ظاهرة لا يحبذ الكثيرون التداول بها، وحدث يتجنب العديدون التطرق إليه، وحالات غالباً ما تبقى طيّ الكتمان ولا يُكشف النقاب عنها… إنها حالات الإجهاض القسرية التي يمكن أن تطال عدداً كبيراً من النساء، من حيث يدرين أو لا يدرين.فالإجهاض هو إسقاط الجنين من رحم والدته وبالتالي موته قبل أن يُبصر النور. وهنا، لا نقصد بالقول تعمّد قتل الجنين أو التخلص منه، بل نتحدث عن الحالات الطبية التي تستلزم ذلك فوراً منعاً لموت الأم والجنين معاً، أو عندما يحدث الأمر إثر طارئ طبي، فتُجهض السيدة على الفور.
مشكلة تبقى مدفونة مع أصحابها، وتلازمهم مع فترات الحزن والأسف. لكنها، كسواها، ذات طابع طبي صحي بحت.
فمتى تحدث حالات الإجهاض القسري؟ ومتى يجب تدخل الطبيب لإنقاذ الأم وإجهاض الجنين؟ وكيف يتم التشخيص؟ وهل يؤثر ذلك في صحة المرأة العامة وفي قدرتها الإنجابية في ما بعد؟
كلها تساؤلات تخاف بعض النساء من طرحها مخافة الوقوع في فخ التجربة، لكن لا بد من الإجابة عنها.
يشرح الدكتور محمد عبداللطيف القعقور، البروفسور في الجراحة النسائية والطب النسائي، حالات الإجهاض الطبية ومدى تأثيرها في المرأة وأسباب القيام بها. كما تتطرق الإختصاصية في علم النفس د.كارول سعادة إلى الإنعكاسات النفسية التي قد تعانيها السيدة بعد فقدان الجنين قسراً.
حالات إجهاض قسريقد لا يفقه البعض أن الإجهاض يحصل أحياناً لغاية طبية بهدف إنقاذ حياة. بل يعتبرون أنه لا يجوز مطلقاً الكلام عن هذا الأمر. بيد أنه من البديهي محاولة تفصيل الموضوع لسبر غوره وإكتشاف أبعاده.
أظهرت الدراسات أن الإجهاض قد كان يُطبّق منذ عهد الاغريق والفراعنة. وأما الآن، فتصل نسبته في العالم إلى 25 %، وهذه نسبة عالية بعض الشيء!
يفسر القعقور: لا يمكن معرفة جميع حالات التكوّن غير الصحيح للجنين Abnormalities في الرحم وإكتشافها.
لكن يبقى أن بعض العوامل الجينية يمكن أن تلعب دوراً في ذلك.
وبحسب التصنيف العالمي ،Tulip Classification يمكن تقسيم حالات الإجهاض القسري كما يأتي:
– ٪20 من الأسباب تكون لسبب غير معروف Spontaneous
– يتسبب انسداد الأوعية الدموية من جزئيات من الخلاص أو الحبل السري ،Vascular Disease بالإجهاض الفوري.
– بعض الأمراض الإلتهابية مثل Toxoplasmosis وسواها تؤدي إلى الإجهاض.
– الصدمات القوية Trauma قد تسبب هذه الحالة.
وتبقى بعض الولادات التي تتم قبل أوانها، فيولد الطفل خديجياً أو ما قبل الخديجي Premature
مراحل الحمليشير القعقور إلى أنه يمكن تقسيم فترة الحمل إلى ثلاثة فصول. فمنذ بداية الحمل وحتى الأسبوع الثاني عشر هو الفصل الأول، يليه الفصل الثاني الذي يمتد منذ الأسبوع الثالث عشر وحتى الأسبوع الثاني والثلاثين. ويبقى الفصل الثالث منذ الأسبوع الثالث والثلاثين وحتى الولادة .
عن الحالات الإجهاضية والولادات المبكرة، يقول: إذا تم الإجهاض من بداية الحمل وحتى الشهر الأول، يُسمى ذلك Miscarriage ، بمعنى أن الرحم لم يستطع تحمل الحمل فأسقطه. وإذا حصل ذلك بعض مضيّ شهر على الحمل وحتى بلوغ الأسبوع الثاني عشر، يكون ذلك Abortion . ومنذ الأسبوع الثالث عشر وحتى الأسبوع الرابع والعشرين، يكون ذلك .Abortus
أما حالات الولادات المبكرة التي تتم ما بين الأسبوع الرابع والعشرين والأسبوع الثاني والثلاثين، فتعرف بـ Immature ، تليها الولادات التي تتم ما بين الأسبوع الثاني والثلاثين والأسبوع السابع والثلاثين التي تُسمى Premature ، أي ما قبل نضج الرئتين، ويكون الطفل خديجياً. وأما منذ الأسبوع الثامن والثلاثين، فتكون الولادة في أوانها Normal Delivery . فالإجهاض يكون لغاية الأسبوع الرابع والعشرين، وبعدها يكون الأمر ولادة مبكرة.
حالات طبية بحتةتستدعي بعض الحالات الطبية أن يقوم الطبيب بإجهاض المرأة عمداً لإنقاذ حياتها، بحيث يكون موتها محتماً في حال الحمل. كما قد ترجع بعض الأسباب إلى مرض الجنين وإنعدام فرص نجاته بعد الولادة.
وهذه الحالات الطبية هي فقط ما يدفع بالطبيب إلى إجراء عملية الإجهاض.
يؤكد القعقور: بعض الحالات الطبية تهدد حياة السيدة لدى الحمل، لذلك ننصحها بعدم الحمل مطلقاً، إذا حصل ذلك، يجب القيام بالإجهاض حفاظاً على حياتها.
وأما الأسباب فهي:
– بعض أمراض القلب التي لا يجوز معها الحمل أبداً.
– بعض أمراض الرئتين.
– أمراض في الدم تتطلب الإجهاض كي لا تموت السيدة. وهي قليلة ومنها المنجلية و فقر الدم الناجم عن نقص التنسج Hypoplastic Anemia
– بعض الأمراض السرطانية المتقدمة التي تصيب عنق الرحم في أوائل الحمل، وبعض سرطانات الثدي. وأما في حال الإصابة بسرطان المبيض، فيمكن التريث ريثما ينضج الجنين ويولد من جهة أخرى، هناك بعض الحالات الطبية المتعلقة بالجنين والتي تستدعي الإجهاض. فيكون تكوينه غير صحيح مثل:
– ظهور أي عيب خلقي أثناء الحمل.
– الإصابة بـ تثلث الصبغي Trisomy 13 الذي لا يمنح الجنين أي فرصة نجاة، بل يموت الطفل حُكماً.
– الإصابة ب .Trisomy 18
– التشوهات الخلقية الناجمة عن إلتهابات فيروسية مثل داء المقوسات Toxoplasmosis وسواها منذ مرحلة تكون الجنين وحتى الأسبوع السادس عشر.
– الرأس المشطوب وغياب القشرة Cortex الأمامي للجنين.
– العين الوسطية Cyclops Syndrome
– وجود الفتحة في الظهر Spina Bifida التي تسبب الشلل وإنعدام حالات التبول والتبرز عند الطفل.
– انغلاق جزئي للدماغ في بعض الفتحات.
– انعدام الاطراف Phocomilia Syndrome، وهي حالة خطرة، بحيث يكون الجنين من دون اطراف، أي لديه جسم ورأس فقط، بلا يدين او رجلين. وسبب هذه الحالة هو نوع من المهدئات التي سُحبت من التداول منذ الستينات، لكنها ما زالت تُسرّب حتى الآن في بعض المناطق الفقيرة. وقد إكتُشفت هذه الحالات في لندن وألمانيا عام 1986
عند الشك في احتمال وجود عيب خلقي عند الجنين، يجري فحص خاص هو CMV ، عبر أخذ قطعة من الخلاص وفحصها لتشخيص الحالة ويكون ذلك ما بين الأسبوع العاشر والأسبوع الثاني عشر من الحمل. كما يمكن سحب البعض من ماء الرأس Amniocentesis وفحصه ما بين الأسبوع الثالث عشر والأسبوع الرابع عشر.
وأما التقدم في العمر، فلا يستدعي مطلقاً القيام بالإجهاض! فبعض السيدات ينجبن حتى بعد سن الخمسين. إذ إن كل ولادة تُريح المبيض لفترة معينة. لذلك، إذا كانت السيدة قد أنجبت كثيراً من قبل، فيمكن أن تحمل حتى في سن متأخرة وتتم الولادة في شكل طبيعي.
مضاعفات الإجهاضيقول الدكتور القعقور: في الفصل الأول من الحمل، يمكن إجراء عملية إجهاضية Curtage . وأما خلال الفصل الثاني، فيصبح الموضوع أصعب، بحيث تنزف السيدة كثيراً بسبب حجم الجنين، مما قد يؤدي إلى موتها. لذلك يتم الإستعانة بدواء خاص لفصل الخلاص ومن ثم يتم إستعمال دواء بروستاغلاندين للإجهاض.
كما يمكن من جهة أخرى الإستعانة بحقنة خاصة، يليها دواء البروستاغلاندين بعد نحو ثمانٍ وأربعين ساعة. أو يمكن محاولة توسيع العنق عبر إستعمال المرأة لأداة طبية خشبية، ومن ثم إعطاء الدواء، وهذه الطريقة قليلة الإستعمال الآن.
لكن لا بد من التنويه بإحتمال وجود بعض المضاعفات أثناء الإجهاض. فتكون إما مبكرة ،Early Complications أو حتى بعد مضي بعض الوقت Late Complications
يشرح القعقور: أثناء العملية الإجهاضية، قد يتمزق الرحم Perforation ، أو يحدث نزف حاد أو حتى يتعرض الجهاز لمشكلة .Destruction of Organs وهذه المضاعفات تكون مبكرة. وأما المضاعفات اللاحقة فقد تكون التسبب بإلتصاقات رحمية داخلية، أو بإلتهابات مزمنة كاملة، أو بحالات العقم وعدم القدرة على الإنجاب Economic Changes . وفي الحالات القصوى، قد يؤدي ذلك إلى موت الأم. ولكن هذه المضاعفات نادراً ما تحصل إذا حصل الإجهاض بإشراف الطبيب المتمرس المختص .
إنعكاسات نفسيةخسارة الجنين ليست بالأمر السهل. وكيف إذا ما تم ذلك قسراً، أي رغم إرادة الأم؟ تقول الإختصاصية د.كارول سعادة: إن تجربة خسارة الجنين هو صعب للغاية، ولا تمر ببساطة أبداً. كما قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الإصابة بصدمة وتترك ندبات نفسية وتغيرات جسدية. كما أنه من الممكن أن ينعكس ذلك مضاعفات سلبية عند السيدات اللواتي تعرضن للإجهاض، وخصوصاً في مراحل متقدمة من الحمل . تضيف: إن المعاناة ما بعد الإجهاض هي نفسية ومعنوية، وقد تتحول أحياناً إلى نفسجسدية، وتمس بجوهر الكيان الأنثوي والأمومة. فالإجهاض هو موت الجنين وغصة الأم ورغبتها في الحصول على طفل معافى سليم.
من جهة أخرى، تتأثر حدة المعاناة ونوعيتها بعدد من العوامل، منها أسباب الإجهاض ودواعيه وظروفه، سن السيدة، مستواها الإجتماعي والعلمي، إضافة إلى وضعها العائلي وخلفيتها الدينية .
تتدرج الخسارة النفسية إثر المعاناة من الإجهاض، وتمر السيدة بتجارب نفسية عديدة. تقول د.كارول سعادة: بعد الإجهاض مباشرة، قد تشعر المرأة بالراحة بسبب التخلص من الضغط النفسي الذي كانت تعانيه. بعدها، تتحول هذه الراحة شيئاً فشيئاً إلى إضطرابات نفسية ونفسجسدية. وأما العواقب النفسية، فغالباً ما تكون متأخرة بعض الشيء وتتأتى بشكل شعور بالحنين والذنب في آنٍ واحد، إضافة إلى تغيرات في المزاج، مع وجود حالات من الكآبة Depression ودموع غزيرة غير مبررة، وحالات أرق وفقدان الشهية والمعاناة من الكوابيس والبطء في ردود الفعل الجسدية. كما قد تترافق هذه الحالات النفسية مع إضطرابات عضوية تطال الجسم، مثل المعاناة من أوجاع في الرحم والمعدة والرأس.
إضطرابات متقدمةعند المعاناة من حالة كآبة عميقة، يمكن تشخيص حالة نفسية هي المعاناة من إضطرابات ما بعد الإجهاض Post Abortion Syndrome
تفسر د.كارول سعادة أعراض هذه الحالة، بقولها: إنها تشمل عملية الإجهاض الصادمة، والمعاناة من معاودة إختبار هذه الحالة مراراً وتكراراً معنوياً ونفسياً بطريقة سلبية وغير مُسيطر عليها عبر كوابيس و Flashback وحالات حزن عميقة. كما ينتج عن ذلك الفشل في محاولة نسيان الأمر وتخطيه ونسيان الألم النفسي، إضافة إلى بروز شعور بالذنب والأسف، وتراجع النظرة الذاتية والإحساس بالفراغ وبخسارة جزء من الذات. وينعكس ذلك أيضاً على العلاقة الزوجية مع الشريك من الناحيتين النفسية والجنسية، إضافة إلى إنعكاس ذلك على العلاقة العائلية ومع المجتمع والمحيط. وفي بعض الحالات المتقدمة، قد تؤدي هذه الخسارة إلى إدمان الأدوية والمهدئات، أو التدخين أو حتى المخدرات. كما قد تراود المرأة أفكار إنتحارية.
كل هذه الأعراض تظهر وتتضاعف في كل مرة تجد السيدة ما يذكرها بالإجهاض الذي خاضته وما يحرك ذاكرتها، مثل رؤية سيدة حامل، أو سماع بكاء طفل.
بيد أن الدعم المعنوي وتفهم الشريك والعائلة يخففان كثيراً من وطأة الألم النفسي ويساعدان على التخلص من الحالة والتغلب على الحزن. ومن جهة أخرى، إذا إستمرت الأعراض النفسية والإضطرابات، لا بد من اللجوء إلى مساعدة نفسية عند الإختصاصيين عبر علاج نفسي وإحتمال الإستعانة بأدوية خاصة.
المصدر : مجلة لها