الرسول زوجاً ( 3 )
لم تعرف المرأة عشرة زوجية بالمعروف -كما تعنيه هذه العشرة من كمال لأحد من البشر- كما عرفته
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، المبين للقرآن بحاله وقوله وأفعاله.
حيث « كان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم معهن أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف
بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها – في
البرية في بعض سفراته يتودد إليها بذلك، قالت: « سابقني رسول الله فسبقته فلبثت حتى إذا أرهقني
اللحم أي سمنت سابقني فسبقني فقال : هذه بتلك يشير إلى المرة الأولى »
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: الألباني – المصدر: غاية المرام – الصفحة أو الرقم:
377
وكان يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء
في بعض الأحيان ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد يضع عن
كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام يؤنسهم
بذلك صلى الله عليه وسلم « قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى »
ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار خيرية الرجال في حسن عشرة الزوجات فقال: «خيركم
خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي »
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: حسن غريب صحيح – المحدث: الترمذي – المصدر: سنن الترمذي –
الصفحة أو الرقم: 3895
رسول الله صلى الله عليه وسلم جميل العشرة
-2 وسأله عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قائلا: « أي الناس أحب إليك ؟ قال : ) عائشة ( . قلت :
من الرجال ؟ قال : ) أبوها ( . قلت : ثم من ؟ قال : ) عمر ( . فعد رجالا ، فسكت مخافة أن يجعلني في
آخرهم (( الراوي: أبو عثمان النهدي – خلاصة الدرجة: ]صحيح[ – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع
الصحيح – الصفحة أو الرقم: 4358
)ب( وأما ملاعبته أهله فتحدثنا عنها عائشة – رضي الله عنها – فتقول:
-1 كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه ، فيسربهن إلي فيلعبن معي .
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الأدب المفرد – الصفحة
أو الرقم: 283
-2 وقالت عائشة -رضي الله عنها – رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم
يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر – رضي الله عنه – فقال النبي صلى الله عليه وسلم « دعهم، أمنًا بني
أرفِدة « يعني من الأمن.
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: ]صحيح[ – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة
أو الرقم: 3529
وذلك لأن التَّصنُّع والتظاهر بمكارم الأخلاق يضعف حين يشعر الإنسان بأن له سلطة ونفوذاً ثم يشتد
ضعفاً حينما تطول معاشرته لمن له عليه السلطة، فإذا ظل الإنسان محافظًا على كماله الخُلقي في مجتمع
له عليه سلطة، وله معه معاشرة دائمة ومعاملة مادية وأدبية، فذلك من خيار الناس أخلاقًا.
فإن كان النبي صلى الله عليه سلم خير الناس لأهله، فإن معاشرته لهم لا بد أن تكون مثالية حقًا، في
كل ما تعنيه الخيرية من كمال خُلُقي في السًّلوك، والتَّعامل الأدبي، والتعاملي؛ من محبة وملاعبة، وعدل
ورحمة، ووفاء، وغير ذلك مما تقتضيه الحياة الزوجية في جميع أحوالها وأيامها، كما أوضحت ذلك كتب
السنة والشمائل والسيرة، وذلك هو ما دلت عليه السنة المشرفة بأحاديثها الكثيرة من سلوكه صلى الله
عليه وسلم معهن ومعاملته لهن.
)أ( فعن محبته لهن يحدِّث أنس بن مالك – رضي الله عنه – فيقول:
« -1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حُبِّبَ إليَّ من الدنيا: النساء والطيب وجعل قرة عيني في
الصلاة » الراوي: أنس بن مالك – خلاصة الدرجة: إسناده قوي – المحدث: الذهبي – المصدر: ميزان
الاعتدال – الصفحة أو الرقم: 2/ 177
وفي لفظ قالت: « لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حِجرتي، – والحبشة يلعبون
رِحبِابهم، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم – يسترني بردائه، لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم
من أجلي حتى أكونَ أنا الَّتي أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو . »
االراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح – الصفحة أو
الرقم: 892
وقد مر حديث مسابقته صلى الله عليه وسلم لعائشة – رضي الله عنها – الدال على لعبه صلى الله
عليه وسلم مع نسائه بنفسه الشريفة تلطُّفًا بهن، وتأنيسًا لهن، لكريم عشرته وعظيم رأفته ورحمته.
-4 ومن حسن عشرته وكريم خُلقه صلى الله عليه وسلم ما أفادته السيدة عائشة – رضي الله عنها –
بقولها: «كنت أشرب وأنا حائض . ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم . فيضع فاه على موضع في فيشرب
. وأتعرق العرق وأنا حائض . ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم . فيضع فاه على موضع في . . »
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح – الصفحة أو
الرقم: 300
وفي رواية: « كنت أتعرق العَرْق وأنا حائض فأعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع
الذي وضعت فمي فيه، وكنت أشرب من القدح فأناوله إياه فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب ». أبو
الرسول زوجآ (4)
حلمه صلى الله عليه وسلم عن إساءتهن
والأعجب من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان مع ذلك الحال يلاطفهن في القول ، وكأنه لم يصدر
منهن شيء ذو بال، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني
لأعلم إذا كنتِ ع راضية ، وإذا كنت علي غضبى « قالت : فقلت : من أين تعرف ذلك ؟ فقال: ] أما إذا كنتِ
ع راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم « قالت: قلتُ أجل والله
يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك“ البخاري.
وعن أنس – رضي الله عنه – قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى
أمُّهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت
الصحفة، فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان
في الصحفة، ويقول: «غارت أمُّكم « ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع
الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت . البخاري.
فانظر إلى مبلغ حلمه صلى الله عليه وسلم على أزواجه، حيث تظلُّ إحداهن هاجره له اليوم كله حتى
تهجر اسمه الشريف، وتستطيل إحداهن بيدها بين يديه على ما يخالف الواجب في حقه عليه الصلاة
والسلام، ومع ذلك فهو يُتغاضي عن ذلك ويحلم ويصبر ويصفح، وهو القادر على أن يفارقهن، فيبدله ربه
خيرًا منهن مسلمات مؤمنات قانتات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً، كما وعده ربه سبحانه إن هو طلَّقهن،
ولكنه كان رؤوفًا رحيمًا، يعفو ويصفح ولا يزيده كثرة الجهل عليه إلا حلمًا.
الرسول زوجآ (5)
أما الوفاء لهن.. فلعله قد علم مما تقدم عن خلق الوفاء، وتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم له في
بابه، لا سيما مع زوجه خديجة – رضي الله عنها- ، حتى بلغ من وفائه أن غارت منها عائشة -رضي الله
عنها- وهي لم تدركها ولم تضارها حتى قالت :
«
-1 ما غرت على امرأة لرسول الله كما غرت على خديجة ، لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
إياها وثنائه عليها ، وقد أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبشرها ببيت لها في الجنة من
قصب »
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: ]صحيح[ – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح –
الصفحة أو الرقم:
5229
–
2 ومن صور وفائه معهن أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت آية التخيير ) يَا أَيُّهَا النَّبى قُل لازواجك إِن كُنتُنَّ
تُرِدْنَ ا لحياة الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَين أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جميلا ( ) الأحزاب:
28 ( أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخير أزواجه ، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
) إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك ( . وقد علم أن أبوي لم يكونا
يأمراني بفراقه ، قالت : ثم قال : ) إن الله قال :
} يا أيها النبي قل لأزواجك { ( : إلى تمام الآيتين
، فقلت له : ففي أي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة »
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: ]صحيح[ – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو
الرقم:
4785
خشية منه أن تختار زينة الحياة الدنيا لصغر سنها، فتخسر الخير الكثير في الدنيا والآخرة، لكنها كانت
أحرص على خير نفسها من أبويها، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: « أفي هذا أستأمر أبويَّ؟! فإني أريد
الله ورسوله والدار الآخرة «. ثم استقرأ الحُجَر )البيوت( يخبر نساءه ويقول لهن: «إن عائشة – رضي الله
عنها – قالت: كذا وكذا فقلن: ونحن نقول مثل ما قالت عائشة -رضي الله عنهن كلهن.
وكانت عائشة -رضي الله عنها- قالت له يا رسول الله لا تخبر أزواجك أني اخترتك فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : إنما بعثني الله مبلغا ولم يبعثني متعنتا.
الراوي: أيوب – خلاصة الدرجة: حسن – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو
الرقم: »
3318 متفق عليه.
فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وذلك يدل على أنهن -رضي الله عنهن- كنَّ قد تخلَّقن بأخلاق النبوة،
فأصبحن يخترن ما اختاره صلى الله عليه وسلم لنفسه من الزهادة في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وذلك
لبالغ تأثرهن بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت محل العظمة والكمال.
من كتاب الرسول زوجا
الرسول زوجا (6)
أما عدله صلى الله عليه وسلم بين أزواجه، فهو على نحو ما قلت من حبه وملاعبته وحلمه ووفائه، وعدله
ناشئ عن الشعور بالمسؤولية، ومن فِطرة الله تعالى له على الحق والعدل وبعثه بهما.
فقد كان صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة – رضي الله عنها – : « قالت عائشة : يا ابن أختي كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو
يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها ولقد
قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومي
لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قالت نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها
أراه قال
) وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا (
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: سكت عنه ]وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح[
– المحدث: أبو داود – المصدر: سنن أبي داود – الصفحة أو الرقم:
2135
–
2 ولم يكن يتغير حاله صلى الله عليه وسلم في العدل تبعًا لتغير أحواله سفرًا وحضرًا، بل لقد كان يعدل
في سفره كما يعدل في حضَره، كما قالت عائشة – رضي الله عنها – :
« كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها
وليلتها ، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، تبتغي
بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم . »
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: ]صحيح[ – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو
الرقم:
2593
تعني بذلك لمَّا كبرت، وأضحت لا إربة لها في الرجال.
وكان من عدله صلى الله عليه وسلم بينهن أنه كان إذا تزوج ثيِّبًا أقام عندها ثلاثًا لإيناسها، ثم
يقسم لها كسائر نسائه، كما روت أم سلمة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام
عندها ثلاثًا، وقال لها : إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت فقالت ثلث
الراوي: أبو بكر بن عبد الرحمن – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: البخاري – المصدر: التاريخ الكبير
– الصفحة أو الرقم:
1/ 47
عدله صلى الله عليه وسلم بين أزواجه
وفي رواية قالت: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه ، يقول :
) أين أنا غدا ، أين أنا غدا ( . يريد يوم عائشة ، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء ، فكان في بيت عائشة
حتى مات عندها ، قالت عائشة : فمات في اليوم الذي يدور علي فيه في بيتي ، فقبضه الله وإن رأسه لبين
نحري وسحري ، وخالط ريقه ريقي . ثم قالت : دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ، ومعه سواك يستن به ،
فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن ، فأعطانيه
، فقضمته ، ثم مضغته ، فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به ، وهو مستند إلى صدري .“
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: ]صحيح[ – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو
الرقم:
4450
ومع ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من كمال العدل بين نسائه في كل ما يقدر عليه مما هو )فى يده(
فإنه مع ذلك كان يعتذر إلى الله تعالى فيما لا يقدر عليه مما هو ( خارج عن نطاق التكليف، كما قالت
السيدة عائشة – رضي الله عنها-: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: « اللهم
هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك « )الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: رواه حماد بن
زيد عن أبي أيوب عن قلابة مرسلا – المحدث: البخاري – المصدر: العلل الكبير – الصفحة أو الرقم:
165
( وهو يعني بذلك القلب كما فسَّره به أبو داود، وقيل: يعني الحب والمودة، كما فسره الترمذي، والمعنى: أن
القسمة الحسِّية قد كان صلى الله عليه وسلم يو بها على الوجه الأكمل لأنها بيده، لكن القلب بيد الله،
وقد جعل فيه حب عائشة أكثر من غيرها، وذلك خارج عن قدرته وإرادته.
ولقد بلغ به الحال في عدله صلى الله عليه وسلم أنه لم يفرِّط فيه حتى في مرض موته، حيث كان
يُطاف به عليهن في بيوتهن كل واحدة في نوبتها، قالت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها-: « لما ثقل
النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد وجعه ، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ، فأذن له ، فخرج بين رجلين
تخط رجلاه الأرض ، وكان بين العباس وبين رجل آخر ، فقال عبيد الله : فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة
، فقال لي : وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة ؟ قلت : لا ، قال : هو علي بن أبي طالب .
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: ]صحيح[ – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو
الرقم:
2588
ومع ذلك فهو يضرع إلى الله أن لا يلومه على ما ليس بيده، مع أن الأمر القلبي لا يجب العدل فيه، وإنما
العدل في المبيت والنفقة، ولكن هذا من باب قول الله تعالى: ) والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة
أنهم إلى ربهم راجعون ( المؤمنون :
60
ومما يدل على أن أمر العدل بين الزوجات خطير كما بينه صلى الله عليه وسلم في حديث آخر حيث قال:
«من كانت له امرأتان مال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل «
الراوي: أبو هريرة – خلاصة الدرجة: مستقيم – المحدث: ابن عدي – المصدر: الكامل في الضعفاء
– الصفحة أو الرقم:
8/ 446
وفي عشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه أسوة للمؤمنين، وعليهم معرفتها والتأسي بها لقول الله
تعالى: ) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (
) الأحزاب:
21 ( لأن فعله صلى الله عليه وسلم كقوله وتقريره، تشريع لأمته، وهدى لهم ، يجب عليهم
الاقتداء به ما لم يكن الفعل خاصا به .
من كتاب الرسول زوجا
الرسول زوجا (7)
حثه الرجال على حسن معاشرة أزواجهم
ومع ذلك فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما تنبغي أن تكون عليه العشرة الزوجية بقوله،
كما دلهم على ذلك بفعله، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أحاديث كثيرة أقتطف منها ما
يأتي من ذلك:
ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
استوصوا بالنساء خيرًا فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه، فإذا ذهبت تُقيمه كسرته،
وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً
. «
الراوي: أبو هريرة – خلاصة الدرجة: ]صحيح[ – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح –
الصفحة أو الرقم:
3331
وفي رواية عند مسلم:
« إن المرأة خلقت من ضلع . لن تستقيم لك على طريقة . فإن استمتعت بها استمتعت
بها وبها عوج . وإن ذهبت تقيمها كسرتها . وكسرها طلاقها
. »
الراوي: أبو هريرة – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح – الصفحة
أو الرقم:
1468
فانظر كيف جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الوصية بهنَّ وبيان حقيقتهن، ليكون ذلك أدعى إلى قبول
وصيته، لأنه إذا كان طبعها العوج، فإن من الواجب على الرجل أن يصبر عليها ولا يؤمل أن تكون مستقيمة
على الصراط، فإنها تصير إلى ما جُبِلت عليه ولا بد، ولذلك كان طلب استقامتهن على النحو الأعدل مثار
تعجب الشعراء حتى قال بعضهم:
هي الضِّلَعُ العوجاء لست تُقيمها ألا إنَّ تقويم الضُّلوع انكسارُها
وقال آخر فيما هو أعم منه :
ومكلِّف الأشياء غير طباعها متَطَلِّب في الماء جَذوة نار
وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يكرر هذه الوصية كلما حانت الفرصة ، ففي خطبة حجة الوداع
أفرد لها جانبًا كبيرًا من خُطبته العظيمة حيث قال صلى الله عليه وسلم
« استوصوا بالنساء خيرا فإنهن
عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع
واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم
حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن
عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن «
الراوي: عمرو بن الأحوص – خلاصة الدرجة: حسن – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح ابن ماجه
– الصفحة أو الرقم:
1513
وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر وصيته بالنساء، لما يعلمه من حالهن الذي بينه في الحديث
السابق، وهو الحال الذي قد لا يقدر على تحمُّله بعض الرجال الذين لا يملكون أنفسهم عند الغضب
فيحمله عوج المرأة إلى أن يفارقها فيتفرَّق شمله، وتَتَشتَّتُ أسرته وأهله .
ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج في حديث آخر إلى ما فيه صلاح حاله مع أسرته بقوله:
«
لا يفرك – أي: لا يبغض – مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر »
الراوي: أبو هريرة – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح – الصفحة
أو الرقم:
1469
وقال لهم أيضاً: « إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً وألطفهم بأهله » الراوي: عائشة –
خلاصة الدرجة: ]إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما[ وقال الترمذي لا نعرف لأبي قلابة سماعا من
عائشة – المحدث: المنذري – المصدر: الترغيب والترهيب – الصفحة أو الرقم:
3/ 95
وقال: « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي .»
الراوي: عائشة – خلاصة الدرجة: إسناده صحيح – المحدث: ابن جرير الطبري – المصدر: مسند عمر
– الصفحة أو الرقم:
1/ 408
وقال: « كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال مشي الرجل بين الغرضين
وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة . »
الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري أو جابر بن عمير – خلاصة الدرجة: إسناده جيد – المحدث: المنذري
– المصدر: الترغيب والترهيب – الصفحة أو الرقم:ا
لى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المعلومة الحاثة على انتهاج الأخلاق الحميدة مع الأهل والعشيرة.
تأديبه صلى الله عليه وسلم نساءه إذا اقتضى الأمر ذلك.
ومع تلك المعاشرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتهجها مع أهله أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن
رحمة ورأفة وعطفاً وتلطفاً، إلا أنها لم تكن على ذلك الحال في جميع الأحوال؛ لأن النبي صلى الله عليه
وسلم كان حكيمًا يضع كل تصرف في مكانه اللائق به، فحيث كانت تلك العشرة أجدى وأولى انتهجها، وإذا
كان التأديب والزجر والهجرة هو الأجدر اتخذه لأنه كما قيل:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يًكدَّرا
فالنساء بما فطرن عليه من الاعوجاج، وحدة العاطفة، يحتجن حتماً إلى تقويم وتربية وتأديب، ولأجل
هذا خوَّل الله تعالى الرجال هذه المسؤولية حيث قال:
) الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم
على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون
نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا
كبيرا ( النساء:
34
والنبي صلى الله عليه وسلم في عشرته مع أهله لم يستغن عن اتخاذ هذا الأسلوب ليكون أسوة لأمته في
التربية والتأديب.
فإنه عليه الصلاة والسلام لما سأله نساؤه النفقة الخارجة عن حده، وأردن التوسع في الدنيا ولذَّاتها،
خلاف ما اختاره لنفسه منها، هجرهُنَّ وآلى من الدخول عليهن شهراً، حتى أنزل الله تعالى عليه: ) يأيها
النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن
تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيما ( ) الأحزاب :
28 – 29 ( ،
فخ هَّرين النبي صلى الله عليه وسلم في البقاء معه على الكفاف، أو المفارقة فاخترن الله ورسوله صلى الله
عليه وسلم كما تقدمت الإشارة إلى ذلك من حديث أنس وأم سلمة وابن عباس في الصحيحين وغيرهما.
وهكذا كان عليه الصلاة والسلام إذا جد الجد في معاملته لهن، بأن أخطأن خطأ لا يمكن التغاضي عنه،
وذلك بأن كان دينياً، فإنه لا تأخذه في الإنكار عليهن وزجرهن في الله لومة لائم، فكان يعظ، ويوجِّه،
ويخوف، ويغضب،.. بحسب مقام كل قضية مما هو معلوم ولا يخفى أمره.
وهذا مما يدل على تكافؤ أخلاقه صلى الله عليه وسلم وتوازنها، حيث يضع كل أمر في نصابه ومحله
اللائق الذي لا ينبغي غيره .
من كتاب الرسول زوجا