعاف الحالات العادية. وترتفع خطورة الولادة المبكرة إلى 8 أضعاف عندما تصاب الحامل بالتجرثم المهبلي قبل الأسبوع السادس عشر من الحمل.
هذا من ناحية الولادة المبكرة. إلا أنه وجد كذلك أنَّ التجرثم المهبلي البكتيري أثناء الأسابيع الأولى من الحمل قد يؤدي إلى زيادة حالات الإجهاض بمعدل 10 أضعاف الحالات العادية.
إنَّ المهبل معبر آمن للحيوانات المنوية في حالته الصحية الطبيعية، وفيه بكتيريا تحرسه من جراثيم أخرى تهاجمه، فإن اختلفت بيئة المهبل وتغيرت طبيعته؛ أدى ذلك إلى تفوق القوى الجرثومية المعادية لتحتل المهبل وتتحرَّك منه إلى مهاجمة بقية أعضاء الجهاز التناسلي.
العناية والمعالجة
تتمثل العناية المثالية بالطفل المولود قبل أوانه في وضعه بسرعة في المحضن الكهربائي وتقديم الأوكسجين المكثف له .
والمحضن أو الحضانة هو كناية عن وعاء زجاجي يحافظ فيه على حرارة مرتفعة بشكل دائم، وتصله كميات متواصلة من الأوكسجين بواسطة الأنابيب .
وتقدم للطفل التغذية المناسبة بواسطة أنبوب خاص يدخل عن طريق الأنف إلى معدته، كما تقدم له الأدوية وهي داخل المحضن، ولفترة طويلة من الزمن تمتد من أسبوع إلى شهر أو أكثر، ويشرف عليه باستمرار أطباء أخصائيون باستمرار .
وتوجد في المستشفيات الأوروبية والأمريكية المتقدمة مراكز للعناية الفائقة بمثل هؤلاء الأطفال، وهي مراكز متطورة جدا ومجهزة بآلات تنفس اصطناعية وآلات تسجيل ضربات القلب ونبضاته طوال الليل والنهار، وكذلك توجد فيها أجهزة تعمل على الذبذبات ما فوق الصوتية لاكتشاف أنزفة الدماغ والأمراض الأخرى التي ترافق الولادة المبكرة .
وبالمناسبة لا تشكل الولادة قبل الأوان أي خطر على صحة الأم أو حياتها، بل إنها تعتبر مثل الولادة من أسهل الولادات لأنها تتم عادة بسرعة وسهولة .
صحة الأطفال المولودين قبل أوانهم
إذا قدمت العناية التامة والغذاء الضروري لمثل هؤلاء الأطفال فإنهم سينشأون وسيكبرون بشكل طبيعي، ولن تكون صحتهم أسوا من صحة غيرهم من الأطفال، بل سيكون من بينهم الأذكياء والمجلون في حقول العلم والأدب .
لهذا السبب أطمئن المرآة الحامل إلى أن الخوف الذي يسيطر عليها من إمكانية حصول ولادة قبل أوانها هو غير مبرر طالما أن نسبتها لا تتجاوز 3- 5 % من جميع الولادات .
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنني أدعو كل امرأة حامل أن تتحاشى، قدر الإمكان، التعقيدات الصحية والأمراض خلال الحمل، وهذا لا يتم إلا تحت إشراف طبيب أخصائي في الولادة، وتنفيذ توصياته وإتباع إرشاداته بكل دقة وانتباه لأن الولادة في هذا الزمن مثل إنسان هذا الزمان المدلل لا تحتمل الضغط والشدة