بقايا امرأة الجزء الأول
هرعت مسرعة الخطى نحو تلك الغرفة هناك في الدور الثالث التي يقطن فيها وكما قيل لها عند النداء مريض يحاول الانتحار .. وقفت عند باب الغرفة التقطت أنفاسها المتبعثرة … فتحت الباب أخذت نظرة سريعة على الغرفة ثمة ممرضتين واقفتين أمامها إنها هنا في هذا الركن تجلس جلسة القرفصاء قابضة يدها بالأخرى بشدة .. لهثاتها سريعة دموعها تكاد تزهق روحها وتحجب الرؤيا عمن حولها لكنها تزاحم الدموع لتصبر بعينتيها الذابلتين بخوف عمن حولها …
دنت الطبيبة بخطوات متأنية لترى هذه الزهرة التي رميت بلا هوادة في قارعة الطريق بعد أن سلبت إنسانيتها الطبيعية .. علها تلتمس أمراً ما .. ولكن رغبتها في رمي نفسها نحو الخارج عبر نافذة المستشفى أمر غير عادي البتة …
هذه الصغيرة التيلم تتجاوز ربيع عمرها الأول من الذي قتلها وحولها لهيكل فارغ حزين .. هاهي تقترب أكثر منها لاحظت تقوقعها على نفسها كلما قربت منها حتى إذا ماقربت إنهالت على الطبيبة بضربات طائشة وتصرخ فيها دون وعي ..
وبعد الحقنة المهدئة أخذت تهدأ تدريجياً حتى استغرقت في سبات عميق .. كما استغرقت الطبيبة في علتها ثمة أسئلة كثيرة تراود ذهن الطبيبة إلهام ..
ماسر هذه الفتاة ؟مذا حصل لها لتصل لما هي عليه الآن ؟
ظلت أسئلتها حبيسة في أغلالها حتى التقت بطبيبة تلك الزهرة المرمية .. وذلك في الثانية عشر والنصف وقت راحة الأطباء .. وبعد التحية .. أخذت تتحادث معها إنها زميلتها وطبيبتها الشخصية حتى …
أجل أجل تقصدي ملاك المريضة بالدرو الثالث غرفة مائة وخمسة عشر
نعم ، نعم ، بالضبط
وبإشارة منها تدل على علمها بحالتها تردف :
نعم لقد أدخلت المستشفى طلباص من ذويها لمعرفة حالتها الصحية
ماذا عنده بالضبط
قبل أسبوعين مضوا زاد ارتيادها علينا إذتشكو من أمراض لاواقع لها مطلقاً … وبتعجب أمراض ماذا تقصدين بالضبط ؟
إنها تدعي توقف قلبها وآلام مبرحة في جسدها لذلك أدخلت للعناية الطبية بعد إصرار ولي أمرها بذلك للجزم عما بها أما محاولة النتحار التي قامت بها كنت الأجدر فيها لذلك أستدعيت بعد ان علمت أن لايد لي في هذه الأمور فمحاولة الانتحار غير طبيعية ولكن الحمدلله صادف دخول الممرضة عليها وإلا كانت من عداد الموتى …
الحمدلله .. ولكن أخبريني هل هي المرة الأولى لمحاولة الانتحار ؟ أقصد هل أخبركم ذويها بمحاولة سابقة …
وبسرعة وثقة تردف طبيبتها
لا لامطلقا ً عادية لولا تلك الأمراض وبلهفة معرفة .. حتى لوكان أمر عادي مثلاً حادث ألم بها مسبقاً صدمة أي شيء
وبهدوؤ لا لا مامن شيء يذكر
تصمت هنيهة لتردف بعد أن وضعت كوب القهوة الدافئ على الطاولة .. هل أخذتم الفحوصات اللازمة ؟
نعم وغداً ستظهر النتائج كاملة وستكون على مكتبك حالما تصلني امتلئت أساريرها بالفرح لهذا التعاون الرائع شكرت الطبيبة وانجرفت نحو قسو الطب النفسي بعد أن أخذت جولة تفقدية للمرضى النفسيين مع الطاقم الطبي الخاص ..
مرت الأربع ساعات التالية مثقلة بالهموم أصناف وألوان ثمة استشارات وحالات مختلفة ولكن استوقفها تعجباً حالة هذا الشاب الذي أقبل عليها وقد غير اسمه واتشحت الدنيا سواداً عنده بهذه النظارة الشمسية وغطى معالم وجهه بالشماغ وكأنه مجرم وما إن أقبل حتى قال والخوف والقلق باديان عليه …
لا أريد أن يعلم أحد بقدومي فأنا لست مجنون صدقيني .. أنا
لست مجنون …لست مجنون
أخذت تهدء من روعه وتكلمة بهدوء
بالتأكيد أنت لست كذلك بل أنت أفضل .. من قال ذلك ؟
وبهلع .. أرجوك لا أريد أيا كان يعلم بوجودي لاسيما والدي حسنا لك ذلك وأعدك أن سرك محفوظ ولكن هلا أزحت النظارة لترى الدنيا بوضوح
لا ،،لا،، الدنيا مظلمة خلقها الله هكذا لم تسود بلبس النظارة …. حسنا كماتشاء …..
مرت فترة جلسته الأولى بهدوء وتؤدة استغرق فيها بطرح مشكلته وأخذ ينفث ىلامه إنه يبكي ثمة قطرات تتضح أسفل الغيمة السوادء التي يلبسها …فتارة يقبض بقسوة على يديه وتارة يضرب مقبض الكرسي وكأنه سبب ألمه .. مازالت تسمعه بتؤده ثمة مشاكل كثيرة لاتحتاج إلا إلى أذن صاغية تسمعه ولكن أين هي تلك الأذن والناس في معترك الحياة يلهثون ..
حسناً أحمد اهدأ الآن .. اهدأ
وبخوف لا لا تقولي اسمي يشير إليها بالصمت …. [/font]
بهدوء وروية كأنها تهمس له …. حسناً أراك نهاية الأسبوع سجل الموعد …. ويخرج منها كما دخل إليها متخفياً وكأنه فاراً من العادلة
كان هو الأخير لهذا اليوم .. تبتسم وتبدي نواجذاها ترمي بجسدها المثقل بالتعب نحو المقعد تحملق هنيهة في الغرفة .. نحن في الألفية الثانية ومازال الجهل يدب في عروقنا تجاه الطب النفسي مابال الناس قد أحكموا الجنون للمرضى الطبيعيين اللائي قست عليهم الدنيا واحترقوا بحرارة الحرمان والألم ماهذا الجهل المطبق على بني أمتي يأبى التروح .. وكأنه لم يكتفي بآلام شعبنا اللمقاة على كواهلهم ليزيد من وطئة الألم دون من ينتشلهم من غياهب الظلمة التي تعيق تقدمنا لللأمام . تبتسم لثانية . وأين السبيل؟ والطب النفسي حبيس المجانين فقط في نظر الكثير حتى المثقفين أو من ينتسبون له من أبناء شعبي ..
لملمت أوراقها .. وضبت مكتبها .. وخلعت عنها المعطف الملائكي .. خرجت من مكتبها .. لقد انقضى النهار وهاهي تنتهي .. تحدث نفسها .. كم هذا القسم هادئ لاصوت للمراجعين فجميعهم صامتون كأن على رؤسهم الطير .. تلتقي في طريقها أحد الأطباء .. وقد هم هو الآخر الخروج …..
جلست متثاقلة هذا كفايتها. تنم الليلة البارحة كفايتها … لكنها تستيقظ محاربة سلطالنوم.م .. عدلت هندامها بأدب واحترام .. لامكياج خفيف هنا وهناك كما تفعل الكثيرات .. باستثنائها.ظهر .. وكيف لا وهن يعتمدن عليه لإبراز مفاتنهن .. باستثنائها … إنسانة عصامية تعلم بيقين أن الجمال الحقيقي هو جمال الروح والخلق هما جمال لاينضب …. بل يزيد أصالة وتألقاً مع مرور الوقت .. هاهي تلف نفسها بالخمار التماماً.ذي لايظهر ما حرم الله لأنها تعلم أن من تتحلى بالجمال الحقيقي هي من تخاف عليه من عيون العابثين …
هاهي تتقدم نحو قسم الطب النفسي … كان كل شيء كالمعتاد عليه تماماً .. موظف استقباالقسم. .. فيصل شاب في مقتبل العمر تخرج حديثاً من قسالسكرتارية. …. يبدوا عليه الثقة والفرح كيف لا وهو لم يكمل منها.لأول منذ بدء الوظالجديدة.دة … هاهو يقابل شريكه في العمل يرد التحية بأحسن منها ….
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ماهذا النشاط كله أتيت باكراً هذا اليوم على غير عادتك خير إن شاء الله يرد عليه وهو يرتب شماغه بتفنن …. يبدو أننى اعتدت على نظام العمل والجلوس باكراً …
يبدو ذلك أخيراً اعتدت وعسى ألا ينقلب يوماً ما وإلا أنت خير من يعرف …
لا إن شاء الله لايوجد من يعرقله باستثناء السهر … وماذا عندي غيره… يكمله مازحاً .. صدقت في هذا .. على الأقل تنام كيفما شئت أما نحن المتزوجين لايعلم بحالنا إلا الله
المتزوجون وما بالكم عقدتموني بمافيه الكفاية ماذا هناك ؟
مازالا يتبادلا أطراف الحديث وهم ينسقون الجداول وكيف أن ليلة البارحة كانت مثقلة على أبو أحمد إذا اصطحب ابنه إلى المستشفى في منتصف الليل لارتفاع الحمى لديه.. مازال متبرماً .. ويصف حاله والنوم .. ضحكهم يقطع صمت القسم حتى أقبل المرضى الجدد المراجعين .. وبعض الزائرين لذويهم ليتبدل الضحك لحالة من الجد والحركة الدئوبة التي لاتنتهي …
جرى الوقت سالمستشفى.اليوم على غير عادته ربما السبب كثرة المراجعين أو قلتهم .. أشار إلى فيصل وهو في طريقه إلى غرفة الراحة عله يغفو قليلاً بعد سهر الليلة البارحة مع ابنه في المستشفى … خلا الاستقبال إلا من فيصل ….
كانت هذه الفرصة سانحة أمام الجميع كي ينالوا قسطاً من الراحة بعد العمل المضني الذي قاموا به مع المرضى الجدد والمراجعين … بدى الكل مثقل بالتعب انقضى نصف النهار وهاهم يتقابلوا بابتسامة ومبادرة بتحية مع بعضهم البعض بدت الثغور مبتسمة ومحياهم مرتاح حيث تقابل الأطباء من جميع التخصصات المختلفة.. طبيب عام ،باطنية ، أعصاب ، قلب .. والكثير غيرهم من ذوي التخصصات المختلفة التئمت دائرة المستشفى الجميع هنا باستثناء البعض منه ….
كانت تتفرس في الوجوه تنظر هنا وهناك علها تلمح الطبيبة سلوى تود لو تحادثها الآن بشأن المريضة ملاك فلم يصلها الملف أو أي خبر من طبيبتها المشرفة عليها .. مرت الدقائق الأولى لم ترها ولكنها مازالت تتطلع … وأخيراً تراها وبعد التحية استقلتا إحدى الطولات .. وبعجل أردفت حسناً أخبريني ماذا عن ملاك لم تصلني النتائج بعد…
على رسلك كان اليوم مزدحماً جداً فلم أفرغ لذلك الموضوع حسناً وماذا الآن ؟
الملف على مكتبي سأدخل رقمها في الحاسوب لنرى ولكن دعينا الآن نأكل بعض الطعام ثم نرى النتائج … بإشارة عفوية إلى نفسها .. أنا جائعة جداً ..
إعذريني .. لذلك
وبينما هما كذلك أقبل د/هشام أحمد … أخصائي قسم الأطفال .. ذاع صيت هذا الرجل بين عالم الأمهات كثيراً جراء نجاحه الواضح في معالجة الأطفال … وتشخيص حالتهم بدقة … فلقد تخرج من جامعة هارفورد الأمريكية في بعثة من الدولة إلى هناك …. ليعود مزوداً بالخبرات ومدعماً بالآلات المتطورة .. نعم لقد رفض العمل هناك لكي يعطي دولته الحبيبة كما أعطته ورعته منذ نعومة أظافره .. هنا هو يقبل عليهما يحمل بين يديه وجبة الطعام يلقي التحية ويجلس …
دكتورة سلوى ماذا عن المريضة التي أرسلتها لك ؟
أعذرني إني لا أتذكر من تقصد ؟
عهود الخالد أم الطفلة ريم المصابة بلين العظام والتي قررت الأم أن تنجب بعدها فأرسلتها قبل أن تقع بنفس خطأ الأولى أتذكرتي ؟
وبإشارة منها تدل على تذكرها ذلك … نعم نعم تذكرت لقد أخبرتني عنها إنها في طور العلاج وحذرتها من الحمل حالياً لأنها مصابة بنقص حاد في الفيتامينات والحديد وذلك كي لاتنجب طفلاً غير سوي …. الحمدلله لقد طمئنتني قلقت ألا تأتي أوتواصل العلاج يكفيها ابنتها البكر نعم هذا صحيح .. كثير من النساء لايتنبهن لصحتهم الجسمية قبل الحمل فيقعوا في الخطأ من حمل غير ثابت أو قصور في عقل الجنين أو تشوه وهلم جرى …..
هذا صحيح لو تري عدد الأطفال الذين يأتون إلي نصف أمراضهم أثناء التكوين وهم أجنة..
مازالوا يتبادالآخر.اف الحديث في مجال عملهم يقدموا الاستشارات لبعضهم البعض ويطلبوا العون للبعض الآخر … إنصرم الوقت سريعاً على حين غرة منهم في هذه الأثناء أومأت الطبيبة سلوى على الطبيبة إلهام لمباشرة التطلع لنتائج ملاك
وهناك تنتظر على أحر من الجمر نتيجة الفحوصات بينما كانت الطبيبة سلوى تدخل رقم ملف ملاك الطبي في الحاسوب لإظهار النتائج .. وبعد أن أخبرتها أن لاشيء بها يسترعي بقائها في المستشفى.. فالنتائج تؤكد سلامتها إلا من نقص حاد في الدم .. تعجبت
وماذا عن الألم ؟!
لا أعلم إنها لاتشكو من شيء
حسناً أطلعيني على الملف
أخذت تقلب الأوراق علها تلتمس شيء ماهنا أو هناك .. حتى تلك الورقة أخذت تتطلع إليها بدهشة عارمة ….
أهي متزوجة أم …….!
أجل متزوجة والنتيجة تؤكد أنها حامل في شهرها الرابع والنصف … ياالهي كم هي صغيرة لذلك كله .. وهل يعلم ذويها أقصد بهذا الحمل وهي في هذا السن الصغير …..
نعم .. وذلك باد عندما قال زوجها أن هذه المجنونة لن تنجب إلا بنتاً فهي ليست كفؤ لحملها بالولد ياحبذالو تجهضوها يكفي التسع اللاتي عندي .. أخذت تهز رأسها متعجبة … ويالقسوتة ماهذا الكلام ؟
لا أعلم ولارأريد أن أعرف أبداً فهو إنسان غريب الأطوار …. وماذا يذكر غير حملقتها في سماء الغرفة
مار أيك أنت هل كانت حينها مرتاحة تحدثك بشكل طبيعي وزوجها يدها….. لماذا ؟ ماذا كان يفعل ؟
تحدثها وهي تتلاعب بالقلم تضربه على الطاولة تارة أخرى على يدها … وأردفت لاشيء ولكن يبدو وجهه غير سمح أو مريح النظر حتى تبدوا أنه يكبرها كثيراً من هيئته عرفت أنه يؤذيها فلقد كان يلقي الأوامر عليها دون نقاش أو رأي يبدوا أنه مستبد
تضحك الطبيبة إلهام ملئ فمها … بصراحة لم أعرف أنك ماهرة في علم الفراسة هكذا …
لا ليس لهذا الحد ولكن من هوايتي التفرس في وجوه الآخرين ويبوأيقنتا أنالعادة صار فن لايتقنه إلا المتطفلون أمثالي من ذوي الباع الطويل
علا في الغرفة ضحكهم وأخذتا تتبادلا الحديث عن المريضة ملاك وأيقنتا أن حالتها هذه تحتاج إلى تدخل سريع من قسم الطب النفسي …. وبعد تشاور مع إدارة المستشفى قرروا إخبار ولي المجنونة.خر المستجدات لإحالتها بعد موافقته إلى قسم االنفسي.سي …. بالفعل وافق لأنه أردا وكما قال التخلص من هذه المجنونة … المزعجة لفترة من الزمن غير آبه بالمدة أو بسعر العلاج الذي سيغطيه بأمواله الكثيرة…….
وهاهي الحلقة تكتمل في الاجتماع الأول لحالة ملاك …. فحدد الطبيب عادل رئيس الأطباء بقسم الأمراض النفسية ,المكلفون لإتمام العلاج بنجاح لحالة المريضة ملاك وأوكل مهمة الأخصائي النفسي للطبيب خالد والمعالجة النفسية للطبيبة رحمة والمعالجة لاجتماعية أوكلها للأخصائية إيمان أما إدارة عملية الشفاء أوكلها للطبيبة إلهام … بدأ الطاقم الطبي العمل منذ اللحظة الأولى لاستلام الحالة والتقصي عن أوضاعها من جميع النواحي المهمة لإنجاح عملية الشفاء المطلوبة … إذ فتحوا لها ملفاً خاص بقسم الطب النفسي دونوا فيه اسمها ورسمها وهمها حتى بقايا هيكلها الفارغ الحزين إلا من الجنين فكان اسمها المسطر على ورقة تلطخ بياضها بسواد همها فكان اسمها ملاك حامد الحداد المولودة بتاريخ 2/4/1408هــــ أي أن عمرها أربعة عشر عاماً ودونوا حالتها الصحية .. الراهنة وبدء حالة الانتحار وبالطبع كانت حالة الحمل تعيق بصورة أو بأخرى العلاج … ثم حولوها إلى قسم الطب النفسي فثمة ممرضات مؤهلات لتلقي حالات الأمراض النفسية بجدارة …
وهناك كانت تسير الطبيبة بخطى واثقة تبعث السعادة لمن يبصرها كانت محتشمة ..لايبان سوى وجهها وكفيها أما الباقي فقد غطى باحترام وأمانة فهي إن خانت دينها بشعرة فلا تخون إلا نفسها .هي بالفعل باعثة لطمأنينة والثقة ترسل لمن يراها بارقة أمل للحياة .. اقتربت بتؤدة إلى هنا إلى هذه الغرفة .. التي تقطن فيها مريضتها الصغيرة ملاك .. أبصرتها جالسة وقد اكتنز جسمها بلحاف المستشفى وكأنهما شيء واحد .. ومعالم جسدها الصغير اختفى تحت اللحاف … كل شيء مغطى عدا عينيها الوسنتان ويديها التي تمسك باللحاف .. تتطلع للطبيبة من أحمض قدميها حتى رأسها .. عبر قطرات الدموع التي تساقطت هي الأخرى على خدين جل من خلقهم … لكنها.. بدت صفراء .. ذابلة …واهنة … قد غرزت إبرة المغذى في يدها اليسرى واخترقت هذه الإبرة جسدها الصغير الطري الذي لم ينضج ويشتد عوده بعد .. حتى ذبلت وداست عليها أقدام البشر دون هوادة .. جرحت ووثدت وما سمع صراخها أحدالمستشفى.ع أحد أنينها ..ألمها .. إلى جنينها سبب قدوها إلى هذه المستشفى … بالضبط هنا على هذا السرير الذي اتشح بالبياض وبالتحديد في هذه الغرفة المضائة بنور الشمس علها تضيء لها عتمة الحياة وتضيف بارق الأمل من جديد ..دنت الطبيبة أكثر وأكثر منها … هدئتها … لابل همست لها بهدوء تام يكاد لايسمع باسم هذه الصغيرة ملاك اتسمعينيني ….
تصمت لا جواب لاإشارة لا حياة وكأنها تحدث جثة ماعليها ملام تردف يائسة …. أرجوك تكلمي قولي شيء أي شيء تودين ذكره لاحياة لمن تنادي … دنت أكثر … ربتت على كتفها ..لكن الصغيرة صرخت .. شهقت .. شهقت بقوة وانزاحت نحو حافة السرير .. غطت جسدها كله .. تقوقعت على نفسها .. تتألم وتبكي بألم وأنين
رحلت … تركتها .. وحيدة … لاأنيس لها إلا الألم وطفل يقبع بالأحشاء إمتزجنت دقاته وإياها خالط حزنها وهمها ياترى أي مصير ينتظر هذه الطلفة أو الأم المنسية ؟؟
تشعر بخيبة أمل لهذا اللقاء الفاشل .. انسحبت نحو الخارج ثمة موظفين هموا بالخروج وآخرين بدأ عندهم الدوام … استقلت المصعد كانت تفكر ماالحل لحالتها أحتاج لأحد أحداثه وهناك خلف مكتبها اسندت جذعها نحو المقعد تفكر …..
يا ترى ماذا حصل لها ؟وما بها ؟
لابد أن تهدء …. وترتاح لنستطيع البدء في علاجها بمعرفة وضعها فلابد من الاتصال بزوجها ليساعد في العلاج أو أحد من ذوبها حسناً سأوكل هذه المهمة للأخصائية الاجتماعية إيمان ….
تدير قرعليكم.ف نحو الأخصائية الاجتماعية التي كانت هي الأخرى تهم بالخروج لكنها رغبت بالرد على الهاتف قبل أن تخرج خارج الخدمة .. السلام عليكم … الأخصائية إيمان أي خدمة ؟
وعليكم السلام … معك الطبيبة إلهام
أهلاً وسهلاً د/إلهام
أهلا بك
خيرأتوديني بخدمة فأنا أهم بالخروج
حسناً لن أخذ من وقتك الكثير لكن أود لو تفضلت بمعرفة أحد من ذوي المريضة ملاك الحداد والاتصال بهم فنحن نحتاج لمعرفة حالتها والأسباب التي أدت إليها الحالة لأنها لاتبدي معنا البتة علنا نتلمس أمراً مامن ذويها وعلى فكرة لدنيا ر قم زوجها فقط …. ورقم المكتب كما يقول تجدينه في ملف ملاك
حسناً لك ذلك وغداً صباحاً سأبت بالأمر .. وسأطلعك على المستجدات حسنا أشكرك إلى اللقاء إلى اللقاء
قامت من مكتبها .. بعد أن لملمت أشلاء الأوراق الكثيرة التي ارتمت على جانب المكتب دون هوادة وقد أحبر بياضها وتحول لزرقة كسماء الحياة الدنيا ملبدة بالغيوم المهمومة لأوجاع المرضى الذين تلطخت حياتهم ببقايا الظلم الأخوي من بني طينتهم بعد أن داسوا عليهم وحطموا القمم العالية التي بنتها أنفسهم لأنفسهم والسبب أن الإنسان الذي لايفهم معنى العدل لايفهم معنى الحق وبالتالي يصير الإنسان الجاهل هذا ينظر لمن هم دونه أو المسيطر عليهم أشخاص بلا كرامة في نظرة فيرمي الناس إلى
كهف المرضى النفسي القاتل وتلك حكاية الدنيا بلا كرامة القوي يأكل الضعيف حتى يقضي عليه.. استنهضت هممها وانسابت نحو الخارج فاليوم قدوم من اشتاقته وافتقدته كثيراً في حياتها … تشعر بالسعادة رغم وطأة الإرهاق والتعب جراء العمل بهذه المهمة الإنسانية أخذت تسترجع الأمور التي حضرتها الليلة الماضية لقدوم زوجها هذا المساء الملبس ,المأكل , المنزل .. مازالت تسترجع الأمور حتى إذا ماانفتح باب المستشفى الرئيسي وانبلج ضوء الشمس حين الغروب شعرت أن الدنيا مازالت بخير وأنها ستستمر شعرت بأنها ولدت من جديد هذه الخيوط الذهبية تعبث الأمل في النفوس في الحقيقة كانت شاردة لم تنتبه عمن أمامها حتى ارتطمت بالطبيبة هدى … عملت لها خيراً انتبهت من حينها .. معذرة لم انتبه …
لا بأس د.إلهام لا عليك
عندما استدارات عرفتها من تكون … د.هدى أهلاً وسهلاً كيف الحال ؟
الحمد لله بخير ماذا عنك؟
أنا في أتم الأحوال بالمناسبة مبارك لك انضمامك إلى الطاقم الطبي …. مار أيك ببلادي وهل تجولت في ربوع الوطن الغالي ؟
في الحقيقة بلد رائع جداً وأكثر من هذه الكلمة أتعلمي أمر شدني كثيراً هنا أن الجميع ملتزم بالحجاب والتستر بشكل أو بآخر ولكن الهدف الأساسي الحجاب والستر بأي طريقة كانت …
الحمد لله فنحن البلد الوحيد الذي يطبق قوانين الشريعة بما فيها بلا حيادة عنه ولو كان به خصاصة لنفس بالفعل رأيت ذلك جلياً في كل شيء ولقد ارتحت كثيراً ولا أشعر بالغربة مطلقاً لابد من ذلك فأنت في بلدك الثاني فأهلاً ومرحباً بك
أشكر لك هذه المبادرة الطبيبة شكراً جزيلاً
حسناً أستأذنك الآن وصل السائق إلى اللقاء
إلى اللقاء ………………………… ……………
أتمني أعجبكم القصة
مشكوره ي عسل دمتي لنا ودام قلمك